مبادرة سلم وتعايش

| د. صباح خليفة هجرس

70‭ ‬عاما‭ ‬من‭ ‬الهزائم‭ ‬والحروب‭ ‬الخاسرة‭ ‬التي‭ ‬خاضتها‭ ‬الجيوش‭ ‬العربية‭ ‬لأجل‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني،‭ ‬فهل‭ ‬مازلنا‭ ‬نتصور‭ ‬أن‭ ‬التعامل‭ ‬لا‭ ‬يتم‭ ‬إلا‭ ‬بالحرب‭ ‬بعد‭ ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬الانكسارات؟‭! ‬الوقائع‭ ‬التاريخية‭ ‬تشير‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬اتفاقيات‭ ‬السلام‭ ‬بين‭ ‬مصر‭ ‬وإسرائيل‭ ‬والأردن‭ ‬وإسرائيل‭ ‬وغزة‭ ‬وإسرائيل‭ ‬مكنت‭ ‬بموجبها‭ ‬الدولتين‭ ‬والقطاع‭ ‬من‭ ‬نيل‭ ‬واسترجاع‭ ‬الأراضي،‭ ‬وبعد‭ ‬تلك‭ ‬المؤشرات‭ ‬وجب‭ ‬على‭ ‬العقل‭ ‬العربي‭ ‬أن‭ ‬يعي‭ ‬أن‭ ‬ما‭ ‬جنته‭ ‬الحرب‭ ‬مع‭ ‬إسرائيل‭ ‬خسائر‭ ‬وهزيمة‭ ‬لنا‭ ‬وغنائم‭ ‬وانتصارات‭ ‬لهم،‭ ‬وبالعكس‭ ‬معاهدات‭ ‬السلام‭ ‬انتصارات‭ ‬لنا‭ ‬وخسائر‭ ‬لهم‭.‬

إن‭ ‬معاهدات‭ ‬السلام‭ ‬لم‭ ‬تؤثر‭ ‬على‭ ‬وطنية‭ ‬شعوب‭ ‬تلك‭ ‬البلدان‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬ثقافتهم‭ ‬وقيمهم‭ ‬ومبادئهم‭ ‬وولائهم‭ ‬لقيادتهم،‭ ‬فبعد‭ ‬اتفاقية‭ ‬السلام‭ ‬واسترجاع‭ ‬مصر‭ ‬أراضيها‭ ‬لم‭ ‬نشاهد‭ ‬انغماسا‭ ‬في‭ ‬أية‭ ‬ثقافة‭ ‬أخرى،‭ ‬بل‭ ‬على‭ ‬العكس‭ ‬حافظ‭ ‬المجتمع‭ ‬المصري‭ ‬الأصيل‭ ‬على‭ ‬ثقافته‭ ‬وقيمه‭ ‬الدينية‭ ‬والتراثية،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬مصر‭ ‬الشقيقة‭ ‬في‭ ‬حضن‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬لأهمية‭ ‬دورها‭ ‬الإقليمي‭ ‬والسياسي،‭ ‬الأمر‭ ‬كذلك‭ ‬مع‭ ‬المجتمع‭ ‬الأردني،‭ ‬لم‭ ‬تتأثر‭ ‬توجهاته‭ ‬وثقافاته‭ ‬جراء‭ ‬هذه‭ ‬المعاهدات،‭ ‬واستطاعت‭ ‬الدولتان‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬الولاء‭ ‬الوطني‭ ‬بما‭ ‬يشمل‭ ‬الإرث‭ ‬الثقافي‭ ‬والكينونة‭ ‬المجتمعية‭.‬

إن‭ ‬مبادرة‭ ‬السلام‭ ‬التاريخية‭ ‬لمملكة‭ ‬البحرين‭ ‬وشقيقتها‭ ‬دولة‭ ‬الإمارات‭ ‬العربية‭ ‬المتحدة‭ ‬مبادرة‭ ‬سلم‭ ‬وتعايش‭ ‬مع‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬كينونة‭ ‬الوطن‭ ‬بثقافته‭ ‬وقيمه‭... ‬الدولتان‭ ‬الشقيقتان‭ ‬حريصتان‭ ‬على‭ ‬شعبيهما‭ ‬كما‭ ‬على‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني،‭ ‬وكانتا‭ ‬في‭ ‬مقدمة‭ ‬الدول‭ ‬التي‭ ‬قدمت‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الدعم‭ ‬الاقتصادي‭ ‬والعمراني‭ ‬لأبناء‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭.‬

لطالما‭ ‬كنا‭ ‬سابقا‭ ‬نخشى‭ ‬اتفاقيات‭ ‬السلام‭ ‬بسبب‭ ‬أبواق‭ ‬أصحاب‭ ‬المزايدات‭ ‬من‭ ‬الفصائل‭ ‬والتيارات‭ ‬المتعددة‭ ‬الذين‭ ‬لم‭ ‬يحسنوا‭ ‬القول‭ ‬والصنيع،‭ ‬بل‭ ‬تاجروا‭ ‬بالقضية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬وفضلوا‭ ‬أن‭ ‬يمدوا‭ ‬يدهم‭ ‬لمصدري‭ ‬الثورات‭ ‬ومؤسسي‭ ‬حرب‭ ‬الوكالات‭ ‬من‭ ‬طوابير‭ ‬وعملاء،‭ ‬والقيادة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬من‭ ‬أوائل‭ ‬من‭ ‬سارع‭ ‬لاتفاقيات‭ ‬السلام‭ ‬والحالة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬ليست‭ ‬حالة‭ ‬حرب‭ ‬وجهاد‭ ‬أو‭ ‬كفاح‭ ‬مسلح،‭ ‬إنما‭ ‬يعيش‭ ‬المواطن‭ ‬الفلسطيني‭ ‬حياة‭ ‬أفضل‭ ‬من‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬مواطني‭ ‬الدول‭ ‬الأخرى‭.‬

يعمل‭ ‬في‭ ‬إسرائيل‭ ‬180‭ ‬ألف‭ ‬عامل‭ ‬فلسطيني،‭ ‬وفي‭ ‬قطاع‭ ‬البناء‭ ‬والتشييد‭ ‬نسبة‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬65‭ %‬،‭ ‬ونسبة‭ ‬الأطباء‭ ‬العرب‭ ‬في‭ ‬المستشفيات‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬تصل‭ ‬إلى‭ ‬35‭ %‬،‭ ‬فيما‭ ‬نسبة‭ ‬الصيادلة‭ ‬تصل‭ ‬إلى‭ ‬65‭ %‬،‭ ‬كما‭ ‬أقبل‭ ‬العرب‭ ‬على‭ ‬التصويت‭ ‬في‭ ‬الانتخابات‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬الأخيرة‭ ‬ونجحوا‭ ‬في‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬13‭ ‬مقعدا‭ ‬في‭ ‬الكنيست،‭ ‬هل‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يتحقق‭ ‬هذا‭ ‬للمواطن‭ ‬السوري‭ ‬المنكوب‭ ‬في‭ ‬وطنه؟‭ ‬إن‭ ‬ما‭ ‬جرى‭ ‬من‭ ‬محن‭ ‬على‭ ‬الشعبين‭ ‬السوري‭ ‬والعراقي‭ ‬تجاوز‭ ‬ما‭ ‬اقترفته‭ ‬إسرائيل‭ ‬طيلة‭ ‬الاحتلال،‭ ‬فمن‭ ‬هو‭ ‬العدو‭ ‬الأشرس؟‭.‬

المبادرة‭ ‬البحرينية‭ ‬الإماراتية‭ ‬تضمنت‭ ‬رؤية‭ ‬قربت‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬بعيد‭ ‬وغيرت‭ ‬كثيرا‭ ‬من‭ ‬خارطة‭ ‬المنطقة،‭ ‬ودفعت‭ ‬المنطقة‭ ‬بعيدا‭ ‬عن‭ ‬الحرب،‭ ‬كما‭ ‬غيرت‭ ‬القناعات،‭ ‬ويمكننا‭ ‬القول‭ ‬هنا‭ ‬إنه‭ ‬تم‭ ‬وزن‭ ‬الأمور‭ ‬بموازينها‭ ‬وقراءة‭ ‬الواقع‭ ‬وتحليلاته‭ ‬بالحكمة‭ ‬والتعقل‭ ‬لاسترجاع‭ ‬الحقوق‭.‬