شاهد على تاريخ شعب عشق البحر واسترزق من خيراته

“الطراريد” تغزو “الفرجان”

| إبراهيم النهام

تحكي‭ ‬صور‭ ‬القوارب‭ ‬وهي‭ ‬رابضة‭ ‬على‭ ‬أرصفة‭ ‬الشوارع‭ ‬والساحات‭ ‬العامة‭ ‬وبالقرب‭ ‬من‭ ‬المساكن‭ ‬والبيوت‭ ‬حكايات‭ ‬شعب‭ ‬عشق‭ ‬البحر،‭ ‬وامتهن‭ ‬الصيد‭ ‬منذ‭ ‬عشرات‭ ‬السنين،‭ ‬وتحكي‭ ‬أيضا‭ ‬تمسك‭ ‬الأبناء‭ ‬والأحفاد‭ ‬بمغامرات‭ ‬الصيد‭ ‬والبحث‭ ‬عن‭ ‬المجهول‭ ‬في‭ ‬غياهيب‭ ‬الأفق‭ ‬الأزرق‭ ‬البعيد‭.‬

وبالرغم‭ ‬من‭ ‬شحة‭ ‬الإمكانات‭ ‬المادية‭ ‬لدى‭ ‬البعض،‭ ‬وقلة‭ ‬الحيلة‭ ‬لربما،‭ ‬يظل‭ ‬القارب‭ ‬وتواجده‭ ‬كجزء‭ ‬أصيل‭ ‬من‭ ‬الهوية،‭ ‬والثقافة،‭ ‬واليوميات،‭ ‬بل‭ ‬الروح‭ ‬نفسها،‭ ‬هاجسا‭ ‬ملازما،‭ ‬يكمل‭ ‬فيه‭ ‬الفرد‭ ‬يومياته‭ ‬المكتظة‭ ‬بهموم‭ ‬الحياة‭ ‬والتزاماتها،‭ ‬ليسرح‭ ‬بين‭ ‬الأمواج‭ ‬بفكره،‭ ‬وبعاطفته،‭ ‬وأفكاره‭ ‬المبعثرة‭.‬

ويقول‭ ‬بو‭ ‬ناصر،‭ ‬وهو‭ ‬خمسيني‭ ‬متقاعد،‭ ‬بأن‭ ‬البحر‭ ‬كان‭ ‬ولا‭ ‬يزال‭ ‬ملجأه‭ ‬الأول‭ ‬والأخير‭ ‬في‭ ‬السراء‭ ‬والضراء‭ ‬والفرح‭ ‬والسعادة‭ ‬والابتسامة‭ ‬بعادة‭ ‬يومية‭ ‬بدأت‭ ‬منذ‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬45‭ ‬سنة‭ ‬حين‭ ‬كان‭ ‬يخرج‭ ‬للبحر‭ ‬مع‭ ‬والده،‭ ‬في‭ ‬قارب‭ ‬صيد‭ ‬صغير،‭ ‬بلحظات‭ ‬صنفها‭ ‬بالأجمل‭ ‬في‭ ‬حياته‭.‬

ويقول‭ ‬“أكثر‭ ‬علوم‭ ‬الرجال،‭ ‬ومفاهيمهم،‭ ‬تعلمتها‭ ‬من‭ ‬أبي‭ ‬هنالك،‭ ‬بين‭ ‬الأمواج،‭ ‬ومع‭ ‬الأسماك،‭ ‬وقبالة‭ ‬المستقبل‭ ‬المبهم‭ ‬المخيف،‭ ‬هنالك‭ ‬علمني‭ ‬أبي‭ ‬الصبر،‭ ‬ورباط‭ ‬الجأش‭ ‬والشكيمة،‭ ‬والهدوء‭ ‬في‭ ‬اتخاذ‭ ‬القرارات،‭ ‬والحكمة‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬الفجائية‭ ‬منها،‭ ‬البحر‭ ‬هو‭ ‬صديقي‭ ‬الدائم‭ ‬والمستمر،‭ ‬وأنا‭ ‬أحبه‭ ‬حتى‭ ‬لو‭ ‬عرجت‭ ‬لمنزلي‭ ‬بصيد‭ ‬قليل،‭ ‬أو‭ ‬نادر”‭.‬

وما‭ ‬بين‭ ‬حكايات‭ ‬الأولين،‭ ‬وشباب‭ ‬اليوم،‭ ‬تظل‭ ‬القوارب‭ ‬شاهدا‭ ‬على‭ ‬تاريخ‭ ‬وطن‭ ‬وشعب،‭ ‬امتهن‭ ‬صيد‭ ‬اللؤلؤ،‭ ‬والسمك،‭ ‬والخيرات‭ ‬العامة‭ ‬في‭ ‬أحضان‭ ‬البحر،‭ ‬والذي‭ ‬ينتظر‭ ‬دائما‭ ‬زواره‭ ‬بكل‭ ‬شغف‭ ‬وسعادة‭ ‬واهتمام‭.‬