الحرية الفكرية.. الطريق إلى العلم والمعرفة والتقدم والرقي

| عبدالنبي الشعلة

منذ‭ ‬بداية‭ ‬عهد‭ ‬الخلفاء‭ ‬الراشدين‭ (‬رضي‭ ‬الله‭ ‬عنهم‭) ‬وحتى‭ ‬نهاية‭ ‬الخلافة‭ ‬أو‭ ‬الدولة‭ ‬العثمانية‭ ‬مع‭ ‬بداية‭ ‬القرن‭ ‬الماضي،‭ ‬انشغل‭ ‬العرب‭ ‬والمسلمون‭ ‬في‭ ‬حروب‭ ‬الردة،‭ ‬وفي‭ ‬الخلافات‭ ‬والاقتتال‭ ‬والمواجهات‭ ‬المسلحة‭ ‬والصراع‭ ‬على‭ ‬السلطة‭ ‬فيما‭ ‬بينهم،‭ ‬لكنهم‭ ‬تمكنوا‭ ‬أيضًا‭ ‬وفي‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه‭ ‬من‭ ‬نشر‭ ‬الدعوة،‭ ‬والانتصار‭ ‬في‭ ‬غزواتهم‭ ‬وحروبهم،‭ ‬وفتح‭ ‬البلدان‭ ‬والأمصار،‭ ‬فتهاوت‭ ‬أمام‭ ‬زحفهم‭ ‬الأنظمة‭ ‬والدول‭ ‬والإمبراطوريات‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬سائدة‭ ‬وقتها،‭ ‬ونجحوا‭ ‬نجاحًا‭ ‬لافتًا‭ ‬باهرًا‭ ‬في‭ ‬توسيع‭ ‬رقعة‭ ‬الدولة‭ ‬الإسلامية‭ ‬وتمديد‭ ‬حدودها‭ ‬ونفوذها،‭ ‬وحققوا‭ ‬ازدهارًا‭ ‬اقتصاديًا‭ ‬وثراءً‭ ‬ماديًا‭ ‬وسياسيًا‭ ‬في‭ ‬وقت‭ ‬قياسي‭ ‬لم‭ ‬يشهد‭ ‬مثله‭  ‬التاريخ‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬ولا‭ ‬من‭ ‬بعد،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬الدولة‭ ‬الإسلامية‭ ‬لم‭ ‬تعش‭ ‬عصرها‭ ‬الذهبي،‭ ‬ولم‭ ‬تتمكن‭ ‬من‭ ‬تحقيق‭ ‬التقدم‭ ‬العلمي‭ ‬والرقي‭ ‬الحضاري‭ ‬بمعانيها‭ ‬الحقيقية‭ ‬إلا‭ ‬خلال‭ ‬فترة‭ ‬حكم‭ ‬هارون‭ ‬الرشيد‭ ‬وابنه‭ ‬المأمون‭ ‬في‭ ‬حقبة‭ ‬الخلافة‭ ‬العباسية‭.‬

إن‭ ‬السردية‭ ‬التاريخية‭ ‬العربية‭ ‬والإسلامية‭ ‬في‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬رواياتها‭ ‬وصفحاتها‭ ‬وفصولها‭ ‬تصف‭ ‬هارون‭ ‬الرشيد‭ ‬بأنه‭ ‬مولع‭ ‬باللهو،‭ ‬منغمس‭ ‬في‭ ‬الشهوات‭ ‬والذات‭ ‬والنزوات،‭ ‬وشديد‭ ‬القسوة‭ ‬والبطش‭ ‬والتنكيل‭ ‬بخصومه،‭ ‬وعلى‭ ‬خلاف‭ ‬هذه‭ ‬الروايات،‭ ‬أو‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬منها‭ ‬ومع‭ ‬افتراض‭ ‬صحتها،‭ ‬فإن‭ ‬التاريخ‭ ‬يشهد‭ ‬بأن‭ ‬مسيرة‭ ‬التقدم‭ ‬والرقي‭ ‬الحضاري‭ ‬للدولة‭ ‬الإسلامية‭ ‬قد‭ ‬بدأت‭ ‬في‭ ‬عهده‭ ‬عندما‭ ‬وضع‭ ‬أهم‭ ‬قواعدها‭ ‬بتأسيس‭ ‬“بيت‭ ‬الحكمة”‭ ‬كأول‭ ‬دار‭ ‬كتب‭ ‬عامة‭ ‬ظهرت‭ ‬في‭ ‬الإسلام،‭ ‬وأمر‭ ‬بأن‭ ‬يجمع‭ ‬فيها‭ ‬تراث‭ ‬الحضارات‭ ‬القديمة‭ ‬وكتبها‭ ‬المتنوعة،‭ ‬والمخطوطات‭ ‬بمختلف‭ ‬اللغات،‭ ‬واهتم‭ ‬بشكل‭ ‬خاص‭ ‬بجمع‭ ‬كتب‭ ‬الطب‭ ‬والفلسفة‭ ‬والفلك‭ ‬والعلوم‭ ‬الإنسانية،‭ ‬وجعل‭ ‬على‭ ‬الدار‭ ‬مشرفين‭ ‬من‭ ‬العلماء،‭ ‬أجزل‭ ‬عليهم‭ ‬الهبات‭ ‬والعطايا،‭ ‬وكان‭ ‬يجلهم‭ ‬ويقدرهم،‭ ‬وعيَّن‭ ‬فيها‭ ‬المترجمين‭ ‬ووضع‭ ‬على‭ ‬رأسهم‭ ‬العالم‭ ‬والمترجم‭ ‬الموسوعي‭ ‬المشهور‭ ‬وقتها‭ ‬جون‭ ‬أو‭ ‬يوحنا‭ ‬بن‭ ‬ماسويه،‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬أصبحت‭ ‬دار‭ ‬الحكمة‭ ‬مركزا‭ ‬للبحث‭ ‬العلمي،‭ ‬وتنوعت‭ ‬أقسامها‭ ‬بين‭ ‬الترجمة‭ ‬والنسخ‭ ‬والتأليف‭ ‬والتجليد،‭ ‬وكان‭ ‬لها‭ ‬أثر‭ ‬كبير‭ ‬في‭ ‬نقل‭ ‬العلوم‭ ‬والفنون‭ ‬والآداب‭ ‬والفلسفة‭ ‬وأسس‭ ‬الحضارة‭ ‬للعرب‭ ‬والمسلمين‭.‬

وقد‭ ‬بلغت‭ ‬الخلافة‭ ‬الإسلامية‭ ‬أعلى‭ ‬مكانتها‭ ‬الحضارية‭ ‬والسياسية‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬العالم‭ ‬بأسره‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الوقت‭ ‬في‭ ‬عهد‭ ‬ابنه‭ ‬المأمون‭ ‬الذي‭ ‬واصل‭ ‬مسيرة‭ ‬والده‭ ‬ودفع‭ ‬بعجلة‭ ‬الرقي‭ ‬والتقدم‭ ‬بوتائر‭ ‬أسرع‭ ‬بحيث‭ ‬شهدت‭ ‬الدولة‭ ‬الإسلامية‭ ‬نهضة‭ ‬حضارية‭ ‬وتألقًا‭ ‬علميًا‭ ‬وفكريًا،‭ ‬وازدهارًا‭ ‬في‭ ‬حقول‭ ‬العلوم‭ ‬والفنون‭ ‬والآداب‭.‬

وقد‭ ‬كان‭ ‬لدى‭ ‬المأمون‭ ‬شغف‭ ‬بالفلسفة‭ ‬والعلم‭ ‬والفلك‭ ‬والرياضيات‭ ‬والهندسة‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬اللغة‭ ‬والشعر‭ ‬والأدب،‭ ‬وكان‭ ‬يختلف‭ ‬ويمتاز‭ ‬عن‭  ‬أبيه‭ ‬بإيمانه‭ ‬الراسخ‭ ‬بمبدأ‭ ‬الحرية‭ ‬الفكرية،‭ ‬والانفتاح‭ ‬على‭ ‬الفلسفة،‭ ‬وكانت‭ ‬تتردد‭ ‬في‭ ‬مجلسه‭ ‬دائمًا‭ ‬أسماء‭ ‬وأفكار‭ ‬كبار‭ ‬الفلاسفة‭ ‬مثل‭ ‬سقراط‭ ‬وأفلاطون‭ ‬وأرسطو‭.‬

وقد‭ ‬أطلق‭ ‬المأمون‭ ‬حرية‭ ‬التعبير‭ ‬أو‭ ‬حرية‭ ‬الكلام‭ ‬للباحثين‭ ‬وأهل‭ ‬الجدل‭ ‬والفلاسفة،‭ ‬فشجع‭ ‬المناظرات‭ ‬والحوارات‭ ‬والعصف‭ ‬العقلي‭ ‬في‭ ‬المسائل‭ ‬الدينية‭ ‬كوسيلة‭ ‬لنشر‭ ‬العلم‭ ‬وإزاحة‭ ‬التخلف‭ ‬والجهل،‭ ‬وكانت‭ ‬المناظرات‭ ‬بين‭ ‬العلماء‭ ‬والمفكرين‭ ‬في‭ ‬مجلسه‭ ‬قائمة‭ ‬على‭ ‬الحجج‭ ‬العقلية‭ ‬والمنطقية‭ ‬واحترام‭ ‬الرأي‭ ‬الآخر،‭ ‬ويروى‭ ‬أنه‭ ‬كان‭ ‬يزن‭ ‬بالذهب‭ ‬كل‭ ‬كتاب‭ ‬قيم‭ ‬جديد‭ ‬يُكتب‭ ‬في‭ ‬عصره،‭ ‬ويمنح‭ ‬الذهب‭ ‬إلى‭ ‬مؤلف‭ ‬ذلك‭ ‬الكتاب‭.‬

كما‭ ‬شجع‭ ‬المأمون‭ ‬العلماء‭ ‬على‭ ‬البحث‭ ‬والاجتهاد‭ ‬في‭ ‬أمور‭ ‬تتخطى‭ ‬حدود‭ ‬العقل‭ ‬وتفكيره‭ ‬السائد،‭ ‬أو‭ ‬كما‭ ‬يطلق‭ ‬عليه‭ ‬اليوم‭ ‬“خارج‭ ‬الصندوق”،‭ ‬ما‭ ‬أدى‭ ‬إلى‭ ‬انتشار‭ ‬الفكر‭ ‬الاعتزالي‭ ‬الذي‭ ‬يُعلي‭ ‬من‭ ‬قيمة‭ ‬العقل،‭ ‬ويجعله‭ ‬حكما‭ ‬على‭ ‬النص‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬حدود‭ ‬أو‭ ‬قيود‭. ‬وبذلك‭ ‬اختلف‭ ‬عن‭ ‬فكر‭ ‬السلفية‭ ‬الذين‭ ‬استخدموا‭ ‬العقل‭ ‬وسيلة‭ ‬لفهم‭ ‬النص‭ ‬وليس‭ ‬حاكما‭.‬

إن‭ ‬هذا‭ ‬الطرح‭ ‬لا‭ ‬يعني‭ ‬أننا‭ ‬نتجاهل‭ ‬أو‭ ‬نتغاضى‭ ‬عما‭ ‬اقترفه‭ ‬وفعله‭ ‬الرشيد‭ ‬والمأمون‭ ‬مع‭ ‬من‭ ‬رفض‭ ‬الانصياع‭ ‬والخضوع‭ ‬لهما‭ ‬أو‭ ‬خالفهما‭ ‬في‭ ‬الرأي،‭ ‬فقد‭ ‬زج‭ ‬الرشيد‭ ‬بإمام‭ ‬الشيعة‭ ‬موسى‭ ‬بن‭ ‬جعفر‭ ‬الصادق‭ ‬في‭ ‬السجن‭ ‬بعد‭ ‬خلاف‭ ‬نشب‭ ‬بينهما،‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬فارق‭ ‬الحياة‭ ‬في‭ ‬غياهب‭ ‬زنازينه‭ ‬المظلمة،‭ ‬وبعد‭ ‬أن‭ ‬انضم‭ ‬المأمون‭ ‬إلى‭ ‬تيار‭ ‬المعتزلة‭ ‬وآمن‭ ‬بنظرية‭ ‬“خلق‭ ‬القرآن”‭ ‬وجعلها‭ ‬عقيدة‭ ‬رسمية‭ ‬للدولة‭ ‬وسعى‭ ‬إلى‭ ‬فرضها‭ ‬بالقوة‭ ‬والإكراه‭ ‬على‭ ‬جميع‭ ‬المسلمين،‭ ‬وتتبع‭ ‬وهدد‭ ‬كل‭ ‬رافض‭ ‬أو‭ ‬منكر‭ ‬لها‭ ‬بالتنكيل‭ ‬والقتل‭ ‬والسجن،‭ ‬بحيث‭ ‬عرفت‭ ‬هذه‭ ‬المرحلة‭ ‬بـ‭ ‬“محنة‭ ‬خلق‭ ‬القرآن”،‭ ‬وكان‭ ‬أبرز‭ ‬مَن‭ ‬تعرّض‭ ‬للاضطهاد‭ ‬والتنكيل‭ ‬والجلد‭ ‬والحبس‭ ‬لرفضه‭ ‬هذه‭ ‬المقولة‭ ‬هو‭ ‬الإمام‭ ‬أحمد‭ ‬بن‭ ‬حنبل،‭ ‬الذي‭ ‬قضى‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬عامين‭ ‬ونصف‭ ‬العام‭ ‬في‭ ‬سجون‭ ‬العباسيين‭.‬

هذا‭ ‬في‭ ‬جانب،‭ ‬أما‭ ‬الجانب‭ ‬الذي‭ ‬أردنا‭ ‬التركيز‭ ‬عليه‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الوقفة‭ ‬هو‭ ‬التأكيد‭ ‬على‭ ‬عدم‭ ‬صحة‭ ‬القول‭ ‬بأن‭ ‬التقدم‭ ‬الفكري‭ ‬والعلمي‭ ‬والفلسفي‭ ‬والثقافي‭ ‬والحضاري‭ ‬يأتي‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬المعتقدات‭ ‬الدينية،‭ ‬وأنه‭ ‬بطبيعته‭ ‬يتناقض‭ ‬معها‭ ‬كما‭ ‬يحاول‭ ‬أن‭ ‬يروج‭ ‬البعض،‭ ‬ففي‭ ‬الوقت‭ ‬الذي‭ ‬ازدهرت‭ ‬فيه‭ ‬حركة‭ ‬التأليف‭ ‬والترجمة‭ ‬والعلوم‭ ‬الانسانية‭ ‬والفلسفية‭ ‬وعلوم‭ ‬الطب‭ ‬والفلك‭ ‬والرياضيات‭ ‬والهندسة‭ ‬وغيرها‭ ‬في‭ ‬عهد‭ ‬هارون‭ ‬الرشيد‭ ‬وابنه‭ ‬المأمون،‭ ‬فقد‭ ‬ازدهرت‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه‭ ‬علوم‭ ‬الكلام‭ ‬والحديث‭ ‬والفقه‭ ‬الإسلامي،‭ ‬وولد‭ ‬علم‭ ‬تفسير‭ ‬القرآن‭ ‬وفصله‭ ‬عن‭ ‬علم‭ ‬الحديث،‭ ‬وانبثقت‭ ‬مظاهر‭ ‬التنوع‭ ‬والتعدد‭ ‬في‭ ‬الفكر‭ ‬الإسلامي،‭ ‬فظهرت‭ ‬في‭ ‬الفقه‭ ‬مدرستان‭ ‬كبيرتان‭ ‬هما‭ ‬مدرسة‭ ‬أهل‭ ‬الرأي‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬ومدرسة‭ ‬أهل‭ ‬الحديث‭ ‬في‭ ‬المدينة‭ ‬المنورة،‭ ‬وقد‭ ‬ولدت‭ ‬أيضًا‭ ‬وترعرعت‭ ‬المذاهب‭ ‬الاسلامية‭ ‬السنية‭ ‬الأربعة‭ ‬في‭ ‬كنف‭ ‬الدولة‭ ‬العباسية،‭ ‬وعاصر‭ ‬هذه‭ ‬الحقبة‭ ‬أئمة‭ ‬الفقه‭ ‬الأربعة‭ ‬أبوحنيفة‭ ‬ومالك‭ ‬والشافعي‭ ‬وابن‭ ‬حنبل‭.‬

كما‭ ‬عاش‭ ‬في‭ ‬الحقبة‭ ‬ذاتها‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬أئمة‭ ‬المذهب‭ ‬الشيعي‭ ‬الاثني‭ ‬عشري‭ ‬وفي‭ ‬مقدمتهم‭ ‬الإمام‭ ‬جعفر‭ ‬بن‭ ‬محمد‭ ‬الصادق،‭ ‬أكبر‭ ‬مؤسسي‭ ‬الفقه‭ ‬الشيعي‭ ‬والذي‭ ‬نسب‭ ‬مذهب‭ ‬الشيعة‭ ‬الإمامية‭ ‬إليه،‭ ‬فسمي‭ ‬بالمذهب‭ ‬الجعفري،‭ ‬وقد‭ ‬حظي‭ ‬الإمام‭ ‬الصادق‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬الفترة‭ ‬بمكانة‭ ‬مميّزة‭ ‬من‭ ‬العلم‭ ‬عند‭ ‬أئمة‭ ‬مذهب‭ ‬أهل‭ ‬السنة‭ ‬والجماعة،‭ ‬فقد‭ ‬روى‭ ‬عنه‭ ‬مالك‭ ‬بن‭ ‬أنس،‭ ‬وعدّه‭ ‬أبو‭ ‬حنيفة‭ ‬أعلم‭ ‬أهل‭ ‬زمانه‭.‬

ونعود‭ ‬إلى‭ ‬عنوان‭ ‬هذا‭ ‬المقال‭ ‬لنؤكد‭ ‬أن‭ ‬التقدم‭ ‬العلمي‭ ‬والرقي‭ ‬الحضاري‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يتحققا‭ ‬بشكل‭ ‬فاعل‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬مجتمع‭ ‬أو‭ ‬أي‭ ‬دولة‭ ‬مهما‭ ‬كبرت‭ ‬وعلا‭ ‬شأنها‭ ‬وارتفعت‭ ‬مكانتها،‭ ‬ومهما‭ ‬توسع‭ ‬نفوذها‭ ‬السياسي‭ ‬وثراؤها‭ ‬المادي‭ ‬وسيطها‭ ‬العسكري،‭ ‬إلا‭ ‬عندما‭ ‬تكون‭ ‬مبادئ‭ ‬الحرية‭ ‬الفكرية‭ ‬معززة‭ ‬ومصانة‭ ‬فيها،‭ ‬والتي‭ ‬من‭ ‬دونها‭ ‬يصعب‭ ‬على‭ ‬العقول‭ ‬التحرر‭ ‬والانطلاق،‭ ‬ويصعب‭ ‬ترسيخ‭ ‬الأسس‭ ‬العلمية‭ ‬اللازمة‭ ‬لتمكين‭ ‬الدول‭ ‬والمجتمعات‭ ‬من‭ ‬اكتساب‭ ‬المعارف‭ ‬وتعظيمها‭ ‬والتي‭ ‬تؤدي‭ ‬بدورها‭ ‬إلى‭ ‬الإنتاج‭ ‬والإبداع‭ ‬وهما‭ ‬سر‭ ‬ومنطلق‭ ‬التقدم‭ ‬والرقي‭.‬