مذاقه إذا ضرب بـ “مضراب” خشب ألذ وأشهى

لماذا يحب البحرينيون الهريس أكثر في رمضان؟

| طارق البحار

لا‭ ‬تكتمل‭ ‬سفرة‭ ‬رمضان‭ ‬في‭ ‬البحرين‭ ‬من‭ ‬غير‭ ‬طبق‭ ‬الهريس‭ ‬اللذيذ،‭ ‬فعادة‭ ‬ما‭ ‬يفتتح‭ ‬البعض‭ ‬إفطارهم‭ ‬به،‭ ‬وهو‭ ‬يعتبر‭ ‬المفضل‭ ‬عند‭ ‬البحرينيين‭ ‬منذ‭ ‬القدم؛‭ ‬نظرا‭ ‬لشعبيته‭ ‬فهو‭ ‬من‭ ‬طعام‭ ‬أصيل،‭ ‬وأيضا‭ ‬لقيمته‭ ‬الغذائية‭ ‬العالية،‭ ‬وطعمه‭ ‬الخاص‭ ‬الممزوج‭ ‬بين‭ ‬اللحم‭ ‬والقمح‭ ‬الذي‭ ‬هو‭ ‬أساس‭ ‬الهريس‭ ‬في‭ ‬مكوناته‭ ‬ومصدرها‭ ‬حب‭ ‬القمح‭ ‬الذي‭ ‬يعد‭ ‬مصدرا‭ ‬غذائيا‭ ‬مهما،‭ ‬حيث‭ ‬يصنع‭ ‬منه‭ ‬أنواع‭ ‬مختلفة‭ ‬من‭ ‬الأطباق‭ ‬منها‭ ‬الجريش‭ ‬المستخدم‭ ‬فيه‭ ‬القمح‭ ‬المجروش،‭ ‬ومهمة‭ ‬طهيه‭ ‬يتطلب‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الوقت‭ ‬والجهد،‭ ‬وعادة‭ ‬ما‭ ‬يتكون‭ ‬الهريس‭ ‬من‭ ‬حب‭ ‬القمح‭ ‬ولحم‭ ‬وماء‭ ‬وملح،‭ ‬ويتم‭ ‬تجهيز‭ ‬حب‭ ‬الهريس‭ ‬وغسله‭ ‬مرارا‭ ‬وتكرارا،‭ ‬ثم‭ ‬يترك‭ ‬منقوعا‭ ‬في‭ ‬الماء‭ ‬ليلة‭ ‬كاملة،‭ ‬وذلك‭ ‬قبل‭ ‬الشروع‭ ‬في‭ ‬طهيه،‭ ‬خصوصا‭ ‬وأن‭ ‬الطريقة‭ ‬التقليدية‭ ‬في‭ ‬تجهيز‭ ‬طبق‭ ‬الهريس‭ ‬تمنحه‭ ‬نتيجة‭ ‬أصيلة؛‭ ‬لكون‭ ‬العمل‭ ‬يتم‭ ‬بروية‭ ‬وصبر،‭ ‬بخلاف‭ ‬الأجهزة‭ ‬الكهربائية‭ ‬التي‭ ‬دخلت‭ ‬في‭ ‬ضرب‭ ‬الهريس،‭ ‬والتي‭ ‬جعلته‭ ‬كالعجين‭ ‬نتيجة‭ ‬ضربه‭ ‬بسرعة‭ ‬قصوى‭!‬

تاريخيا‭ ‬لا‭ ‬يعلم‭ ‬أحد‭ ‬إلى‭ ‬أي‭ ‬حقبة‭ ‬زمنية‭ ‬يعود‭ ‬تاريخ‭ ‬الهريس‭ ‬الذي‭ ‬يعتبره‭ ‬البحرينيون‭ ‬وجبة‭ ‬أصيلة‭ ‬جدا،‭ ‬ولم‭ ‬يكن‭ ‬يصنع‭ ‬قديما‭ ‬إلا‭ ‬في‭ ‬شهر‭ ‬رمضان،‭ ‬والعيدين‭ ‬وفي‭ ‬“صباحية”‭ ‬العروسين،‭ ‬وبالتأكيد‭ ‬لدى‭ ‬الأغنياء‭ ‬طوال‭ ‬أيام‭ ‬العرس‭ ‬التي‭ ‬تمتد‭ ‬إلى‭ ‬السبعة‭ ‬أو‭ ‬الثلاثة‭ ‬أيام‭ ‬عند‭ ‬متوسطي‭ ‬الحال،‭ ‬ولا‭ ‬يزال‭ ‬طبق‭ ‬الهريس‭ ‬متربعا‭ ‬على‭ ‬عرش‭ ‬المائدة‭ ‬الرمضانية،‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬تنوع‭ ‬الأطباق‭ ‬و”الدلفري”‭!‬

كان‭ ‬طبخ‭ ‬الهريس‭ ‬قديما‭ ‬يقتصر‭ ‬على‭ ‬الأغنياء‭ ‬في‭ ‬معظم‭ ‬المناسبات،‭ ‬وعندما‭ ‬يفعلون‭ ‬ذلك،‭ ‬فإنهم‭ ‬في‭ ‬العادة‭ ‬يبعثون‭ ‬بأطباق‭ ‬الهريس‭ ‬إلى‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬حولهم‭ ‬من‭ ‬الجيران‭ ‬سواء‭ ‬كانوا‭ ‬على‭ ‬علاقة‭ ‬بهم‭ ‬أم‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬هناك‭ ‬علاقة،‭ ‬فالناس‭ ‬قديما‭ ‬كانوا‭ ‬يعرفون‭ ‬بعضهم‭ ‬بالاسم‭ ‬وإن‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬هناك‭ ‬صداقة‭ ‬أو‭ ‬علاقة‭ ‬جيرة‭ ‬بينهم،‭ ‬ولا‭ ‬يوجد‭ ‬بلد‭ ‬خليجي‭ ‬لا‭ ‬يعرف‭ ‬الهريس،‭ ‬فهذه‭ ‬الوجبة‭ ‬هي‭ ‬سيدة‭ ‬الموائد‭ ‬في‭ ‬رمضان‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬دول‭ ‬مجلس‭ ‬التعاون،‭ ‬وهو‭ ‬يطبخ‭ ‬أيضا‭ ‬للنذور،‭ ‬فإن‭ ‬أراد‭ ‬شخص‭ ‬أن‭ ‬ينذر‭ ‬نذرا،‭ ‬فإن‭ ‬الشخص،‭ ‬سيدة‭ ‬كانت‭ ‬أم‭ ‬رجلا‭ ‬في‭ ‬الغالب‭ ‬يقول‭ ‬“سوف‭ ‬نطبخ‭ ‬جدر‭ ‬هريس”‭ ‬والجدر‭ ‬هو‭ ‬القدر‭... ‬وطبعا‭ ‬ليس‭ ‬أي‭ ‬قدر،‭ ‬“جدر”‭ ‬الهريس‭ ‬يكون‭ ‬عملاقا؛‭ ‬كي‭ ‬يكفي‭ ‬كل‭ ‬الجيران،‭ ‬واليوم‭ ‬طبخ‭ ‬قدر‭ ‬من‭ ‬الهريس‭ ‬لا‭ ‬يكلف‭ ‬الكثير‭ ‬بفضل‭ ‬من‭ ‬الله‭ ‬ونعمته‭ ‬على‭ ‬أهل‭ ‬الخليج،‭ ‬ولكن‭ ‬قديما‭ ‬كان‭ ‬طبخ‭ ‬قدر‭ ‬صغير‭ ‬للعائلة‭ ‬يعتبر‭ ‬غاليا‭ ‬رغم‭ ‬أن‭ ‬الأهالي‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬القرى‭ ‬كانوا‭ ‬يزرعون‭ ‬القمح‭ ‬بأنفسهم‭ ‬ويدقونه،‭ ‬ثم‭ ‬يطحنونه،‭ ‬وكان‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬“فريج”‭ ‬أو‭ ‬منطقة‭ ‬من‭ ‬مناطق‭ ‬الخليج‭ ‬العربي‭ ‬هناك‭ ‬أناس‭ ‬يعرفون‭ ‬بين‭ ‬البقية‭ ‬بأنهم‭ ‬“خبراء‭ ‬هريس”‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬الإتقان‭. ‬

يتميز‭ ‬الهريس‭ ‬عندنا‭ ‬في‭ ‬البحرين‭ ‬بإضافة‭ ‬القرفة،‭ ‬والبعض‭ ‬يضيف‭ ‬السكر،‭ ‬وهي‭ ‬مسألة‭ ‬ذوق‭. ‬ولكن‭ ‬نحن‭ ‬جميعا‭ ‬متفقون‭ ‬على‭ ‬المناسبات‭ ‬التي‭ ‬يقدم‭ ‬فيها‭ ‬الهريس،‭ ‬وعلى‭ ‬طريقة‭ ‬الصنع‭ ‬الرئيسة،‭ ‬وأهم‭ ‬ما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الاتفاق‭ ‬أن‭ ‬الهريس‭ ‬يطبخ‭ ‬على‭ ‬الأقل‭ ‬مرة‭ ‬في‭ ‬الأسبوع‭ ‬في‭ ‬شهر‭ ‬رمضان‭ ‬لدى‭ ‬العائلات‭ ‬التي‭ ‬ليس‭ ‬لديها‭ ‬من‭ ‬يقوم‭ ‬بضرب‭ ‬الهريس؛‭ ‬لأن‭ ‬حبات‭ ‬القمح‭ ‬لابد‭ ‬أن‭ ‬تختفي‭ ‬ولا‭ ‬تترك‭ ‬ظاهرة‭ ‬للعيان‭. ‬فلابد‭ ‬للطبق‭ ‬الذي‭ ‬يصل‭ ‬للناس‭ ‬الذين‭ ‬نرسل‭ ‬إليهم،‭ ‬أو‭ ‬للضيوف‭ ‬الذين‭ ‬يأتون‭ ‬لتناول‭ ‬القهوة‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬متجانسا‭ ‬وإلاّ‭ ‬سوف‭ ‬يقولون‭ ‬“هريستهم‭ ‬مب‭ ‬مضروبة‭ ‬عدل”‭. ‬لقد‭ ‬تم‭ ‬اختراع‭ ‬ماكينة‭ ‬ضخمة‭ ‬تشبه‭ ‬تلك‭ ‬التي‭ ‬يحفرون‭ ‬بها‭ ‬الشوارع‭ ‬يدويا‭ ‬لضرب‭ ‬الهريس‭ ‬حتى‭ ‬يصبح‭ ‬متشابكا‭ ‬هو‭ ‬واللحم،‭ ‬فيعطي‭ ‬منظرا‭ ‬لطيفا‭ ‬مثل‭ ‬عجينة‭ ‬رخوة‭ ‬غير‭ ‬سائلة،‭ ‬ولكن‭ ‬يكون‭ ‬مذاق‭ ‬الهريس‭ ‬الذي‭ ‬يضرب‭ ‬بـ‭ (‬مضراب‭) ‬خشب‭ ‬ألذ‭ ‬وأشهى،‭ ‬ويصنع‭ ‬ذلك‭ ‬المضراب‭ ‬خصيصا‭ ‬فقط‭ ‬للهريس‭!‬