عزيزي ناظم الغزالي

| عمر طاهر

أتجول بين ممرات خان الخليلي أفتش عن هدية لأحد الأصدقاء في عيد ميلاده الخامس والأربعين، توقفت أمام منفضة نحاس أحيطت حوافها بنقوش فرعونية، بينما أتأملها كان صوتك قادما من أحد المقاهي يقول بحرقة “عيرتني بالشيب وهو وقارُ.. ليتها عيرت بما هو عارُ”. وددت لو أنني أحمل أغنيتك لصديقي الذي عرف مبكرا طريق الصبغة السوداء التي يرمم بها ما شاب من شعر ذقنه قبل أن تنتصف أربعينه، أن أقول له.. الغزالي يقول عما تراه مصيبة تداريها إنها “وقارُ”. ينزعج أصدقائي وكثيرون من هجوم الشعر الأبيض، لا يزعج صديقي أنه كبر قليلا، يزعجه شعور خاطئ أنه المسؤول عن تقدمه في السن، هو الذي ورط نفسه في هذه الجريمة وكأنه كان يقدر على مقاومة الأمر والسيطرة عليه. أفهم أنها صدمة، توتر يشبه لوحة الوقت الضائع التي يرفعها الحكم الرابع قبل نهاية المباريات، لكنه توتر زائف فلا أحد يعرف متى سيخرج من الملعب. شبح ما ثقيل الدم يوسوس لك بأنها “راحت عليك”، مع أنك لو دققت لاكتشفت العكس، الأشياء التي كانت تلهب خيالك وتثير حماسك وتغويك “هي اللي راحت عليها”، تسقط منك في الطريق أشياء لأنها استنفدت أغراضها وليس لأنك كبرت. يخاف صديقي مثلنا على الطفل الذي كان، ولا يريد أن يفلته، حاولت أن أثنيه عن مخاوفه، أرسلت له ما كتبته من قبل عن صدمة أول شعيرات بيضاء تسللت إلى ذقني أنا شخصيا، محاولا أن أشرح له أن الشعر الأبيض لم يمر عبر بوابة الزمن والعمر، لكن عبر التجربة، شعرة بيضاء لفراق “الحبايب الغاليين”، وأخرى لـ “نصرة قوية” بعد انكسار، واحدة لأيام “قلة الحيلة” وأخرى للخجل أمام “الفتح”، ما بين الصدمات والاكتشافات، الصبر وجبر الخواطر، الندم والستر، رقدة المرض والرقدة مسترخيًا على رمل البحر. جربت العديد من المداخل التي ربما تساعده على الانسجام مع الموضوع، ثم وجدت عندك يا أستاذ ناظم الجملة التي أعرف أنها ستخاطب غروره وقد تجعله يعيد حساباته: إن تكن شابت الزوائد مني... فالليالي تزينها الأقمارُ. محبتي. * كاتب مصري