“كأن شيئا لم يكن”... مسلسل يكسر التابوهات

| محرر مسافات

أخذنا‭ ‬المخرج‭ ‬البحريني‭ ‬المبدع‭ ‬حسين‭ ‬الحليبي‭ ‬إلى‭ ‬مكان‭ ‬مختلف‭ ‬وغير‭ ‬معتاد‭ ‬في‭ ‬الدراما‭ ‬الخليجية،‭ ‬إذ‭ ‬قدم‭ ‬تجربة‭ ‬جريئة‭ ‬في‭ ‬الطرح‭ ‬والشكل‭ ‬والأسلوب‭ ‬في‭ ‬مسلسله‭ ‬“كأن‭ ‬شيئا‭ ‬لم‭ ‬يكن”‭ ‬للكاتبة‭ ‬البحرينية‭ ‬سحاب،‭ ‬الذي‭ ‬عرض‭ ‬في‭ ‬قنوات‭ ‬عدة‭ ‬بشهر‭ ‬رمضان‭ ‬المبارك‭.‬

والحليبي‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المسلسل‭ ‬طرق‭ ‬باب‭ ‬التغيير‭ ‬والتجريب‭ ‬وهو‭ ‬تحد‭ ‬كبير‭ ‬له‭ ‬إيجابيات‭ ‬وله‭ ‬سلبيات،‭ ‬لكن‭ ‬يبقى‭ ‬إصرار‭ ‬المخرج‭ ‬وفريق‭ ‬العمل‭ ‬على‭ ‬المضي‭ ‬بهذه‭ ‬التجربة‭ ‬رغم‭ ‬غموض‭ ‬نتائجها‭ ‬هو‭ ‬الأهم‭.‬

والغموض‭ ‬هو‭ ‬العنصر‭ ‬الرئيس‭ ‬الذي‭ ‬خلق‭ ‬عند‭ ‬المشاهد‭ ‬نوعا‭ ‬من‭ ‬الإثارة‭ ‬والتشويق،‭ ‬فنحن‭ ‬أمام‭ ‬سيدة‭ ‬تعاني‭ ‬من‭ ‬انفصام‭ ‬في‭ ‬الشخصية‭ ‬نتيجة‭ ‬عنف‭ ‬أسري‭ ‬تعرضت‭ ‬له‭ ‬منذ‭ ‬الطفولة‭.‬

وقامت‭ ‬بالدور‭ ‬الفنانة‭ ‬زهرة‭ ‬عرفات،‭ ‬التي‭ ‬أجادت‭ ‬الدور‭ ‬وأدته‭ ‬بكل‭ ‬حرفية،‭ ‬فهي‭ ‬أمام‭ ‬مرض‭ ‬سلب‭ ‬منها‭ ‬كل‭ ‬الأحاسيس‭ ‬والمشاعر‭ ‬وقادها‭ ‬لحالة‭ ‬من‭ ‬الجمود‭ ‬والاكتئاب،‭ ‬واستطاعت‭ ‬أن‭ ‬تأخذنا‭ ‬معها‭ ‬لتلك‭ ‬الحالة‭ ‬دون‭ ‬مبالغة‭ ‬أو‭ ‬تكلف‭ ‬في‭ ‬الأداء‭. ‬

ومن‭ ‬جانب‭ ‬آخر،‭ ‬نرى‭ ‬زهرة‭ (‬ليلى‭) ‬تحاكي‭ ‬ماضيها‭ ‬عبر‭ ‬دخولها‭ ‬في‭ ‬زمن‭ ‬ليس‭ ‬بزمنها،‭ ‬لتجد‭ ‬نفسها‭ ‬أمام‭ ‬الفنانة‭ ‬نور‭ ‬الشيخ،‭ ‬التي‭ ‬تجسد‭ ‬شخصية‭ ‬ليلى‭ ‬في‭ ‬الماضي،‭ ‬ولعبت‭ ‬الدور‭ ‬بشكل‭ ‬متجدد‭ ‬فهي‭ ‬أمام‭ ‬شخصية‭ ‬مركبة‭ ‬لم‭ ‬نرها‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬بهذا‭ ‬الشكل،‭ ‬وهنا‭ ‬نتعرف‭ ‬أكثر‭ ‬للشكل‭ ‬المتجدد‭ ‬الذي‭ ‬عمل‭ ‬به‭ ‬المخرج‭ ‬مع‭ ‬شخوص‭ ‬العمل،‭ ‬فنور‭ ‬بشخصية‭ ‬تماضر‭ ‬تبدو‭ ‬معقدة‭ ‬وينتابها‭ ‬السكون‭ ‬في‭ ‬ردود‭ ‬فعلها‭ ‬وحركتها،‭ ‬نتيجة‭ ‬انكسارها‭ ‬وتداعيات‭ ‬حالتها‭ ‬النفسية،‭ ‬التي‭ ‬قدمتها‭ ‬بكل‭ ‬إتقان‭.‬

ونأتي‭ ‬لنقيض‭ ‬هذا‭ ‬السكون‭ ‬بشخصية‭ ‬والدها‭ ‬سلطان،‭ ‬الذي‭ ‬قام‭ ‬بأدائه‭ ‬فهد‭ ‬عبدالمحسن‭ ‬بشكل‭ ‬رائع‭ ‬ومتميز،‭ ‬وكان‭ ‬المحرك‭ ‬الرئيس‭ ‬للأحداث‭ ‬كافة،‭ ‬وكما‭ ‬نطلق‭ ‬عليه‭ (‬دينامو‭ ‬العمل‭)‬،‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬الأداء‭ ‬المتميز‭ ‬لمحمد‭ ‬صفر‭ ‬والفنانة‭ ‬المتجددة‭ ‬هبة‭ ‬الدري،‭ ‬التي‭ ‬تفاجأنا‭ ‬بقوة‭ ‬أدائها‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬عمل‭ ‬تقدمه‭.‬

وكان‭ ‬لخالد‭ ‬الشاعر‭ ‬شكل‭ ‬خاص‭ ‬في‭ ‬الأداء‭ ‬تفرد‭ ‬به‭ ‬حاملا‭ ‬معه‭ ‬معاناة‭ ‬تلك‭ ‬الفتاة‭ (‬تماضر‭).‬

واستطاع‭ ‬المخرج‭ ‬عبر‭ ‬حالة‭ ‬السكون‭ ‬والحركة‭ ‬التي‭ ‬تصل‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬الانفجار‭ ‬أن‭ ‬ينقل‭ ‬لنا‭ ‬الحالة‭ ‬النفسية‭ ‬التي‭ ‬يعاني‭ ‬منها‭ ‬شخوص‭ ‬العمل،‭ ‬وكان‭ ‬لمدير‭ ‬التصوير‭ ‬خليفة‭ ‬حداد‭ ‬دور‭ ‬جميل‭ ‬في‭ ‬رسم‭ ‬الإضاءة‭ ‬المناسبة‭ ‬لتلك‭ ‬الحالة،‭ ‬وكذلك‭ ‬مواقع‭ ‬التصوير‭ ‬والألوان‭ ‬التي‭ ‬تم‭ ‬اختيارها‭ ‬بدقة‭ ‬لديكورات‭ ‬العمل‭ ‬والاكسسوارات،‭ ‬وكل‭ ‬تلك‭ ‬كانت‭ ‬عناصر‭ ‬مكملة‭ ‬لإيصال‭ ‬الحالة‭ ‬النفسية‭ ‬وتقديم‭ ‬طرح‭ ‬مختلف‭ ‬ومتجدد‭.‬

وإن‭ ‬كانت‭ ‬هناك‭ ‬سردية‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬الحوارات،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬المخرج‭ ‬استطاع‭ ‬تطويع‭ ‬تلك‭ ‬الحوارات‭ ‬بأداء‭ ‬متميز‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬الممثلين‭ ‬وبجمالية‭ ‬بصرية‭ ‬رائعة‭ ‬في‭ ‬اختيار‭ ‬الكوادر،‭ ‬التي‭ ‬ارتبطت‭ ‬بشكل‭ ‬مباشر‭ ‬مع‭ ‬الحس‭ ‬العام‭ ‬للعمل‭.‬

“برافو”‭ ‬لفريق‭ ‬العمل‭ ‬الذي‭ ‬نقل‭ ‬لنا‭ ‬تصورا‭ ‬متجددا‭.‬