ما وراء الحقيقة

أزمة أوكرانيا.. أوروبا هي المستهدف

| د. طارق آل شيخان الشمري

الآلتان‭ ‬الإعلاميتان‭ ‬لواشنطن‭ ‬وموسكو‭ ‬بدأتا‭ ‬حملتيهما‭ ‬والترويج‭ ‬لوجهتي‭ ‬نظرهما‭ ‬بخصوص‭ ‬الحرب‭ ‬في‭ ‬أوكرانيا‭ ‬بمبالغات‭ ‬وتهويل‭ ‬وفبركات،‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬كسب‭ ‬تعاطف‭ ‬الرأي‭ ‬العام،‭ ‬وتشويه‭ ‬صورة‭ ‬الطرف‭ ‬الآخر،‭ ‬لكن‭ ‬وبحكم‭ ‬تخصصنا‭ ‬وخبرتنا‭ ‬البسيطة‭ ‬بالإعلام‭ ‬السياسي،‭ ‬لنا‭ ‬وجهة‭ ‬نظر‭ ‬مخالفة‭ ‬لما‭ ‬يفبرك‭ ‬إعلاميا‭ ‬بخصوص‭ ‬هذه‭ ‬الحرب،‭ ‬فالطرفان‭ ‬يريدان‭ ‬صرف‭ ‬أنظار‭ ‬الرأي‭ ‬العام‭ ‬عن‭ ‬حقيقة‭ ‬الأمر‭ ‬الخفي،‭ ‬وجعله‭ ‬ينحصر‭ ‬فقط‭ ‬في‭ ‬نقطة‭ ‬انتهاكات‭ ‬حقوق‭ ‬الأوكرانيين‭ ‬من‭ ‬أصول‭ ‬روسية‭ ‬ومحاربة‭ ‬النازية،‭ ‬ونقطة‭ ‬سيادة‭ ‬وأمن‭ ‬أوكرانيا‭.. ‬بداية‭ ‬وحتى‭ ‬نبسط‭ ‬الأمر‭ ‬للقارئ‭ ‬فإن‭ ‬هناك‭ ‬حقيقة‭ ‬خفية‭ ‬وهي‭ ‬أن‭ ‬روسيا‭ ‬والولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬“أصدقاء‭ ‬بثياب‭ ‬الأعداء”،‭ ‬ولا‭ ‬يمكن‭ ‬لهما‭ ‬أن‭ ‬يكونا‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬مباشرة‭ ‬مع‭ ‬بعضهما،‭ ‬بل‭ ‬إن‭ ‬المواجهة‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬ملعب‭ ‬أو‭ ‬ملاعب‭ ‬“دولة‭ ‬أو‭ ‬بقعة‭ ‬جغرافية‭ ‬بشكل‭ ‬أوضح”‭ ‬يتم‭ ‬فيها‭ ‬تحريك‭ ‬حكومة‭ ‬هذه‭ ‬الدولة‭ ‬أو‭ ‬المعارضين‭ ‬لها‭ ‬أو‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الدمى‭ ‬والعملاء‭ ‬ممن‭ ‬يصفون‭ ‬أنفسهم‭ ‬بنشطاء‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬والإعلام‭ ‬وحرية‭ ‬التعبير‭.. ‬إلخ،‭ ‬ورأينا‭ ‬ذلك‭ ‬أيام‭ ‬الاحتلال‭ ‬السوفييتي‭ ‬لأفغانستان،‭ ‬والاحتلال‭ ‬الأميركي‭ ‬لكابول،‭ ‬ثم‭ ‬تسليمها‭ ‬لطالبان،‭ ‬وكما‭ ‬حدث‭ ‬أيام‭ ‬الغزو‭ ‬الأميركي‭ ‬لفيتنام،‭ ‬إذ‭ ‬يتواجه‭ ‬القطبان‭ ‬الكبيران‭ ‬عبر‭ ‬الأراضي‭ ‬المحايدة‭ ‬لتحقيق‭ ‬مصالحهما،‭ ‬ولا‭ ‬يتواجهان‭ ‬بشكل‭ ‬مباشر‭ ‬أبدا‭.‬

وتأتي‭ ‬الحرب‭ ‬في‭ ‬أوكرانيا‭ ‬كمثال‭ ‬واضح‭ ‬لعدم‭ ‬المواجهة‭ ‬المباشرة‭ ‬بين‭ ‬واشنطن‭ ‬وموسكو،‭ ‬فالطرفان‭ ‬يتواجهان‭ ‬ويحققان‭ ‬مصالحهما‭ ‬على‭ ‬أرض‭ ‬محايدة‭ ‬وهي‭ ‬أوكرانيا،‭ ‬فواشنطن‭ ‬تريد‭ ‬أن‭ ‬يمتد‭ ‬الناتو‭ ‬ليكون‭ ‬خنجرا‭ ‬بالشمال‭ ‬والشمال‭ ‬الغربي‭ ‬لموسكو،‭ ‬وموسكو‭ ‬تريد‭ ‬أن‭ ‬يتوقف‭ ‬الناتو‭ ‬عند‭ ‬حدوده‭ ‬الحالية،‭ ‬كذلك‭ ‬إن‭ ‬أمكن‭ ‬إعادة‭ ‬أمجاد‭ ‬الاتحاد‭ ‬السوفييتي‭ ‬فأهلا‭ ‬وسهلا‭.. ‬لهذا‭ ‬فإن‭ ‬حدث‭ ‬وخسرت‭ ‬روسيا‭ ‬الحرب‭ ‬فإن‭ ‬الدمار‭ ‬والثمن‭ ‬ستدفعه‭ ‬أوكرانيا‭ ‬الأرض‭ ‬المحايدة‭ ‬التي‭ ‬يتصارع‭ ‬فيها‭ ‬القطبان،‭ ‬وإن‭ ‬حدث‭ ‬وخسرت‭ ‬واشنطن‭ ‬فإن‭ ‬الثمن‭ ‬ستدفعه‭ ‬أيضا‭ ‬أوكرانيا،‭ ‬وفي‭ ‬الحالتين‭ ‬فإن‭ ‬أوروبا‭ ‬ستدفع‭ ‬ثمنا‭ ‬باهظا‭ ‬أيضا،‭ ‬سواء‭ ‬انتصرت‭ ‬موسكو‭ ‬أو‭ ‬واشنطن،‭ ‬فانتصار‭ ‬موسكو‭ ‬يعني‭ ‬خسارة‭ ‬أوروبا‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬قامت‭ ‬به‭ ‬من‭ ‬إنجازات‭ ‬بعضويتها‭ ‬بالاتحاد‭ ‬الأوروبي‭ ‬والناتو‭ ‬خلال‭ ‬عقود،‭ ‬وانتصار‭ ‬واشنطن‭ ‬يعني‭ ‬أيضا‭ ‬استنزافا‭ ‬اقتصاديا‭ ‬وماليا‭ ‬رهيبا‭ ‬لأوروبا‭ ‬جراء‭ ‬دعمها‭ ‬أوكرانيا،‭ ‬وأيضا‭ ‬تأكيد‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬أوروبا‭ ‬هي‭ ‬الولاية‭ ‬الجديدة‭ ‬للولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬بشكل‭ ‬غير‭ ‬مباشر،‭ ‬والتي‭ ‬تأتمر‭ ‬سياسيا‭ ‬وعسكريا‭ ‬وأمنيا‭ ‬بأوامر‭ ‬واشنطن‭.‬