سوالف

اتركوهم وستعرفون قيمة النصر والفرحة

| أسامة الماجد

لو‭ ‬أن‭ ‬مجتمعاتنا‭ ‬تتخلص‭ ‬من‭ ‬أحلام‭ ‬الفارس‭ ‬القديم‭ ‬الذي‭ ‬يستطيع‭ ‬في‭ ‬نظرها‭ ‬فعل‭ ‬كل‭ ‬شيء،‭ ‬بل‭ ‬ويعرف‭ ‬كل‭ ‬شيء،‭ ‬لتميزنا‭ ‬في‭ ‬الخلق‭ ‬والإبداع‭ ‬والحرية‭ ‬الكاملة،‭ ‬والفارس‭ ‬القديم‭ ‬هو‭ ‬ذلك‭ ‬الشخص‭ ‬الذي‭ ‬يحاول‭ ‬جذب‭ ‬المجتمع‭ ‬إلى‭ ‬عصور‭ ‬الظلام‭ ‬والرجعية،‭ ‬ويحارب‭ ‬كل‭ ‬روح‭ ‬تجديدية،‭ ‬ويقف‭ ‬ضد‭ ‬المثقفين‭ ‬والأدباء‭ ‬وكل‭ ‬الطاقات‭ ‬الحية‭ ‬في‭ ‬المجتمع،‭ ‬والغريب‭ ‬أن‭ ‬بعض‭ ‬الناس‭ ‬يلجأون‭ ‬إلى‭ ‬أمثال‭ ‬هؤلاء،‭ ‬ويمنحونهم‭ ‬الميدالية‭ ‬الذهبية‭ ‬في‭ ‬الاستشارة‭ ‬والحركات‭ ‬والأفعال‭ ‬وضبط‭ ‬الأحكام،‭ ‬خصوصا‭ ‬أيام‭ ‬الانتخابات،‭ ‬حيث‭ ‬يرون‭ ‬فيهم‭ ‬بابا‭ ‬من‭ ‬أبواب‭ ‬الخير‭ ‬والسعادة،‭ ‬وطريقا‭ ‬إلى‭ ‬الإنسان‭ ‬السوي‭ ‬السليم،‭ ‬لا‭ ‬باطل‭ ‬فيه‭ ‬ولا‭ ‬زيف‭.‬

يسألونهم‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬صغيرة‭ ‬وكبيرة،‭ ‬فهم‭ ‬من‭ ‬يقرر‭ ‬الأخطاء‭ ‬والمخالفات‭ ‬والإيمان‭ ‬الديني‭ ‬النقي،‭ ‬وذلك‭ ‬يعود‭ ‬في‭ ‬الحقيقة‭ ‬إلى‭ ‬سبب‭ ‬ناصع‭ ‬في‭ ‬وضوحه،‭ ‬وهو‭ ‬“الشكليات‭ ‬والمظاهر”،‭ ‬فكل‭ ‬من‭ ‬يدعي‭ ‬العلم‭ ‬والمعرفة‭ ‬في‭ ‬الدين‭ ‬يعتبرونه‭ ‬مصلحا،‭ ‬ولا‭ ‬تخطئه‭ ‬العين‭ ‬المتفحصة،‭ ‬وأنه‭ ‬شخصية‭ ‬بدون‭ ‬أسرار‭ ‬وألغاز،‭ ‬وبدونه‭ ‬تتوقف‭ ‬الحياة‭.‬

دعوني‭ ‬أحدثكم‭ ‬عن‭ ‬شيء‭ ‬رسم‭ ‬على‭ ‬عيني‭ ‬ألف‭ ‬باب‭.. ‬قبل‭ ‬سنوات‭ ‬ألقى‭ ‬رجل‭ ‬دين‭ ‬من‭ ‬إحدى‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬خطبة‭ ‬الجمعة،‭ ‬وتحدث‭ ‬فيها‭ ‬عن‭ ‬ضرورة‭ ‬مقاطعة‭ ‬البضائع‭ ‬الأميركية‭ ‬لسبب‭ ‬ما‭ ‬لا‭ ‬أذكره،‭ ‬واتضح‭ ‬فيما‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬سيارته‭ ‬صناعة‭ ‬أميركية‭ ‬ومن‭ ‬طراز‭ ‬معروف‭.. ‬إن‭ ‬هذا‭ ‬التناقض‭ ‬يحتل‭ ‬المركز‭ ‬المحوري‭ ‬في‭ ‬حياة‭ ‬هؤلاء‭ ‬الذين‭ ‬يقفون‭ ‬خارج‭ ‬أسوار‭ ‬الزمن،‭ ‬ويدسون‭ ‬أنوفهم‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬شيء‭ ‬من‭ ‬جزئيات‭ ‬حياتنا،‭ ‬وهناك‭ ‬من‭ ‬يسمعهم‭ ‬ويصدقهم‭ ‬وكأنه‭ ‬يتحسس‭ ‬في‭ ‬الظلمة‭ ‬المفتاح‭ ‬أو‭ ‬شهادة‭ ‬ميلاده‭.‬

الأخلاق‭ ‬الحقيقية‭ ‬هي‭ ‬التي‭ ‬تنبعث‭ ‬من‭ ‬النفس‭ ‬بحرية،‭ ‬ولا‭ ‬تفرض‭ ‬فرضا،‭ ‬إنها‭ ‬نتيجة‭ ‬لتفاعل‭ ‬النفس‭ ‬مع‭ ‬المجتمع‭ ‬وتجاربها‭ ‬ومعاناتها‭ ‬مع‭ ‬الحياة،‭ ‬لا‭ ‬نتيجة‭ ‬النصح‭ ‬والإرشاد‭ ‬من‭ ‬جهة‭ ‬والقيود‭ ‬من‭ ‬جهة‭ ‬أخرى،‭ ‬وأتمنى‭ ‬أن‭ ‬يستفيق‭ ‬السذج‭ ‬والبسطاء‭ ‬في‭ ‬مجتمعاتنا‭ ‬من‭ ‬تبعيتهم‭ ‬العمياء‭ ‬لأولئك‭ ‬الذين‭ ‬يدسون‭ ‬أنوفهم‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬شيء،‭ ‬ويدعون‭ ‬معرفة‭ ‬كل‭ ‬تفاصيل‭ ‬الحياة‭ ‬وأعماقها‭ ‬بدون‭ ‬نقاش‭ ‬أو‭ ‬جدل،‭ ‬اتركوهم‭ ‬وستعرفون‭ ‬قيمة‭ ‬النصر‭ ‬والفرحة‭ ‬بدل‭ ‬عيشة‭ ‬القلق‭ ‬والخوف‭.‬