ستة على ستة

كورونا وعودة الروح

| عطا السيد الشعراوي

فرحنا‭ ‬كثيرا‭ ‬بعودة‭ ‬الحياة‭ ‬إلى‭ ‬بيوت‭ ‬الله‭ ‬وإقامة‭ ‬الفروض‭ ‬وصلاة‭ ‬التراويح‭ ‬بالمساجد،‭ ‬فقد‭ ‬دبت‭ ‬الروح‭ ‬في‭ ‬الجسد‭ ‬من‭ ‬جديد‭ ‬بأداء‭ ‬هذا‭ ‬الركن‭ ‬العظيم‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الشهر‭ ‬الفضيل‭ ‬بالمساجد‭ ‬والاستماع‭ ‬بخشوع‭ ‬للقرآن‭ ‬الكريم‭ ‬من‭ ‬الأئمة‭ ‬الذين‭ ‬استعدوا‭ ‬جيدًا‭ ‬لهذا‭ ‬الحدث‭ ‬المفرح‭ ‬للنفوس‭ ‬والمبهج‭ ‬للقلوب،‭ ‬فامتلأت‭ ‬المساجد‭ ‬بالمصلين‭ ‬الذين‭ ‬تتوافر‭ ‬فيهم‭ ‬الشروط‭ ‬الواجبة‭ ‬في‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬الظروف‭ ‬الصحية‭ ‬وهذا‭ ‬الوباء‭ ‬الذي‭ ‬يواجه‭ ‬البشرية‭ ‬كلها‭. ‬

في‭ ‬تلك‭ ‬الأجواء‭ ‬الجميلة،‭ ‬لفت‭ ‬انتباهي‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬المصلين‭ ‬من‭ ‬مسافات‭ ‬وتباعد‭ ‬هو‭ ‬من‭ ‬مقتضيات‭ ‬تفادي‭ ‬الإصابة‭ ‬بفيروس‭ ‬كورونا،‭ ‬وتذكرت‭ ‬حينما‭ ‬كنا‭ ‬كتفًا‭ ‬بكتف‭ ‬وقدمًا‭ ‬بقدم‭ ‬وكيف‭ ‬كان‭ ‬هذا‭ ‬التلاحم‭ ‬في‭ ‬الصفوف‭ ‬يزيل‭ ‬ما‭ ‬قد‭ ‬يكون‭ ‬بين‭ ‬البعض‭ ‬من‭ ‬نفور‭ ‬أو‭ ‬شحناء،‭ ‬فدعوت‭ ‬الله‭ ‬أن‭ ‬يزيح‭ ‬عنا‭ ‬هذه‭ ‬الغمة‭ ‬ويفرج‭ ‬عنا‭ ‬هذا‭ ‬الكرب‭ ‬ليعود‭ ‬التلاحم‭ ‬الجسدي‭ ‬والروحي‭ ‬بين‭ ‬المصلين،‭ ‬كما‭ ‬أشفقت‭ ‬على‭ ‬التلاميذ‭ ‬ولاسيما‭ ‬في‭ ‬الصفوف‭ ‬الدراسية‭ ‬الأولى‭ ‬وكيف‭ ‬أنهم‭ ‬افتقدوا‭ ‬روحًا‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬وصف‭ ‬جمالها‭ ‬وحلاوتها،‭ ‬لكننا‭ ‬نتذكرها‭ ‬ونتذكر‭ ‬أيامها‭ ‬مهما‭ ‬طالت‭ ‬بنا‭ ‬السنوات‭ ‬ومر‭ ‬بنا‭ ‬العمر،‭ ‬لأنها‭ ‬ربما‭ ‬هي‭ ‬الأجمل‭ ‬على‭ ‬الإطلاق‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬مراحل‭ ‬عمرنا،‭ ‬حيث‭ ‬الطفولة‭ ‬الطبيعية‭ ‬واللهو‭ ‬والانطلاقة‭ ‬مع‭ ‬الأقران‭ ‬واكتساب‭ ‬زملاء‭ ‬وأصدقاء‭ ‬وحدوث‭ ‬مواقف‭ ‬دراسية‭ ‬وحياتية‭ ‬كثيرة‭ ‬نظل‭ ‬نذكرها‭ ‬طيلة‭ ‬حياتنا‭ ‬ولا‭ ‬يمكن‭ ‬نسيانها‭.‬

هذه‭ ‬“الروح”‭ ‬التي‭ ‬افتقدناها‭ ‬في‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬المواقع‭ ‬والأماكن‭ ‬بسبب‭ ‬هذا‭ ‬الفيروس،‭ ‬ربما‭ ‬لم‭ ‬نكن‭ ‬نشعر‭ ‬بها‭ ‬ولا‭ ‬بقيمتها‭ ‬وجمالها،‭ ‬إلا‭ ‬عندما‭ ‬سيطر‭ ‬هاجس‭ ‬الخوف‭ ‬على‭ ‬سلوكياتنا‭ ‬وفرض‭ ‬الحذر‭ ‬نفسه‭ ‬على‭ ‬تحركاتنا،‭ ‬وفرض‭ ‬ما‭ ‬يسمى‭ ‬بالتباعد‭ ‬الاجتماعي‭ ‬نفسه‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬أنشطة‭ ‬الحياة،‭ ‬حفاظًا‭ ‬على‭ ‬صحتنا‭ ‬وسلامتنا‭.‬

عودة‭ ‬هذه‭ ‬“الروح”‭ ‬مرة‭ ‬أخرى‭ ‬بعد‭ ‬انقشاع‭ ‬هذه‭ ‬الغمة‭ ‬بمشيئة‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬لن‭ ‬يكون‭ ‬أمرا‭ ‬سهلا،‭ ‬ولاسيما‭ ‬بعد‭ ‬تكيف‭ ‬الكثير‭ ‬منا‭ ‬مع‭ ‬هذه‭ ‬الحياة‭ ‬الانعزالية‭ ‬المفروضة‭ ‬علينا‭ ‬وعلى‭ ‬أولادنا‭ ‬بفعل‭ ‬هذا‭ ‬الوباء،‭ ‬وهو‭ ‬أمر‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬ينتبه‭ ‬إليه‭ ‬علماء‭ ‬النفس‭ ‬والاجتماع‭ ‬ويقدمون‭ ‬توصياتهم‭ ‬ونصائحهم‭ ‬لضمان‭ ‬عودة‭ ‬سريعة‭ ‬لتلك‭ ‬الروح‭ ‬بعد‭ ‬زوال‭ ‬الوباء‭.‬