المقاطعة العاطفية

| زهير توفيقي

فور اندلاع الحرب على غزة في أكتوبر المنصرم، تعالت الأصوات إلى مقاطعة عدد من المطاعم والمقاهي الأميركية في دولنا الخليجية والعربية والتي لها فروع كثيرة ولها زبائنها الدائمون. والسؤال الذي يطرح نفسه "ماذا نجني من ذلك؟"، أعلم تمامًا أن مقالي لن يعجب كثيرين! لكنني عندما قررت الكتابة عن هذا الموضوع وفي هذا الوقت بالذات كنت أعلم جيدا ردود الفعل الغاضبة من البعض والمؤيدة من البعض الآخر في المقابل! فهناك الكثير من الناس يتفقون مع طرحي، وهناك بعض الأقلام التي كتبت من قبلي حول نفس الموضوع، وكذلك عدد من النشطاء والمغردين في وسائل التواصل الاجتماعي. وكما قيل "الاختلاف في الرأي لا يفسد للود قضية". مشكلتنا في المجتمع الشرقي أننا عاطفيون إلى أقصى درجة، فنحن نتفاعل حين وقوع الأحداث فقط! وبعد فترة قصيرة ننسى كل شيء و"ترجع حليمة إلى عادتها القديمة"! فالدعوة لمقاطعة المطاعم والمقاهي الأميركية لا تسمن ولا تغني من جوع، فالإسرائيليون لا يتأثرون بشيء من خلال هذه المقاطعة الخجولة! قد يقول البعض إنها تسجيل موقف ليس إلا، نعم ولكن ما الجدوى من ذلك. نريد أن نتكلم بكل صراحة، شخصياً أعلم أن الكثير قاطع تلك المقاهي والمطاعم ليس لأنه مقتنع بذلك، لكن مجرد أنه لا يريد أن يكون محرجًا من الناس ويسبح ضد التيار! أصبح الناس لا يملكون الجرأة للتعبير عن موقف أو رأي! دعونا نتجرد من العواطف ونتكلم بالمنطق والعقل، لماذا لا تقوم الشعوب العربية بمقاطعة منتجات الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأميركية فيما يخص الملابس، والسيارات، والإنترنت، والمأكولات والمشروبات والأثاث والطائرات والسفر والعقار والمستشفيات والقائمة تطول! فالحكومة الإسرائيلية تدعمها الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا من حكوماتها وقطاعها الاقتصادي والتجاري، فجميعكم تابع تصريح رئيس مجلس إدارة إحدى شركات السيارات بالتبرع بمليون يورو! فهذا فيض من غيض، ناهيك عن قوتها وترسانتها العسكرية المدعومة من الغرب حتى النخاع. أتذكر جيداً وبالتحديد عام 1982 عندما أقدمت إسرائيل على مجزرة صبرا وشاتيلا. تصوروا منذ 41 سنة ونحن ننادي بالمقاطعة، وفعلا قاطع الكثير من الخليجيين والعرب آنذاك أحد المتاجر المشهورة في لندن ظنا منهم بأنها ستغلق أبوابها وتعلن إفلاسها في غضون شهر! والنتيجة كانت أنها لم تتأثر البتة، بل هي كانت مزدحمة بشكل كبير من قبل الأعداد المهولة من السواح من باقي دول العالم، حيث تتميز عاصمة الضباب بالسياحة على مدار العام. وشخصيًا شاهدت ذلك بأم عيني وكيف أن السياح الخليجيين والعرب بعدها بفترة قصيرة بدأوا مرة أخرى التبضع من هذا المتجر! أتذكر جيداً كلام البروفيسور الهندي الذي كان يدرسنا مادة العلوم السياسية أثناء دراستي الجامعية، عندما كرر في عدة مرات أن "السياسة وسخة" أو بالإنجليزية "Dirty Politics"، يومها لم أيقن ما كان يقوله بحكم صغر سني، لكن بعد سنوات قليلة أدركت جيداً هذه الجملة التي اكررها شخصيًا في كل مناسبة! إحدى الدول قررت إلغاء بطولة سباق الماراثون التي تقام سنويًا على أراضيها ويحضرها الكثير من المشاركين من الخارج، وقرار الإلغاء كان لتسجيل تضامنها مع الأشقاء في غزة، وهو ما أثار حفيظة بعض المشاركين، والسؤال الذي يطرح نفسه، ماذا حققنا من إلغاء هذا الحدث الرياضي؟ فلو كان الحدث عبارة عن حفلة غنائية فالقرار كان صائبا ولا غبار عليه ويتفهم الناس ذلك، وكان من الأولى تخصيص ريع هذا السباق لمساعدة أشقائنا في غزة. في البحرين مثلا، الحكومة الرشيدة كانت حكيمة جدا في قراراتها أثناء هذه الحرب، حيث ألغت الحفلات الموسيقية ولم تلغ باقي الفعاليات الأخرى من رياضية واجتماعية واقتصادية، ومعرض البحرين للمجوهرات وسيتي سكيب وغيرها كانت حاضرة بقوة على سبيل المثال وليس الحصر. إذا لندع حكم العقل والمنطق يحكمنا لا العواطف التي لا تفيدنا بل تسيء لنا! فتخيلوا كم كانت ستخسر الدولة من إلغاء هذه الفعاليات وكم يتأثر اقتصادنا الذي هو أصلًا ضعيف وبأمس الحاجة لهذه الفعاليات لإنعاش ما يمكن إنعاشه، وكذلك استفادة القطاع الخاص والمواطنين أثناء فترة الفعاليات من الفنادق والشقق المفروشة والمطاعم والمقاهي والتسوق والمواصلات والطيران والاتصالات والقائمة تطول. فإذا كنا نفكر بعقلنا وليس بعواطفنا فعلينا اتخاذ قرارات حكيمة وعقلانية وجريئة وألا ننجر وراء أهوائنا.  في المقابل، نجد أن المعادلة غير منصفة وميزان القوى غير متكافئ البتة بين حركة حماس وإسرائيل، كلنا يتابع ما يحدث في غزة وقلوبنا تعتصر ألما وحسرة وحزنا شديدا لحالهم، لكن ماذا تتوقعون من إسرائيل، حيث إن في قاموسهم السيء مقتل إسرائيلي واحد يعادل مئة فلسطيني، أقولها بكل حسرة بل هو واقع مر، فتاريخ القضية الفلسطينية يثبت ذلك من خلال المجازر العديدة التي ارتكبها العدو الصهيوني. كلمة صاحب السمو الملكي ولي العهد رئيس مجلس الوزراء في منتدى حوار المنامة 2023 كانت جلية ومقدرة وواضحة المعالم واختصرها بأربع لاءات، وهي عدم التهجير القسري لسكان غزة ليس الآن ولا في المستقبل، وعدم إعادة الاحتلال، وعدم تقليص حدود غزة، ومنع الإرهاب على إسرائيل من غزة. مؤكدًا سموه أن القرآن الكريم والتوراة وجميع الكتب السماوية حرمت قتل المدنيين الأبرياء. ختاماً، لا أريد أن أطيل أكثر حيث إن هذا الموضوع متشعب ومعقد، وكل له وجهة نظره وقناعته، لكن تبقى كلمة أخيرة، أتمنى أن لا يتصيد البعض في الماء العكر ولا أقبل بأية مزايدات فيما يخص العروبة والولاء لهذه القضية التي تعتبر قضيتنا الأولى! وأنا أؤكد أنني من أشد المناصرين والداعمين لحقوق هذا الشعب الأبي لاستعادة أراضيه كاملة وأن تكون عاصمتها القدس الشريف. ربي انصر إخواننا في غزة.

كاتب وإعلامي بحريني