تجد نفسها وسط الألوان ومحاطة بأعمالها الفنية

مرسم نبيلة الخير... أبيض كقلبها

قبل‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬عقد‭ ‬من‭ ‬الزمن‭ ‬كان‭ ‬الحراك‭ ‬الفني‭ ‬التشكيلي‭ ‬على‭ ‬وجه‭ ‬التحديد‭ ‬أكثر‭ ‬حيوية‭ ‬ونشاطا‭ ‬مما‭ ‬هو‭ ‬عليه‭ ‬خلال‭ ‬السنوات‭ ‬الفائتة‭.. ‬كانت‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬مراسم‭ ‬الفنانات‭ ‬والفنانين‭ ‬كخلايا‭ ‬نحل‭ ‬يؤمها‭ ‬الفنانون‭ ‬باستمرار‭ ‬ومرسم‭ ‬الفنانة‭ ‬التشكيلية‭ ‬نبيلة‭ ‬الخير‭ ‬أحد‭ ‬هذه‭ ‬المراسم،‭ ‬من‭ ‬يعرف‭ ‬المنطقة‭ ‬التي‭ ‬يقع‭ ‬فيها‭ ‬المرسم‭ ‬سيعرف‭ ‬مذاق‭ ‬ونكهة‭ ‬المكان‭.‬

من‭ ‬عايش‭ ‬هذا‭ ‬المكان‭ ‬سيستحضر‭ ‬جمال‭ ‬هذه‭ ‬المنطقة،‭ ‬خضرتها،‭ ‬نخيلها‭ ‬الباسقات،‭ ‬والشارع‭ ‬المؤدي‭ ‬إلى‭ ‬تلك‭ ‬القرى‭ ‬والروائح‭ ‬الطيبة‭ ‬التي‭ ‬تصدر‭ ‬من‭ ‬أشجار‭ ‬تلك‭ ‬البساتين‭ ‬تغلف‭ ‬مجاله‭ ‬الجوي‭ ‬ليحافظ‭ ‬على‭ ‬تلك‭ ‬الحميمة‭ ‬التي‭ ‬تربطه‭ ‬بناس‭ ‬أبناء‭ ‬القرى‭ ‬الذي‭ ‬ألفوه‭ ‬وتعود‭ ‬على‭ ‬وقع‭ ‬خطى‭ ‬أقدامهم‭. ‬كنا‭ ‬نرتاد‭ ‬مرسم‭ ‬نبيلة‭ ‬جماعات،‭ ‬كتاب‭ ‬وشعراء‭ ‬وصحفيون‭ ‬وفنانون‭ ‬تشكيليون،‭ ‬أغلب‭ ‬الأحاديث‭ ‬وقتها‭ ‬تدور‭ ‬حول‭ ‬الفنون‭ ‬البصرية،‭ ‬حول‭ ‬جمال‭ ‬الصورة‭ ‬وكل‭ ‬ما‭ ‬يتعلق‭ ‬بالمشهد‭ ‬الفني،‭ ‬وقتها‭ ‬كانت‭ ‬نبيلة‭ ‬مهووسة‭ ‬ومهتمة‭ ‬بقضايا‭ ‬المرأة‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬العالم‭ ‬بغض‭ ‬النظر‭ ‬عن‭ ‬جنسيتها‭ ‬أو‭ ‬عرقها‭ ‬أو‭ ‬لونها،‭ ‬صراحة‭ ‬ألوانها‭ ‬ونقائها‭ ‬هي‭ ‬التحية‭ ‬التي‭ ‬توجهها‭ ‬دوما‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬لوحاتها‭ ‬إلى‭ ‬المرأة،‭ ‬تفرح‭ ‬بها،‭ ‬تعاضدها‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬المواقف،‭ ‬تلقي‭ ‬ما‭ ‬تحمل‭ ‬وتتميز‭ ‬به‭ ‬من‭ ‬جمال‭ ‬روحي‭ ‬وأخلاقي‭ ‬عليها‭ ‬بخفة‭ ‬نورس‭ ‬يعرف‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬المرافئ‭ ‬يحط‭ ‬بجناحيه‭ ‬الأبيضين‭. ‬مرسم‭ ‬بمساحة”‭ ‬المرسم”‭ ‬9‭ ‬في‭ ‬6‭ ‬أمتار‭  ‬

نهارا‭ ‬يستقي‭ ‬الضوء‭ ‬الصافي‭ ‬والألوان‭ ‬الزاهية‭ ‬من‭ ‬أشجار‭ ‬الحديقة‭ ‬ذات‭ ‬الأنواع‭ ‬المختلفة‭ ‬من‭ ‬الشجر‭ ‬والنبات،‭ ‬من‭ ‬نافذة‭ ‬منها‭ ‬يطل‭ ‬عليها‭ (‬أي‭ ‬المرسم‭)‬،‭ ‬وتدخل‭ ‬إليه‭ ‬هي‭ ‬وظلالها‭ ‬الخارجة‭ ‬بانعكاسها‭ ‬من‭ ‬سطوح‭ ‬بركة‭ ‬الماء‭ ‬المجاورة‭ ‬له،‭ ‬تحيطه،‭ ‬تغري،‭ ‬وتحرض‭ ‬صاحبته‭ ‬نبيله‭ ‬كلما‭ ‬هبت‭ ‬على‭ ‬مائها‭ ‬ريح‭ ‬الصبا‭.‬

جئته‭ ‬يا‭ ‬صديقي‭ ‬عباس‭ ‬يوسف‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬1996‭ ‬مرت‭ ‬الآن‭ ‬24‭ ‬عاما‭ ‬هل‭ ‬تتصور‭ ‬كيف‭ ‬يمضي‭ ‬العمر‭ ‬بنا؟

نعم‭ ‬مازلنا‭ ‬نحتمي‭ ‬بالجمال،‭ ‬نلوذ‭ ‬إلى‭ ‬المراسم‭ ‬باعتبارها‭ ‬جنان‭ ‬سعادة‭ ‬وطمأنينة‭ ‬ومكان‭ ‬محبة‭ ‬وسلام،‭ ‬نعول‭ ‬على‭ ‬الرسم‭ ‬بوصفة‭ ‬فسحة‭ ‬الأمل‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬أحد‭ ‬يقدر‭ ‬على‭ ‬وقف‭ ‬الخيال‭ ‬فيها،‭ ‬هذا‭ ‬الخيال‭ ‬الرطب‭ ‬الطازج‭ ‬الحيوي‭ ‬المتحرك‭ ‬الذي‭ ‬يفرش‭ ‬جمال‭ ‬الكون‭ ‬كله‭ ‬أمامنا‭ ‬معشر‭ ‬الفنانين‭ ‬ويأخذنا‭ ‬بسلاسة‭ ‬وخفة‭ ‬إلى‭ ‬بحر‭ ‬نجاته‭.‬

تقول‭ ‬الصحفية‭ ‬آمال‭ ‬الخير‭: ‬أجمل‭ ‬اللحظات‭ ‬بالنسبة‭ ‬لي‭ ‬هي‭ ‬حين‭ ‬اقتحم‭ ‬مرسم‭ ‬نبيلة‭ ‬الخير‭ ‬وأجدها‭ ‬ذائبة‭ ‬وسط‭ ‬ألوانها‭ ‬والفرشاة‭ ‬في‭ ‬يدها‭ ‬تتحرك‭ ‬على‭ ‬قماش‭ ‬الرسم‭ ‬بخفة‭ ‬ورقة‭ ‬تليقان‭ ‬بها‭ ‬وأجد‭ ‬أعمالا‭ ‬فنية‭ ‬كثيرة‭ ‬ومتنوعة‭ ‬منتشرة‭ ‬في‭ ‬المكان‭ ‬تحمل‭ ‬مواضيع‭ ‬مختلفة،‭ ‬أتفاجأ‭ ‬كل‭ ‬مرة‭ ‬حين‭ ‬أزور‭ ‬فيها‭ ‬المرسم‭ ‬بانخراطها‭ ‬في‭ ‬تنفيذ‭ ‬ثيمة‭ ‬جديدة‭ ‬وموضوع‭ ‬مختلف،‭ ‬إلاّ‭ ‬أن‭ ‬المرأة‭ ‬لها‭ ‬حضور‭ ‬لافت‭ ‬ومميز‭ ‬في‭ ‬أعمالها،‭ ‬فهي‭ ‬تتصدر‭ ‬المشهد‭ ‬الفني‭ ‬في‭ ‬المرسم‭ ‬وكأنها‭ ‬بذلك‭ ‬تسجل‭ ‬تصريحا‭ ‬واضحا‭ ‬لوقوفها‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬المرأة‭ ‬أينما‭ ‬كانت‭.‬

لا‭ ‬أخفي‭ ‬سرا‭ ‬حين‭ ‬أقول‭ ‬أن‭ ‬الفنانة‭ ‬نبيلة‭ ‬الخير‭ ‬في‭ ‬المرسم‭ ‬تكون‭ ‬في‭ ‬قمة‭ ‬سعادتها،‭ ‬وترسم‭ ‬على‭ ‬شفتيها‭ ‬ابتسامة‭ ‬لا‭ ‬تفارق‭ ‬وجهها،‭ ‬هي‭ ‬فعلا‭ ‬تجد‭ ‬نفسها‭ ‬وسط‭ ‬الألوان‭ ‬ومحاطة‭ ‬بأعمالها‭ ‬الفنية‭ ‬ووجوه‭ ‬النساء‭.. ‬المرسم‭ ‬هو‭ ‬الملاذ‭ ‬الآمن‭ ‬لها‭. ‬

هذي‭ ‬الوجوه‭ ‬الجديدة‭ ‬التي‭ ‬عادت‭ ‬إلى‭ ‬طقسها‭ ‬ورسمها‭ ‬نبيلة‭ ‬خلال‭ ‬هذه‭ ‬الفترة‭ ‬تجيد‭ ‬التعامل‭ ‬معها‭ ‬بأريحية‭ ‬استنادا‭ ‬إلى‭ ‬تاريخ‭ ‬من‭ ‬التجريب‭ ‬والممارسة‭ ‬أرجعت‭ ‬لي‭ ‬بعضا‭ ‬مما‭ ‬في‭ ‬كان‭ ‬في‭ ‬الذاكرة،‭ ‬هذه‭ ‬الذاكرة‭ ‬المعطوبة‭ ‬دائما‭ ‬وللأسف‭.. ‬اعتمد‭ ‬استقاء‭ ‬صحة‭ ‬المعلومة‭ ‬ودقتها‭ ‬من‭ ‬ذاكرة‭ ‬صديقتي‭ ‬رباب‭ ‬فضل‭. ‬أتحسب‭ ‬كثيرا‭ ‬لدخول‭ ‬المراسم‭ ‬محبة‭ ‬في‭ ‬معرفة‭ ‬المغاير‭ ‬المختلف‭ ‬ورغبة‭ ‬في‭ ‬اكتشاف‭ ‬الجديد،‭ ‬دخول‭ ‬الضوء‭ ‬إلى‭ ‬مرسم‭ ‬نبيلة‭ ‬يحيله‭ ‬إلى‭ ‬لون‭ ‬بهجة‭ ‬وبياض‭.‬

 

بقلم‭ ‬الفنان‭: ‬عباس‭ ‬يوسف