أوّل ما أدركته منذ الطفولة هو عملية الإبداع

بهاء: أبرز معارضي “عشتار جسد الغواية” (1 - 2)

| أجرى الحوار: الفنان عباس يوسف

كاتبته‭ ‬قائلا‭: ‬بهاء‭ ‬يا‭ ‬صديقي‭ ‬“أعد‭ ‬لكتاب‭ ‬جديد‭ ‬ضمن‭ ‬مشروعي‭ ‬المجنون‭/‬‏‭ ‬محاورة‭ ‬فنانين‭ ‬عرب،‭ ‬زي‭ ‬ما‭ ‬أنت‭ ‬عارف‭... ‬إلخ‭ ‬سأكون‭ ‬سعيدا‭ ‬لو‭ ‬تتكرم‭ ‬وتكون‭ ‬معي،‭ ‬الأسئلة‭ ‬ستصلك‭ ‬عبر‭ ‬الإيميل‭ ‬أو‭ ‬أية‭ ‬وسيلة‭ ‬تراها‭ ‬مناسبة‭. ‬رد‭ ‬قائلا‭ ‬يا‭ ‬عباس‭ ‬مازلت‭ ‬في‭ ‬بالي‭ ‬دائما‭ ‬وبفتكر‭ ‬حكاياتك‭ ‬عن‭ ‬الفن‭ ‬بعد‭ ‬منتصف‭ ‬الليل‭ ‬في‭ ‬الفندق،‭ ‬يسعدني‭ ‬أن‭ ‬أكون‭ ‬معك‭.‬

التقيته‭ ‬في‭ ‬العقبة‭ ‬ضمن‭ ‬مشاركتنا‭ ‬في‭ ‬سمبوزيوم‭ ‬آيلة‭ ‬للفنون‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬2017‭. ‬استوقفني‭ ‬شغله‭ ‬المغاير‭ ‬والمميز‭ ‬والمختلف،‭ ‬يرسم‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬ربما‭ ‬تكون‭ ‬وعرة‭ ‬في‭ ‬بلداننا‭ ‬العربية،‭ ‬إنها‭ ‬السريالية،‭ ‬أليس‭ ‬مستغربا‭ ‬أن‭ ‬يذهب‭ ‬شاب‭ ‬موهوب‭ ‬إلى‭ ‬السريالية،‭ ‬ويبحث‭ ‬فيها‭ ‬ويترك‭ ‬كل‭ ‬المدارس‭ ‬والأساليب‭ ‬الفنية‭ ‬المنتشرة‭ ‬والمتعارف‭ ‬عليها‭.‬

ما‭ ‬الذي‭ ‬استقاه‭ ‬بهاء‭ ‬من‭ ‬عمله‭ ‬بوزارة‭ ‬الثقافة؟

للعمل‭ ‬بإدارة‭ ‬موقع‭ ‬ثقافي،‭ ‬وهو‭ ‬“قصر‭ ‬ثقافة‭ ‬الإبداع‭ ‬الفني”‭ ‬جانبان‭ ‬أحدهما‭ ‬إيجابي‭ ‬والآخر‭ ‬سلبي،‭ ‬إلاّ‭ ‬أنه‭ ‬في‭ ‬المجمل‭ ‬عمل‭ ‬أقدره‭ ‬وأرى‭ ‬ضرورة‭ ‬المشاركة‭ ‬فيه‭ ‬بصورة‭ ‬إيجابية‭ ‬قدر‭ ‬استطاعتي‭. ‬أما‭ ‬عن‭ ‬الجانب‭ ‬الإيجابي،‭ ‬فهو‭ ‬المشاركة‭ ‬في‭ ‬المشهد‭ ‬الثقافي‭ ‬من‭ ‬منظور‭ ‬يختلف‭ ‬عن‭ ‬المبدع‭ ‬ونطلق‭ ‬عليه‭ ‬بالعامية‭ ‬“من‭ ‬داخل‭ ‬المطبخ”،‭ ‬حيث‭ ‬أرى‭ ‬ضرورة‭ ‬الإسهام‭ ‬في‭ ‬عملية‭ ‬التطوير‭ ‬الثقافي‭ ‬والفكري‭ ‬والوقوف‭ ‬على‭ ‬أهم‭ ‬المثبطات‭ ‬التي‭ ‬تعيق‭ ‬العملية‭ ‬الإبداعية‭ ‬بتشعبها‭ ‬والتفاعل‭ ‬الجماهيري‭ ‬معها‭ ‬والمساهمة‭ ‬في‭ ‬معالجة‭ ‬ذلك‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬باقي‭ ‬محاور‭ ‬العمل‭ ‬التنظيمي‭ ‬والإداري‭ ‬المكمل‭ ‬لذلك‭. ‬

أما‭ ‬عن‭ ‬الجانب‭ ‬السلبي،‭ ‬فهو‭ ‬أن‭ ‬جزءا‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬الدور‭ ‬يأتي‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬الوقت‭ ‬المخصص‭ ‬لممارستي‭ ‬الفنية‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬التصوير،‭ ‬إلاّ‭ ‬أنني‭ ‬أستطيع‭ ‬حتى‭ ‬الآن‭ ‬الموازنة‭ ‬بين‭ ‬الجانبين‭.‬

ماذا‭ ‬عن‭ ‬العمل‭ ‬بمجال‭ ‬الترميم‭ ‬والبحث‭ ‬العلمي‭ ‬لدى‭ ‬مؤسسة‭ ‬أغاخان‭ ‬الثقافية‭ ‬ومركز‭ ‬البحوث‭ ‬الأمريكي‭ ‬ARCE؟

العمل‭ ‬بمجال‭ ‬الترميم‭ ‬والبحث‭ ‬العلمي‭ ‬سواء‭ ‬لدى‭ ‬مؤسسة‭ ‬الأغاخان‭ ‬الثقافية‭ ‬أو‭ ‬مركز‭ ‬البحوث‭ ‬الأميركي‭ ‬ARCE‭ ‬أو‭ ‬غيرها‭ ‬من‭ ‬مراكز‭ ‬البحث‭ ‬العلمي‭ ‬يعد‭ ‬تحديا‭ ‬آخر‭ ‬لعبت‭ ‬الصدفة‭ ‬دورا‭ ‬رئيسا‭ ‬فيه‭ ‬في‭ ‬التحاقي‭ ‬بقسم‭ ‬الدراسات‭ ‬العليا‭ ‬بكلية‭ ‬الآثار؛‭ ‬لإتمام‭ ‬درجة‭ ‬الماجستير‭ ‬في‭ ‬ترميم‭ ‬اللوحات‭ ‬الزيتية،‭ ‬فقد‭ ‬استغرق‭ ‬الأمر‭ ‬سنوات‭ ‬عدة‭ ‬من‭ ‬الدراسة‭ ‬والبحث‭ ‬في‭ ‬تأثير‭ ‬التلف‭ ‬الميكروبيولوجي‭ ‬على‭ ‬اللوحات‭ ‬وكيفية‭ ‬معالجته،‭ ‬إلاّ‭ ‬أنها‭ ‬كانت‭ ‬ضرورية؛‭ ‬للتعرف‭ ‬عن‭ ‬قرب‭ ‬وبشكل‭ ‬علمي‭ ‬على‭ ‬تكنولوجيا‭ ‬الخامات‭ ‬والتصوير‭ ‬باختلاف‭ ‬أنواعه‭ ‬وفلسفته‭ ‬لدى‭ ‬الحضارات‭ ‬المختلفة‭. ‬وبالطبع‭ ‬استفدت‭ ‬كثيرا‭ ‬سيما‭ ‬في‭ ‬توظيف‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬العملية‭ ‬الإبداعية‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬استخدام‭ ‬طرق‭ ‬ووسائط‭ ‬مختلفة‭ ‬للتصوير‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬الشق‭ ‬الممتع‭ ‬في‭ ‬الترميم،‭ ‬وهو‭ ‬التعامل‭ ‬عن‭ ‬قرب‭ ‬مع‭ ‬التراث‭ ‬الإنساني‭ ‬وملامسة‭ ‬القطع‭ ‬الفنية‭ ‬والعيش‭ ‬معها‭ ‬والإقامة‭ ‬لوقت‭ ‬ليس‭ ‬قصيرا‭ ‬بالمواقع‭ ‬الأثرية‭. ‬

هذه‭ ‬المعايشة‭ ‬تختلف‭ ‬كثيرا‭ ‬عن‭ ‬الزيارات‭ ‬السياحية‭ ‬العابرة‭ ‬بالنسبة‭ ‬للأشخاص‭ ‬محبي‭ ‬التراث‭ ‬الإنساني،‭ ‬إذ‭ ‬تنشأ‭ ‬علاقة‭ ‬من‭ ‬نوع‭ ‬آخر‭ ‬مع‭ ‬هذا‭ ‬العالم،‭ ‬لعل‭ ‬أبرزها‭ ‬في‭ ‬مسيرتي‭ ‬الفنية‭ ‬هو‭ ‬معرضي‭ ‬“عشتار‭ ‬جسد‭ ‬الغواية‭ ‬وجسر‭ ‬الأسطورة”‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬2015‭ ‬وجاء‭ ‬بعد‭ ‬مخالطة‭ ‬إيزيس‭ ‬لـ‭ ‬3‭ ‬أعوام،‭ ‬قمت‭ ‬خلالها‭ ‬بترميم‭ ‬معدلها‭ ‬بالأقصر،‭ ‬حيث‭ ‬وقعت‭ ‬في‭ ‬غرامها‭ ‬ورصدت‭ ‬الحديث‭ ‬معها‭ ‬كثيرا،‭ ‬ورحت‭ ‬أقرأ‭ ‬عنها‭ ‬بالطبع،‭ ‬وصورت‭ ‬أي‭ ‬رسمت‭ ‬خلال‭ ‬المعرض‭ ‬إيزيس‭ ‬أخرى‭ ‬تخصني‭ ‬وتلخص‭ ‬الأسطورة‭ ‬القائلة‭ ‬بأن‭ ‬إيزيس‭ ‬هي‭ ‬عشتار‭..‬هي‭ ‬أفروديت‭.. ‬هي‭ ‬الفكرة‭ ‬المجردة‭ ‬والأولى‭ ‬للإله‭ ‬المؤنث،‭ ‬فقد‭ ‬أحببت‭ ‬تلك‭ ‬المغامرة‭ ‬كثيرا‭. ‬

منذ‭ ‬معرضك‭ ‬الأول‭ ‬العام‭ ‬1995‭ ‬وحتى‭ ‬الآن‭ ‬ماذا‭ ‬تغير‭ ‬بالنسبة‭ ‬لك؟

بالطبع‭ ‬تغيرت‭ ‬أشياء‭ ‬كثيرة‭ ‬في‭ ‬الأسلوب‭ ‬وطريقة‭ ‬المعالجة‭ ‬والنظرة‭ ‬العامة‭ ‬للأشياء‭. ‬يمكن‭ ‬القول‭ ‬مجازا‭ ‬إنه‭ ‬أحد‭ ‬أوجه‭ ‬النضج‭ ‬الفني‭ ‬التي‭ ‬يمر‭ ‬بها‭ ‬الفنان‭ ‬خلال‭ ‬مسيرته‭ ‬الإبداعية،‭ ‬إلا‭ ‬أنني‭ ‬أريد‭ ‬بعدا‭ ‬مازال‭ ‬هو‭ ‬المسيطر‭ ‬والذي‭ ‬أجد‭ ‬نفسي‭ ‬منتميا‭ ‬إليه‭ ‬وهو‭ ‬الرؤية‭ ‬الميتافيزيقية‭ ‬في‭ ‬التصوير،‭ ‬فقد‭ ‬استمر‭ ‬معي‭ ‬منذ‭ ‬بدايتي‭ ‬بممارسة‭ ‬التصوير‭ ‬مرورا‭ ‬بدايتي‭ ‬الأكاديمية‭ ‬وحتى‭ ‬الآن‭ ‬لم‭ ‬أستطع‭ ‬الوقوف‭ ‬على‭ ‬سبب‭ ‬واضح‭ ‬لتبني‭ ‬هذا‭ ‬المنظور،‭ ‬بل‭ ‬أراه‭ ‬جزءا‭ ‬مني‭ ‬وأظن‭ ‬أنه‭ ‬سيستمر‭ ‬معي‭ ‬في‭ ‬المستقبل‭.‬

كيف‭ ‬دخلت‭ ‬عالم‭ ‬الفن‭ ‬وهل‭ ‬هو‭ ‬هروب‭ ‬من‭ ‬الواقع؟

دخلت‭ ‬عالم‭ ‬الفن‭ ‬في‭ ‬سن‭ ‬مبكرة‭ ‬جدا،‭ ‬وكان‭ ‬السبب‭ ‬وراء‭ ‬ذلك‭ ‬هو‭ ‬كون‭ ‬أبي‭ ‬وأمي‭ ‬فنانين‭ ‬تشكيليين،‭ ‬وأرى‭ ‬أنني‭ ‬كنت‭ ‬محظوظا‭ ‬جدا‭ ‬بذلك‭ ‬لعل‭ ‬أول‭ ‬ما‭ ‬أدركته‭ ‬منذ‭ ‬الطفولة‭ ‬هو‭ ‬عملية‭ ‬الإبداع‭ ‬وحضور‭ ‬المعارض‭ ‬الفنية‭ ‬لم‭ ‬أكن‭ ‬أدرك‭ ‬تماما‭ ‬وقتها‭ ‬ما‭ ‬تنطوي‭ ‬عليه‭ ‬تلك‭ ‬الممارسات‭ ‬الفنية‭ ‬إلا‭ ‬أنني‭ ‬أحببت‭ ‬ذلك‭ ‬كثيرا‭ ‬وساعدني‭ ‬أيضا‭ ‬القراءة‭ ‬في‭ ‬الفن‭ ‬بفضل‭ ‬المكتبة‭ ‬الخاصة‭ ‬بوالدي،‭ ‬مازلت‭ ‬أذكر‭ ‬إلى‭ ‬الآن‭.‬