الوحدة العربية

| عبدعلي الغسرة

الوحدة‭ ‬العربية‭ ‬حُلمٌ‭ ‬لكل‭ ‬عربي‭ ‬بأن‭ ‬تتوحد‭ ‬أقطاره‭ ‬جميعًا‭ ‬في‭ ‬وطنٍ‭ ‬عربيٍ‭ ‬واحد،‭ ‬وأن‭ ‬تتصرف‭ ‬أقطاره‭ ‬بحرية‭ ‬وتتمتع‭ ‬بخيرها‭ ‬الاقتصادي،‭ ‬وفي‭ ‬فبراير‭ ‬1958م‭ ‬تحققت‭ ‬أول‭ ‬وحدة‭ ‬عربية‭ ‬بين‭ ‬القطرين‭ ‬السوري‭ ‬والمصري‭ ‬في‭ ‬“الجمهورية‭ ‬العربية‭ ‬المتحدة”‭ ‬التي‭ ‬استمرت‭ ‬حتى‭ ‬1961م،‭ ‬وعاشت‭ ‬هذه‭ ‬الوحدة‭ ‬عُمرًا‭ ‬قصيرًا‭ ‬لم‭ ‬تتمكن‭ ‬من‭ ‬إنجاز‭ ‬أهدافها‭ ‬ولم‭ ‬ينل‭ ‬الشعب‭ ‬العربي‭ ‬ثمارها‭.‬

وبعد‭ ‬وأد‭ ‬هذه‭ ‬الوحدة‭ ‬اليتيمة‭ ‬تراجع‭ ‬العمل‭ ‬الوحدوي‭ ‬العربي،‭ ‬وبدأت‭ ‬مسيرة‭ ‬تمزيق‭ ‬الأقطار‭ ‬العربية‭ ‬وضرب‭ ‬نسيجها‭ ‬الوطني‭ ‬الواحد‭ ‬تلو‭ ‬الآخر،‭ ‬ونشر‭ ‬كل‭ ‬أشكال‭ ‬العصبيات‭ ‬العرقية‭ ‬والطائفية‭ ‬والمذهبية‭ ‬والعشائرية‭ ‬التي‭ ‬نمت‭ ‬وازدهرت‭ ‬في‭ ‬عصر‭ ‬غياب‭ ‬الوحدة‭ ‬الذي‭ ‬أدى‭ ‬إلى‭ ‬تردي‭ ‬الأمن‭ ‬القومي‭ ‬العربي‭ ‬والأمن‭ ‬القطري،‭ ‬وجالت‭ ‬الحروب‭ ‬البينية‭ ‬واشتدت‭ ‬الصراعات،‭ ‬وغابت‭ ‬التنمية‭ ‬رغم‭ ‬ما‭ ‬تملكه‭ ‬أقطارنا‭ ‬من‭ ‬موارد،‭ ‬وانتشر‭ ‬بين‭ ‬أرجائها‭ ‬البؤس‭.‬

إن‭ ‬الوحدة‭ ‬العربية‭ ‬لا‭ ‬تُمثل‭ ‬هدفًا‭ ‬قوميًا‭ ‬عاطفيًا،‭ ‬بل‭ ‬هي‭ ‬حاجة‭ ‬وجودية‭ ‬لأمتنا،‭ ‬وإنسانية‭ ‬لنا،‭ ‬وركيزة‭ ‬سياسية‭ ‬واقتصادية‭ ‬واجتماعية‭ ‬لأقطارنا،‭ ‬وضرورة‭ ‬تنموية‭ ‬وأمنية‭ ‬لوطننا‭ ‬العربي،‭ ‬لذا‭ ‬كان‭ ‬وأد‭ ‬الوحدة‭ ‬لمنع‭ ‬الوحدة،‭ ‬وتجزئتها،‭ ‬وسلب‭ ‬حريتها،‭ ‬لتكون‭ ‬ضعيفة‭ ‬ومتأخرة‭. ‬إن‭ ‬تحقيق‭ ‬الوحدة‭ ‬بين‭ ‬الأقطار‭ ‬العربية‭ ‬ضمانة‭ ‬أساسية‭ ‬لقوتها‭ ‬وركيزة‭ ‬لازدهارها‭ ‬وعنوان‭ ‬لتحقيق‭ ‬تفوقها‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬المجالات،‭ ‬فتحقيق‭ ‬الوحدة‭ ‬العربية‭ ‬يُحقق‭ ‬أهداف‭ ‬مشروع‭ ‬الأمة‭ ‬النهضوي،‭ ‬وهي‭ ‬أهداف‭ ‬سياسية‭ ‬واقتصادية‭ ‬واجتماعية‭ ‬مشروعة‭ ‬للأمة‭ ‬العربية‭ ‬وشعبها‭ ‬الذي‭ ‬يتمنى‭ ‬أن‭ ‬ينعم‭ ‬بثمار‭ ‬هذه‭ ‬الأهداف،‭ ‬وعلى‭ ‬الأقطار‭ ‬العربية‭ ‬أن‭ ‬تعمل‭ ‬جاهدة‭ ‬لتحقيق‭ ‬الأهداف‭ ‬العربية‭ ‬لكل‭ ‬المشاريع‭ ‬العربية‭ ‬المشتركة‭ ‬وتطويرها‭ ‬وتنميتها‭ ‬اقتصاديًا‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬السوق‭ ‬العربية‭ ‬المشتركة،‭ ‬وإلغاء‭ ‬عوائق‭ ‬النقل‭ ‬الجمركي‭ ‬والانتقال‭ ‬البشري‭ ‬بين‭ ‬أقطارها،‭ ‬والتعاون‭ ‬المثمر‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬المجالات‭ ‬المالية‭ ‬والصناعية‭ ‬والزراعية‭ ‬والثروة‭ ‬الحيوانية‭ ‬والمائية‭ ‬والثقافية‭ ‬والغذائية‭ ‬والتقنية‭ ‬والتكنولوجية‭ ‬وصولًا‭ ‬لتحقيق‭ ‬الوحدة‭ ‬الاقتصادية‭ ‬العربية‭.‬