أربعون عاما من العطاء الوطني سطر فيها تاريخا وإخلاصا

اللواء محمد بوحمود...رجل الأمن والقانون... رحلت القامة وبقيت القيمة

| المنامة - وزارة الداخلية

بعد‭ ‬مسيرة‭ ‬عطاء‭ ‬ثرية،‭ ‬وسلسلة‭ ‬إنجازات،‭ ‬لا‭ ‬يتسع‭ ‬المجال‭ ‬لحصرها،‭ ‬رحل‭ ‬عن‭ ‬عالمنا‭ ‬اللواء‭ ‬محمد‭ ‬راشد‭ ‬سالم‭ ‬بوحمود‭ ‬الوكيل‭ ‬المساعد‭ ‬للشؤون‭ ‬القانونية‭ ‬بوزارة‭ ‬الداخلية،‭ ‬كان‭ ‬وسيظل‭ ‬قيمة‭ ‬وقامة‭ ‬قانونية‭ ‬رفيعة،‭ ‬وسطر‭ ‬وراءه‭ ‬تاريخا‭ ‬من‭ ‬العطاء‭ ‬الوطني‭ ‬والإخلاص‭ ‬النموذجي‭ ‬في‭ ‬مواقف‭ ‬ومحطات‭ ‬بالغة‭ ‬الأهمية،‭ ‬أثبت‭ ‬خلالها‭ ‬نبوغا‭ ‬قانونيا‭ ‬وتفانيا‭ ‬في‭ ‬العمل‭. ‬جمع‭ ‬بين‭ ‬العمل‭ ‬الأمني‭ ‬والقانوني،‭ ‬وأثبت‭ ‬أن‭ ‬رجل‭ ‬الأمن‭ ‬في‭ ‬وزارة‭ ‬الداخلية‭ ‬لا‭ ‬يشغله‭ ‬سوى‭ ‬تطبيق‭ ‬القانون‭ ‬وتأكيد‭ ‬سيادته‭ ‬في‭ ‬كافة‭ ‬مجالات‭ ‬العمل‭ ‬الأمني،‭ ‬رحل‭ ‬اللواء‭ ‬بوحمود‭ ‬ونعاه‭ ‬وزير‭ ‬الداخلية،‭ ‬متقدما‭ ‬لأسرته‭ ‬وذويه‭ ‬بأحر‭ ‬التعازي‭ ‬وصادق‭ ‬المواساة،‭ ‬داعيا‭ ‬المولى‭ ‬العلي‭ ‬القدير‭ ‬أن‭ ‬يتغمده‭ ‬بواسع‭ ‬رحمته‭ ‬ورضوانه،‭ ‬وأن‭ ‬يسكنه‭ ‬فسيح‭ ‬جناته،‭ ‬ويلهم‭ ‬أهله‭ ‬وذويه‭ ‬الصبر‭ ‬والسلوان‭.‬

محطات‭ ‬مضيئة‭ ‬بالعطاء

مرت‭ ‬مسيرة‭ ‬العطاء‭ ‬بمحطات‭ ‬متعددة،‭ ‬كان‭ ‬فيها‭ ‬الفقيد‭ ‬رمزا‭ ‬للأداء‭ ‬المنضبط‭ ‬إلى‭ ‬أبعد‭ ‬مدى‭. ‬فمنذ‭ ‬تعيينه‭ ‬العام‭ ‬1981‭ ‬وحتى‭ ‬رحيله‭ ‬عن‭ ‬عالمنا‭ ‬ظل‭ ‬متمتعا‭ ‬بروح‭ ‬متميزة‭ ‬من‭ ‬التفاؤل‭ ‬والأخلاق‭ ‬الرفيعة‭ ‬والتواضع‭ ‬الجم،‭ ‬وظل‭ ‬طوال‭ ‬الأربعين‭ ‬عاما‭ ‬التي‭ ‬قضاها‭ ‬في‭ ‬وزارة‭ ‬الداخلية،‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬مواقع‭ ‬متعددة،‭ ‬سواء‭ ‬في‭ ‬الإدارة‭ ‬العامة‭ ‬للحراسات‭ ‬أو‭ ‬إدارة‭ ‬الادعاء‭ ‬العام‭ ‬وكذلك‭ ‬إدارة‭ ‬الشؤون‭ ‬القانونية،‭ ‬رجل‭ ‬القانون‭. ‬ليس‭ ‬هذا‭ ‬وكفى‭ ‬بل‭ ‬رجل‭ ‬الأمن‭ ‬المستنير،‭ ‬ذو‭ ‬الفكر‭ ‬الرشيد‭ ‬والرؤية‭ ‬الناضجة‭ ‬والتفكير‭ ‬العلمي‭ ‬المنطقي‭.‬

ومنذ‭ ‬أن‭ ‬كان‭ ‬برتبة‭ ‬ملازم‭ ‬عام‭ ‬1983‭ ‬وحتى‭ ‬صار‭ ‬برتبة‭ ‬لواء‭ ‬في‭ ‬مارس‭ ‬2015‭ ‬لم‭ ‬يتغير‭ ‬في‭ ‬أدبه‭ ‬ولياقته‭ ‬وأخلاقه‭ ‬الرفيعة،‭ ‬وترك‭ ‬عند‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬تعامل‭ ‬معه‭ ‬بصمة‭ ‬من‭ ‬الذوق‭ ‬الرفيع،‭ ‬ما‭ ‬يجعلك‭ ‬تعاود‭ ‬التعامل‭ ‬معه‭ ‬ثانية،‭ ‬فهكذا‭ ‬الرجال‭ ‬الذين‭ ‬تسعد‭ ‬بالتعامل‭ ‬معهم،‭ ‬ويستحقون‭ ‬أن‭ ‬تجعل‭ ‬منهم‭ ‬نموذجا‭ ‬وقدوة‭.‬

كان‭ ‬الفقيد‭ ‬حاضرا‭ ‬ومشاركا‭ ‬بقوة‭ ‬في‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الاجتماعات‭ ‬وممثلا‭ ‬عن‭ ‬وزارة‭ ‬الداخلية‭ ‬في‭ ‬الكثير‭ ‬منها،‭ ‬خصوصا‭ ‬تلك‭ ‬التي‭ ‬تكتسي‭ ‬بالطابع‭ ‬القانوني،‭ ‬فكانت‭ ‬بصماته‭ ‬ورؤاه‭ ‬التي‭ ‬يعبر‭ ‬فيها‭ ‬عن‭ ‬توجهات‭ ‬وزارة‭ ‬الداخلية‭ ‬واضحة‭ ‬في‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الاتفاقات،‭ ‬ومنها‭ ‬الاتفاقية‭ ‬العربية‭ ‬لمكافحة‭ ‬الإرهاب،‭ ‬والندوات‭ ‬مثل‭ ‬الندوة‭ ‬الدولية‭ ‬حول‭ ‬اتفاقية‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬لمكافحة‭ ‬الجريمة‭ ‬المنظمة‭ ‬والمؤتمرات‭ ‬مثل‭ ‬مؤتمر‭ ‬قادة‭ ‬الشرطة‭ ‬العرب‭ ‬ومؤتمر‭ ‬حماية‭ ‬الطفل‭ ‬من‭ ‬سوء‭ ‬المعاملة‭ ‬والإهمال‭ ‬ومؤتمر‭ ‬المتخصصين‭ ‬في‭ ‬القانون‭ ‬الدولي‭ ‬العام‭ ‬والخاص،‭ ‬بجانب‭ ‬إلقائه‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬المحاضرات‭ ‬في‭ ‬المجال‭ ‬القانوني‭ ‬ومشاركته‭ ‬في‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬اللجان‭ ‬مثل‭ ‬لجنة‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬بوزارة‭ ‬الداخلية‭ ‬ولجنة‭ ‬وضع‭ ‬نظام‭ ‬موحد‭ ‬لشروط‭ ‬وقواعد‭ ‬قبول‭ ‬التبرعات‭ ‬والهبات‭ ‬وآليات‭ ‬صرفها،‭ ‬بجانب‭ ‬مشاركته‭ ‬في‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الاجتماعات‭ ‬المحلية‭ ‬والإقليمية‭ ‬والدولية‭ ‬والزيارات‭ ‬الرسمية‭.‬

وتوالت‭ ‬إنجازات‭ ‬اللواء‭ ‬محمد‭ ‬راشد‭ ‬بوحمود‭ ‬في‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬المجالات‭ ‬القانونية،‭ ‬وكان‭ ‬من‭ ‬بينها‭ ‬ملاحظاته‭ ‬وآراؤه‭ ‬القانونية‭ ‬البناء‭ ‬في‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الأمور،‭ ‬منها‭ ‬المرئيات‭ ‬القانونية‭ ‬لكافة‭ ‬إدارات‭ ‬الوزارة‭ ‬والإشراف‭ ‬على‭ ‬إعداد‭ ‬الدورات‭ ‬والمحاضرات‭ ‬وورش‭ ‬العمل‭ ‬القانونية‭ ‬وإعداد‭ ‬واقتراح‭ ‬وإبداء‭ ‬المرئيات‭ ‬والملاحظات‭ ‬على‭ ‬مشروعات‭ ‬القوانين‭ ‬والتعديلات‭ ‬الخاصة‭ ‬بها،‭ ‬ومنها‭ ‬قانون‭ ‬العقوبات‭ ‬وقانون‭ ‬الطفل‭ ‬وقانون‭ ‬ولائحة‭ ‬المرور،‭ ‬وقانون‭ ‬ولائحة‭ ‬مؤسسة‭ ‬الإصلاح‭ ‬والتأهيل،‭ ‬وقانون‭ ‬الدفاع‭ ‬المدني،‭ ‬وقانون‭ ‬حماية‭ ‬المجتمع‭ ‬من‭ ‬الأعمال‭ ‬الإرهابية‭. ‬هذا‭ ‬فضلا‭ ‬عن‭ ‬دوره‭ ‬في‭ ‬التنسيق‭ ‬الدائم‭ ‬مع‭ ‬الجهات‭ ‬المختصة‭ ‬بإعداد‭ ‬التقارير‭ ‬المتعلقة‭ ‬بحقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬والإشراف‭ ‬على‭ ‬إبداء‭ ‬مرئيات‭ ‬الشؤون‭ ‬القانونية‭ ‬في‭ ‬صياغة‭ ‬الاتفاقات‭ ‬الأمنية‭ ‬لدول‭ ‬مجلس‭ ‬التعاون،‭ ‬والمشاركة‭ ‬الدائمة‭ ‬في‭ ‬اللجنة‭ ‬المنبثقة‭ ‬عن‭ ‬اللجنة‭ ‬الوزارية‭ ‬للشؤون‭ ‬القانونية‭ ‬والتشريعية‭.‬

أوسمة‭ ‬وأنواط‭ ‬تعكس‭ ‬تقديرا‭ ‬وطنيا

تقديرا‭ ‬لعطائه‭ ‬وإخلاصه،‭ ‬نال‭ ‬الفقيد‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الأوسمة‭ ‬والأنواط،‭ ‬نذكر‭ ‬منها‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال،‭ ‬لا‭ ‬الحصر‭: ‬وسام‭ ‬البحرين‭ ‬من‭ ‬الدرجة‭ ‬الأولى،‭ ‬نوط‭ ‬الأمن‭ ‬للخدمة‭ ‬الطويلة‭ ‬“25‭ ‬سنة”،‭ ‬نوط‭ ‬عهد‭ ‬الشيخ‭ ‬عيسى‭ ‬من‭ ‬الدرجة‭ ‬الأولى،‭ ‬نوط‭ ‬الأمن‭ ‬للخدمة‭ ‬الممتازة‭ ‬من‭ ‬الدرجة‭ ‬الأولى،‭ ‬بجانب‭ ‬نوط‭ ‬الشهامة‭ ‬والعديد‭ ‬من‭ ‬رسائل‭ ‬الشكر‭ ‬والتقدير‭.‬

وشمل‭ ‬هذا‭ ‬التقدير‭ ‬مناصب‭ ‬عديدة‭ ‬شغلها‭ ‬الفقيد،‭ ‬كان‭ ‬آخرها‭ ‬عضوية‭ ‬مجلس‭ ‬وزارة‭ ‬الداخلية‭ ‬2020‭ ‬وظل‭ ‬عضوا‭ ‬بلجنة‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬بوزارة‭ ‬الداخلية‭ ‬وكذلك‭ ‬اللجنة‭ ‬المشتركة‭ ‬بين‭ ‬وزارتي‭ ‬الخارجية‭ ‬والداخلية‭ ‬المعنية‭ ‬بمسائل‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬منذ‭ ‬العام‭ ‬1998‭ ‬وحتى‭ ‬2020‭ ‬بجانب‭ ‬عضويته‭ ‬في‭ ‬اللجنة‭ ‬التنسيقية‭ ‬العليا‭ ‬لحقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬واللجنة‭ ‬المختصة‭ ‬بمسائل‭ ‬الهجرة‭ ‬والجوازات‭ ‬ومجلس‭ ‬أمناء‭ ‬الأكاديمية‭ ‬الملكية‭ ‬للشرطة‭ ‬واللجنة‭ ‬العليا‭ ‬للدفاع‭ ‬المدني‭.‬

وعمل‭ ‬الفقيد‭ ‬قائما‭ ‬بأعمال‭ ‬المدعي‭ ‬العام‭ ‬منذ‭ ‬1‭ ‬أكتوبر‭ ‬2002‭ ‬حتى‭ ‬انتهاء‭ ‬نظام‭ ‬الادعاء‭ ‬العام‭ ‬في‭ ‬البلاد،‭ ‬ونائبا‭ ‬لمدير‭ ‬إدارة‭ ‬الشؤون‭ ‬القانونية،‭ ‬فقائما‭ ‬بالأعمال‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬وكيلا‭ ‬مساعدا‭ ‬للشؤون‭ ‬القانونية‭ ‬منذ‭ ‬عشرين‭ ‬عاما‭.‬

وهكذا‭ ‬كانت‭ ‬مسيرة‭ ‬الراحل‭ ‬اللواء‭ ‬محمد‭ ‬راشد‭ ‬بوحمود‭ ‬،‭ ‬التي‭ ‬سطر‭ ‬فيها‭ ‬أروع‭ ‬نماذج‭ ‬العطاء‭ ‬لوطنه،‭ ‬أخلص‭ ‬حتى‭ ‬الرمق‭ ‬الأخير‭ ‬حتى‭ ‬في‭ ‬ظروف‭ ‬مرضه‭ ‬لم‭ ‬يتوان‭ ‬لحظة‭ ‬واحدة‭ ‬عن‭ ‬العطاء‭ ‬والمتابعة،‭ ‬فإخلاص‭ ‬الرجال‭ ‬لا‭ ‬يتوقف‭ ‬إلا‭ ‬مع‭ ‬توقف‭ ‬نبض‭ ‬القلوب؛‭ ‬ولذلك‭ ‬ستظل‭ ‬ذكراهم‭ ‬حاضرة‭ ‬بيننا‭ ‬نتعلم‭ ‬منها‭ ‬ونورثها‭ ‬للأجيال‭. ‬

رحم‭ ‬اللواء‭ ‬محمد‭ ‬راشد‭ ‬بوحمود،‭ ‬وأسكنه‭ ‬فسيح‭ ‬جناته‭. ‬إنا‭ ‬لله‭ ‬وإنا‭ ‬إليه‭ ‬راجعون‭.‬