وداعًا أيها الأمير القائد

| عبدالنبي الشعلة

أبا‭ ‬عليٍّ‭ ‬وداعًا‭ ‬كيف‭ ‬أنطقها‭ ‬

‭ ‬وهي‭ ‬الفراقُ‭ ‬وفيها‭ ‬القلب‭ ‬يبتهلُ

أبا‭ ‬علي‭ ‬أميرَ‭ ‬الفضلِ‭ ‬يا‭ ‬رجلًا‭ ‬

‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬مكرمة‭ ‬ما‭ ‬فاقهُ‭ ‬رجلُ

كنتَ‭ ‬الصديقَ‭ ‬الذي‭ ‬إن‭ ‬جار‭ ‬بي‭ ‬زمنٌ‭ ‬

‭ ‬ألقاهُ‭ ‬أسرعَ‭ ‬مَن‭ ‬لَبوا‭ ‬ومَن‭ ‬بَذلوا

هذه‭ ‬3‭ ‬أبيات‭ ‬أنقلها‭ ‬من‭ ‬رثائية‭ ‬نظمها‭ ‬مشكورًا‭ ‬الوزير‭ ‬الشاعر‭ ‬الإماراتي‭ ‬مانع‭ ‬بن‭ ‬سعيد‭ ‬العتيبة‭ ‬فور‭ ‬سماعه‭ ‬نبأ‭ ‬وفاة‭ ‬رئيس‭ ‬وزراء‭ ‬مملكة‭ ‬البحرين‭ ‬المغفور‭ ‬له‭ ‬صاحب‭ ‬السمو‭ ‬الملكي‭ ‬الأمير‭ ‬خليفة‭ ‬بن‭ ‬سلمان‭ ‬آل‭ ‬خليفة‭ ‬طيب‭ ‬الله‭ ‬ثراه‭. ‬

إن‭ ‬هذه‭ ‬الأبيات‭ ‬تعبر‭ ‬وتعكس‭ ‬بصدق،‭ ‬وبأكبر‭ ‬قدر‭ ‬ممكن‭ ‬من‭ ‬الدقة،‭ ‬ما‭ ‬أحسُ‭ ‬به‭ ‬شخصيًا،‭ ‬وما‭ ‬يحس‭ ‬به‭ ‬المئات‭ ‬بل‭ ‬الآلاف‭ ‬ممن‭ ‬عاشروا‭ ‬وعرفوا‭ ‬عن‭ ‬قرب‭ ‬الأمير‭ ‬الراحل،‭ ‬والذين‭ ‬أعد‭ ‬نفسي‭ ‬واحدا‭ ‬منهم‭.‬

كانت‭ ‬البداية‭ ‬منذ‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬50‭ ‬عامًا‭ ‬عندما‭ ‬التقيته‭ ‬لأول‭ ‬مرة‭ ‬في‭ ‬مجلسه‭ ‬المسائي‭ ‬في‭ ‬بيته‭ ‬القديم‭ ‬بالرفاع‭ ‬الغربي،‭ ‬لم‭ ‬أكن‭ ‬قد‭ ‬بلغت‭ ‬العشرين‭ ‬من‭ ‬عمري‭ ‬وقتها،‭ ‬وكانت‭ ‬التجربة‭ ‬باهرة‭ ‬ومؤثرة‭.‬

وأمتدت‭ ‬علاقتي‭ ‬بالمرحوم‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬حرصي‭ ‬على‭ ‬حضور‭ ‬ذلك‭ ‬المجلس‭ ‬كلما‭ ‬سنحت‭ ‬الفرصة،‭ ‬ثم‭ ‬تطورت‭ ‬بتكثيف‭ ‬التواصل‭ ‬واللقاءات‭ ‬والاجتماعات‭ ‬به‭ ‬من‭ ‬موقعي‭ ‬كعضو‭ ‬في‭ ‬مجلس‭ ‬إدارة‭ ‬غرفة‭ ‬تجارة‭ ‬وصناعة‭ ‬البحرين‭ ‬لثلاثة‭ ‬عشر‭ ‬عامًا،‭ ‬وعضويتي‭ ‬بمجلس‭ ‬الشورى‭ ‬لدورتين‭ ‬انقطعت‭ ‬الدورة‭ ‬الثانية‭ ‬منها‭ ‬قبل‭ ‬نهايتها‭ ‬بتعييني‭ ‬وزيرًا؛‭ ‬لأعمل‭ ‬تحت‭ ‬إمرته‭ ‬وإدارته‭ ‬المباشرة‭ ‬لمدة‭ ‬10‭ ‬سنوات‭ ‬أخرى‭.‬

لقد‭ ‬ترسخت‭ ‬وتعززت‭ ‬علاقتي‭ ‬بسموه‭ ‬أيضًا‭ ‬بعد‭ ‬انتهاء‭ ‬مدة‭ ‬العشر‭ ‬سنوات‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬2005،‭ ‬عندما‭ ‬منحني‭ ‬وضعًا‭ ‬استثنائيًا‭ ‬فريدًا‭ ‬وغير‭ ‬رسمي،‭ ‬وأكرمني‭ ‬بأن‭ ‬وفر‭ ‬لي‭ ‬فرصة‭ ‬اللقاء‭ ‬به‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬وقت‭ ‬أشاء‭ ‬في‭ ‬ديوانه‭ ‬وفي‭ ‬قصره‭ ‬أيضًا‭ ‬في‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الأحيان،‭ ‬وكان‭ ‬يدعوني‭ ‬للمشاركة‭ ‬في‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الاجتماعات‭ ‬الرسمية‭ ‬واللقاءات‭ ‬التي‭ ‬يعقدها،‭ ‬وحضور‭ ‬المناسبات‭ ‬الرسمية‭ ‬التي‭ ‬يشارك‭ ‬فيها،‭ ‬والمعارض‭ ‬والمؤتمرات‭ ‬التي‭ ‬يفتتحها‭ ‬أو‭ ‬تقام‭ ‬تحت‭ ‬رعايته،‭ ‬والولائم‭ ‬الرسمية‭ ‬التي‭ ‬يقيمها‭ ‬على‭ ‬شرف‭ ‬ضيوف‭ ‬البلاد،‭ ‬ومرافقته‭ ‬في‭ ‬سفراته‭ ‬ورحلاته‭ ‬للخارج،‭ ‬الرسمية‭ ‬منها‭ ‬والخاصة،‭ ‬التي‭ ‬كان‭ ‬آخرها‭ ‬الزيارة‭ ‬التي‭ ‬قام‭ ‬بها‭ ‬لمملكة‭ ‬تايلند‭ ‬قبل‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬عام‭ ‬وقبل‭ ‬أن‭ ‬تعوقه‭ ‬ظروفة‭ ‬الصحية‭ ‬عن‭ ‬السفر،‭ ‬وقد‭ ‬توثقت‭ ‬وتوطدت‭ ‬هذه‭ ‬العلاقة‭ ‬منذ‭ ‬بدايتها‭ ‬وعلى‭ ‬مختلف‭ ‬مراحلها‭ ‬المتعددة‭ ‬لتؤدي‭ ‬إلى‭ ‬ارتباطي‭ ‬به‭ ‬بوشائج‭ ‬المودة‭ ‬والاحترام‭ ‬والتقدير‭ ‬والمحبة‭ ‬المتبادلة،‭ ‬لقيت‭ ‬خلالها‭ ‬منه‭ ‬رحمه‭ ‬الله‭ ‬كل‭ ‬الرعاية‭ ‬والعناية‭ ‬والاهتمام‭.‬

لقد‭ ‬كان‭ ‬سموه‭ ‬يعتبرني‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬الفترة‭ ‬بالذات‭ ‬أخًا‭ ‬وصديقًا،‭ ‬وكان‭ ‬يعبر‭ ‬عن‭ ‬ذلك‭ ‬صراحة‭ ‬أمام‭ ‬الجميع؛‭ ‬ولقد‭ ‬أغدق‭ ‬عليّ‭ ‬رحمه‭ ‬الله‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬تلك‭ ‬المراحل‭ ‬بفائض‭ ‬لطفه‭ ‬وكرمه‭ ‬وعطفه‭ ‬ودعمه‭ ‬وتشجيعه‭ ‬واهتمامه،‭ ‬مما‭ ‬يفرض‭ ‬عليَّ‭ ‬واجب‭ ‬الشكر‭ ‬والعرفان‭ ‬والوفاء،‭ ‬فأصبح‭ ‬وما‭ ‬يزال‭ ‬يحكم‭ ‬شعوري‭ ‬تجاهه‭ ‬الإحساس‭ ‬بالامتنان‭ ‬والتقدير،‭ ‬وأصبح‭ ‬ينطبق‭ ‬عليّ‭ ‬قول‭ ‬المتنبي‭: ‬“إذا‭ ‬أنت‭ ‬أكرمت‭ ‬الكريم‭ ‬ملكته”،‭ ‬وأصبحت‭ ‬أتمثل‭ ‬دائمًا‭ ‬بقوله‭ ‬سبحانه‭ ‬وتعالى‭ ‬“هل‭ ‬جزاء‭ ‬الإحسان‭ ‬إلا‭ ‬الإحسان”؟

في‭ ‬هذه‭ ‬الوقفة‭ ‬القصيرة‭ ‬فإنني‭ ‬سأتخطى‭ ‬التطرق‭ ‬إلى‭ ‬إنسانية‭ ‬الفقيد‭ ‬وتواضعه‭ ‬ودماثة‭ ‬خلقه‭ ‬وأصالة‭ ‬معدنه‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تنعكس‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬تصرفاته،‭ ‬وتتجلى‭ ‬دائمًا‭ ‬وفي‭ ‬أروع‭ ‬صورها،‭ ‬على‭ ‬مجمل‭ ‬تفاعلاته‭ ‬وتواصله‭ ‬وعلاقاته‭ ‬الإنسانية‭ ‬الأسرية‭ ‬منها‭ ‬والمهنية‭ ‬والاجتماعية،‭ ‬وسأكتفي‭ ‬بالتحدث‭ ‬باختصار‭ ‬شديد‭ ‬عن‭ ‬الخصال‭ ‬والإمكانيات‭ ‬والقدرات‭ ‬القيادية‭ ‬والإدارية‭ ‬التي‭ ‬كان‭ ‬يتمتع‭ ‬بها‭ ‬هذا‭ ‬الرجل،‭ ‬والتي‭ ‬لا‭ ‬يصعب‭ ‬اكتشافها‭ ‬من‭ ‬أول‭ ‬وهلة‭.‬

وتعرَّف‭ ‬القيادة‭ ‬بأنها‭ ‬قدرة‭ ‬وفعالية‭ ‬وبراعة‭ ‬القائد‭ ‬السياسي،‭ ‬بمعاونة‭ ‬النخبة‭ ‬السياسية،‭ ‬في‭ ‬تحديد‭ ‬أهداف‭ ‬المجتمع‭ ‬السياسي‭ ‬وترتيبها‭ ‬تصاعديًا‭ ‬بحسب‭ ‬أولوياتها،‭ ‬واختيار‭ ‬الوسائل‭ ‬الملائمة‭ ‬لتحقيق‭ ‬هذه‭ ‬الأهداف‭ ‬بما‭ ‬يتفق‭ ‬مع‭ ‬القدرات‭ ‬الحقيقية‭ ‬للمجتمع،‭ ‬وتقدير‭ ‬أبعاد‭ ‬المواقف‭ ‬التي‭ ‬تواجه‭ ‬المجتمع‭ ‬واتخاذ‭ ‬القرارات‭ ‬اللازمة‭ ‬لمواجهة‭ ‬المشكلات‭ ‬والأزمات‭ ‬التي‭ ‬تفرزها‭ ‬هذه‭ ‬المواقف،‭ ‬ويتم‭ ‬ذلك‭ ‬كله‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬تفاعل‭ ‬تحكمه‭ ‬القيم‭ ‬والمبادئ‭ ‬العليا‭ ‬للمجتمع‭.‬

‭ ‬لقد‭ ‬كان‭ ‬رحمه‭ ‬الله‭ ‬يتمتع‭ ‬بحضور‭ ‬لافت‭ ‬مؤثر،‭ ‬وشخصية‭ ‬قوية‭ ‬ناضجة‭ ‬واثقة‭ ‬من‭ ‬نفسها،‭ ‬مسيطرة‭ ‬على‭ ‬انفعالاتها،‭ ‬وكاريزما‭ ‬بارزة،‭ ‬ومقدرة‭ ‬على‭ ‬التواصل‭ ‬والتعبير‭ ‬والتخاطب‭ ‬والنفاذ‭ ‬إلى‭ ‬من‭ ‬يتحدث‭ ‬إليهم،‭ ‬وهي‭ ‬من‭ ‬أهم‭ ‬المهارات‭ ‬التي‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يتحلى‭ ‬بها‭ ‬القائد،‭ ‬كما‭ ‬كان‭ ‬يهتم‭ ‬بالتفاصيل؛‭ ‬ولديه‭ ‬معرفة‭ ‬واسعة‭ ‬بالأنساب‭ ‬والعوائل‭ ‬والقبائل‭ ‬والمناطق‭ ‬والأماكن‭ ‬والأحداث‭ ‬في‭ ‬المنطقة،‭ ‬وقوة‭ ‬خارقة‭ ‬للذاكرة‭ ‬مكنته‭ ‬من‭ ‬حفظ‭ ‬كل‭ ‬ذلك؛‭  ‬إن‭ ‬تلك‭ ‬المهارات‭ ‬والمقومات‭ ‬القيادية‭ ‬الأساسية‭ ‬التي‭ ‬اتفق‭ ‬عليها‭ ‬جميع‭ ‬المفكرين‭ ‬والمختصين،‭ ‬كان‭ ‬رحمه‭ ‬الله‭ ‬يتحلى‭ ‬بها‭.‬

وكان‭ ‬رحمه‭ ‬الله‭ ‬جادا‭ ‬صبورا‭ ‬جلدًا،‭ ‬ملتزمًا‭ ‬بأداء‭ ‬مسؤولياته‭ ‬وواجباته،‭ ‬حكيمًا‭ ‬محنكًا‭ ‬ينصت‭ ‬إلى‭ ‬آراء‭ ‬الغير،‭ ‬ويتقبل‭ ‬النقد،‭ ‬ويتغاضى‭ ‬عن‭ ‬الإساءة‭ ‬إيمانًا‭ ‬بالحكمة‭ ‬القائلة‭: ‬“لا‭ ‬ترمى‭ ‬إلا‭ ‬الشجرة‭ ‬المثمرة”،‭ ‬ولديه‭ ‬خبرة‭ ‬زاخرة،‭ ‬ورؤية‭ ‬ثاقبة،‭ ‬ونظرة‭ ‬بعيدة‭ ‬وقدرة‭ ‬على‭ ‬الاستشراف،‭ ‬جعلته‭ ‬قادرًا‭ ‬على‭ ‬قراءة‭ ‬التوقعات‭ ‬وإدراك‭ ‬الارتباط‭ ‬بين‭ ‬الحدث‭ ‬والسبب‭ ‬الكامن‭ ‬وراءه‭.‬

ولقد‭ ‬أصبح‭ ‬رحمه‭ ‬الله‭ ‬على‭ ‬دراية‭ ‬تامة‭ ‬بالأهمية‭ ‬المتزايدة‭  ‬لمهارات‭ ‬الاتصال‭ ‬والتخاطب‭ ‬والقدرة‭ ‬على‭ ‬استيعاب‭ ‬دور‭ ‬وأهمية‭ ‬كافة‭ ‬الوسائل‭ ‬والشبكات‭ ‬والمنصات‭ ‬الإعلامية‭ ‬ومختلف‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬في‭ ‬بلورة‭ ‬وعي‭ ‬المجتمع،‭ ‬ومن‭ ‬هنا‭ ‬ينطلق‭ ‬اهتمام‭ ‬سموه‭ ‬بالتواصل‭ ‬والتفاعل‭ ‬الدائم‭ ‬مع‭ ‬وسائل‭ ‬ورجال‭ ‬الصحافة‭ ‬والإعلام‭ ‬وحملة‭ ‬الأقلام‭ ‬وقادة‭ ‬الفكر‭ ‬والثقافة‭.‬

وكان‭ ‬رحمه‭ ‬الله‭ ‬على‭ ‬درجة‭ ‬عالية‭ ‬من‭ ‬الحساسية‭ ‬الاجتماعية،‭ ‬Social Sensitivity‭  ‬وادراك‭ ‬تام‭ ‬لأبعادها،‭ ‬وكفاءة‭ ‬مميزة‭ ‬على‭ ‬توظيفها‭ ‬بكل‭ ‬مهارة‭ ‬واقتدار‭ ‬في‭ ‬إدارة‭ ‬منظومة‭ ‬علاقاته‭ ‬الشخصية‭ ‬بالأفراد‭ ‬والأماكن‭ ‬والمناسبات،‭ ‬واستخدام‭ ‬تلك‭ ‬الحساسية‭ ‬كمحرك‭ ‬للنفاذ‭ ‬والتغلغل‭ ‬والتأثير‭ ‬على‭ ‬مدارك‭ ‬من‭ ‬يخاطبهم،‭ ‬وتحسس‭ ‬وتلمس‭ ‬هواجسهم‭ ‬ودوافعهم‭ ‬وتطلعاتهم‭. ‬وضمن‭ ‬إطار‭ ‬تلك‭ ‬الحساسية‭ ‬فقد‭ ‬عُرف‭ ‬عنه،‭ ‬رحمه‭ ‬الله،‭ ‬مراعاته‭ ‬الدائمة‭ ‬لشعور‭ ‬الآخرين،‭ ‬وحرصه‭ ‬الشديد‭ ‬على‭ ‬عدم‭ ‬إهانة‭ ‬أو‭ ‬إحراج‭ ‬أحد‭ ‬قط‭ ‬أو‭ ‬القسوة‭ ‬عليه‭. ‬

وفِي‭ ‬خضم‭ ‬تلك‭ ‬الخصال‭ ‬والخصائص‭ ‬القيادية‭ ‬المتنوعة‭ ‬والمختلفة‭ ‬كان‭ ‬ثمة‭ ‬انسجام‭ ‬وتوافق‭ ‬واضحين‭ ‬بينها‭ ‬في‭ ‬داخله‭ ‬ضمن‭ ‬مفهوم‭ ‬تكامل‭ ‬الصفات‭ ‬الشخصية‭ ‬Personality Integration‭  ‬وهي‭ ‬من‭ ‬أساسيات‭ ‬الكفاءات‭ ‬الإدارية‭ ‬والقيادية‭ ‬الناجحة‭.‬

وكان‭ ‬الجدل‭ ‬قد‭ ‬احتدم‭ ‬بين‭ ‬المفكرين‭ ‬والمختصين‭ ‬حول‭ ‬ماهية‭ ‬الخصائص‭ ‬والملكات‭ ‬القيادية،‭ ‬وهل‭ ‬هي‭ ‬فطرية‭ ‬أم‭ ‬مكتسبة؟‭ ‬وهل‭ ‬يولد‭ ‬القائد‭ ‬بصفات‭ ‬أو‭ ‬سمات‭ ‬وراثية‭ ‬تؤهله‭ ‬للقيادة؟

إن‭ ‬“نظرية‭ ‬الرجل‭ ‬العظيم”‭ ‬تعتبر‭ ‬من‭ ‬أشهر‭ ‬النظريات‭ ‬في‭ ‬القيادة،‭ ‬التي‭ ‬تفترض‭ ‬أن‭ ‬القائد‭ ‬يولد‭ ‬بخصائص‭ ‬قيادية‭ ‬ساطعة‭ ‬تمكنه‭ ‬وتؤهله‭ ‬للقيادة‭ ‬الحكيمة‭. ‬كما‭ ‬أن‭ ‬من‭ ‬أبرز‭ ‬الباحثين‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المجال‭ ‬العالم‭ ‬رالف‭ ‬ستوغدل‭ ‬Stogdill Ralph‭  ‬الذي‭ ‬أعد‭ ‬نحو‭ ‬278‭ ‬دراسة‭ ‬بين‭ ‬عام‭ ‬1904‭ ‬وعام‭ ‬1974م،‭  ‬تعمقت‭ ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬الدراسات‭ ‬في‭ ‬صفات‭ ‬القادة‭ ‬وخصالهم‭ ‬والتي‭ ‬من‭ ‬أبرزها،‭ ‬حسب‭ ‬رأي‭ ‬ستوغدل؛‭ ‬الذكاء،‭ ‬والمبادرة،‭ ‬والمثابرة،‭ ‬والثقة‭ ‬بالنفس،‭ ‬والمسؤولية،‭ ‬واليقظة،‭ ‬والبصيرة،‭ ‬والحس‭ ‬الاجتماعي‭. ‬

إلا‭ ‬أن‭ ‬ثمة‭ ‬دراسات‭ ‬ونظريات‭ ‬حديثة‭ ‬تؤكد‭ ‬أن‭ ‬القيادة‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تتكئ‭ ‬على‭ ‬الصفات‭ ‬الفطرية‭ ‬أو‭ ‬الموروثة‭ ‬فقط،‭ ‬بل‭ ‬تحتاج‭ ‬إلى‭ ‬جملة‭ ‬من‭  ‬القدرات‭ ‬والإمكانيات‭ ‬التي‭ ‬يمكن‭ ‬اكتسابها‭ ‬وصقلها،‭ ‬والتي‭ ‬تمكن‭ ‬الفرد‭ ‬من‭ ‬تحمل‭ ‬عبء‭ ‬المسؤولية‭ ‬وثقل‭ ‬مهمة‭ ‬اتخاذ‭ ‬القرار‭ ‬وتبعاته‭. ‬المرحوم‭ ‬خليفة‭ ‬بن‭ ‬سلمان‭ ‬جمع‭ ‬بين‭ ‬هذين‭ ‬المنظورين‭ ‬فقد‭ ‬توفرت‭ ‬فيه‭ ‬الخصائص‭ ‬القيادية‭ ‬الفطرية‭ ‬الوراثية،‭ ‬وأتاحت‭ ‬له‭ ‬الظروف‭ ‬والممارسة‭ ‬صقلها‭ ‬وتطويرها‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه‭.‬

ليرحم‭ ‬الله‭ ‬صاحب‭ ‬السمو‭ ‬الملكي‭ ‬المغفور‭ ‬له‭ ‬الأمير‭ ‬خليفة‭ ‬بن‭ ‬سلمان‭ ‬آل‭ ‬خليفة،‭ ‬وليطيب‭ ‬ثراه،‭ ‬ولتستقر‭ ‬روحه‭ ‬الطاهرة‭ ‬راضية‭ ‬مرضية‭ ‬إلى‭ ‬جوار‭ ‬ربها‭ ‬مطمئنة‭ ‬في‭ ‬مثواها‭ ‬الأخير،‭ ‬فهذا‭ ‬الوطن‭ ‬الغالي‭ ‬ستظل‭ ‬تحميه‭ ‬وتحفظه‭ ‬وتحرسه‭ ‬عناية‭ ‬الله‭ ‬ورعايته،‭ ‬والسواعد‭ ‬القوية‭ ‬والعيون‭ ‬الساهرة‭ ‬المتيقظة‭ ‬لعاهلنا‭ ‬المفدى‭ ‬صاحب‭ ‬الجلالة‭ ‬الملك‭ ‬حمد‭ ‬بن‭ ‬عيسى‭ ‬آل‭ ‬خليفة‭ ‬حفظه‭ ‬الله‭ ‬ورعاه،‭ ‬وولي‭ ‬عهده‭ ‬الأمين‭ ‬رئيس‭ ‬الوزراء‭ ‬صاحب‭ ‬السمو‭ ‬الملكي‭ ‬الأمير‭ ‬سلمان‭ ‬بن‭ ‬حمد‭ ‬آل‭ ‬خليفة‭ ‬حفظه‭ ‬الله‭ ‬ورعاه‭ ‬وسدد‭ ‬على‭ ‬طريق‭ ‬الخير‭ ‬خطاه‭.‬