120 مصنعا تطوق القرية بملوثات قاتلة

المعامير... قرية التلوث وكبريت السرطان

| إبراهيم النهام | تصوير رسول الحجيري

120‭ ‬مصنعا‭ ‬أو‭ ‬أكثر‭ ‬بقليل‭ ‬هي‭ ‬حصيلة‭ ‬مكائن‭ ‬التلوث‭ ‬التي‭ ‬تسبب‭ ‬غرق‭ ‬قرية‭ ‬المعامير‭ ‬بالتلوث‭ ‬على‭ ‬مدار‭ ‬الساعة‭. ‬شركات‭ ‬أسمنت‭ ‬وخرسانة‭ ‬وأسفلت‭ ‬وصهر‭ ‬حديد‭ ‬وتذويب‭ ‬بلاستيك‭ ‬ومطاط،‭ ‬وحدث‭ ‬ولا‭ ‬حرج،‭ ‬كلها‭ ‬تدور‭ ‬بفلك‭ ‬مصادر‭ ‬ملوثات‭ ‬البحر‭ ‬والجور‭ ‬والأرض،‭ ‬بقصة‭ ‬هدم‭ ‬وإعدام‭ ‬متصاعدة،‭ ‬بدأت‭ ‬فعليا‭ ‬مع‭ ‬تنامي‭ ‬التطور‭ ‬الصناعي‭ ‬الذي‭ ‬شهدته‭ ‬البحرين،‭ ‬منذ‭ ‬ثلاثينات‭ ‬القرن‭ ‬الفائت‭.‬

الغبار‭ ‬الصناعي

وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬تسليط‭ ‬الضوء‭ ‬المستمر‭ ‬على‭ ‬القرية‭ ‬الغارقة‭ ‬بالغبار‭ ‬الصناعي‭ ‬وبقية‭ ‬أرتال‭ ‬الملوثات،‭ ‬سواء‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬الصحافيين‭ ‬والكُتاب‭ ‬والبيئيين‭ ‬والناشطين‭ ‬الاجتماعيين‭ ‬وغيرهم،‭ ‬يقابلها‭ ‬تنام‭ ‬مطرد‭ ‬لإحصاءات‭ ‬الوفيات،‭ ‬بسرطان‭ ‬الرئة،‭ ‬والجلد‭ ‬والحلق‭ ‬وغيره،‭ ‬تظل‭ ‬المعامير‭ ‬بواقعها‭ ‬“القاتل”‭ ‬كما‭ ‬هي‭. ‬بلا‭ ‬أي‭ ‬تغيير‭ ‬يذكر‭.‬

وتشير‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الدراسات‭ ‬البيئية‭ ‬والتوصيات‭ ‬المختلفة‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬التوحش‭ ‬والتوغل‭ ‬الصناعي‭ ‬في‭ ‬المعامير‭ ‬لا‭ ‬يتلاءم‭ ‬مع‭ ‬أبسط‭ ‬المعايير‭ ‬الدولية‭ ‬في‭ ‬المحافظة‭ ‬على‭ ‬صحة‭ ‬الإنسان،‭ ‬التي‭ ‬تحدد‭ ‬وبوضوح‭ ‬تام‭ ‬معايير‭ ‬فصل‭ ‬وإبعاد‭ ‬المناطق‭ ‬الصناعية‭ ‬عن‭ ‬السكنية‭ ‬والمأهولة،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬لا‭ ‬يحدث‭ ‬هنا‭.‬

منها‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال،‭ ‬وليس‭ ‬الحصر،‭ ‬القرب‭ ‬الشديد‭ ‬لبعض‭ ‬المصانع‭ ‬النشطة‭ ‬من‭ ‬بعض‭ ‬المرافق‭ ‬الحيوية‭ ‬والإنسانية‭ ‬المهمة،‭ ‬كالمدارس،‭ ‬مثل‭ ‬مدرسة‭ ‬الإمام‭ ‬علي‭ ‬الابتدائية‭ ‬للبنين،‭ ‬التي‭ ‬تجاور‭ ‬أحد‭ ‬مصانع‭ ‬الخرسانة‭ ‬الكبيرة،‭ ‬بمسافة‭ ‬فاصلة‭ ‬لا‭ ‬تتخطى‭ ‬30‭ ‬مترا‭ ‬فقط‭.‬

هنالك‭ ‬مصانع‭ ‬أخرى،‭ ‬يفصلها‭ ‬عن‭ ‬بيوت‭ ‬المواطنين‭ ‬شوارع‭ ‬جانبية‭ ‬لا‭ ‬تتخطى‭ ‬6‭ ‬أو‭ ‬7‭ ‬أمتار،‭ ‬بواقع‭ ‬يجبر‭ ‬الأهالي‭ ‬لإغلاق‭ ‬نوافذهم‭ ‬على‭ ‬مدار‭ ‬الساعة،‭ ‬لأسباب‭ ‬تتعلق‭ ‬بالتلوث‭ ‬الهوائي‭ ‬والضوضاء‭. ‬ورصدت‭ ‬عدسة‭ ‬“البلاد”‭ ‬نوافذ‭ ‬تتكدس‭ ‬عليها‭ ‬الأتربة‭ ‬بشكل‭ ‬كثيف‭ ‬وقديم،‭ ‬يصل‭ ‬إلى‭ ‬التكلّس،‭ ‬إذ‭ ‬إنها‭ ‬لم‭ ‬تُفتح‭ ‬بكل‭ ‬تأكيد‭ ‬منذ‭ ‬فترات‭ ‬طويلة‭ ‬للغاية‭.‬

هذا‭ ‬الواقع،‭ ‬وهذا‭ ‬التغلغل‭ ‬للمصانع،‭ ‬أثر‭ ‬بدوره‭ ‬على‭ ‬البحر‭ ‬وخليج‭ ‬المعامير‭ ‬الطبيعي؛‭ ‬ليحوله‭ ‬مع‭ ‬الوقت‭ ‬إلى‭ ‬واحات‭ ‬ملوثة‭ ‬من‭ ‬المياه‭ ‬الآسنة‭ ‬الخضراء‭ ‬النتنة،‭ ‬التي‭ ‬وبسببها‭ ‬تنفق‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الأسماك‭ ‬على‭ ‬مدار‭ ‬العام،‭ ‬بصور‭ ‬مؤسفة‭ ‬خرجت‭ ‬بها‭ ‬علينا‭ ‬الصحف‭ ‬وحسابات‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي،‭ ‬والتي‭ ‬لأجلها‭ ‬أيضا‭ ‬هجرت‭ ‬الأسماك‭ ‬مصائدها،‭ ‬ومعها‭ ‬جزء‭ ‬من‭ ‬تاريخ‭ ‬البلد‭ ‬وهويته‭.‬

آبار‭ ‬قديمة

ويلف‭ ‬الناشط‭ ‬الاجتماعي‭ ‬محمد‭ ‬جواد‭ ‬بتصريح‭ ‬سابق‭ ‬لـ‭ ‬“البلاد”‭ ‬إلى‭ ‬استخدام‭ ‬بعض‭ ‬المصانع‭ ‬المتخصصة‭ ‬في‭ ‬تصنيع‭ ‬مواد‭ ‬البناء‭ ‬سرا،‭ ‬3‭ ‬آبار‭ ‬قديمة‭ ‬للمياه؛‭ ‬لتكون‭ ‬مأوى‭ ‬لنفاياتها‭ ‬المُضرة،‭ ‬ما‭ ‬انعكس‭ ‬سلبا‭ ‬على‭ ‬المياه‭ ‬الجوفية‭ ‬للقرية،‭ ‬بل‭ ‬إن‭ ‬معظم‭ ‬الأراضي‭ ‬القريبة‭ ‬لها‭ ‬باتت‭ ‬غير‭ ‬صالحة‭ ‬للزراعة؛‭ ‬بسبب‭ ‬تلوث‭ ‬التربة‭ ‬والمياه،‭ ‬بنفايات‭ ‬مواد‭ ‬البناء‭ ‬ومشتقات‭ ‬المواد‭ ‬الكيميائية‭.‬

كماشة‭ ‬حديد

وعلى‭ ‬إثر‭ ‬ذلك،‭ ‬يقول‭ ‬نائب‭ ‬المنطقة‭ ‬عمار‭ ‬آل‭ ‬عباس‭ ‬لمندوب‭ ‬الصحيفة‭ ‬إن‭ ‬المسبب‭ ‬الرئيس‭ ‬لكل‭ ‬ما‭ ‬يحدث‭ ‬هو‭ ‬التلوث‭ ‬الهوائي‭ ‬الجسيم؛‭ ‬بسبب‭ ‬المصانع‭ ‬التي‭ ‬تحوط‭ ‬القرية‭ ‬كالكماشة‭ ‬الحديدية‭.‬

كل‭ ‬هذه‭ ‬الفوضى،‭ ‬يقابلها‭ ‬تكاسل‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬إدارات‭ ‬المصانع‭ ‬القريبة،‭ ‬أولها‭ ‬بعدم‭ ‬الالتزام‭ ‬بمعايير‭ ‬الأمن‭ ‬والسلامة‭ ‬بالشكل‭ ‬الذي‭ ‬يراعي‭ ‬خصوصية‭ ‬وصحة‭ ‬أهالي‭ ‬القرية،‭ ‬أو‭ ‬ببعض‭ ‬ممارسات‭ ‬العمل‭ ‬الخاصة‭ ‬بها،‭ ‬كآلية‭ ‬غسيل‭ ‬الرمال‭ ‬الخاطئة،‭ ‬والتي‭ ‬أقفلت‭ ‬قناة‭ ‬المعامير‭ ‬البحرية‭ ‬بمادة‭ ‬“السلت”‭ ‬الطينية‭ ‬القاتلة‭. ‬

هنالك‭ ‬أيضا‭ ‬ممارسات‭ ‬العمالة‭ ‬الآسيوية‭ ‬بهذه‭ ‬المصانع،‭ ‬التي‭ ‬تمعن‭ ‬بممارسة‭ ‬ببعض‭ ‬السلوكيات‭ ‬الشخصية،‭ ‬ما‭ ‬انعكس‭ ‬سلبا‭ ‬على‭ ‬المرافق‭ ‬الصحية‭ ‬وبيئة‭ ‬المعامير‭.‬