صنيعة تشيكوف

| عمر طاهر

يقول تشيكوف خير ما ننجزه هو صنيعة الجميع، لا وجود لفكرة العبقرية، ربما كان الشخص محظوظا بأن يحفل طريقه بمن يدعم ويشجع ويساعد ويوجه، تحتاج للناس أكثر من احتياجك لموهبتك ومنحتك الشخصية، كل شخص صنيعة أسرة وجيران وأصدقاء ومعلمين وأولاد حرام ولصوص وحكماء ونفوس نزيهة وقلوب مريضة. شغلتني في بعض الأوقات فكرة الندم على “الوقت الضايع”، ثم اكتشفت أنه ليس هناك أي “وقت ضايع ولا حاجة”، الوقت المنقضي في تأمل سقف الغرفة والاستماع إلى وردة الجزائرية هو جزء من شخصيتي ووجهة نظري، كل المعادلات الكيميائية بانفجاراتها وحرائقها ودخانها الكثيف ينظر لها الواحد الآن وتحيره المعجزة التي نتجت عنها، أنا ابن هذه الانفجارات، كل ما “ضرب في وشي” أنا مدين له. أؤمن أن الفشل نسبي والنجاح لا يعتمد على المهارات قدر اعتماده على المغامرة، لا معنى للنجاح إذا كان الطريق واضحا للجميع بقواعد ثابتة وكلاسيكية، ستكون قصص النجاح كلها نسخة واحدة يتغير فيها أسماء الأبطال ولا تتغير النهايات. احترفت الكتابة في اللحظة التي اكتشفت فيها أنني لا أجيد أي شيء آخر، ربما لا أجيد الكتابة أيضا، لكنها “مشت معي” وفتحت لي ثغرة تسللت منها إلى “الشغلانة” في غفلة من مباحث المصنفات الفنية و”بوليس العمق”. الكتابة لأمثالي هي “صرفية” طبيب يعرف جيدا أنها علاجي الأمثل، من حسن حظي أنها في جزء منها “أكل عيشي”. تعلمت أن أتكيف مع ما تفرضه علي الظروف، طبيعة الحياة أن تستمر وتتحرك، تتجدد كل فترة مهمة البحث عن الطريقة التي تجعل حركتها سلسة، أهادن أيام الكآبة بالمشي والنتفليكس، مشاهدة المسلسلات القديمة واصطياد ما سقط من ذاكرتي من بين مشاهدها، تختبئ العائلة والمراهقة والأيام الحلوة هناك، أحيانا أجد العلاج في زيارة سوق الجمعة أو سوق سينما ديانا، مساحة واسعة تمتلئ بـ “الكراكيب” والخردة، يفتش بينها الواحد عما مر ما يشبهه في حياته من قبل، علبة ملبس تآكلت حوافها، زجاجة أولد سبايس فارغة، شرائط كاسيت مهترئة، مجلات قديمة. أهرب من الكآبة أحيانا بالأكل الحلو ومشوار الإسكندرية، شراء البخور الهندي، اللعب مع الأطفال، وجلسات الميديتيشن أمام الجملة الوحيدة التي اخترت من بين كل ما أنتجته كتابة أن أعلقها على جدار غرفة مكتبي “وأجمل ما عندي إيمان بالله.. وباقول يا رب تكون في العون”. كاتب مصري