لمحات

آلة جني المال

| د.علي الصايغ

في‭ ‬وثائقي‭ ‬خطير‭ ‬ومثير‭ ‬للجدل،‭ ‬يأتي‭ ‬فيلم‭  ‬“The social dilemma”،‭ ‬أو‭ ‬“المعضلة‭ ‬الاجتماعية”،‭ ‬ليكشف‭ ‬حقيقة‭ ‬شركات‭ ‬برامج‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي،‭ ‬وذلك‭ ‬باعترافات‭ ‬شخصية‭ ‬من‭ ‬مصممي‭ ‬ومنتجي‭ ‬هذه‭ ‬البرامج،‭ ‬ومنهم‭ - ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال‭ - ‬المخترع‭ ‬المشترك‭ ‬لـ‭ ‬“غوغل‭ ‬درايف”،‭ ‬و”جي‭ ‬ميل‭ ‬تشات”،‭ ‬وصفحات‭ ‬وزر‭ ‬الإعجاب‭ ‬في‭ ‬“فيسبوك”‭.‬

يشير‭ ‬الفيلم‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬مثل‭ (‬توتير،‭ ‬فيسبوك،‭ ‬إنستغرام،‭ ‬وسناب‭ ‬شات‭) ‬ليست‭ ‬مجرد‭ ‬مسبب‭ ‬للإدمان،‭ ‬وتضييع‭ ‬للوقت،‭ ‬وإضرار‭ ‬بالصحة،‭ ‬ووأد‭ ‬للعلاقات‭ ‬الاجتماعية،‭ ‬بل‭ ‬إنها‭ ‬آلة‭ ‬جني‭ ‬للمال،‭ ‬تستغل‭ ‬سيكولوجية‭ ‬الناس‭ ‬ضدهم،‭ ‬بما‭ ‬تمتلكه‭ ‬من‭ ‬معلومات‭ ‬عنهم،‭ ‬حتى‭ ‬أقلها‭ ‬أهمية،‭ ‬وأكثرها‭ ‬تفاهة،‭ ‬وبالتالي‭ ‬تخوض‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬يوم‭ ‬معهم‭ ‬معركة‭ ‬غير‭ ‬متكافئة‭. ‬يقول‭ ‬الفيلم‭ ‬إن‭ ‬هذه‭ ‬البرامج‭ ‬ليست‭ ‬أدوات‭ ‬تنتظر‭ ‬استخدامنا،‭ ‬بل‭ ‬أدوات‭ ‬تتحكم‭ ‬بسلوكياتنا؛‭ ‬إذ‭ ‬تعرف‭ ‬ما‭ ‬نرغب،‭ ‬وتسهم‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬نحب‭ ‬ما‭ ‬تريدنا‭ ‬أن‭ ‬نحب،‭ ‬كما‭ ‬يمكنها‭ ‬توجيه‭ ‬قراراتنا،‭ ‬وتحديد‭ ‬ردود‭ ‬أفعالنا،‭ ‬اعتماداً‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬يطلق‭ ‬عليه‭ ‬اليوم‭ ‬بالذكاء‭ ‬الاصطناعي‭.‬

تعمل‭ ‬هذه‭ ‬البرامج‭ ‬عمل‭ ‬الساحر؛‭ ‬فالساحر‭ ‬يدفعنا‭ ‬دائماً‭ - ‬بصرياً‭ ‬أو‭ ‬حسابياً‭ - ‬باتجاه‭ ‬اختيار‭ ‬ما‭ ‬يريدنا‭ ‬اختياره،‭ ‬لذلك‭ ‬تظهر‭ ‬النتائج‭ ‬كما‭ ‬خطط‭ ‬لها،‭ ‬وأبعد‭ ‬من‭ ‬ذلك،‭ ‬أنها‭ ‬لا‭ ‬تشعرنا‭ ‬بالشك‭ ‬كما‭ ‬قد‭ ‬نشعر‭ ‬به‭ ‬أحياناً‭ ‬مع‭ ‬الألعاب‭ ‬السحرية‭. ‬

تملي‭ ‬هذه‭ ‬البرامج‭ ‬علينا‭ ‬الألوان‭ ‬والأشكال‭ ‬التي‭ ‬نحبها،‭ ‬وكيفية‭ ‬تسجيلنا‭ ‬الإعجاب‭ ‬والتحدث‭ ‬مع‭ ‬الآخرين،‭ ‬ويمكنها‭ ‬إثارة‭ ‬الفتن،‭ ‬وإشاعة‭ ‬الكذب‭ ‬والفوضى،‭ ‬والتأثير‭ ‬على‭ ‬الانتخابات،‭ ‬وغيرها‭ ‬كثير،‭ ‬إنها‭ ‬آلة‭ ‬تكنولوجية‭ ‬عظيمة‭ ‬في‭ ‬ظاهرها‭ ‬ولا‭ ‬خلاف‭ ‬على‭ ‬فائدتها،‭ ‬لكن‭ ‬استغلال‭ ‬الشركات‭ ‬المالكة‭ ‬لها‭ ‬بالكيفية‭ ‬الحاصلة‭ ‬يضر‭ ‬بالبشرية‭.‬

هؤلاء‭ ‬ممن‭ ‬تحدثوا‭ ‬في‭ ‬الفيلم،‭ ‬ممن‭ ‬صنعوا‭ ‬أدوات‭ ‬هذه‭ ‬البرامج،‭ ‬وتكتيكات‭ ‬استغلال‭ ‬الناس‭ ‬بغية‭ ‬جني‭ ‬المال‭ ‬وإرضاء‭ ‬المساهمين‭ ‬في‭ ‬شركاتهم،‭ ‬يؤكدون‭ ‬أنهم‭ ‬يمنعون‭ ‬أطفالهم‭ ‬من‭ ‬استخدام‭ ‬البرامج‭ ‬التي‭ ‬صنعوها،‭ ‬ويحاربون‭ ‬أنفسهم‭ ‬حتى‭ ‬لا‭ ‬يفسدوها‭ ‬بما‭ ‬صنعوا،‭ ‬داعين‭ ‬إلى‭ ‬حلول‭ ‬مختلفة‭ ‬مفادها‭ ‬أن‭ ‬نحيى‭ ‬كما‭ ‬نشاء،‭ ‬وليس‭ ‬كما‭ ‬يشاؤون‭.‬