تحديات التحضر وتغير المناخ

| د. طلال أبوغزالة

وفقًا للبنك الدولي، يعيش أكثر من 50% من سكان العالم في المناطق الحضرية، ومن المتوقع أن يرتفع هذا الرقم إلى ما يقرب من 70% بحلول عام 2050. وهذا يشكل تحديات غير مسبوقة للبيئة والمجتمع والاقتصاد، ولكنه يوفر أيضًا فرصًا فريدة للابتكار والتحول. ولكننا من أجل تسخير هذه الفرص ومواجهة هذه التحديات، نحتاج إلى تكوين توجه جديد للتحضر المستدام يضع التنظيم الحكومي في قلب العمل المناخي الذي يعد تهديدًا وجوديًّا للبشر بجميع أعراقهم ودولهم.

ولقد صرح مارك كارني، مبعوث الأمم المتحدة الخاص للعمل المناخي والتمويل والمحافظ السابق لبنك إنجلترا، أن التنظيم الحكومي للأعمال، وفرض الضرائب على انبعاثات الكربون، وفرض قوانين بناء أكثر صرامة والقضاء على محركات الاحتراق جميعها تشكل إجراءات ضرورية لمعالجة أزمة المناخ وتحقيق انبعاثات صفرية بحلول عام 2050. كما حث الشركات والحكومات على العمل معًا بشكل عاجل للحد من ظاهرة الاحتباس الحراري إلى 1.5 درجة مئوية. يرتبط تغير المناخ والتحضر المستدام ارتباطًا وثيقًا حيث يؤثر كل منهما على الآخر ويعتمدان على بعضهما البعض، وهاتان قضيتان أساسيتان تحتاجان إلى إيلاء اهتمام أكبر بهما.

إنني أتفق مع تصريحات مارك كارني، وبصفتي رئيسًا لاتحاد التحضر المستدام (CSU) في نيويورك، فقد دعوت إلى التحضر المستدام منذ عقود. وأعتقد أن الإشراف والتنظيم الحكومي يمكن أن يعزز التحضر المستدام من خلال تهيئة الظروف المواتية للجهات الفاعلة المحلية للابتكار والتعاون، وللعب دور أساسي في قيادة عملية الاستدامة. فنحن بحاجة إلى مواصلة الضغط من أجل حدوث تغيير حقيقي لتحقيق صافي الصفر ويجب أن نستكمل العمل العظيم الذي بدأ من خلال أهداف التنمية المستدامة التي أطلقتها الأمم المتحدة، والذي حفزه اتفاق باريس واجتماعات مؤتمر الأطراف السنوية لتطوير بيئات مستدامة لأنفسنا وللأجيال القادمة.

سيساعد تنفيذ مبادرات التحضر المستدام على توفير المزيد من الوظائف، وتطوير حلول مبتكرة، والمساعدة على تحسين كفاءة استخدام الأراضي، وتعزيز البنية التحتية، والسماح بتقديم خدمات بلدية أفضل نحتاجها جميعًا مثل التعليم والصحة وإمدادات المياه والكهرباء، والمساعدة على تعزيز النمو الاقتصادي، مما سينتج عنه تحسين مستويات المعيشة. ويتطلب تحقيق ذلك إيجاد حلول لسلسلة معقدة من القضايا مثل الفقر وعدم المساواة والازدحام والإقصاء الاجتماعي، الأمر الذي يتطلب التدخل الحكومي لتصحيح هذه المعضلات من خلال تحسين السياسات والتنظيم والمعايير والضرائب والإعانات. ويجب أن يشمل ذلك مجموعة واسعة من الجهات الفاعلة المجتمعية وأصحاب المصلحة من القطاعين العام والخاص للمساعدة في تصميم وتنفيذ اللوائح بطريقة متوازنة، ومعالجة أوجه عدم المساواة، ومتابعة التنفيذ، وكذلك ضمان استخدام الأموال بشكل مناسب وتحقيق المبادرات لأهدافها من أجل كسب ثقة الجمهور.

نحن بحاجة إلى القضاء على المحسوبية والرشوة والتأثير غير المبرر لشركات الطاقة الكبرى التي تحدث مشاكل رقابية في العديد من البلدان، وتشكل حواجز كبيرة عند محاولة تحقيق أهداف صافي الصفر. يمكن للتنظيم الحكومي السليم والرقابة تعزيز التحضر المستدام من خلال تهيئة الظروف المواتية للجهات الفاعلة المحلية للابتكار والتعاون، ومن خلال إحداث التوافق مع أهداف أخرى مثل التنمية الاقتصادية والإدماج الاجتماعي.

لكل مدينة خصوصياتها وتفضيلاتها التي يجب أخذها في الاعتبار عند صياغة اللوائح التي تحتاج إلى دعم ومساندة من خلال التعليم وزيادة الوعي والمشاركة النشطة. التحضر المستدام ليس مرغوبًا فيه فحسب، بل هو ممكنًا أيضًا إذا كانت لدينا الرؤية والالتزام الكافيين لتحقيق ذلك. أرى أن التنظيم الحكومي هو أحد الأدوات الرئيسية المتاحة لنا لتشكيل مستقبلنا الحضري.