النموذج الفرنسي للتعايش والاندماج - 3 (مواطنون على الورق)

| كمال الذيب

كنت أتأهب لاستكمال الحديث عن النموذج الفرنسي للتعايش والمشكلة مع أبناء الجيل الرابع من أبناء المهاجرين، حين وردني تعليق من أحد الأصدقاء هو أقرب إلى الاحتجاج ملخصه: “بصراحة لم يعجبن دفاعك عن العلمانية الفرنسية، وهي التي تناصب الإسلام والمسلمين العداء، كما لم يعجبن وصف أبناء المهاجرين بكونهم مواطنين، في حين أنهم مجرد مواطنين على الورق فقط”. كتبت للصديق موضحا: العلمانية الفرنسية تواجه بعض التجني بسبب سوء الفهم، مع أن لبها يدور حول المواطنة المتساوية، بما يعيد ترتيب الفرد وفق نموذج الانتماء المدني الجماعي، والذي يركز على الانصهار الاجتماعي من خلال القيم الجامعة وليس من بينها الاعتقادات الدينية الخاصة لكل فرد. أما بخصوص الوجه الثاني من الاحتجاج فيتعلق بالتشكيك بمواطنية الجيل الرابع من أبناء المهاجرين، ففي تقديري لا يجب التشكيك فيها، فهي حقيقة دستورية وقانونية ثابتة، لها ترجمة اجتماعية واقتصادية وسياسية وتترتب عليها حقوق وواجبات، أما ما يواجهه هؤلاء المواطنون من تمييز أو تهميش أو ظلم أو تعد، فيجب النظر إليه من زاوية طبقية استعلائية أو عنصرية لا يخفيها اليمين المتطرف، بل يفاخر بها.  وفي الخلاصة فإن جوهر المشكل اقتصادي بالدرجة الأولى، فبالإضافة إلى الأزمات الاقتصادية والمالية المتكررة، فقد أدى توسع الاتحاد الأوروبي إلى انحسار الفرص أمام أبناء المهاجرين نتيجة صعوبة منافسة القادمين الجدد من دول أوروبا الشرقية الأكثر تأهيلا واستعدادا للاندماج. كما بات نموذج “دولة الرعاية” الذي اتسمت به فرنسا، مهددا بالزوال، وبالرغم من أن هذه الرعاية لا تزال موجودة نسبيا، فإن الحكومات المتعاقبة تجد صعوبات في الحفاظ عليها، وبدلا من البحث عن موارد لتمويل الخدمات الاجتماعية التي تضمن قدرا كبيرا من الاستقرار الاجتماعي والسلم الأهلي، فإنها تلجأ إلى الخفض المتكرر للدعم، ما يولد المزيد من الاحتجاجات المتكررة التي تشمل جميع الفئات. ومن أجل منع انهيار ما تبقّى من النموذج الاجتماعي الفرنسي تستطيع الدولة توفير الموارد لاستدامة الدعم الذي كان دائما موجودا منذ العام 1935، عندما تأسس الضمان الاجتماعي الفرنسي والذي يغطي الجميع بمن في ذلك المهاجرين، حتى تحولت بطاقة الضمان الاجتماعي إلى بطاقة هوية مدنية. هذا وجه أساسي من المشكلة، وللحديث صلة.

*كاتب وإعلامي بحريني