عباس ومراجعاته في مؤتمر رام الله (1)

| سالم الكتبي

أكثر‭ ‬ما‭ ‬يبعث‭ ‬على‭ ‬السخرية‭ ‬عند‭ ‬متابعة‭ ‬تطورات‭ ‬وفعاليات‭ ‬اجتماع‭ ‬قادة‭ ‬الفصائل‭ ‬الفلسطينية‭ ‬مؤخراً‭ ‬في‭ ‬رام‭ ‬الله‭ ‬وبيروت‭ ‬أن‭ ‬اتفاق‭ ‬إقامة‭ ‬العلاقات‭ ‬بين‭ ‬الإمارات‭ ‬وإسرائيل‭ ‬قد‭ ‬وحد‭ ‬الفرقاء‭ ‬وجمع‭ ‬من‭ ‬فشل‭ ‬الجميع‭ ‬في‭ ‬لم‭ ‬شتاتهم‭ ‬وجسر‭ ‬الهوة‭ ‬بينهم‭! ‬والحقيقة‭ ‬لا‭ ‬أدري‭ ‬سبباً‭ ‬لكل‭ ‬هذا‭ ‬الخلاف‭ ‬والاختلاف‭ ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬الأمر‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬ينتهي‭ ‬بإعلان‭ ‬القرار‭ ‬الإماراتي‭ ‬السيادي،‭ ‬الخاص‭ ‬بشأن‭ ‬إماراتي،‭ ‬ولا‭ ‬علاقة‭ ‬له‭ ‬البتة‭ ‬بمصير‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬التي‭ ‬تخلى‭ ‬عنها‭ ‬أصحابها‭ ‬منذ‭ ‬أن‭ ‬وقعوا‭ ‬اتفاق‭ ‬أوسلو‭ ‬عام‭ ‬1993‭.‬

هذا‭ ‬المؤتمر‭ ‬ذكرني‭ ‬بما‭ ‬كان‭ ‬في‭ ‬الماضي،‭ ‬حيث‭ ‬كان‭ ‬جيلي‭ ‬وأجيال‭ ‬من‭ ‬قبلي‭ ‬تعرف‭ ‬مقصود‭ ‬مفردة‭ ‬“الحنجوري”‭ ‬التي‭ ‬كان‭ ‬يمتهنها‭ ‬كثيرون‭ ‬من‭ ‬دعاة‭ ‬الدفاع‭ ‬عن‭ ‬القضية‭ ‬والشعب‭ ‬الفلسطيني،‭ ‬حيث‭ ‬كانت‭ ‬بضاعتهم‭ ‬تروج‭ ‬في‭ ‬فترات‭ ‬المزايدات‭ ‬على‭ ‬عروبة‭ ‬الدول‭ ‬والشعوب‭ ‬العربية‭ ‬الأخرى،‭ ‬ويبدو‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬التجارة‭ ‬البائدة‭ ‬عادت‭ ‬لتجد‭ ‬سوقا‭ ‬لها‭ ‬في‭ ‬مؤتمر‭ ‬رام‭ ‬الله‭ - ‬بيروت‭ ‬الذي‭ ‬انعقد‭ ‬خصيصاً‭ ‬للتحريض‭ ‬والهجوم‭ ‬على‭ ‬موقف‭ ‬دولة‭ ‬الإمارات‭ ‬بشأن‭ ‬إقامة‭ ‬علاقات‭ ‬مع‭ ‬إسرائيل،‭ ‬والتهجم‭ ‬على‭ ‬مواقف‭ ‬دول‭ ‬مجلس‭ ‬التعاون‭ ‬لمصلحة‭ ‬ملالي‭ ‬إيران‭ ‬وإرضاء‭ ‬لهم‭ ‬باعتبارهم‭ ‬ممولي‭ ‬هذه‭ ‬الاحتفالية‭ ‬التي‭ ‬أقيمت‭ ‬للمتاجرة‭ ‬بواحدة‭ ‬من‭ ‬أعدل‭ ‬القضايا‭ ‬الإنسانية‭ ‬وأكثرها‭ ‬احتياجاً‭ ‬للإخلاص‭ ‬والإنصاف‭ ‬من‭ ‬جانب‭ ‬أصحابها‭ ‬والنخب‭ ‬التي‭ ‬تنسب‭ ‬نفسها‭ ‬إليها‭.‬

في‭ ‬هذا‭ ‬المؤتمر‭ ‬الكارثي‭ ‬على‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬وقع‭ ‬الرئيس‭ ‬محمود‭ ‬عباس،‭ ‬عراب‭ ‬اتفاق‭ ‬أوسلو،‭ ‬بكل‭ ‬محتواه‭ ‬وبنوده‭ ‬وتنازلاته،‭ ‬في‭ ‬فخ‭ ‬محكم‭ ‬رسمته‭ ‬بدقة‭ ‬شديدة‭ ‬إيران‭ ‬ووكلاؤها‭ ‬من‭ ‬تنظيمات‭ ‬وفصائل‭ ‬فلسطينية‭ ‬وغير‭ ‬فلسطينية،‭ ‬وذهب‭ ‬للمؤتمر‭ ‬ليلتقي‭ ‬رئيس‭ ‬المكتب‭ ‬السياسي‭ ‬لحركة‭ ‬“حماس”‭ ‬إسماعيل‭ ‬هنية،‭ ‬ويعلن‭ ‬تخليه‭ ‬عن‭ ‬لغة‭ ‬الحوار‭ ‬واعتناقه‭ ‬مجدداً‭ ‬ما‭ ‬يعرف‭ ‬بلغة‭ ‬“المقاومة”‭!‬

مرة‭ ‬أخرى‭ ‬يثبت‭ ‬عباس‭ ‬أن‭ ‬خبراته‭ ‬السياسية‭ ‬ضحلة،‭ ‬فيسقط‭ ‬في‭ ‬فخ‭ ‬ساذج‭ ‬ليظهر‭ ‬بمظهر‭ ‬البطل‭ ‬المدافع‭ ‬عن‭ ‬حقوق‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬ولا‭ ‬يترك‭ ‬الساحة‭ ‬خاوية‭ ‬لقادة‭ ‬“حماس”‭ ‬وغيرهم،‭ ‬فيستدرج‭ ‬بسذاجة‭ ‬مفرطة‭ ‬إلى‭ ‬فخ‭ ‬التهجم‭ ‬على‭ ‬الإمارات‭ ‬وقيادتها‭ ‬رغم‭ ‬أنه‭ ‬أول‭ ‬من‭ ‬يدرك‭ ‬حجم‭ ‬الدعم‭ ‬والمساندة‭ ‬التي‭ ‬قدمتها‭ ‬الإمارات‭ ‬ولا‭ ‬تزال‭ ‬للشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬والسلطة‭ ‬وقادتها‭ ‬أيضاً‭! ‬كما‭ ‬يدرك‭ ‬عباس‭ ‬كذلك‭ ‬أن‭ ‬الإمارات‭ ‬دولة‭ ‬التسامح‭ ‬والسلام‭ ‬ولا‭ ‬يمكن‭ ‬لها‭ ‬أن‭ ‬تمسك‭ ‬بخنجر‭ ‬لتطعن‭ ‬به‭ ‬شعبا‭ ‬شقيقا‭ ‬كما‭ ‬يزعم‭ ‬عباس‭ ‬في‭ ‬تصريحاته‭ ‬وكلماته،‭ ‬التي‭ ‬يردد‭ ‬فيها‭ ‬ما‭ ‬يعتقد‭ ‬أنه‭ ‬يرفع‭ ‬أسهمه‭ ‬في‭ ‬نظر‭ ‬شعبه‭ ‬الذي‭ ‬بات‭ ‬يعرف‭ ‬الحقائق‭ ‬ويعرف‭ ‬جيداً‭ ‬من‭ ‬يسانده‭ ‬فعلياً‭ ‬على‭ ‬مر‭ ‬التاريخ،‭ ‬ومن‭ ‬يتاجر‭ ‬بقضيته‭ ‬ويستثمر‭ ‬فيها‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬أي‭ ‬جهد‭ ‬لحلها‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬حلحلتها‭!. ‬“إيلاف”‭.‬