إني أكتب حياتي أولاً ثم أعيشها

| أسامة الماجد

قديما قال توفيق الحكيم “إني أكتب حياتي أولا ثم أعيشها”، وهذا القول ينطبق على الروائي التركي الراحل الكبير يشار كمال، الذي رشح لجائزة نوبل في النصف الأول من سبعينات القرن الماضي، وصاحب الطاقات الخارقة في الرواية. عندما أردت البحث عن منابع ثقافية جديدة، كان الأدب التركي أمامي، وقرأت رواية “جريمة في سوق الحدادين” لكمال، وكان بارعا جدا في رسم كآبة وعقم المجتمع الذي يعرفه، وعظيم القدرة على تشخيص المشاكل الإنسانية سواء في الحياة الخاصة أو الاجتماعية بشكل مذهل للغاية، كما أنه يتميز بعظيم القدرة على إعطاء القارئ المزيد من المقدرة على تحسس طبيعته الخاصة وسيادته كإنسان، والمخاطر والفرص التي تحملها له حياته على هذه الأرض. يقول يشار كمال: “هناك دائما شيء من الأساس والواقع في الفكر الذي يتبلور في الذهن، والذي هو وليد تأثيرات اجتماعية، الذي لم ير البحر، تكون للبحر في ذهنه صورة بعيدة عن صورة البحر الحقيقية، حينما كنت في التاسعة عشرة من عمري رأيت البحر أول مرة، وقد ذهلت وصعقت عند رؤيتي له، فقد كان يختلف جذريا عن البحر الذي كونته في مخيلتي نتيجة قراءاتي عنه واطلاعي على بعض الصور. حتى في لونه كان مختلفا عن ذاك البحر، ثم تهيأ لي أن أعيش البحر وأصادقه وأعرف كل أسراره الخفية في الرحلات التي قمت بها مع أصدقائي من صيادي السمك وجامعي الاسفنج. حارس الغابة هو الوحيد الذي يعرف لون ورائحة وعذوبة كل شجرة، لأنه عرفها وصادقها منذ زمن بعيد”. لعل السبب الذي جعل من يشار كمال كاتبا وروائيا عظيما قبل كل شيء هو مقدرته أولا على اجتياز العالم المادي بكل مقوماته الروحية والحيوية بحيوية فائقة ثم الانتقال إلى تعريف العلاقة بينهما. * كاتب بحريني