رؤيا مغايرة

للأم 360 يوماً

| فاتن حمزة

لسنا‭ ‬من‭ ‬أنصار‭ ‬تحديد‭ ‬يوم‭ ‬واحد‭ ‬في‭ ‬السنة‭ ‬للأم،‭ ‬ولا‭ ‬شك‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬من‭ ‬يجهل‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الأيام‭ ‬أو‭ ‬الأعياد‭ ‬كما‭ ‬يحلو‭ ‬للبعض‭ ‬تسميتها‭ ‬آتية‭ ‬لنا‭ ‬من‭ ‬مجتمعات‭ ‬مادية‭ ‬حين‭ ‬ظهرت‭ ‬برغبة‭ ‬من‭ ‬المفكرين‭ ‬الغربيين‭ ‬والأوروبيين‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬وجدوا‭ ‬الأبناء‭ ‬في‭ ‬مجتمعاتهم‭ ‬يهملون‭ ‬أمهاتهم‭ ‬ولا‭ ‬يؤدون‭ ‬الرعاية‭ ‬الكاملة‭ ‬لهن،‭ ‬فأرادوا‭ ‬أن‭ ‬يجعلوا‭ ‬يوماً‭ ‬في‭ ‬السنة‭ ‬ليذكروا‭ ‬الأبناء‭ ‬بأمهاتهم،‭ ‬ثم‭ ‬اتسعت‭ ‬رقعة‭ ‬المحتفلين‭ ‬به‭.‬

أما‭ ‬نحن‭ ‬فالأم‭ ‬رغم‭ ‬أن‭ ‬حروف‭ ‬الكلمة‭ ‬اثنان،‭ ‬لكنّ‭ ‬هذه‭ ‬الكلمة‭ ‬تحتوي‭ ‬على‭ ‬أكبر‭ ‬معاني‭ ‬الحبّ‭ ‬والعطاء‭ ‬والحنان‭ ‬والتّضحية،‭ ‬فلا‭ ‬توجد‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬وسادة‭ ‬أنعم‭ ‬من‭ ‬حضن‭ ‬الأم،‭ ‬ولا‭ ‬وردة‭ ‬أجمل‭ ‬من‭ ‬ثغرها،‭ ‬إنّ‭ ‬الأم‭ ‬التي‭ ‬تهزّ‭ ‬المهد‭ ‬بيسارها‭ ‬تهزّ‭ ‬العالم‭ ‬بيمينها،‭ ‬أمّي‭ ‬هي‭ ‬النّبع‭ ‬الذي‭ ‬أستمدّ‭ ‬منه‭ ‬أسمى‭ ‬مبادئ‭ ‬حياتي،‭ ‬لو‭ ‬كان‭ ‬العالم‭ ‬في‭ ‬كفّة‭ ‬وأمّي‭ ‬في‭ ‬الكفّة‭ ‬الأخرى‭ ‬لاخترت‭ ‬أمي،‭ ‬فعلاً‭ ‬إنّ‭ ‬مستقبل‭ ‬الطفل‭ ‬رهين‭ ‬بأمه‭.‬

أمي‭ ‬هي‭ ‬التي‭ ‬صنعتني،‭ ‬فقد‭ ‬كانت‭ ‬أمي‭ ‬امرأة‭ ‬مدهشة،‭ ‬كانت‭ ‬تضمّ‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬في‭ ‬الأرض‭ ‬من‭ ‬طيبة،‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬أنا‭ ‬وكل‭ ‬ما‭ ‬أريد‭ ‬أن‭ ‬أكونه‭ ‬يدين‭ ‬لأمّي،‭ ‬إن‭ ‬صَغُر‭ ‬العالم‭ ‬كلّه‭ ‬فالمرأة‭ ‬تبقى‭ ‬كبيرة‭. ‬إنّ‭ ‬صلوات‭ ‬الأم‭ ‬الصّامتة‭ ‬الرّقيقة‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تضلّ‭ ‬طريقها‭ ‬إلى‭ ‬ينبوع‭ ‬الخير،‭ ‬الأم‭ ‬شمعة‭ ‬مقدّسة‭ ‬تُضيء‭ ‬ليل‭ ‬الحياة‭ ‬بتواضع‭ ‬ورقّة‭ ‬وفائدة،‭ ‬الأمومة‭ ‬هي‭ ‬حجر‭ ‬الزّاوية‭ ‬في‭ ‬صرح‭ ‬السّعادة‭ ‬الزوجيّة،‭ ‬وما‭ ‬يتعلّمه‭ ‬الطّفل‭ ‬على‭ ‬ركبتي‭ ‬أمّه‭ ‬لا‭ ‬يُمحى‭ ‬أبداً،‭ ‬لم‭ ‬أطمئن‭ ‬قط‭ ‬إلّا‭ ‬وأنا‭ ‬في‭ ‬حضن‭ ‬أمّي‭... ‬فقائمة‭ ‬ما‭ ‬قيل‭ ‬فيها‭ ‬طويلة،‭ ‬ولم‭ ‬أعرف‭ ‬معنى‭ ‬الأمومة‭ ‬إلا‭ ‬عندما‭ ‬رزقت‭ ‬بولد،‭ ‬ثم‭ ‬آخرهم‭ ‬الذي‭ ‬أبصر‭ ‬النور‭ ‬قبل‭ ‬أيام،‭ ‬حينها‭ ‬عرفت‭ ‬أنّ‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬أقدمه‭ ‬لأمي‭ ‬لا‭ ‬يساوي‭ ‬ليلةً‭ ‬واحدةً‭ ‬سهرت‭ ‬فيها‭ ‬من‭ ‬أجلي،‭ ‬وحينها‭ ‬فقط‭ ‬عشقت‭ ‬عمري‭ ‬لأنّي‭ ‬إذا‭ ‬متُ‭ ‬أخجل‭ ‬من‭ ‬دمع‭ ‬أمّي‭.‬

وأي‭ ‬قول‭ ‬بعد‭ ‬قول‭ ‬الله‭ ‬عز‭ ‬وجل‭ ‬“وَقَضَىٰ‭ ‬رَبُّكَ‭ ‬أَلَّا‭ ‬تَعْبُدُوا‭ ‬إِلَّا‭ ‬إِيَّاهُ‭ ‬وَبِالْوَالِدَيْنِ‭ ‬إِحْسَانًا‭ ‬إِمَّا‭ ‬يَبْلُغَنَّ‭ ‬عِندَكَ‭ ‬الْكِبَرَ‭ ‬أَحَدُهُمَا‭ ‬أَوْ‭ ‬كِلَاهُمَا‭ ‬فَلَاتَقُل‭ ‬لَّهُمَا‭ ‬أُفٍّ‭ ‬وَلَا‭ ‬تَنْهَرْهُمَا‭ ‬وَقُل‭ ‬لَّهُمَا‭ ‬قَوْلًا‭ ‬كَرِيمًا”‭.‬