تاريخ العلاقات بين البحرين والهند

| د. منصور سرحان

تؤكد‭ ‬المصادر‭ ‬التاريخية‭ ‬أن‭ ‬العلاقات‭ ‬بين‭ ‬البحرين‭ ‬والهند‭ ‬ترجع‭ ‬إلى‭ ‬عصر‭ ‬الحضارات‭ ‬القديمة‭ ‬التي‭ ‬مر‭ ‬عليها‭ ‬زهاء‭ ‬خمسة‭ ‬آلاف‭ ‬سنة‭. ‬فقد‭ ‬كانت‭ ‬العلاقات‭ ‬بين‭ ‬حضارة‭ ‬دلمون‭ ‬في‭ ‬البحرين‭ ‬وحضارة‭ ‬وادي‭ ‬السند‭ ‬في‭ ‬الهند‭ ‬وباكستان‭ ‬علاقات‭ ‬تجارية‭ ‬وثيقة‭. ‬وكان‭ ‬سبب‭ ‬ذلك‭ ‬موقع‭ ‬البحرين‭ (‬دلمون‭) ‬الاستراتيجي،‭ ‬وهو‭ ‬موقع‭ ‬وسط‭ ‬بين‭ ‬حضارة‭ ‬موهنجدارو‭ (‬وادي‭ ‬السند‭)‬،‭ ‬وحضارة‭ ‬مزوبوتاميا‭ (‬وادي‭ ‬الرافدين‭.‬

كانت‭ ‬السفن‭ ‬التجارية‭ ‬التي‭ ‬تنطلق‭ ‬من‭ ‬وادي‭ ‬الرافدين‭ ‬إلى‭ ‬وادي‭ ‬السند،‭ ‬وكذلك‭ ‬السفن‭ ‬التجارية‭ ‬التي‭ ‬تنطلق‭ ‬من‭ ‬وادي‭ ‬السند‭ ‬إلى‭ ‬بلاد‭ ‬وادي‭ ‬الرافدين‭ ‬تتوقف‭ ‬في‭ ‬ميناء‭ ‬دلمون‭ ‬للراحة‭ ‬من‭ ‬جهة،‭ ‬ولتبادل‭ ‬السلع‭ ‬بين‭ ‬تلك‭ ‬السفن‭ ‬القادمة‭ ‬من‭ ‬الهند‭ ‬أو‭ ‬العراق‭ ‬مع‭ ‬دلمون‭ ‬من‭ ‬جهة‭ ‬أخرى،‭ ‬ثم‭ ‬تنطلق‭ ‬السفن‭ ‬إلى‭ ‬وجهاتها‭ ‬المطلوبة‭.‬

ارتبطت‭ ‬البحرين‭ ‬بالهند‭ ‬بعلاقات‭ ‬تجارية‭ ‬مميزة‭ ‬في‭ ‬العقود‭ ‬الأخيرة‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬التاسع‭ ‬عشر‭ ‬الميلادي،‭ ‬وازدادت‭ ‬نموًا‭ ‬في‭ ‬العقود‭ ‬الأربعة‭ ‬الأولى‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬العشرين،‭ ‬حين‭ ‬كانت‭ ‬الهند‭ ‬تستورد‭ ‬من‭ ‬البحرين‭ ‬اللؤلؤ‭ ‬الطبيعي‭ ‬الذي‭ ‬كانت‭ ‬له‭ ‬شهرته‭ ‬الخاصة‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬المنطقة؛‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬أدى‭ ‬إلى‭ ‬زيادة‭ ‬حركة‭ ‬السفن‭ ‬التجارية‭ ‬بين‭ ‬البلدين‭. ‬وأصبح‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬تجار‭ ‬اللؤلؤ‭ ‬من‭ ‬أبناء‭ ‬البحرين‭ ‬يسافرون‭ ‬باستمرار‭ ‬إلى‭ ‬الهند،‭ ‬ويبقى‭ ‬الكثير‭ ‬منهم‭ ‬فترات‭ ‬طويلة‭ ‬هناك‭. ‬وكانت‭ ‬لهم‭ ‬منازلهم‭ ‬ومجالسهم‭ ‬الخاصة‭ ‬بهم،‭ ‬يستقبلون‭ ‬فيها‭ ‬الوافدين‭ ‬الجدد‭ ‬من‭ ‬أبناء‭ ‬البحرين‭ ‬والدول‭ ‬الخليجية‭.‬

ازداد‭ ‬التبادل‭ ‬التجاري‭ ‬بين‭ ‬البحرين‭ ‬والهند‭ ‬في‭ ‬العقود‭ ‬الخمسة‭ ‬الأولى‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬العشرين‭. ‬وكانت‭ ‬السفن‭ ‬الكبيرة‭ ‬والضخمة‭ ‬تنقل‭ ‬البضائع‭ ‬إلى‭ ‬البصرة‭ ‬وميناء‭ ‬بوشهر‭ ‬والمحمرة‭ ‬وبعض‭ ‬موانئ‭ ‬دول‭ ‬الخليج‭ ‬العربية،‭ ‬وجميعها‭ ‬تتوقف‭ ‬في‭ ‬ميناء‭ ‬المنامة،‭ ‬حيث‭ ‬تنقل‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬البحر‭ ‬المسافرين‭ ‬من‭ ‬البحرين‭ ‬إلى‭ ‬العراق‭ ‬وإيران‭.‬

ومن‭ ‬بين‭ ‬تلك‭ ‬السفن‭ ‬الكبيرة‭ ‬والمشهورة‭ ‬لدى‭ ‬أبناء‭ ‬دول‭ ‬الخليج‭ ‬العربي‭: ‬دريسا،‭ ‬ودواركا،‭ ‬وداره‭ ‬التي‭ ‬احترقت‭ ‬العام‭ ‬1961،‭ ‬وغرقت‭ ‬أمام‭ ‬ساحل‭ ‬أم‭ ‬القيوين‭. ‬وجميع‭ ‬تلك‭ ‬السفن‭ ‬تملكها‭ ‬شركة‭ ‬الملاحة‭ ‬البريطانية‭ ‬الهندية‭ ‬التي‭ ‬تبحر‭ ‬من‭ ‬ميناءي‭ ‬بومبي‭ (‬مومبي‭ ‬حاليًا‭) ‬وكراتشي‭ ‬إلى‭ ‬بعض‭ ‬موانئ‭ ‬الخليج‭ ‬العربي‭.‬

كان‭ ‬اللؤلؤ‭ ‬يشكل‭ ‬زهاء‭ ‬90‭ % ‬من‭ ‬مجمل‭ ‬صادرات‭ ‬البحرين‭ ‬للعالم‭ ‬الخارجي‭ ‬منذ‭ ‬العقود‭ ‬الأخيرة‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬التاسع‭ ‬عشر‭ ‬الميلادي،‭ ‬وحتى‭ ‬العقود‭ ‬الأربعة‭ ‬الأولى‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬العشرين‭.  ‬وقد‭ ‬اشتهرت‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬تجار‭ ‬اللؤلؤ‭ ‬من‭ ‬أبناء‭ ‬البحرين‭ ‬الذين‭ ‬عاشوا‭ ‬في‭ ‬مومبي‭ ‬مددًا‭ ‬طويلة‭ ‬مع‭ ‬زوجاتهم‭ ‬وأطفالهم‭ ‬الذين‭ ‬تعلموا‭ ‬في‭ ‬مدارس‭ ‬مدينة‭ ‬مومبي‭.‬

من‭ ‬بين‭ ‬كبار‭ ‬تجار‭ ‬اللؤلؤ‭ ‬المشهورين‭ ‬الذين‭ ‬كانوا‭ ‬يترددون‭ ‬بصورة‭ ‬مستمرة‭ ‬على‭ ‬الهند‭ ‬الوجيه‭ ‬منصور‭ ‬العريض‭ ‬وبعض‭ ‬أفراد‭ ‬عائلة‭ ‬العريض،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬شخصيات‭ ‬بحرينية‭ ‬أخرى‭. ‬وقد‭ ‬شهدت‭ ‬السنوات‭ ‬الأربع‭ ‬الأولى‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬العشرين‭ ‬وجود‭ ‬مجموعة‭ ‬كبيرة‭ ‬من‭ ‬أبناء‭ ‬البحرين‭ ‬في‭ ‬مدينة‭ ‬بومبي‭ (‬مومبي‭ ‬حاليًا‭). ‬واستفاد‭ ‬أبناء‭ ‬التجار‭ ‬البحرينيين‭ ‬من‭ ‬وجودهم‭ ‬في‭ ‬الهند‭ ‬بالالتحاق‭ ‬بالمدارس‭ ‬هناك،‭ ‬فتأثروا‭ ‬كثيرًا‭ ‬بالحضارة‭ ‬الهندية؛‭ ‬نظرًا‭ ‬لوجود‭ ‬دور‭ ‬السينما‭ ‬والمسارح‭ ‬والمكتبات‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬الفترة‭ ‬في‭ ‬مدينة‭ ‬بومبي‭. ‬كما‭ ‬أعجبوا‭ ‬بالفيلسوف‭ ‬طاغور‭ ‬وبالدور‭ ‬الكبير‭ ‬الذي‭ ‬لعبه‭ ‬غاندي‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬تحرير‭ ‬الهند‭ ‬من‭ ‬الاستعمار‭ ‬البريطاني،‭ ‬ولكن‭ ‬بشكل‭ ‬سلمي‭.‬

من‭ ‬بين‭ ‬الذين‭ ‬ولدوا‭ ‬وتربوا‭ ‬ودرسوا‭ ‬في‭ ‬الهند‭ ‬أديب‭ ‬البحرين‭ ‬الكبير‭ ‬الأستاذ‭ ‬إبراهيم‭ ‬العريض،‭ ‬الذي‭ ‬تمكن‭ ‬أثناء‭ ‬دراسته‭ ‬من‭ ‬إجادة‭ ‬ثلاث‭ ‬لغات‭ ‬هي‭: ‬الإنجليزية،‭ ‬والأردو،‭ ‬والفارسية‭. ‬وعند‭ ‬رجوعه‭ ‬البحرين‭ ‬استفاد‭ ‬من‭ ‬دراساته‭ ‬في‭ ‬مدارس‭ ‬بومبي،‭ ‬وعمل‭ ‬في‭ ‬عدة‭ ‬وظائف‭ ‬كانت‭ ‬لها‭ ‬تأثيرها‭ ‬على‭ ‬مسيرة‭ ‬حياته،‭ ‬وساهم‭ ‬مساهمة‭ ‬مباشرة‭ ‬في‭ ‬بناء‭ ‬النهضة‭ ‬التعليمية‭ ‬في‭ ‬البلاد‭.‬

كما‭ ‬استفاد‭ ‬السيد‭ ‬سالم‭ ‬عبد‭ ‬علي‭ ‬العريض‭ ‬الذي‭ ‬درس‭ ‬الحقوق‭ ‬في‭ ‬جامعة‭ ‬بومبي،‭ ‬وتخرج‭ ‬منها‭. ‬وعند‭ ‬عودته‭ ‬إلى‭ ‬الوطن‭ ‬عمل‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬القضاء‭ ‬وكان‭ ‬له‭ ‬دوره‭ ‬الكبير‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬المجال‭.‬

وكمثال‭ ‬آخر‭ ‬على‭ ‬الشخصيات‭ ‬البحرينية‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تتردد‭ ‬على‭ ‬مدينة‭ ‬بومبي‭ ‬باستمرار‭ ‬الأديب‭ ‬الشاعر‭ ‬عبد‭ ‬الله‭ ‬الزايد،‭ ‬الذي‭ ‬أدهشه‭ ‬وجود‭ ‬المطابع‭ ‬الحديثة‭ ‬وإصدار‭ ‬الصحف‭ ‬والمجلات‭ ‬والحركة‭ ‬الثقافية‭ ‬والفنية‭ ‬النشطة‭ ‬هناك،‭ ‬وانعكس‭ ‬ذلك‭ ‬على‭ ‬حياته‭ ‬العملية‭. ‬فقد‭ ‬كان‭ ‬له‭ ‬الفضل‭ ‬في‭ ‬تأسيس‭ ‬أول‭ ‬مطبعة‭ ‬حديثة‭ ‬في‭ ‬البلاد‭ ‬العام‭ ‬1937م،‭ ‬وتأسيس‭ ‬أول‭ ‬دار‭ ‬سينما‭ ‬مع‭ ‬بعض‭ ‬أصدقائه‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬1938م،‭ ‬وإصدار‭ ‬جريدة‭ ‬البحرين‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬1939م،‭ ‬وهي‭ ‬أول‭ ‬جريدة‭ ‬تشهدها‭ ‬البلاد‭.‬

هكذا‭ ‬كانت‭ ‬البدايات‭ ‬الأولى‭ ‬التي‭ ‬استفاد‭ ‬منها‭ ‬بعض‭ ‬أبناء‭ ‬البحرين‭ ‬في‭ ‬عقدي‭ ‬الثلاثينات‭ ‬والأربعينات‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬العشرين‭. ‬وشهدت‭ ‬العقود‭ ‬الثلاثة‭ ‬الخمسينات‭ ‬والستينات‭ ‬والسبعينات‭ ‬تواجد‭ ‬العشرات‭ ‬من‭ ‬أبناء‭ ‬البحرين‭ ‬للدراسة‭ ‬في‭ ‬المعاهد‭ ‬والكليات‭ ‬والجامعات‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬مدن‭ ‬الهند،‭ ‬وتخصصوا‭ ‬في‭ ‬مجالات‭ ‬مختلفة‭ ‬تبوأ‭ ‬بعضهم‭ ‬مناصب‭ ‬إدارية‭ ‬عالية،‭ ‬وعمل‭ ‬بعضهم‭ ‬في‭ ‬السلك‭ ‬الدبلوماسي،‭ ‬كما‭ ‬عين‭ ‬بعضهم‭ ‬في‭ ‬رتبة‭ ‬وزير،‭ ‬والبعض‭ ‬الآخر‭ ‬امتهن‭ ‬التجارة‭.‬

وتشهد‭ ‬العلاقات‭ ‬بين‭ ‬مملكة‭ ‬البحرين‭ ‬وجمهورية‭ ‬الهند‭ ‬في‭ ‬أيامنا‭ ‬هذه‭ ‬نموًا‭ ‬وازدهارًا؛‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬يؤكد‭ ‬قرب‭ ‬البلدين‭ ‬من‭ ‬بعضهما‭ ‬البعض،‭ ‬حيث‭ ‬لا‭ ‬توجد‭ ‬مسافات‭ ‬بين‭ ‬البلدين‭ ‬الصديقين‭ ‬إلا‭ ‬على‭ ‬ورق‭ ‬الخريطة‭ ‬فقط‭.‬