لمحات

على هيئة نصيحة

| د.علي الصايغ

يقال إن يعقوب ــ عليه السلام ــ أمر أبناءه بدخول مصر من أبواب متفرقة خوفاً عليهم من العين؛ والمعنى الأشمل لذلك خوفه عليهم من الحساد، لأنهم كانوا رجالاً كثيرين من صلب رجل واحد. وذكرت كلمة “حسد” ومشتقاتها في القرآن في عدة مواضع، ناهيك عما يدل على هذه الكلمة في آيات القرآن الكريم، ويبدي المسلمون اهتماماً لخطر الحساد على أنفسهم وأبنائهم، وهو أمر في موضع مقارنة متكرر مع الأجانب ممن يعتنقون ديانات أخرى أو لا يعتنقون ديناً. وبعيداً عن المبالغة في الخوف من الحسد، وما يبديه خصوصا الوالدان على أبنائهما، والأم الأكثر تفرداً في خوفها على أبنائها من هذا الخطر، إلى جانب إيماننا بأن كل شيء مقدر ومكتوب وبيد الله، وأنه لو اجتمع الإنس والجن على أن يضروك بشيء لن يضروك إلا بشيء كتبه الله عليك، كما أن يعقوب عليه السلام في شأن دخول أبنائه مصر أكمل كما ورد في القرآن الكريم فقال “وما أغني عنكم من الله من شيء إن الحكم إلا لله عليه توكلت وعليه فليتوكل المتوكلون”، وهو تسليم صريح لأمر الله وقدره، لأنه سبحانه وتعالى بيده كل شيء.  قد يكون الحسد لامحاً بشكله الاعتيادي، إلا إذا أتى على هيئة نصيحة؛ فبعض النفوس المريضة تحاول إخفاء حسدها، وتترجم ذلك من خلال أفعال متباينة محركها الأساس هو الحسد البغيض، ومنها أن ينصح الحاسد بخلاف ما يعتقد أنه لمصلحة الطرف الآخر، وقد يقتنع الأخير بالنصيحة، وذلك يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالثقة ما بين الطرفين؛ الثقة التي قد توضع في أشخاص لا يستحقون الثقة إطلاقاً، الأمر الذي لو ينتبه إليه الفرد لكان واضحاً وجلياً؛ لأن الحاسد مهما بلغت مهارته فلن يستطيع إخفاء عينه الحاسدة حتى إن جاء بحسده على هيئة نصيحة.