ريشة في الهواء

كلّ أزمة... طفرة للبناء!

| أحمد جمعة

وجود‭ ‬أزمة‭ ‬لا‭ ‬يعني‭ ‬عدم‭ ‬وجود‭ ‬فرص‭ ‬عمل‭ ‬وابتكار،‭ ‬فكثيرًا‭ ‬ما‭ ‬يكون‭ ‬وقت‭ ‬الأزمات‭ ‬والضائقة‭ ‬مناسبا‭ ‬للنجاح‭ ‬وتحقيق‭ ‬طفرة‭ ‬في‭ ‬الإبداع،‭ ‬فأغلب‭ ‬المنجزات‭ ‬في‭ ‬العالم،‭ ‬اختراعات،‭ ‬منجزات،‭ ‬استثمارات،‭ ‬توظيفات،‭ ‬حدثت‭ ‬خلال‭ ‬عمق‭ ‬الأزمات‭ ‬وخرجت‭ ‬هذه‭ ‬الابتكارات‭ ‬من‭ ‬رحم‭ ‬التحديات،‭ ‬لذلك‭ ‬لا‭ ‬يجب‭ ‬علينا‭ ‬التوقف‭ ‬اليوم‭ ‬في‭ ‬حياتنا‭ ‬بالقول‭ ‬إن‭ ‬الوقت‭ ‬أزمة،‭ ‬وعلينا‭ ‬الانتظار‭ ‬والتمهل‭ ‬وعدم‭ ‬التسرع‭ ‬واتخاذ‭ ‬القرارات،‭ ‬لأن‭ ‬المرحلة‭ ‬مرحلة‭ ‬أزمة‭ ‬ولا‭ ‬نعرف‭ ‬المستقبل‭ ‬وهناك‭ ‬المجهول‭... ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬النظرة‭ ‬في‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬المراحل‭ ‬تشكل‭ ‬عائقا‭ ‬أمام‭ ‬التقدم‭ ‬والتطور،‭ ‬فلو‭ ‬تأملنا‭ ‬كرة‭ ‬الأرض‭ ‬وخلال‭ ‬العقود‭ ‬الأخيرة‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬الماضي‭ ‬وحتى‭ ‬اليوم‭ ‬لوجدنا‭ ‬جُل‭ ‬المنجزات‭ ‬والابتكارات‭ ‬والتقدم‭ ‬والازدهار‭ ‬الذي‭ ‬شهدته‭ ‬البشرية‭ ‬حدث‭ ‬أغلبه‭ ‬وقت‭ ‬الأزمات‭ ‬والمحن‭.‬

اليوم‭ ‬مجتمعنا‭ ‬البحريني‭ ‬أمام‭ ‬تحدٍ‭ ‬حقيقي،‭ ‬يريد‭ ‬من‭ ‬لديه‭ ‬قراءة‭ ‬عميقة‭ ‬للمنظور‭ ‬البعيد،‭ ‬فالوباء‭ ‬والركود‭ ‬وهبوط‭ ‬أسعار‭ ‬النفط‭ ‬للحد‭ ‬الأدنى‭ ‬ربما‭ ‬أعمى‭ ‬الكثيرين‭ ‬وسدَّ‭ ‬عقولهم‭ ‬وجعلهم‭ ‬يستسلمون‭ ‬للجمود‭ ‬واليأس‭ ‬ويكتفون‭ ‬بالتأمل‭ ‬السلبي‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يجلب‭ ‬سوى‭ ‬النحس‭ ‬على‭ ‬الدول‭ ‬والشعوب،‭ ‬الشعوب‭ ‬الحية‭ ‬تلك‭ ‬توجد‭ ‬بها‭ ‬عقول‭ ‬خارقة‭ ‬للمألوف،‭ ‬ولا‭ ‬تتعامل‭ ‬مع‭ ‬الظواهر‭ ‬الخارجية،‭ ‬بل‭ ‬تسبر‭ ‬غور‭ ‬الأزمات‭ ‬وتفكك‭ ‬محتواها‭ ‬وتستخرج‭ ‬ركائز‭ ‬تلك‭ ‬الأزمات‭ ‬وتدورها‭ ‬إلى‭ ‬ركائز‭ ‬إبداعية‭ ‬تصب‭ ‬في‭ ‬تسخير‭ ‬كل‭ ‬الأوراق‭ ‬التي‭ ‬تبدو‭ ‬خاسرة‭ ‬ومحترقة‭ ‬إلى‭ ‬أوراق‭ ‬رابحة‭... ‬باختصار‭ ‬استغلال‭ ‬الأزمة‭ ‬والركود‭ ‬لخلق‭ ‬تحدٍ‭ ‬جديد‭ ‬يخرج‭ ‬من‭ ‬قلب‭ ‬التحديات‭ ‬الراهنة‭ ‬لتحقيق‭ ‬منجزات‭ ‬ومكاسب‭ ‬على‭ ‬مختلف‭ ‬الأصعدة‭ ‬وفي‭ ‬كل‭ ‬المجالات‭.‬

اقتصاديًا‭ ‬يمكن‭ ‬اقتناص‭ ‬فرص‭ ‬اليوم‭ ‬ربما‭ ‬لم‭ ‬تتوفر‭ ‬بوقت‭ ‬الروتين،‭ ‬يمكن‭ ‬خلق‭ ‬أعمال‭ ‬جديدة‭ ‬وابتكار‭ ‬أساليب‭ ‬ووسائل‭ ‬من‭ ‬وحي‭ ‬هذه‭ ‬الأزمة،‭ ‬فعلى‭ ‬سبيل‭ ‬التدليل‭ ‬يمكن‭ ‬توظيف‭ ‬نتائج‭ ‬العمل‭ ‬من‭ ‬المنازل‭ ‬والتسوق‭ ‬عن‭ ‬بعد‭ ‬وإدارة‭ ‬الأعمال‭ ‬عن‭ ‬بعد‭ ‬كذلك‭ ‬وغيرها،‭ ‬جعل‭ ‬ذلك‭ ‬نظاما‭ ‬جديدا‭ ‬يأخذ‭ ‬طابعاً‭ ‬أكثر‭ ‬تطورًا‭ ‬وتنظيمًا‭ ‬بعد‭ ‬زوال‭ ‬الأزمة،‭ ‬ربما‭ ‬نكتشف‭ ‬حينها‭ ‬نظريات‭ ‬ومفاهيم‭ ‬وقوانين‭ ‬تؤدي‭ ‬لابتكارات‭ ‬غير‭ ‬مسبوقة،‭ ‬هذا‭ ‬مثال‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬نفعله‭ ‬في‭ ‬الأزمات‭ ‬بدل‭ ‬الجلوس‭ ‬والتأمل‭ ‬وندب‭ ‬الحظ‭ ‬والاكتفاء‭ ‬بالترقب،‭ ‬حالنا‭ ‬حال‭ ‬العاجز‭ ‬الذي‭ ‬ينتظر‭ ‬رحمة‭ ‬الله‭ ‬لتنزل‭ ‬عليه‭ ‬وهو‭ ‬مقعد‭ ‬اختياريًا‭ ‬وليس‭ ‬إجباريًا‭.‬

مثلما‭ ‬في‭ ‬عالم‭ ‬المال‭ ‬والاقتصاد‭ ‬كذلك‭ ‬في‭ ‬عالم‭ ‬الثقافة‭ ‬والأدب‭ ‬والصحافة‭ ‬والإعلام،‭ ‬طبعا‭ ‬غير‭ ‬الرسمي،‭ ‬يمكن‭ ‬ابتكار‭ ‬الكثير‭ ‬وتأسيس‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬المشاريع‭ ‬التي‭ ‬تستخرج‭ ‬من‭ ‬رحم‭ ‬الأزمة‭ ‬بكثير‭ ‬من‭ ‬الجهد‭ ‬والعمل‭ ‬وقليل‭ ‬من‭ ‬اليأس‭ ‬والكلام‭ ‬والترقب‭. ‬اليوم‭ ‬هذا‭ ‬الجيل‭ ‬يملك‭ ‬خيارات‭ ‬وفرصا‭ ‬وإمكانيات‭ ‬لم‭ ‬يملكها‭ ‬أي‭ ‬جيل‭ ‬سبقه،‭ ‬وعليه‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬نبني‭ ‬منصات‭ ‬ونبتدع‭ ‬أفكارا،‭ ‬ونؤسس‭ ‬شركات‭ ‬ومؤسسات‭ ‬كلها‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬هذه‭ ‬الأزمة‭ ‬التي‭ ‬نرى‭ ‬الآن‭ ‬بعيون‭ ‬يائسة‭ ‬أنها‭ ‬فترة‭ ‬ركود‭ ‬وشلل،‭ ‬مع‭ ‬أنها‭ ‬فرصة‭ ‬سنرى‭ ‬كيف‭ ‬سيستثمرها‭ ‬العالم‭ ‬الحر‭ ‬في‭ ‬الخارج‭ ‬لإعادة‭ ‬بناء‭ ‬العالم‭ ‬من‭ ‬جديد‭.‬

 

تنويرة‭:

‬كل‭ ‬أزمة‭ ‬تحمل‭ ‬معها‭ ‬طفرة‭.‬