من جديد

موهبتك الخفية

| د. سمر الأبيوكي

كنت‭ ‬أتابع‭ ‬لقاء‭ ‬تلفزيونيا‭ ‬لامرأة‭ ‬جميلة‭ ‬ومثقفة‭ ‬تخطت‭ ‬الخمسين‭ ‬من‭ ‬عمرها،‭ ‬تعمل‭ ‬كصيدلانية‭ ‬مع‭ ‬زوجها‭ ‬وأبنائها‭ ‬المتخرجين‭ ‬أيضا‭ ‬من‭ ‬تخصص‭ ‬الصيدلة‭ ‬في‭ ‬صيدلية‭ ‬ملك‭ ‬لهم،‭ ‬كانت‭ ‬تلك‭ ‬الصيدلية‭ ‬مميزة‭ ‬عن‭ ‬باقي‭ ‬الصيدليات‭ ‬المتواجدة‭ ‬في‭ ‬الحي،‭ ‬كونها‭ ‬مزينة‭ ‬بعدد‭ ‬كبير‭ ‬من‭ ‬اللوحات‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬بأس‭ ‬بها،‭ ‬وكانت‭ ‬الدهشة‭ ‬تعلو‭ ‬كل‭ ‬زبون‭ ‬يدخل‭ ‬الصيدلية‭ ‬ويستغرب‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬من‭ ‬رسم‭ ‬تلك‭ ‬اللوحات‭ ‬الدكتورة‭ ‬الصيدلانية‭ ‬الأم،‭ ‬وغالبا‭ ‬كانت‭ ‬الإجابة‭ ‬الحرفية‭ ‬لتلك‭ ‬الأسئلة‭ ‬أن‭ ‬الوالدة‭ ‬الدكتورة‭ ‬هوايتها‭ ‬الرسم،‭ ‬وبات‭ ‬الوضع‭ ‬هكذا‭ ‬غير‭ ‬مهم‭ ‬لسنوات‭ ‬طويلة،‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬جاءت‭ ‬اللحظة‭ ‬التي‭ ‬قررت‭ ‬فيها‭ ‬الدكتورة‭ ‬أن‭ ‬تنتظم‭ ‬في‭ ‬دراسة‭ ‬تخصص‭ ‬الفنون‭ ‬الجميلة،‭ ‬وقد‭ ‬اجتازت‭ ‬مرحلة‭ ‬البكالوريوس‭ ‬بامتياز‭ ‬مع‭ ‬مرتبة‭ ‬الشرف‭ ‬الأولى‭ ‬وواصلت‭ ‬دراستها‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬أصبحت‭ ‬دكتورة،‭ ‬لكن‭ ‬هذه‭ ‬المرة‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬الفنون‭ ‬الجميلة‭ ‬وليس‭ ‬الصيدلة‭.‬

لم‭ ‬يكن‭ ‬الوقت‭ ‬متأخرا‭ ‬كثيرا‭ ‬لامرأة‭ ‬تجاوزت‭ ‬الخمسين‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬تبدأ‭ ‬مرحلة‭ ‬جديدة‭ ‬من‭ ‬حياتها‭ ‬برتم‭ ‬مختلف‭ ‬ومغاير‭ ‬كليا‭ ‬عن‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬عاشته،‭ ‬والجدير‭ ‬بالذكر‭ ‬هنا‭ ‬هو‭ ‬التميز‭ ‬في‭ ‬طريقها‭ ‬القديم‭ ‬والحديث‭ ‬بيد‭ ‬أنها‭ ‬وجدت‭ ‬نفسها‭ ‬أكثر‭ ‬في‭ ‬الفن‭ ‬عن‭ ‬العلوم،‭ ‬وكنت‭ ‬قد‭ ‬ذكرت‭ ‬في‭ ‬مقالات‭ ‬سابقة‭ ‬أننا‭ ‬كشعوب‭ ‬عربية‭ ‬قلما‭ ‬ما‭ ‬نتفهم‭ ‬توازي‭ ‬العلوم‭ ‬مع‭ ‬الفنون‭ ‬في‭ ‬المطلق،‭ ‬وكأنهما‭ ‬لا‭ ‬يلتقيان،‭ ‬رغم‭ ‬أن‭ ‬الجامعات‭ ‬في‭ ‬الغرب‭ ‬تدمج‭ ‬بين‭ ‬الآداب‭ ‬والعلوم‭ ‬معا،‭ ‬ولا‭ ‬مانع‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬موهوبا‭ ‬ومتميزا‭ ‬في‭ ‬التخصصين‭.‬

خلاصة‭ ‬القول‭ ‬هنا‭.. ‬إن‭ ‬الموهبة‭ ‬الخفية‭ ‬التي‭ ‬تتواجد‭ ‬في‭ ‬أعماق‭ ‬شخصياتنا‭ ‬لابد‭ ‬أن‭ ‬تظهر‭ ‬حتما‭ ‬في‭ ‬موقف‭ ‬ما‭ ‬أو‭ ‬يوم‭ ‬ما،‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬عليك‭ ‬أن‭ ‬تطلق‭ ‬العنان‭ ‬لها‭ ‬ولا‭ ‬تكبلها‭ ‬أو‭ ‬تقيدها‭ ‬جاعلا‭ ‬إياها‭ ‬أسيرة‭ ‬مقيدة‭ ‬في‭ ‬دواخلك،‭ ‬وعلى‭ ‬رأي‭ ‬المثل‭ ‬الأجنبي‭ (‬it’s never too late‭).‬