ديمقراطية الثورات!

| بدور عدنان

بالنظر‭ ‬للأوضاع‭ ‬السياسية‭ ‬التي‭ ‬تلت‭ ‬الثورات‭ ‬العربية‭ ‬المطالبة‭ ‬بالديمقراطية‭ ‬وبعد‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬عقد،‭ ‬بدى‭ ‬واضحاً‭ ‬ومؤكداً‭ ‬أنها‭ ‬لم‭ ‬تحقق‭ ‬أية‭ ‬مكتسبات‭ ‬تصنف‭ ‬في‭ ‬خانة‭ ‬الديمقراطية،‭ ‬بل‭ ‬على‭ ‬العكس‭ ‬من‭ ‬ذلك،‭ ‬فقد‭ ‬فضحت‭ ‬هذه‭ ‬الثورات‭ ‬الفهم‭ ‬الخاطئ‭ ‬لمفهوم‭ ‬الديمقراطية‭ ‬والناتج‭ ‬عن‭ ‬شبه‭ ‬انعدام‭ ‬للوعي‭ ‬السياسي‭.‬

فعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الثورات‭ ‬قد‭ ‬صنفت‭ ‬كثورات‭ ‬سياسية‭ ‬هدفت‭ ‬في‭ ‬أغلبها‭ ‬لاستبدال‭ ‬الطبقات‭ ‬الحاكمة،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬في‭ ‬مجملها‭ ‬كان‭ ‬تظاهر‭ ‬وتململ‭ ‬من‭ ‬الأوضاع‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والمعيشية،‭ ‬فالمواطن‭ ‬العربي‭ ‬الذي‭ ‬خرج‭ ‬للتظاهر‭ ‬ضد‭ ‬الأنظمة‭ ‬القائمة‭ ‬لم‭ ‬يخرج‭ ‬ضد‭ ‬النظام‭ ‬السياسي‭ ‬بحد‭ ‬ذاته،‭ ‬بل‭ ‬تظاهر‭ ‬ضد‭ ‬طبقة‭ ‬استترت‭ ‬بنظام‭ ‬سياسي‭ ‬معين‭ ‬ترجمت‭ ‬مخرجاته‭ ‬في‭ ‬أغلب‭ ‬هذه‭ ‬الدول‭ ‬لفساد‭ ‬تسبب‭ ‬في‭ ‬فقر‭ ‬مدقع‭.‬

وفي‭ ‬استغلال‭ ‬خبيث‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬التيارات‭ ‬الأخرى‭ ‬على‭ ‬الضفة‭ ‬المقابلة‭ ‬للأنظمة‭ ‬القائمة‭ ‬آنذاك،‭ ‬قدمت‭ ‬الكثير‭ ‬منها‭ ‬لاسيما‭ ‬الأحزاب‭ ‬ذات‭ ‬الصبغة‭ ‬الإسلامية‭ ‬نفسها‭ ‬على‭ ‬أنها‭ ‬المرشحة‭ ‬المنقذة،‭ ‬ملوحةً‭ ‬بعبارات‭ ‬رنانة‭ ‬كالديمقراطية‭ ‬وحرية‭ ‬الانتخابات‭ ‬ومكافحة‭ ‬الفساد،‭ ‬ذلك‭ ‬أنها‭ ‬لا‭ ‬تنضوي‭ ‬تحت‭ ‬راية‭ ‬النظام‭ ‬السابق‭ ‬وتختلف‭ ‬عنه‭ ‬اختلافا‭ ‬تاما‭ ‬في‭ ‬السياسات‭ ‬والقيم،‭ ‬شعارات‭ ‬اقتنع‭ ‬بها‭ ‬المواطن‭ ‬العربي‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬نجحت‭ ‬تلك‭ ‬المجموعات‭ ‬في‭ ‬الترويج‭ ‬عن‭ ‬نفسها‭ ‬كبديل‭ ‬يقدم‭ ‬حياة‭ ‬أفضل‭ ‬للمواطنين‭. ‬

ما‭ ‬حصل‭ ‬خلال‭ ‬السنوات‭ ‬الماضية‭ ‬أن‭ ‬جميع‭ ‬تلك‭ ‬الجماعات‭ ‬التي‭ ‬وصلت‭ ‬لسدة‭ ‬الرئاسة‭ ‬بعد‭ ‬سقوط‭ ‬الأنظمة‭ ‬السابقة‭ ‬تبين‭ ‬أنها‭ ‬لا‭ ‬تختلف‭ ‬عن‭ ‬سابقتها،‭ ‬فهي‭ ‬فقط‭ ‬حلت‭ ‬مكانها‭ ‬في‭ ‬الفساد‭ ‬واحتكرت‭ ‬المغانم‭ ‬من‭ ‬مناصب‭ ‬وخيرات‭ ‬على‭ ‬محيطها،‭ ‬واقع‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬تفسيره‭ ‬إلا‭ ‬بضعف‭ ‬الوعي‭ ‬السياسي‭ ‬للشعوب‭ ‬العربية‭ ‬التي‭ ‬اختارت‭ ‬هذه‭ ‬المرة‭ ‬بنفسها‭ ‬من‭ ‬يربط‭ ‬الحبل‭ ‬على‭ ‬أعناقها،‭ ‬فإذا‭ ‬كانت‭ ‬في‭ ‬السابق‭ ‬تعاني‭ ‬من‭ ‬تردي‭ ‬الأوضاع‭ ‬المعيشية‭ ‬فهي‭ ‬اليوم‭ ‬باتت‭ ‬تعاني‭ ‬من‭ ‬سوء‭ ‬المعيشة،‭ ‬إضافة‭ ‬لنقص‭ ‬الأمن‭ ‬وعدم‭ ‬الاستقرار‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬استبيحت‭ ‬أراضيها‭.‬

التريث‭ ‬وتحكيم‭ ‬العقل‭ ‬والمنطق‭ ‬يبقى‭ ‬عاملاً‭ ‬أساسياً‭ ‬في‭ ‬أية‭ ‬عملية‭ ‬اختيار‭ ‬وتغيير‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬التدرج‭ ‬يبقى‭ ‬من‭ ‬أهم‭ ‬المنطلقات‭ ‬التي‭ ‬تساعد‭ ‬في‭ ‬البناء‭ ‬والاستقرار،‭ ‬فالمملكة‭ ‬المتحدة‭ ‬احتاجت‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬700‭ ‬عام‭ ‬من‭ ‬وضع‭ ‬أعراف‭ ‬المغنا‭ ‬كارتا‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬تم‭ ‬الاعتراف‭ ‬بحقوق‭ ‬المرأة‭ ‬السياسية‭ ‬لكي‭ ‬تقوم‭ ‬ببناء‭ ‬منظومة‭ ‬ديمقراطية‭ ‬تعد‭ ‬الأقوى‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬اليوم‭.‬