الراتب 100 دينار.. “الصحة” تفتش على المخابز وتغلق المخالفين

الخباز الشعبي التنور من أمامه.. والقيظ من خلفه

| بدور المالكي

من‭ ‬أمام‭ ‬التنور‭ ‬ولهيبه،‭ ‬يتحدث‭ ‬بصوت‭ ‬مثقل‭ ‬بالتعب،‭ ‬قائلا‭: ‬“أنا‭ ‬أحترق”‭ ‬يوميا،‭ ‬كما‭ ‬يحترق‭ ‬الخبز‭ ‬الذي‭ ‬أعجنه‭ ‬وأخبزه‭ ‬وأقدمه‭ ‬لزبائني‭ ‬حارا‭. ‬

ويسرد‭ ‬بالقول‭: ‬ومع‭ ‬اشتداد‭ ‬حر‭ ‬الصيف‭ ‬يصبح‭ ‬عملنا‭ ‬أصعب،‭ ‬فلا‭ ‬مفر‭ ‬لنا‭ ‬من‭ ‬حرارة‭ ‬الجو‭ ‬أو‭ ‬حرارة‭ ‬التنور،‭ ‬فالتنور‭ ‬أمامنا،‭ ‬وقيظ‭ ‬الصيف‭ ‬وراءنا،‭ ‬وقد‭ ‬تساعدنا‭ ‬“المروحة”‭ ‬في‭ ‬تخفيف‭ ‬الحرارة،‭ ‬ولكنها‭ ‬تؤخر‭ ‬عملنا،‭ ‬وقد‭ ‬“تفسد”‭ ‬العجينة‭ ‬التي‭ ‬سنخبزها،‭ ‬مردفا،‭ ‬هذا‭ ‬عملي‭ ‬وأنا‭ ‬لا‭ ‬أعرف‭ ‬مكانا‭ ‬ولا‭ ‬عملا‭ ‬غيره،‭ ‬وأنا‭ ‬سعيد‭ ‬براتبي‭ ‬الذي‭ ‬يصل‭ ‬لـ‭ ‬100‭ ‬دينار،‭ ‬والتي‭ ‬أسد‭ ‬بها‭ ‬حاجتي‭ ‬وحاجة‭ ‬عائلتي‭ ‬ولله‭ ‬الحمد،‭ ‬إنه‭ ‬“الخباز”‭ ‬الشعبي،‭ ‬محمد‭ ‬شهاب،‭ ‬الذي‭ ‬يعمل‭ ‬في‭ ‬أحد‭ ‬المخابز‭ ‬الشعبية‭ ‬في‭ ‬شارع‭ ‬جد‭ ‬علي‭ ‬بمدينة‭ ‬عيسى‭. ‬

بدأ‭ ‬محمد‭ ‬هذه‭ ‬المهنة‭ ‬منذ‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬عشر‭ ‬سنوات‭ ‬في‭ ‬البحرين،‭ ‬مبينا‭ ‬أنه‭ ‬فتح‭ ‬عينيه‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬العالم‭ ‬ليجد‭ ‬نفسه‭ ‬يعمل‭ ‬خبازا،‭ ‬وليس‭ ‬له‭ ‬أي‭ ‬حرفة‭ ‬أخرى‭ ‬غيرها‭.‬

ويردف‭ ‬وهو‭ ‬إلى‭ ‬جوار‭ ‬التنور‭ ‬بالقول‭: ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬شيء،‭ ‬فأنا‭ ‬أحب‭ ‬مهنتي،‭ ‬ثم‭ ‬يمسح‭ ‬عرقه‭ ‬بفوطة‭ ‬بيضاء،‭ ‬ويكمل،‭ ‬يوميا‭ ‬في‭ ‬أيام‭ ‬الصيف‭ ‬الحارة‭ ‬خصوصا‭ ‬خلال‭ ‬أشهر‭ ‬الصيف‭ ‬الحارة‭ ‬يوليو‭ ‬وأغسطس‭ ‬وسبتمبر،‭ ‬نذوب‭ ‬بين‭ ‬“قيظ‭ ‬“‭ ‬الصيف‭ ‬ونار‭ ‬التنور‭ ‬اللاهبة،‭ ‬وفي‭ ‬آخر‭ ‬اليوم‭ ‬لا‭ ‬نجمع‭ ‬من‭ ‬عملنا‭ ‬الشاق‭ ‬والمتعب‭ ‬إلا‭ ‬نزرا‭ ‬قليلا‭ ‬لا‭ ‬يغني‭ ‬ولا‭ ‬يسمن‭ ‬من‭ ‬جوع،‭ ‬فعملنا‭ ‬لا‭ ‬نجني‭ ‬من‭ ‬ورائه‭ ‬أي‭ ‬ربح‭ ‬كباقي‭ ‬الأعمال،‭ ‬وقد‭ ‬لا‭ ‬يكفي‭ ‬ما‭ ‬نجمعه‭ ‬خلال‭ ‬سنة‭ ‬لشراء‭ ‬“مكيف”‭ ‬يقينا‭ ‬حرارة‭ ‬الصيف‭.‬

ويحكي‭ ‬محمد‭ ‬لـ‭ ‬“البلاد”‭ ‬بأن‭ ‬مهنته‭ ‬علمته‭ ‬الصبر،‭ ‬حتى‭ ‬أصبح‭ ‬“معلم‭ ‬خباز”،‭ ‬ويضيف‭ ‬بفخر،‭ ‬كثيرون‭ ‬لا‭ ‬يصلون‭ ‬إلى‭ ‬مهنة‭ ‬المعلم،‭ ‬بل‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الخبازين‭ ‬يتركون‭ ‬المهنة؛‭ ‬بسبب‭ ‬التعب‭ ‬والوقوف‭ ‬لساعات‭ ‬طويلة‭ ‬أمام‭ ‬التنور‭ ‬متجهين‭ ‬نحو‭ ‬أي‭ ‬مهنة‭ ‬أخرى؛‭ ‬لأن‭ ‬مهنة‭ ‬الخباز‭ ‬صعبة،‭ ‬فهي‭ ‬المواجهة‭ ‬المباشرة‭ ‬مع‭ ‬النار‭ ‬طول‭ ‬اليوم‭ ‬خلال‭ ‬العمل،‭ ‬وفي‭ ‬فصل‭ ‬الصيف‭ ‬نحن‭ ‬نعايش‭ ‬نارَين،‭ ‬لا‭ ‬يتحملهما‭ ‬بعض‭ ‬الناس‭ ‬وهما‭ ‬نار‭ ‬التنور‭ ‬ونار‭ ‬ارتفاع‭ ‬حرارة‭ ‬الجو،‭ ‬مما‭ ‬يؤدي‭ ‬إلى‭ ‬أصابتنا‭ ‬بأمراض‭ ‬تظهر‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬نكبر‭ ‬بالعمر‭ ‬كالضغط‭ ‬وغيرها‭..‬

ويقول‭ ‬شهاب‭ ‬إنه‭ ‬الآن‭ ‬وبعد‭ ‬أن‭ ‬أصبح‭ ‬“معلم‭ ‬خبز”‭ ‬في‭ ‬الخبز‭ ‬البلدي‭ ‬والشعبي‭ ‬البحريني،‭ ‬فهو‭ ‬كذلك‭ ‬معلم‭ ‬بصناعة‭ ‬الخبز‭ ‬الافرنجي،‭ ‬الروتي‭ ‬والكماج‭ ‬والرول،‭ ‬كما‭ ‬أنه‭ ‬شاطر‭ ‬بصنع‭ ‬المعجنات‭ ‬والخبز‭ ‬بالجبن‭. ‬

وفي‭ ‬رده‭ ‬على‭ ‬سؤال‭ ‬لـ‭ ‬“البلاد”‭ ‬عن‭ ‬تغيير‭ ‬وضع‭ ‬“الخبابيز”‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬تفشي‭ ‬فيروس‭ ‬كورونا‭ ‬المستجد‭ ‬كورونا،‭ ‬يشير‭ ‬إلى‭ ‬أنه‭ ‬يضع‭ ‬دائما‭ ‬الكمامة،‭ ‬ويغسل‭ ‬يديه‭ ‬ويحرص‭ ‬على‭ ‬نظافة‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬باستمرار،‭ ‬وكذلك‭ ‬باقي‭ ‬“الخبازين”،‭ ‬فهم‭ ‬ملتزمون‭ ‬جدا‭ ‬بتعليمات‭ ‬وزارة‭ ‬الصحة‭.‬

ويذكر‭ ‬أن‭ ‬الوزارة‭ ‬كل‭ ‬يوم‭ ‬تقوم‭ ‬بتفتيش‭ ‬“الخبازين”،‭ ‬وتفرض‭ ‬غرامة‭ ‬وتغلق‭ ‬المخبز‭ ‬المخالف،‭ ‬وهناك‭ ‬مخابز‭ ‬تم‭ ‬إغلاقها‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬الصحة‭ ‬لعدم‭ ‬الالتزام،‭ ‬ويضيف‭ ‬“‭ ‬لازم‭ ‬التزام‭ ‬“‭.‬

وحول‭ ‬إقبال‭ ‬الناس‭ ‬على‭ ‬شراء‭ ‬الخبز‭ ‬من‭ ‬المخابز‭ ‬الشعبية،‭ ‬يقول‭ ‬محمد‭ ‬شهاب،‭ ‬منذ‭ ‬بدأت‭ ‬“‭ ‬كورونا‭ ‬“‭ ‬ولحد‭ ‬الآن‭ ‬أصبح‭ ‬الإقبال‭ ‬على‭ ‬شراء‭ ‬الخبز‭ ‬الشعبي‭ ‬قليلا‭ ‬وليس‭ ‬مثل‭ ‬السابق،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬العوائل‭ ‬كانت‭ ‬تحضر‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬وقت،‭ ‬ولكن‭ ‬أكثرهم‭ ‬الآن‭ ‬يحضر‭ ‬صباحا،‭ ‬ليأخذ‭ ‬كفايته‭ ‬مرة‭ ‬واحدة‭ ‬فقط،،‭ ‬مردفا،‭ ‬لا‭ ‬تحضر‭ ‬العائلة‭ ‬“‭ ‬كلها‭ ‬“‭ ‬كالسابق‭ ‬“‭ ‬نفر‭ ‬“‭ ‬واحد‭ ‬أو‭ ‬اثنان،‭ ‬ولم‭ ‬يعد‭ ‬هناك‭ ‬تجمع‭ ‬أمام‭ ‬الخباز‭ ‬كما‭ ‬كان‭ ‬أيام‭ ‬زمان،‭ ‬كذلك‭ ‬لم‭ ‬نعد‭ ‬نعرض‭ ‬منتجات‭ ‬غذائية‭ ‬كالسابق‭ ‬للزبائن‭.‬

وحول‭ ‬أمنيته‭ ‬يقول‭ ‬محمد‭ ‬شهاب،‭ ‬أصلي‭ ‬وأدعو‭ ‬ألله‭ ‬أن‭ ‬تنتهي‭ ‬“‭ ‬كورونا‭ ‬“‭ ‬وترجع‭ ‬الحياة‭ ‬في‭ ‬البحرين‭ ‬كما‭ ‬كانت،‭ ‬مضيفا،‭ ‬أنه‭ ‬يريد‭ ‬أن‭ ‬يسافر‭ ‬لبلده‭ ‬بعد‭ ‬انتهاء‭ ‬الأزمة‭.‬