كلمة جلالة الملك دلالات التوقيت والمضمون

| حسن عبدالله المدني

قال‭ ‬الله‭ ‬تعال‭: ‬“أَلَمْ‭ ‬تَرَ‭ ‬كَيْفَ‭ ‬ضَرَبَ‭ ‬اللَّهُ‭ ‬مَثَلًا‭ ‬كَلِمَةً‭ ‬طَيِّبَةً‭ ‬كَشَجَرةٍ‭ ‬طَيِّبَةٍ‭ ‬أَصْلُهَا‭ ‬ثَابِتٌ‭ ‬وَفَرْعُهَا‭ ‬فِي‭ ‬السَّمَآءِ‭* ‬تُؤْتِي‭ ‬أُكُلَهَا‭ ‬كُلَّ‭ ‬حِينٍ‭ ‬بِإِذْنِ‭ ‬رَبِّهَا‭ ‬وَيَضْرِبُ‭ ‬اللَّهُ‭ ‬الأَمْثَالَ‭ ‬لِلنَّاسِ‭ ‬لَعَلَّهُمْ‭ ‬يَتَذَكَّرُونَ”‭. (‬من‭ ‬سورة‭ ‬إبراهيم‭).‬

لم‭ ‬تقتصر‭ ‬الإشادة‭ ‬بمضامين‭ ‬الكلمة‭ ‬السامية‭ ‬لعاهل‭ ‬البلاد‭ ‬صاحب‭ ‬الجلالة‭ ‬الملك‭ ‬حمد‭ ‬بن‭ ‬عيسى‭ ‬آل‭ ‬خليفة‭ ‬بعد‭ ‬ختام‭ ‬إحياء‭ ‬مراسم‭ ‬عاشوراء‭ ‬على‭ ‬الجهات‭ ‬المعنية‭ ‬بالتنظيم‭ ‬فحسب،‭ ‬بل‭ ‬تعدت‭ ‬ذلك‭ ‬لتصبح‭ ‬حديث‭ ‬الشارع‭ ‬البحريني،‭ ‬ذلك‭ ‬ما‭ ‬لمسته‭ ‬شخصيا‭ ‬خلال‭ ‬معايشتي‭ ‬لأبناء‭ ‬منطقتي‭ ‬جدحفص‭ ‬ومن‭ ‬خلال‭ ‬تواصلي‭ ‬مع‭ ‬الناس‭ ‬من‭ ‬المناطق‭ ‬والقرى‭ ‬الأخرى‭ ‬في‭ ‬البحرين،‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬انعكس‭ ‬على‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬المحلية‭ ‬ووسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي،‭ ‬لما‭ ‬احتوت‭ ‬عليه‭ ‬الكلمة‭ ‬السامية‭ ‬من‭ ‬قيم‭ ‬إنسانية‭ ‬نبيلة،‭ ‬وبما‭ ‬تمثله‭ ‬من‭ ‬مظلة‭ ‬وطنية‭ ‬جامعة‭ ‬توحد‭ ‬وتجمع،‭ ‬وتعلي‭ ‬من‭ ‬شأن‭ ‬قيم‭ ‬التسامح‭ ‬والتآلف‭ ‬والتعايش‭ ‬والمحبة‭ ‬بين‭ ‬أبناء‭ ‬هذا‭ ‬الوطن‭ ‬الغالي‭.‬

ولعل‭ ‬المتابع‭ ‬للشأن‭ ‬المحلي‭ ‬يدرك‭ ‬تماما‭ ‬أهمية‭ ‬ودلالات‭ ‬توقيت‭ ‬الكلمة‭ ‬السامية‭ ‬هذا‭ ‬العام‭ ‬1442هـ‭ ‬بعد‭ ‬انتهاء‭ ‬مراسم‭ ‬إحياء‭ ‬مناسبة‭ ‬عاشوراء‭ ‬مباشرة‭ ‬والتي‭ ‬تمت‭ ‬بنجاح‭ ‬تام‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬ظروف‭ ‬الجائحة‭ ‬بفضل‭ ‬من‭ ‬الله‭ ‬ويقظة‭ ‬ووعي‭ ‬رؤساء‭ ‬المآتم‭ ‬والمعزين‭ ‬في‭ ‬البحرين،‭ ‬فالكلمة‭ ‬تعبر‭ ‬بصدق‭ ‬عن‭ ‬ضمير‭ ‬أبناء‭ ‬هذا‭ ‬الوطن،‭ ‬وتمثل‭ ‬مرجعا‭ ‬وطنيا‭ ‬وإنسانيا‭ ‬لهم‭ ‬ونبراسا‭ ‬للجميع؛‭ ‬وتخرس‭ ‬ألسنة‭ ‬المسيئين‭ ‬للوحدة‭ ‬الوطنية‭ ‬في‭ ‬وطن‭ ‬التسامح‭ ‬والتعايش؛‭ ‬فلا‭ ‬قول‭ ‬فوق‭ ‬كلمة‭ ‬عاهل‭ ‬البلاد‭ ‬ولا‭ ‬بعدها،‭ ‬فما‭ ‬أحيطت‭ ‬به‭ ‬المناسبة‭ ‬من‭ ‬عناية‭ ‬رسمية‭ ‬معهودة،‭ ‬بل‭ ‬مضاعفة‭ ‬ومكثفة‭ ‬هذا‭ ‬العام‭ ‬بسبب‭ ‬الجائحة‭ ‬يعبر‭ ‬بصدق‭ ‬عن‭ ‬المكانة‭ ‬التي‭ ‬تحظى‭ ‬بها‭ ‬تلك‭ ‬الذكرى‭ ‬على‭ ‬المستويين‭ ‬الرسمي‭ ‬والشعبي‭.‬

ولا‭ ‬عجب‭ ‬فالبحرين‭ ‬ومنذ‭ ‬قديم‭ ‬الزمان‭ ‬قدمت‭ ‬أنموذجا‭ ‬فريدا‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬المنطقة‭ ‬في‭ ‬التعايش‭ ‬بين‭ ‬الأديان‭ ‬والمذاهب‭ ‬والطوائف‭ ‬والأعراق،‭ ‬وكانت‭ ‬المنامة‭ ‬ولا‭ ‬تزال‭ ‬أيقونة‭ ‬التحضر‭ ‬والتعايش‭ ‬والتسامح؛‭ ‬إذ‭ ‬تتعانق‭ ‬فيها‭ ‬مآذن‭ ‬المساجد‭ ‬والجوامع‭ ‬للطائفتين‭ ‬الكريمتين‭ ‬والمآتم‭ ‬والكنائس‭ ‬ودور‭ ‬العبادة‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬الحريات‭ ‬الدينية‭ ‬المصانة‭ ‬منذ‭ ‬قديم‭ ‬الزمان،‭ ‬ما‭ ‬يعبر‭ ‬عن‭ ‬خصوصيتنا‭ ‬البحرينية‭ ‬وتفردنا‭ ‬بنسيج‭ ‬اجتماعي‭ ‬متماسك‭ ‬عصي‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬مغرض‭ ‬لا‭ ‬يحب‭ ‬الخير‭ ‬للبحرين‭.‬

وكان‭ ‬نجاح‭ ‬موسم‭ ‬عاشوراء‭ ‬في‭ ‬المنامة‭ ‬وبقية‭ ‬مناطق‭ ‬العاصمة‭ ‬هذا‭ ‬العام‭ ‬رغم‭ ‬التحديات‭ ‬مؤشرا‭ ‬على‭ ‬نجاحه‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬قرى‭ ‬ومدن‭ ‬مملكة‭ ‬البحرين،‭ ‬فالمنامة‭ ‬تمثل‭ ‬البوصلة‭ ‬وإليها‭ ‬تتجه‭ ‬الأنظار،‭ ‬وكان‭ ‬لنا‭ ‬في‭ ‬محافظة‭ ‬العاصمة‭ ‬شرف‭ ‬التواصل‭ ‬اليومي‭ ‬المباشر‭ ‬مع‭ ‬رؤساء‭ ‬المآتم‭ ‬والجهات‭ ‬الأمنية‭ ‬والخدمية‭ ‬للعمل‭ ‬على‭ ‬إنجاح‭ ‬هذا‭ ‬الموسم،‭ ‬بتوجيه‭ ‬من‭ ‬وزير‭ ‬الداخلية‭ ‬الفريق‭ ‬أول‭ ‬ركن‭ ‬الشيخ‭ ‬راشد‭ ‬بن‭ ‬عبدالله‭ ‬آل‭ ‬خليفة،‭ ‬ومتابعة‭ ‬حثيثة‭ ‬من‭ ‬محافظ‭ ‬محافظة‭ ‬العاصمة‭ ‬الشيخ‭ ‬هشام‭ ‬بن‭ ‬عبدالرحمن‭ ‬آل‭ ‬خليفة‭ ‬الذي‭ ‬لم‭ ‬يأل‭ ‬جهدا‭ ‬في‭ ‬سبيل‭ ‬ضمان‭ ‬إقامة‭ ‬هذه‭ ‬الشعائر‭ ‬في‭ ‬أجواء‭ ‬يسودها‭ ‬الأمن‭ ‬والنظام‭ ‬والطمأنينة،‭ ‬وواصل‭ ‬الليل‭ ‬بالنهار‭ ‬مع‭ ‬فريقه،‭ ‬وكان‭ ‬لي‭ ‬الشرف‭ ‬أن‭ ‬أكون‭ ‬أحد‭ ‬أفراد‭ ‬هذا‭ ‬الفريق‭ ‬لإنجاح‭ ‬موسم‭ ‬عاشوراء‭ ‬ولكي‭ ‬يظهر‭ ‬بالصورة‭ ‬الحضارية‭ ‬المعهودة‭ ‬رغم‭ ‬ظروف‭ ‬الجائحة،‭ ‬وفي‭ ‬المقابل‭ ‬أبدى‭ ‬رؤساء‭ ‬المآتم‭ ‬تجاوبا‭ ‬كبيرا‭ ‬ينم‭ ‬عن‭ ‬وعيهم‭ ‬العميق‭ ‬بخطورة‭ ‬الوضع‭ ‬الصحي‭ ‬الذي‭ ‬يلقي‭ ‬بظلاله‭ ‬على‭ ‬البحرين‭ ‬والعالم‭ ‬أجمع‭.‬

وبتوفيق‭ ‬من‭ ‬الله‭ ‬سبحانه‭ ‬وبتصافح‭ ‬الجهود‭ ‬الرسمية‭ ‬والأهلية‭ ‬أعطت‭ ‬مآتم‭ ‬البحرين‭ ‬وحسينياتها‭ ‬مثالا‭ ‬يحتذى‭ ‬في‭ ‬اتباع‭ ‬الإجراءات‭ ‬الصحية‭ ‬الحذرة‭ ‬والانضباط‭ ‬والالتزام،‭ ‬وقام‭ ‬رؤساء‭ ‬المآتم‭ ‬وفرق‭ ‬العمل‭ ‬الميدانية‭ ‬من‭ ‬المتطوعين‭ ‬بدور‭ ‬مشهود‭ ‬وبجهود‭ ‬مضاعفة‭ ‬لإنجاح‭ ‬موسم‭ ‬عاشوراء‭.‬

وبعد،‭ ‬فقد‭ ‬جاءت‭ ‬كلمة‭ ‬عاهل‭ ‬البلاد‭ ‬تعبيرا‭ ‬صادقا‭ ‬عن‭ ‬مدى‭ ‬قرب‭ ‬القائد‭ ‬من‭ ‬أبناء‭ ‬شعبه‭ ‬واهتمام‭ ‬جلالته‭ ‬بكل‭ ‬شئونهم‭ ‬ومناسباتهم؛‭ ‬فالكلمة‭ ‬السامية‭ ‬تنم‭ ‬عن‭ ‬حكمة‭ ‬جلالته،‭ ‬وهي‭ ‬تعبير‭ ‬عن‭ ‬قيم‭ ‬شعب‭ ‬عريق‭ ‬وحضارة‭ ‬متجذرة‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الأرض،‭ ‬هي‭ ‬كلمة‭ ‬طيبة‭ ‬مثل‭ ‬شجرة‭ ‬طيبة‭ ‬مباركة‭ ‬أعطت‭ ‬ثمارها‭ ‬محبة‭ ‬للجميع،‭ ‬ولذا‭ ‬جاء‭ ‬شكر‭ ‬أبناء‭ ‬الشعب‭ ‬لجلالة‭ ‬الملك‭ ‬من‭ ‬الجميع‭ ‬ومن‭ ‬أعماق‭ ‬القلوب‭.‬

 

 ‬نائب‭ ‬محافظ‭ ‬محافظة‭ ‬العاصمة