فرقة أجراس البحرينية أكثر من تطرق للقضية الفلسطينية في الخليج.

الفنان سلمان زيمان قبل رحيله لـ"البلاد": للأغنية الخليجية حضور قوي في المنطقة العربية... ولا أسمع أغنياتي!

| ياسمين خلف

الحوار مع فنان كبير بقامة الفنان البحريني سلمان زيمان حواراً ذو نكهة خاصة، تُلامس فيه بالإضافة إلى التواضع الجم، طيبة القلب ودماثة أخلاق قلما تجدها في فنانين آخرين، تسمع أغانيه "أم الجدائل" و "متى نلتقي" بصوته الشجي وهو يحاورك، ويأخذك من حيث أنت إلى عوالم أخرى من الفن الراقي الهادف. سلمان زيمان مدرسة فنية بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى، حافظ من خلال فرقة أجراس البحرينية على القمة منذ أن قرعت أجراسها الفن في الثمانينات من القرن الماضي، وشدت أنظار الجمهور وآذانهم، وتذوقوا معهم كلمات القصائد التي حولوها إلى أغاني. لم يندم قط على أغنية قدمها، ويفخر بل ويجزم على أن كورال فرقة أجراس هو الأفضل على الساحة الفنية الخليجية، ورغم ذلك لا يسمع أغنياته فلماذا؟ وكيف لا يسمع أغنياته التي أطربت وتطرب كل من استمع إليها؟ هذا ما قاله في حواره مع "البلاد" قبل أن يتوفاه الله فإلى سطور حواره.... 

  ** أين سلمان زيمان؟ وأين فرقة أجراس البحرينية؟ أنا موجود، وكذلك فرقة أجراس البحرينية لازالت موجودة، وأعمالنا الفنية لازالت قائمة، حتى وإن كانت بالتعاون بين إثنين أو ثلاثة من أعضاء الفرقة. وأبناء زيمان، الأخوة السبعة لازلنا مستمرين في المجال الفني، وشاركت الأخوات الخمس هدى، وسلوى، ومريم، وشريفة، وبدرية كذلك إلى جانب كورال الأصوات الرجالية في أغنية جديدة. فكورال فرقة أجراس ومنذ أن بدأ عام 1981م، وحتى اليوم لم يتوقف نشاطه، فإن لم نكن موجودين على المسرح، فإننا متواجدون في الأستديو، والعكس كذلك صحيح، أحييت حفل بدار الآثار بالكويت، وحفل في البحرين بالصالة الثقافية قدمت خلاله أغنية حبيبتي من كلمات الشاعر عبدالحميد القائد، ومن الحان الموسيقار مجيد مرهون. وقدمنا أغنية جديدة بأسم "هل كان حباً؟" للشاعر المصري صلاح عبدالصبور من الحاني وتوزيع خليفة زيمان، فنشاطنا ولله الحمد مستمر. 

 

** إذن فجمهوركم متعطش لإنتاج أكثر؟  في الواقع نحن بحاجة إلى الإعداد لحفلات أكثر، والمشكلة التي تواجهنا إن بعضاَ من أفراد الفرقة العازفين ابتعدوا عن الآلة الموسيقية، فهجروا عزفها، مكتفين بالتذوق الموسيقي، وإن كان بعض افراد الفرقة مازالوا نشطين بجانبي، أخي خليفة والأخوات الأربع بالإضافة إلى الأخت العزيزة هدى عبدالله ومجموعة أخرى من الأعضاء في الفرقة بين حين وآخر. فلا يمر عام إلا ولنا أغنية أو أكثر، ففي العام 2016م قدمنا أغنيتين جديدتين.  والأمر ذاته مع أخي خليفة زيمان فهو نشط جداً كذلك، إذ هو المايسترو الذي يقود فرقة البحرين للموسيقى منذ أكثر من عقد من الزمان، بالإضافة لكونه عضواً في فرقة أجراس البحرينية، ويشارك في التوزيع والتنفيذ للأغاني سواءً داخل البحرين أو خارجها. 

 

** نشطت في الفترة الأخيرة خارج مملكة البحرين، فهل أصبت بعدوى عين عذاري، فغدوت تسقي البعيد وتنسى القريب؟  لا، لم أكن يوماً كعذاري أسقي البعيد قبل القريب كما اشتهر عن عذاري الجميلة العذبة بفحوى هذا المثل، فنشاطي في بلدي البحرين أكثر من نشاطي خارجها، ولي مشروع لإعداد أغنية ليوم المرأة. للاحتفال بهذا اليوم المميز عالمياً، وإن لم أحضّر فعلياً بعد الكلمات، أو الألحان أو من سيشارك في الغناء سواءً كان غناءً فردياً أو دويتو، أو ككورال، فتفاصيل المشروع لم أحددها بعد، إلا أنه ضمن جدول أعمالي الفنية المقبلة. 

 

** هل أحداً من آبائكم وأجدادكم فناناً أو مغنيٍ أو له اهتمامات موسيقية، ليكون جميع الأخوة والأخوات مغنيين، فهل جينات الفن تجري في عروقكم؟  يضحك ويجيب: "سألت والدي ووالدتي رحمها الله، وسألت حتى أجدادي عن ذلك وجميعهم نفوا وجود فنانين في العائلة، ولكن اليوم ابنائنا وربما أحفادنا يملكون ذات الموهبة.

 

** هل كان البحر عليك سخياً، فوهبك هذا الصوت الشجي؟  البحر هو طفولتي، وشبابي ومتعتي. البحر ملء علي حياتي كلها سواءً في السباحة أو الترفيه أو حتى الصيد، أشعر بسعادة كبيرة وهو يحتضنني، فأنا لا أكتفي فقط بالنظر إليه، بل أسعد عندما أنزل إليه فأنا ابن البحر الذي اتسع للعبي، وتسكعي، ولم يخيب أبداً ظني، ولم يغدر بي قط بل كان متسامحاً جداً معي.  يضحك ويستدرك فيقول: "أرعبني البحر يوماً، ولا انسى ذلك اليوم ما حييت عندما قررنا نحن الصبية الأصدقاء النزول للبحر والسباحة تحت جسر المحرق القديم، ورافقنا أحد الأصدقاء الذي لم يسبق له السباحة معنا، فسألناه إن كان يجيد السباحة، فأجاب بالإيجاب، فنزلنا للبحر وهو في حالة جزر، وكان الماء يصل إلى الركب أو أقل بقليل، وبعد أن عبرنا قناة الجسر مشياً في البحر، وعند الجزء الضحل منه وبعد مسافة كيلو متر واحد، بدأ مستوى الماء يرتفع شيئاً فشيئاً وتغير حال البحر إلى المد، وأثناء ذلك وعندما أصبح مستوى الماء عميقاً أخذ صاحبنا يضع يداً واحدة على كتفي، وشيئاً فشيئاً امسك بكتفي بكلتا يديه، وتشبث بي مرعوباً خائفاً ومعترفاً بأنه لا يجيد السباحة، فأضررت أن أرجع إلى حيث الجزء الضحل الذي انطلقنا منه لأنه أقرب بكثير من هدف العبور. ثم وبالاستعانة بقطعة خشبية يتكئ عليها وصلنا والحمد لله للضفة الأخرى من القناة. حقاً كانت حادثة رغم تندرنا اليوم عليها، كانت دقائق مرعبة في وقتها وكدنا نفقد حياتنا بسبب كذبة بريئة!! ". 

 

** هل كان حباً... أغنية جديدة بمشاركة كورال فرقة أجراس، أتحرص دائماً على الاحتفاظ بقوة تماسك فرقة أجراس وعدم اللجوء إلى كورال آخر؟  أجزم بأن كورال فرقة أجراس هو الأفضل حتى اليوم في البحرين، لانسجام أصوات أعضاءه وتقارب أصواتهم، وتناغمهم مع الموسيقى والأداء. فالعلاقة الوطيدة التي تربط أعضاء الفرقة من جهة، وعلاقة الأخوة زيمان من جهة أخرى أعطى الثقة المتبادلة بين الجميع مما انعكس على روح الفرقة بشكل عام. فنحن 18 عضواً يجمعنا الفن والأخوَة وعلاقتنا قوية بدرجة كبيرة، لإيماننا جميعاً بقوة العمل الجماعي، وبقوة العمل التطوعي وإيماننا برسالة الفن. فأعضاء الفرقة يعطون الفرقة أكثر مما يتوقعون الحصول عليه، فهم ملتزمون بدفع الاشتراكات السنوية لتمويل الفرقة، وإن لم يحصلوا بعد الكثير من الأنشطة على مكافئة مالية.  وما وحد الفرقة هو مضمون النص، وتميز الألحان التي تأبى أن تكون كالألحان الدارجة، فعندما أؤلف أغنية أو ألحن موسيقاها، إن أحسست ولو بإحساس طفيف أنها متشابهة مع ألحان أخرى ألغيها وأعاود التلحين من جديد، فأنا أرفض التناسخ بشكل قاطع. إن عملت أعمل على الجمل والألحان الجديدة التي تخاطب القصائد وتتفاعل مع صورها الشعرية، وكتبت شخصياً أغنيات منها "هيفاء، يا مقلة عيني" وأغاني كثيرة لمناسبات اجتماعية وأخرى للأطفال. 

 

** برامج المغنيين الهواة، وكثرة المغنيين هل هي برامج تخدم الساحة الفنية أم تشوهها؟  ظاهرة كثرة محبي الغناء هي في اعتقادي ظاهرة صحية في الفن، وأدعو إليها حقيقة، نحن كذلك دخلنا الساحة الفنية نتيجة صدفة إلى أن احترفنا. فمع مرور الأيام يثبت كل مغني نفسه، فالأفضل سيبقى، ومن لا شأن له في الغناء سينسحب وسيكون ألبومه الأول هو الأخير فيختفي وإلى الأبد من عالم الغناء، ولا أنكر إنها ظاهرة متفشية بكثرة هذه الأيام.  وبرامج المغنيين الهواة برامج يختلط فيها الترفيه مع الموسيقى والغناء وهي برامج لها شعبية كبيرة في الوطن العربي. وإن كان هناك سبيل لنجاح فنان وتميزه فذلك أمر جميل وفرصة ليدخلوا المجال الفني ويثرونه، ولا ننسى أن هذا الكم الهائل من المتقدمين لهذه البرامج يمرون بمراحل تصفية، ليبقى الجيد السمين ويخرج الغث منه، وإن كنت أملك بعض التحفظات على عمليات الفرز إلا إنه وفي النهاية تعتبر ظاهرة صحية.  فقد توقف سوق إنتاج الأغنية وتوقف انتاج الألبوم إلا فيما ندر، فلا يوجد منتجين اليوم وما هو موجود قليل جداً. فلا إنتاج للألبومات في المنطقة والموجود إنتاج فردي للفنانين من قبل الفنانون أنفسهم ولأغاني منفردة. وغياب المنتجين عن الساحة ساهم في اختفاء ظاهرة المغنيين الجدد أو الحد منها. 

 

** وجود وجوه نسائية، بل وشقيقات لك في الفرقة هل كان أمراً مرحباً به في بدايات ظهوركم في ثمانينات القرن الماضي؟   كان الجمهور سعيد جداً بالفرقة. فعندما تقدم فن محترم، بلاشك سيتلقاه الجمهور باحترام جم. فأغنية مثل "لونُ عينيكِ نخيلٌ"، أو أغنية " نار النشاما" أو غيرها من الأغاني التي كتبها كُتاب كبار فتحولت من قصائد شعرية إلى أغاني، لابد أن تحصل على احترام الناس، وبالتأكيد ستكون مختلفة عن تلك الأغاني التي تهبط بالفن ولا ترتقي به. ووجودنا كفرقة تقدم حفلات تطوعية لخدمة قضايا المجتمع أو القضايا القومية والعربية مقدر ومحترم عند الجمهور. ومما قدمناه كاحتفالات مجانية تطوعية ثلاث لياليٍ دعماً لمؤسسة "مدينة الشارقة للخدمات الإنسانية" عام 1987م لخير دليل على ذلك. ومشاركتنا في حفلات بالتعاون مع مؤسسات المجتمع المدني، بما فيها وزارة الصحة والجمعيات النسائية، والأندية ترجمة واقعية لدورنا الفني المجتمعي المقدر من الجميع. 

 

** فلسطين في أغانينا، بحث أجريته فما هو هدفه وطبيعته؟  البحث قمت به كمساهمة في احتفال الجامعة العربية والدول العربية بالقدس عاصمة الثقافة العربية عام 2009م، إذ أقامت فرقة أجراس وبالتعاون مع فرقة البحرين للموسيقى حفل غنائي في 16 ابريل 2009م يحتفي بالمناسبة هذه، كما وشاركت في احتفال أسرة الأدباء والكتاب لنفس المناسبة بندوة وقدمت بحث حول تواجد "فلسطين" في الأغنية العربية بشكل عام. بحث تطرقت فيه إلى نتاج الموسيقى الشعبية الفلسطينية، وتطرقت إلى عدد تكرار كلمة فلسطين في أغاني المغنيين العرب بشكل عام، وكيف ساهم الفنان العربي في مساندة القضية الفلسطينية في أغانيه، مع التركيز على المغنيين البحرينيين. ومنهم فرقة أجراس البحرينية، والتي تبين من خلال البحث أنها أكثر من تطرق للقضية الفلسطينية في المجال الفني في جميع دول الخليج العربي. 

 

** في ظل المنافسة في عالم الغناء اليوم، ما هي أسلحة سلمان زيمان الفنية في زمان أصبح الكل فيه يغني؟  سلاحي الأنجع هو الإبداع، وهو السلاح الذي استخدمه في النص، وفي اللحن وفي الأداء، ولكي تُبدع عليك أن تختلف. 

** هل يجد الفنان الخليجي الدعم المطلوب؟  الذي ينتظر الدعم دون اجتهاد شخصي يعيش في وهم، فالدعم يصلك عندما تتحرك وتجتهد، أما الركون إلى السكون وانتظار الدعم فهذا هو ديدن من يتعلق بالسراب. والإنتاج الفردي المجبر عليه الفنانون حالياً وبطريقة غير مباشرة جفف منابع الفن التنافسي الذي ساهمت به الشركات المنتجة سابقاً لإبراز الفنانين الجدد. الفنان المبتدئ الذي جازف ودفع لإنتاج ألبومه الخاص، لن يكرر التجربة أو بالأحرى – المجازفة-مرة أخرى لأن المردود الذي سيحصل عليه قليل جداً، فالسواد الأعظم من القنوات والإذاعات ينتظرون هدايا الفنانين من الأغاني التي ينتجونها، إلا تلك القنوات والإذاعات المتميزة، تلك التي لازالت تَّمول الفنان وهي غير متوافرة في كل مكان، وليس لأي فنان كذلك. 

 

** الأغنية البحرينية اليوم، على أي عتبة تقف؟  لا يمكن أن نبخس حق البعض، فهناك فنانين شباب مجتهدون، وكل ما ينتج يقع تحت مظلة الفن البحريني، ونحن كأفراد في فرقة أجراس، إضافة إلى الفنانون الآخرون سواءً الذين سبقونا أو أتوا بعدنا يمثلون الأغنية البحرينية والكل يسعى لأجل تعزيز مكانة الأغنية البحرينية في البحرين وفي كل المحافل المتاحة خارجها. 

 

** كيف تصف الغناء اليوم، والساحة الفنية، وبالأخص الفن الخليجي؟  الأغنية الخليجية لها حضور قوي على الساحة الفنية العربية كلها، وهذا بسبب قنوات البث التي تصل إلى الجميع، وإنتاج بعض القنوات، وتسجيل بعض الفضائيات للفيديو كليب، لتدخل في منافسة مع الأغاني العربية بشكل عام.  هناك مغنيين عرب ممتازين من الرجال والنساء على حد سواء، ولكنهم لم يصلوا للجمهور، ولم تصل أغانيهم إلى آذان المستمعين، كــ ريما خشيش اللبنانية التي تغني بشكل محترف، ولا توجد لديها أية اخطاء في الغناء، في الوقت الذي تنتشر بعض الأغاني لمغنيين لديهم نشاز في الصوت والأداء. بل أن هناك مغنيين عرب لهم حفلات في أوروبا ولكنهم غير معروفين عند المستمع العربي، لعدم تسليط الإعلام الضوء عليهم، علينا أن نبحث، ونسمع لنحكم على الأغنية والمغنيين. 

 

** ما لا نعرفه عن سلمان زيمان؟  الذي لا يعرفه عني أحد إنني طباخ ادعي المهارة، وأنا من يطبخ لعائلتي في أي تجمع يحتضننا أنا وأبي وأخوتي وأبنائهم، لا أحب أن أطلب الغذاء من المطاعم فما أعده بيدي ألذ وأطعم وأنظف، - مبتسماً - ولن يجوع أحد طالما أنا موجود.  وما لا يعرفه أحد إني لا أحب أن أسمع أغنياتي المتوافرة إلا في أحياناً نادرة ومتباعدة، وأحبذ سماعها وأنا لوحدي. أما الأغاني التي لم يحن إطلاقها للجمهور فأكرر سماعها مرات ومرات إلى أن حين نزولها للمستمعين. 

 

** هل ندمت على تقديم أي عمل غنائي للجمهور؟  لم أندم على أي أغنية لله الحمد. ومن أكثر الأغاني التي أعتز بها وأحبها: "ليت الفتى حجر"، "شجرة الزيتون"، "ربوع الشمال"، "القدس في عينين"، "من أغاني الأشواق"، "أم الجدائل"، و"متى نلتقي" و "الطائر الهيمان" والعديد غيرها فهي أغاني أشعر بالرضا عنها كلما استمعت إليها.