سوالف

“العيارون الشطار”

| أسامة الماجد

في‭ ‬التاريخ‭ ‬العربي‭ ‬هناك‭ ‬جماعة‭ ‬أطلق‭ ‬عليها‭ ‬“العيارون‭ ‬الشطار”،‭ ‬وهي‭ ‬جماعة‭ ‬تضم‭ ‬في‭ ‬معظمها‭ ‬العامة،‭ ‬وقد‭ ‬وقفوا‭ ‬ضد‭ ‬التجار‭ ‬والأثرياء‭ ‬بالدرجة‭ ‬الأولى،‭ ‬وكانت‭ ‬لهم‭ ‬مبادئ‭ ‬أخلاقية‭ ‬وطريقة‭ ‬يسيرون‭ ‬عليها،‭ ‬ومن‭ ‬عناصر‭ ‬فتوتهم‭ ‬الرفق‭ ‬بالفقراء‭ ‬والصغار،‭ ‬وأساس‭ ‬حركتهم‭ ‬التباين‭ ‬الاقتصادي،‭ ‬وهناك‭ ‬تفاصيل‭ ‬أخرى‭ ‬عن‭ ‬هذه‭ ‬الحركة‭ ‬لا‭ ‬مجال‭ ‬لذكرها‭.‬

في‭ ‬أسواقنا‭ ‬انقلبت‭ ‬الطقوس‭ ‬وتبدلت‭ ‬المقاعد،‭ ‬حيث‭ ‬أصبح‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬التجار‭ ‬عديمي‭ ‬الذمة،‭ ‬وهم‭ ‬العيارون‭ ‬الشطار‭ ‬الذين‭ ‬فرضوا‭ ‬شروطهم‭ ‬وتحكمهم‭ ‬في‭ ‬السوق‭ ‬عبر‭ ‬سلخ‭ ‬جلد‭ ‬المواطن‭ ‬بالأسعار‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬منتج‭ ‬محلي‭ ‬أو‭ ‬مستورد،‭ ‬ويمتلكون‭ ‬أفضل‭ ‬مقومات‭ ‬البخل‭ ‬وفلسفة‭ ‬شفط‭ ‬الجيوب،‭ ‬هؤلاء‭ ‬العيارون‭ ‬الشطار‭ ‬يفترض‭ ‬وضعهم‭ ‬في‭ ‬خانة‭ ‬المحفوظات‭ ‬في‭ ‬المتاحف‭ ‬التاريخية،‭ ‬أو‭ ‬جعلهم‭ ‬مصدرا‭ ‬للأبحاث‭ ‬والتجارب‭ ‬في‭ ‬علم‭ ‬الاقتصاد،‭ ‬لما‭ ‬لهم‭ ‬من‭ ‬سمة‭ ‬ومواصفات‭ ‬متميزة‭ ‬تجعلهم‭ ‬في‭ ‬القمة‭.‬

هؤلاء‭ ‬لا‭ ‬يتحملون‭ ‬إجراء‭ ‬تخفيضات،‭ ‬ولو‭ ‬فعل‭ ‬أحدهم‭ ‬لرأيته‭ ‬يضع‭ ‬يديه‭ ‬ليغطي‭ ‬بها‭ ‬مساحة‭ ‬من‭ ‬وجهه‭ ‬ويظل‭ ‬أسبوعا‭ ‬أو‭ ‬أكثر‭ ‬منعزلا‭ ‬ساخطا‭ ‬وكأنه‭ ‬قد‭ ‬تجرع‭ ‬الهزيمة‭ ‬كاملة،‭ ‬فقبل‭ ‬التخفيضات‭ ‬كان‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬يسير‭ ‬بانتظام،‭ ‬وبمجرد‭ ‬الإعلان‭ ‬عن‭ ‬الموسم‭ ‬ترتفع‭ ‬الحرارة،‭ ‬وقبضة‭ ‬اليد‭ ‬تكون‭ ‬في‭ ‬وضعية‭ ‬الاستعداد‭ ‬لتوجيه‭ ‬ضربة‭ ‬إلى‭ ‬الوجه‭ ‬ولا‭ ‬تسمع‭ ‬إلا‭ ‬همس‭ ‬الأفكار‭ ‬والأنات‭.‬

حين‭ ‬تصادفه‭ ‬في‭ ‬المحل‭ ‬وتعرف‭ ‬أنه‭ ‬“راعي‭ ‬الحلال”،‭ ‬وتطلب‭ ‬منه‭ ‬تخفيضا‭ ‬“دينارا‭ ‬أو‭ ‬دينارين”‭ ‬على‭ ‬بضاعة‭ ‬ما،‭ ‬يصرخ‭ ‬في‭ ‬وجهك‭ ‬وكأن‭ ‬أفعى‭ ‬سامة‭ ‬لدغته،‭ ‬ويختفي‭ ‬من‭ ‬أمامك‭ ‬بسرعة‭ ‬ولا‭ ‬يكاد‭ ‬يبان‭ ‬إلا‭ ‬بصعوبة،‭ ‬فأي‭ ‬شيء‭ ‬متعلق‭ ‬بالتخفيض‭ ‬يشعره‭ ‬بالجفاف،‭ ‬ولحظات‭ ‬الوجع‭ ‬والسقوط‭ ‬في‭ ‬أكوام‭ ‬من‭ ‬الخيبة‭.‬

حينما‭ ‬يعاني‭ ‬المواطن‭ ‬من‭ ‬محدودية‭ ‬الراتب‭ ‬وتراكم‭ ‬الديون،‭ ‬لا‭ ‬ينقصه‭ ‬فقط‭ ‬إلا‭ ‬جبروت‭ ‬بعض‭ ‬هؤلاء‭ ‬التجار‭ ‬وقسوتهم‭ ‬وسحقهم‭ ‬كل‭ ‬منطق‭ ‬وثوابت‭ ‬السوق‭ ‬والتعامل‭ ‬مع‭ ‬المستهلك،‭ ‬فلديهم‭ ‬طرق‭ ‬عدة‭ ‬وألوان‭ ‬وأشكال‭ ‬في‭ ‬الشطارة‭ ‬والعيارة‭ ‬والبقاء‭ ‬بعيدا‭ ‬عن‭ ‬الهواء‭ ‬النظيف‭ ‬والشفافية،‭ ‬وفي‭ ‬النهاية‭ ‬الضحية‭ ‬هو‭ ‬المواطن‭.‬