بريطانيا.. لماذا لا تزال حلم المهاجرين الدائم؟

اعتبرت المأساة التي أدت إلى وفاة 27 مهاجرا غرقا في بحر المانش في 24 نوفمبر الماضي، تذكيرا صارخا بأن الآلاف من المهاجرين يواصلون المخاطرة بحياتهم يوميا، حيث يركبون قوارب مطاطية، في البرد أو الحر، للوصول إلى بريطانيا مرورا بالساحل الفرنسي، ويرفضون في الغالب التقدم بطلب للحصول على اللجوء في فرنسا لأنهم مقتنعون بأنهم سيجدون حياة أفضل بعد عبورهم القناة.

ووفقا لإحصاءات وسائل إعلام بريطانية، تمكن أكثر من 17 ألف مهاجر من العبور إلى بريطانيا في قوارب صغيرة منذ بداية العام الجاري، أي أكثر من ضعف الرقم الإجمالي لعام 2020.

فلماذا تجذب بريطانيا هذا العدد الهائل من المهاجرين؟

بحسب دراسة أجراها مجلس اللاجئين البريطاني غير الحكومي، فإن 98 بالمئة من الأشخاص الذين تمكنوا من الوصول إلى المملكة المتحدة عن طريق القوارب الصغيرة منذ عام 2020 تقدموا بطلبات لجوء، وأغلبهم من إيران والعراق والسودان وسوريا واليمن وفيتنام وإريتريا وأفغانستان.

ووفقا لمجلس اللاجئين البريطاني، ففي عام 2020 كان أكثر من 33 ألف شخص ينتظرون الرد على طلب اللجوء الخاص بهم لأكثر من عام، وذلك بسبب الروتين الإداري ونقص الموظفين وقلة الاستثمار في هذا الملف من طرف وزارة الداخلية.

عوامل الجذب

وفي حديث لموقع "سكاي نيوز عربية"، يعتبر الباحث في مركز الهجرة والمواطنة في المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية ماتيو تارديس، أن "هذا الوضع ليس وليد اليوم، فموضوع الهجرة غير النظامية سواء عبر القناة أو مرفأ المانش مطروح منذ عام 1990. ولا يزال يشكل مشكلا بسبب سياسة الهجرة التي تنقصها الإرادة سواء من الجانب الفرنسي أو البريطاني".

وتحدث تارديس عن الأسباب الرئيسية التي تدفع الكثير من المهاجرين للمخاطرة بحياتهم وركوب الموج للوصول إلى البر البريطاني، قائلا إنه "بموجب اتفاقية دبلن، لا يمكن للمهاجرين المسجلين في دولة أوروبية أخرى التقدم بطلب للحصول على اللجوء في فرنسا ويجب إعادة توجيههم إلى البلد الأول الذي وصلوا من خلاله. وبالتالي يفضلون الذهاب إلى بريطانيا التي، عقب خروجها من الاتحاد الأوروبي، لم تعد ملزمة باتفاقية دبلن، ومباشرة يصبح المهاجرون الذين يصلون إليها تحت مسؤوليتها بشكل تلقائي".

علاوة على ذلك، وبحسب تارديس، فإنه "حتى عندما كانت الدولة لا تزال في الاتحاد الأوروبي، لم تكن تخضع لنظام اللجوء الأوروبي المشترك".

وبلغة الأرقام أعادت بريطانيا عبر القناة عددا قليلا جدا من المهاجرين. بلغ 263 مهاجرا فقط في عام 2019، بينما نقلت فرنسا أكثر من 5300 مهاجر وألمانيا أكثر من 8400 مهاجر.

هذا بالإضافة إلى عوامل أخرى، يؤكد يان مانزي مؤسس جمعية "يوتوبيا 56" أنها "أساسية".

ويقول مانزي لموقع "سكاي نيوز عربية": "أغلب المهاجرين يتقنون اللغة الإنجليزية، بحكم أنها الأكثر انتشارا في العالم أو لأنهم ينحدرون من مستعمرات بريطانية سابقة، كما أن الكثير منهم يريد الانضمام إلى أحد أفراد عائلته المتواجدين في بريطانيا".

ويرى تارديس أن المهاجرين "لا يعرفون الحقيقة كاملة"، إذ لا يُسمح للمهاجر غير النظامي بالعمل في المملكة المتحدة، تماما مثل أي مكان آخر في أوروبا، لكن "السوق الرمادية للعمل غير القانوني كبير نسبيا في بعض الأماكن كما هو الحال في فرنسا عموما، إذ يشتغل بعضهم في أعمال البناء ومجال المطاعم وغيرها، لكن هذا لا يعني أن بريطانيا تشجع على ذلك رغم أن اقتصاد المملكة المتحدة متهم دائما بأنه أقل تنظيما بكثير مما هو عليه في القارة".

"صرامة" في وجه المهاجرين غير الشرعيين

ومع ذلك، يصر الباحث في مركز الهجرة والمواطنة في المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية على أن "بريطانيا لم تعد الوجهة الرئيسية لطالبي اللجوء منذ زمن بعيد، فعلى الرغم من تدفق المهاجرين إلى الشواطئ البريطانية، تشير الأرقام إلى أن طلبات اللجوء أقل بكثير من تلك الخاصة ببعض الدول الأوروبية".

كما أن المتحدث باسم وزارة الداخلية البريطانية قد صرح مؤخرا أن خطة بلاده الجديدة للتعامل مع المهاجرين، بعد أن يقرها البرلمان، سوف تصلح نظام اللجوء وتقلل العديد من عوامل جذب المهاجرين غير النظاميين، بجعلها أكثر صرامة حتى تنصف الكفاءات المهاجرة التي تأتي بشكل قانوني.

وينص القانون الجديد على عقوبة السجن لـ"الدخول غير القانوني" إلى البلاد من 6 أشهر إلى 4 سنوات، كما تمنح لندن نفسها الحق في تقييد إصدار التأشيرات للدول التي ترفض التعاون في قبول عودة رعايا اللجوء الذين رُفضت طلباتهم، ويمنح خفر السواحل المزيد من الصلاحيات لرد قوارب المهاجرين إلى الساحل الفرنسي "بشرط اتفاق مع فرنسا"، بالإضافة إلى ذلك، سيتم طرد طالبي اللجوء المرفوضين "بسرعة" من البلاد.

"اتفاقيات توكيه" في قفص الاتهام

من جهة أخرى، تخضع قضية المهاجرين بين باريس ولندن منذ ما يقرب من 20 عاما لاتفاقيات "توكيه"، التي تهدف إلى إعاقة الهجرة غير النظامية إلى بريطانيا من خلال تعزيز الضوابط على المغادرة من فرنسا.

وتعود ظروف توقيع اتفاقيات "توكيه"، إلى إغلاق مركز الصليب الأحمر بمدينة سانجات الفرنسية نهاية عام 2002 بناء على طلب بريطاني، ورغبة لندن حظر عبور حدودها من غير مواطني الاتحاد الأوروبي الذين ليس لديهم تأشيرة دخول، كما نصت الاتفاقيات على تعزيز الرقابة على الحدود.

وهكذا، تم إنشاء مكاتب مشتركة لمراقبة الهجرة في موانئ القناة وكاليه على الجانب الفرنسي، ودوفر على الجانب الإنجليزي، بحيث يتعين على الأشخاص الذين مُنعوا من الوصول إلى الأراضي الإنجليزية، أن يظلوا في فرنسا.

لهذا يطالب بيير غوك منسق جمعية "أوبيرج دو ميغران" في كاليه، في حديثه لموقع "سكاي نيوز عربية"، بمراجعة بنود معاهدة "توكيه" التي وقعت عام 2003 خلال القمة الفرنسية البريطانية الخامسة والعشرين، و"العودة إلى طاولة الحوار والتفكير في حلول إنسانية تمنع فقدان المزيد من الأرواح".

وقد سبق أن انتقدت بنود اتفاقيات "توكيه"، لذا في محاولة لتحسينها وقعت اتفاقيات ثنائية أخرى أعوام 2009 و2010 و2014، تنص على تمويل بريطانيا مراقبة الحدود وتأمين مواقع العبور في كاليه، حتى لا يصبح الأمر متروكا بشكل متزايد للسلطات الفرنسية للسيطرة على الهجرة غير الشرعية إلى بريطانيا.

وعام 2018، وبعد 9 أشهر من وصوله إلى الإليزيه، وقع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ورئيسة الوزراء البريطانية آنذاك تيريزا ماي، اتفاقيات "ساندهيرست"، التي تهدف أساسا إلى تسوية قضية القاصرين غير المصحوبين بذويهم، فتم تخفيض المدة النهائية للم شملهم مع عائلاتهم في المملكة المتحدة من 6 أشهر إلى 30 يوما، بالإضافة إلى ذلك تعهدت لندن بدفع مبلغ بقيمة 50 مليون يورو لتمويل المراقبة في كاليه.

لكن هذه المراقبة لم تجد نفعا، وهذا ما يؤكده منسق الجمعية عندما يقول: "منذ سنوات ونحن نندد ونحذر من الوضع الخطر عند الحدود"، لهذا يؤكد تارديس أن "الحل هو تأمين طريق لهؤلاء المهاجرين، لأن فرنسا وبريطانيا دولتان قويتان اقتصاديا ولا تنقصهما إلا الإرادة".