انظر للأمور من زوايا مختلفة وحصِّن نفسك بالأفكار الواقعية

السلبية... طوق نجاة

| وديعة الوداعي

فتحت‭ ‬عينيها‭ ‬ونظرت‭ ‬إلى‭ ‬سقف‭ ‬غرفتها‭ ‬بشكل‭ ‬مطول،‭ ‬ظلت‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬الحال‭ ‬وقتا‭ ‬طويلا،‭ ‬أرادت‭ ‬النهوض،‭ ‬فالوقت‭ ‬يجري،‭ ‬ولكن‭ ‬شيئا‭ ‬ما‭ ‬يدفعها‭ ‬للبقاء‭ ‬في‭ ‬السرير،‭ ‬تشعر‭ ‬بأنها‭ ‬مكبلة‭ ‬بسلاسل‭ ‬حديدة‭ ‬متينة‭ ‬تحاول‭ ‬أن‭ ‬تحرر‭ ‬نفسها‭ ‬مرارًا،‭ ‬ولكن‭ ‬لا‭ ‬تستطيع،‭ ‬وكأنها‭ ‬سقطت‭ ‬في‭ ‬بئر‭ ‬عميقة‭ ‬مظلمة،‭ ‬تسعى‭ ‬للنجاة‭ ‬منه،‭ ‬ولكنها‭ ‬كمن‭ ‬يمشي‭ ‬لسراب‭ ‬لا‭ ‬نهاية‭ ‬له‭. ‬أغمضت‭ ‬عينيها‭ ‬محاولةً‭ ‬الوصول‭ ‬إلى‭ ‬نور‭ ‬وسط‭ ‬العتمة،‭ ‬ولكن‭ ‬لا‭ ‬شيء،‭ ‬لا‭ ‬يوجد‭ ‬أمامها‭ ‬سوى‭ ‬فكرة‭ ‬واحدة‭ ‬وعبارة‭ ‬ترددها‭ ‬دائمًا‭: ‬أنا‭ ‬ناقصة‭ ‬وحياتي‭ ‬سوداء‭. ‬

شخصيتي‭ ‬هي‭ ‬لا‭ ‬أحد،‭ ‬ربما‭ ‬تكون‭ ‬أنا‭ ‬أو‭ ‬أنت‭ ‬أو‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬يزرع‭ ‬في‭ ‬عقله‭ ‬فكرة‭ ‬سلبية،‭ ‬يقول‭ ‬العلماء‭ ‬إن‭ ‬عقل‭ ‬الإنسان‭ ‬يختلق‭ ‬في‭ ‬اليوم‭ ‬الواحد‭ ‬50‭ ‬–‭ ‬60‭ ‬ألف‭ ‬فكرة‭ ‬سلبية،‭ ‬وبأن‭ ‬هذه‭ ‬الأفكار‭ ‬تحتاج‭ ‬بيئة‭ ‬محفزة‭ ‬ونشطة،‭ ‬وهي‭ ‬كثرة‭ ‬التفكير‭ ‬والتحليل‭ ‬والتركيز‭ ‬على‭ ‬صغائر‭ ‬الأمور‭. ‬

قالت‭ ‬أوبرا‭ ‬وينفري‭ ‬في‭ ‬إحدى‭ ‬لقاءتها‭ ‬أن‭ ‬الإنسان‭ ‬لا‭ ‬يستطيع‭ ‬تحمل‭ ‬فكرة‭ ‬سلبية‭ ‬لأكثر‭ ‬من‭ ‬3‭ ‬ثوان،‭ ‬ومع‭ ‬ذلك‭ ‬لا‭ ‬يزال‭ ‬هناك‭ ‬الكثير‭ ‬ممن‭ ‬يعيشون‭ ‬يومًا‭ ‬كاملًا‭ ‬وربما‭ ‬حياةً‭ ‬كاملة‭ ‬تحت‭ ‬تأثير‭ ‬هذه‭ ‬الأفكار‭. ‬ولأكن‭ ‬صادقة‭ ‬فيما‭ ‬أقول‭ ‬كنت‭ ‬أنا‭ ‬واحدة‭ ‬منهم‭ ‬ولا‭ ‬أزال‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬الأحيان،‭ ‬فهناك‭ ‬أفكار‭ ‬عندما‭ ‬تمتزج‭ ‬بمخاوف‭ ‬تتحول‭ ‬إلى‭ ‬كوابيس‭ ‬وربما‭ ‬وقائع‭ ‬حقيقية‭. ‬

يقول‭ ‬ديفيد‭ ‬آر‭ ‬هوكينز‭: ‬“إذا‭ ‬كانت‭ ‬لدينا‭ ‬القوة‭ ‬التي‭ ‬تجعل‭ ‬السلبية‭ ‬تتجلى‭ ‬في‭ ‬حياتنا،‭ ‬فلدى‭ ‬عقولنا‭ ‬القوة‭ ‬لتحقيق‭ ‬عكس‭ ‬ذلك”،‭ ‬هذه‭ ‬العبارة‭ ‬تلخص‭ ‬قوة‭ ‬الإنسان‭ ‬في‭ ‬تفنيد‭ ‬أي‭ ‬فكرة‭ ‬مهما‭ ‬كانت‭ ‬قوية‭ ‬وراسخة‭ ‬في‭ ‬عقله،‭ ‬ولكن‭ ‬الأمر‭ ‬يتطلب‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الشجاعة‭ ‬والمحاولات‭ ‬المتكررة،‭ ‬فعقولنا‭ ‬ذكية‭ ‬جدًا‭ ‬لتختلق‭ ‬لنا‭ ‬حقائق‭ ‬كاذبة‭ ‬وتجعلنا‭ ‬نتوهم‭ ‬حصول‭ ‬عكس‭ ‬ما‭ ‬نفكر‭ ‬ومن‭ ‬خلال‭ ‬موقف‭ ‬بسيط‭ ‬نصطدم‭ ‬بالواقع‭. ‬

يقال‭ ‬أيضًا‭ ‬إن‭ ‬الفكرة‭ ‬هي‭ ‬أصل‭ ‬كل‭ ‬شيء،‭ ‬لذلك‭ ‬لابد‭ ‬لنا‭ ‬من‭ ‬خلق‭ ‬أفكار‭ ‬جديدة‭ ‬تلغي‭ ‬ما‭ ‬حاولنا‭ ‬مرارًا‭ ‬ترسيخه‭ ‬في‭ ‬عقولنا،‭ ‬فهناك‭ ‬3‭ ‬مستويات‭ ‬للتخلص‭ ‬من‭ ‬الفكرة‭ ‬السلبية‭ ‬تبدأ‭ ‬بطردها‭ ‬أو‭ ‬تجاهلها‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬إشغال‭ ‬العقل‭ ‬بأفكار‭ ‬آخرى،‭ ‬ثم‭ ‬مناقشتها‭ ‬ولابد‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬مع‭ ‬شخص‭ ‬واعٍ‭ ‬وإيجابي؛‭ ‬حتى‭ ‬لا‭ ‬تتحفز‭ ‬وتنضج‭ ‬بشكل‭ ‬أكبر،‭ ‬وأخيرًا‭ ‬تخيل‭ ‬حدوثها‭ ‬بمعنى‭ ‬آخر‭ ‬اختلق‭ ‬سيناريو‭ ‬معين،‭ ‬وليكن‭ ‬أسوأ‭ ‬ما‭ ‬يمكن‭ ‬ولتعش‭ ‬فيه‭ ‬كل‭ ‬تفاصيل‭ ‬الحكاية‭ ‬المهم‭ ‬أن‭ ‬تخرج‭ ‬منها،‭ ‬وقد‭ ‬استنفدت‭ ‬كل‭ ‬المشاعر‭ ‬التي‭ ‬بداخلك‭ ‬وبعد‭ ‬الانتهاء‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬ذلك‭ ‬ابتسم‭ ‬وقل‭ ‬في‭ ‬نفسك‭ ‬انتهى‭ ‬الأمر‭. ‬

ربما‭ ‬يرى‭ ‬البعض‭ ‬أن‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬سبق‭ ‬ذكره‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬إلا‭ ‬أحاديث‭ ‬كتب‭ ‬تنمية‭ ‬الذات‭ ‬وتحفيز‭ ‬التفكير‭ ‬الإيجابي،‭ ‬ولكن‭ ‬من‭ ‬واقع‭ ‬التجربة،‭ ‬فإن‭ ‬الأفكار‭ ‬لا‭ ‬يسقطها‭ ‬إلا‭ ‬أفكار‭ ‬مضادة؛‭ ‬لذا‭ ‬حصن‭ ‬نفسك‭ ‬دائمًا‭ ‬بالأفكار‭ ‬الواقعية‭ ‬والإيجابية،‭ ‬وأنظر‭ ‬للأمور‭ ‬من‭ ‬زوايا‭ ‬مختلفة،‭ ‬استشعر‭ ‬عظمة‭ ‬نفسك‭ ‬وفكرك‭ ‬وقبل‭ ‬كل‭ ‬شيء،‭ ‬ظن‭ ‬بالله‭ ‬خيرًا‭ ‬دائمًا‭ ‬وأبدًا‭.‬