قهوة الصباح

10 خطوات نحو “الجنة” السياسية

| سيد ضياء الموسوي

يقول‭ ‬المؤرخ‭ ‬الأميركي‭ ‬ألفرد‭ ‬ويتني‭ ‬جريسوولد‭ ‬“إن‭ ‬الذين‭ ‬لا‭ ‬يعتبرون‭ ‬من‭ ‬أخطاء‭ ‬الماضي‭ ‬مكتوب‭ ‬عليهم‭ ‬تكرارها‭ ‬مرة‭ ‬أخرى”‭. ‬ويقول‭ ‬أيضا‭ ‬“متى‭ ‬ستتوقف‭ ‬البشرية‭ ‬عن‭ ‬ارتكاب‭ ‬أخطاء‭ ‬سابقيها؟‭ ‬اجعلوا‭ ‬التاريخ‭ ‬مستشاركم‭ ‬الحكيم”‭. ‬ولكي‭ ‬لا‭ ‬ينطبق‭ ‬علينا‭ ‬قول‭ ‬الفيلسوف‭ ‬هيجل‭ (‬تعلمنا‭ ‬من‭ ‬التاريخ‭ ‬أن‭ ‬لا‭ ‬أحد‭ ‬يتعلم‭ ‬من‭ ‬التاريخ‭)‬،‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬نسعى‭ ‬لصناعة‭ ‬مناخ‭ ‬وطني‭ ‬سياسي‭ ‬جديد‭ ‬يقوم‭ ‬على‭ ‬ترطيب‭ ‬الأجواء،‭ ‬ونثر‭ ‬بذور‭ ‬التفاؤل‭ ‬عبر‭ ‬خطوات‭ ‬مهمة‭ ‬منها‭: ‬1‭. ‬دعم‭ ‬مواقف‭ ‬جلالة‭ ‬الملك‭ ‬لمواقفه‭ ‬الإنسانية‭ ‬في‭ ‬خدمة‭ ‬الوطن،‭ ‬2‭. ‬تعميق‭ ‬الثقة‭ ‬مع‭ ‬الحُكم،‭ ‬3‭. ‬تجاهل‭ ‬عنتريات‭ ‬الخارج،‭ ‬4‭. ‬إيقاف‭ ‬الخطابات‭ ‬المتورمة،‭ ‬5‭. ‬تحكيم‭ ‬العقل‭ ‬والوسطية،‭ ‬6‭. ‬كسر‭ ‬الأسطوانات‭ ‬المشروخة‭ ‬ذات‭ ‬العزف‭ ‬العنتري،‭ ‬التي‭ ‬تخلو‭ ‬من‭ ‬الواقعية‭ ‬السياسية،‭ ‬فهي‭ ‬لا‭ ‬تقود‭ ‬إلا‭ ‬إلى‭ ‬مقبرة‭ ‬أو‭ ‬سجن‭ ‬أو‭ ‬منفى،‭ ‬7‭. ‬المشاركة‭ ‬الإيجابية‭ ‬في‭ ‬بناء‭ ‬الوطن‭ ‬بالمشاركة‭ ‬البرلمانية،‭ ‬وعدم‭ ‬مقاطعتها،‭ ‬ودعم‭ ‬المشروع‭ ‬الإصلاحي‭ ‬وإبداء‭ ‬النقد‭ ‬البناء‭ ‬عبر‭ ‬الأطر‭ ‬الدستورية‭ ‬وفي‭ ‬البرلمان‭ ‬والصحافة‭ ‬والنقابات‭ ‬ومؤسسات‭ ‬المجتمع‭ ‬المدني‭ ‬دون‭ ‬الدخول‭ ‬في‭ ‬مغامرات‭ ‬سياسية‭ ‬ذات‭ ‬بعد‭ ‬أيديولوجي،‭ ‬مع‭ ‬العمل‭ ‬على‭ ‬ترسيخ‭ ‬العدالة‭ ‬الاجتماعية‭ ‬وتحقيق‭ ‬حقوق‭ ‬الناس‭ ‬بمنطق‭ ‬وطني،‭ ‬لا‭ ‬يدخل‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬كسر‭ ‬هيبة‭ ‬الدولة‭. ‬

السياسي‭ ‬الحكيم‭ ‬هو‭ ‬الذي‭ ‬يمتلك‭ ‬خطابا‭ ‬علميا‭ ‬عمليا‭ ‬بحيث‭ ‬بإمكانه‭ ‬يعمل‭ ‬على‭ ‬تقوية‭ ‬الثقة‭ ‬والولاء‭ ‬بين‭ ‬الدولة‭ ‬والمجتمع‭ ‬بشكر‭ ‬إنجازات‭ ‬الدولة‭ ‬والنقد‭ ‬العلمي‭ ‬لإخفاقات‭ ‬أو‭ ‬أي‭ ‬خلل‭ ‬أو‭ ‬ثغرات‭ ‬أو‭ ‬فساد‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬وزارة‭ ‬أو‭ ‬هيئة،‭ ‬وفي‭ ‬الوقت‭ ‬ذاته‭ ‬يزيد‭ ‬من‭ ‬مكاسب‭ ‬المجتمع‭ ‬وحقوقه‭ ‬بطرق‭ ‬تقوم‭ ‬على‭ ‬العقل،‭ ‬والتوازن‭ ‬ومد‭ ‬جسور‭ ‬التواصل‭. ‬

مشكلة‭ ‬من‭ ‬في‭ ‬الخارج‭ ‬أنهم‭ ‬لا‭ ‬يقرأون‭ ‬علم‭ ‬السياسة،‭ ‬ولا‭ ‬هم‭ ‬دارسون‭ ‬للفلسفة‭ ‬كمنهج‭ ‬نقدي‭. ‬فالفلسفة‭ ‬النقدية‭ ‬هي‭ ‬“البلدوزر”‭ ‬القادر‭ ‬على‭ ‬تفتيت‭ ‬الأسمنت‭ ‬الفكري‭ ‬لعقل‭ ‬الإنسان‭ ‬لتقوده‭ ‬للمراجعة،‭ ‬وإعادة‭ ‬تقييم‭ ‬الأداء،‭ ‬والخروج‭ ‬من‭ ‬الغيبوبة‭ ‬السياسية،‭ ‬وعدم‭ ‬الوقوع‭ ‬في‭ ‬ذات‭ ‬الحفر‭ ‬التاريخية،‭ ‬وتكرار‭ ‬ذات‭ ‬الأخطاء‭. ‬يقول‭ ‬نزار‭ ‬قباني‭ ‬“إنهم‭ ‬يريدون‭ ‬أن‭ ‬يفتحوا‭ ‬العالم‭ ‬وهم‭ ‬عاجزون‭ ‬عن‭ ‬فتح‭ ‬كتاب،‭  ‬ويريدون‭ ‬أن‭ ‬يخوضوا‭ ‬البحر‭ ‬وهم‭ ‬يتزحلقون‭ ‬بقطرة‭ ‬ماء،‭ ‬ويبشرون‭ ‬بثورة‭ ‬ثقافية‭ ‬تحرق‭ ‬الأخضر‭ ‬واليابس،‭ ‬وثقافتهم‭ ‬لا‭ ‬تتجاوز‭ ‬باب‭ ‬المقهى‭ ‬الذي‭ ‬يجلسون‭ ‬فيه،‭ ‬وعناوين‭ ‬الكتب‭ ‬المترجمة‭ ‬التي‭ ‬سمعوا‭ ‬عنها”‭.‬إن‭ ‬مشكلة‭ ‬من‭ ‬في‭ ‬الخارج‭ ‬أمور‭ ‬عدة‭: ‬1‭. ‬لم‭ ‬يدرسوا‭ ‬علم‭ ‬السياسة،‭ ‬ولا‭ ‬العلوم‭ ‬الأنثربولوجية‭ (‬الإنسانية‭)‬،‭ ‬وغير‭ ‬متابعين‭ ‬للثقافة‭ ‬المتنوعة،‭ ‬وإذا‭ ‬درسها‭ ‬البعض‭ ‬فلا‭ ‬يستخدمها‭ ‬في‭ ‬تفتيت‭ ‬“الصنم‭ ‬السياسي‭ ‬القديم”‭ ‬الذي‭ ‬بناه‭ ‬وعاش‭ ‬عليه‭ ‬من‭ ‬صنم‭ ‬حزبي‭ ‬أو‭ ‬ديني‭ ‬أو‭ ‬سياسي‭. ‬فأيمن‭ ‬الظواهري‭ ‬مثلا،‭ ‬دكتور‭ ‬في‭ ‬الطب،‭ ‬لكن‭ ‬عقله‭ ‬السياسي‭ ‬لا‭ ‬يتعدى‭ ‬المسافة‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬عقل‭ ‬طفل‭ ‬رضيع‭ ‬ومراهق،‭ ‬فالشهادة‭ ‬العلمية‭ ‬شيء‭ ‬والثقافة‭ ‬شيء‭ ‬آخر،‭ ‬2‭. ‬لا‭ ‬يمتلكون‭ ‬عقلا‭ ‬نقديا‭ ‬أو‭ ‬جرأة‭ ‬نقد‭ ‬الخطأ،‭ ‬3‭. ‬ضرورة‭ ‬الخروج‭ ‬من‭ ‬سجن‭ ‬التاريخ،‭ ‬4‭. ‬عدم‭ ‬استقلالية‭ ‬قرارهم‭ ‬السياسي،‭ ‬5‭. ‬انصهار‭ ‬الموقف‭ ‬للقرار‭ ‬الديني‭ ‬المسيس‭.‬

وقناعتي،‭ ‬يجب‭ ‬عدم‭ ‬خلط‭ ‬السياسة‭ ‬بالدين‭ ‬لحفظ‭ ‬الدين‭. ‬قد‭ ‬يسألني‭ ‬البعض‭ ‬لماذا؟‭ ‬لأن‭ ‬السياسي‭ ‬الذي‭ ‬يزج‭ ‬بالدين‭ ‬في‭ ‬السياسة،‭ ‬ولو‭ ‬كانت‭ ‬نيته‭ ‬صادقة‭ ‬تختلط‭ ‬عليه‭ ‬السياسة‭ ‬بالغيبيات‭ ‬وبالأمور‭ ‬الرومانسية‭ ‬مع‭ ‬البساطة‭ ‬في‭ ‬فهم‭ ‬الواقع‭ ‬مع‭ ‬صعوبة‭ ‬التحرر‭ ‬من‭ ‬إغراء‭ ‬لذة‭ ‬عشق‭ ‬مغازلة‭ ‬الجمهور،‭ ‬فيدخل‭ ‬في‭ ‬مواقف‭ ‬كارثية،‭ ‬فيورط‭ ‬الناس‭. ‬

السياسة‭ ‬معقدة،‭ ‬وهي‭ ‬شبيهة‭ ‬بالخلطة‭ ‬النووية‭. ‬فليس‭ ‬من‭ ‬العقل،‭ ‬التعاطي‭ ‬معها‭ ‬بخطابات‭ ‬حالمة،‭ ‬وبالصراخ‭ ‬أو‭ ‬دسومة‭ ‬البيانات‭ ‬المتشحمة،‭ ‬فتسبب‭ ‬جلطات‭ ‬لمستقبل‭ ‬الناس‭. ‬

السياسة‭ ‬علم‭ ‬دقيق،‭ ‬تقوم‭ ‬على‭ ‬الدراسة‭ ‬الدقيقة‭ ‬في‭ ‬السياسة‭ ‬والأرقام‭ ‬الاقتصادية،‭ ‬ودقة‭ ‬في‭ ‬معرفة‭ ‬التوازنات‭ ‬الإقليمية‭ ‬والعالمية،‭ ‬ومعرفة‭ ‬للنفس‭ ‬البشرية،‭ ‬وسيكولوجية‭ ‬الجماهير،‭ ‬والتركيب‭ ‬الواقعي‭ ‬للجغرافيا‭ ‬والتحالفات‭ ‬والمكر‭ ‬العالمي‭ ‬ودهاء‭ ‬الدول‭ ‬الإقليمية‭ ‬والعالمية،‭ ‬وما‭ ‬هدف‭ ‬دول‭ ‬عالمية،‭ ‬وماذا‭ ‬تريد‭ ‬من‭ ‬الوطن‭ ‬وكيف‭ ‬أحيانا‭ ‬تشعل‭ ‬الفتن‭ ‬باسم‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬في‭ ‬وطنك‭ ‬والهدف‭ ‬اقتصادي‭ ‬بحت‭ ‬تحت‭ ‬مظلة‭ ‬حقوقية؟‭ ‬

ما‭ ‬فعله‭ ‬الرئيس‭ ‬أوباما‭ ‬بمشروع‭ ‬دعم‭ ‬الإسلام‭ ‬السياسي‭ ‬كان‭ ‬الهدف‭ ‬منه‭ ‬مصالح‭ ‬أميركية‭ ‬بحتة،‭ ‬سببت‭ ‬كل‭ ‬هذا‭ ‬الخراب‭ ‬في‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭. ‬إن‭ ‬السياسة‭ ‬تحتاج‭ ‬لعقول‭ ‬إستراتيجية‭ ‬لا‭ ‬تبسيطية‭.‬

إننا‭ ‬بحاجة‭ ‬إلى‭ ‬مراجعة‭ ‬الأخطاء‭ ‬لنربي‭ ‬أجيالا‭ ‬جديدة‭ ‬من‭ ‬أبنائنا،‭ ‬نقودهم‭ ‬إلى‭ ‬الشهادة‭ ‬الجامعية‭ ‬بدلا‭ ‬من‭ ‬شهادة‭ ‬الوفاة،‭ ‬ومن‭ ‬ثقافة‭ ‬التعاسة‭ ‬إلى‭ ‬ثقافة‭ ‬السعادة،‭ ‬ومن‭ ‬الكفن‭ ‬إلى‭ ‬الوطن،‭ ‬ومن‭ ‬المنفى‭ ‬إلى‭ ‬المرفأ‭ ‬ومن‭ ‬رطوبة‭ ‬الزنزانة‭ ‬إلى‭ ‬البحر‭.‬