المسلسلات الخليجية.. مازالت بعيدة جدا عن الواقعية!

| طارق البحار

شاهدنا‭ ‬جميعا‭ ‬في‭ ‬رمضان‭ ‬حتى‭ ‬الآن‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬المسلسلات‭ ‬الخليجية‭ ‬التي‭ ‬قدمت‭ ‬هذا‭ ‬العام،‭ ‬وحظيت‭ ‬هذه‭ ‬المسلسلات‭ ‬بمشاهدة‭ ‬كبيرة‭ ‬بحسب‭ ‬الإحصاءات‭ ‬الإعلانية‭ ‬والإعلامية‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الصحف‭ ‬والنقاد‭ ‬وحتى‭ ‬المشاهدين،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الاستطلاعات‭ ‬المتخصصة‭.‬

ومن‭ ‬خلال‭ ‬متابعتي‭ ‬لها‭ ‬بعين‭ ‬ناقدة،‭ ‬الإحساس‭ ‬الأول‭ ‬كان‭ ‬هو‭ ‬بالرغم‭ ‬من‭ ‬أننا‭ ‬وصلنا‭ ‬للعام‭ ‬‮٢٠٢٠‬،‭ ‬فالدراما‭ ‬الخليجية‭ ‬مكانك‭ ‬سر‭ ‬كما‭ ‬يقال،‭ ‬بسبب‭ ‬أول‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬العالم‭ ‬يتقدم‭ ‬في‭ ‬محتواه‭ ‬الترفيهي‭ ‬وسط‭ ‬وجود‭ ‬المنصات‭ ‬الكبيرة‭ ‬التي‭ ‬نعيش‭ ‬معها‭ ‬كل‭ ‬يوم‭ ‬مثل‭ ‬نتفليكس‭ ‬وديزني‭ ‬لاس‭ ‬وأمازون،‭ ‬وغيرها،‭ ‬لكن‭ ‬كتاب‭ ‬الدراما‭ ‬مازالوا‭ ‬في‭ ‬النقطة‭ ‬نفسها‭ ‬التي‭ ‬بدأوا‭ ‬منه‭ ‬إنتاج‭ ‬المسلسلات‭ ‬الخليجية‭ ‬للأسف،‭ ‬ولا‭ ‬يعرفون‭ ‬أو‭ ‬ربما‭ ‬يتغافلون‭ ‬أن‭ ‬المشاهد‭ ‬الخليجي‭ ‬والعربي‭ ‬اليوم‭ ‬أصبح‭ ‬أكثر‭ ‬اطلاعا‭ ‬ووعيا‭ ‬وهو‭ ‬يشاهد‭! ‬وبالطبع‭ ‬هنا‭ ‬أنا‭ ‬لا‭ ‬أقصد‭ ‬الجميع،‭ ‬فعندنا‭ ‬مخرجون‭ ‬بحرينيون‭ ‬وأعمال‭ ‬جميلة‭ ‬وسط‭ ‬كل‭ ‬ذلك‭ ‬تلفت‭ ‬الانتباه‭ ‬بقصتها‭ ‬بالرغم‭ ‬من‭ ‬بعض‭ ‬التحفظات؛‭ ‬بسبب‭ ‬النمطية‭ ‬او‭ ‬التقليدية‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬يريدون‭ ‬الخروج‭ ‬منها،‭ ‬ولا‭ ‬أعلم‭ ‬لماذا؟

أتحدث‭ ‬اولا‭ ‬عن‭ ‬الفكرة‭ ‬والمضمون‭ ‬والأداء‭ ‬والإخراج‭ ‬والتجديد،‭ ‬فمازالت‭ ‬الدراما‭ ‬الخليجية‭ ‬تقدم‭ ‬المشكلات‭ ‬فقط‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬تجد‭ ‬لها‭ ‬أي‭ ‬حلول،‭ ‬مشكلات‭ ‬عائلية‭ ‬مكررة،‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬العمل‭ ‬أو‭ ‬الورث‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬في‭ ‬الرومانسية‭ ‬وكأنهم‭ ‬يسيرون‭ ‬على‭ ‬نمط‭ ‬واحد‭ ‬وخط‭ ‬لا‭ ‬يتغير،‭ ‬وتبتعد‭ ‬بصورة‭ ‬واضحة‭ ‬عن‭ ‬الواقع‭ ‬الذي‭ ‬يعيشه‭ ‬الخليجي‭ ‬بتقديمه‭ ‬بصور‭ ‬“متخلفة”‭ ‬ومختلفة‭ ‬عما‭ ‬نعيشه‭ ‬اليوم،‭ ‬ولا‭ ‬أعلم‭ ‬سبب‭ ‬ذلك‭ ‬خصوصا‭ ‬أننا‭ ‬نملك‭ ‬أسماء‭ ‬كبيرة‭ ‬في‭ ‬الإنتاج‭ ‬التلفزيوني‭ ‬من‭ ‬كتاب‭ ‬ومؤلفين‭ ‬ومتخصصين،‭ ‬ومازلوا‭ ‬يقدمون‭ ‬أعمالا‭ ‬هابطة‭ ‬بيعدا‭ ‬عما‭ ‬يحس‭ ‬به‭ ‬أو‭ ‬يقدمه‭ ‬المواطن‭ ‬الخليجي‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يسكن‭ ‬في‭ ‬قصور‭ ‬دائما،‭ ‬أو‭ ‬أن‭ ‬البنت‭ ‬تصحو‭ ‬من‭ ‬نومها‭ ‬وهي‭ ‬“فول‭ ‬ميكاب”‭ ‬وأخطاء‭ ‬كثيرة‭ ‬في‭ ‬كتابة‭ ‬القصص،‭ ‬وأصبحنا‭ ‬نغير‭ ‬القنوات‭ ‬إلى‭ ‬مشاهدة‭ ‬قناة‭ ‬“البحرين‭ ‬لول”‭ ‬لإعادة‭ ‬الأمجاد‭ ‬في‭ ‬فرجان‭ ‬لول‭ ‬والكاميرا‭ ‬الخفية‭ ‬والبرامج‭ ‬القديمة‭ ‬مثل‭: ‬غناوي‭ ‬بوتعب‭ ‬ودرب‭ ‬الزلق‭ ‬في‭ ‬ام‭ ‬بي‭ ‬سي،‭ ‬وكأن‭ ‬صناع‭ ‬الدراما‭ ‬يجهلون‭ ‬ما‭ ‬نريده‭ ‬حقا‭!‬

المسلسلات‭ ‬الخليجية‭ ‬هذا‭ ‬العام‭ ‬كانت‭ ‬حول‭ ‬المواضيع‭ ‬النمطية‭ ‬المتوقعة،‭ ‬وهي‭ ‬كما‭ ‬ذكرت‭ ‬الإرث،‭ ‬والشركات‭ ‬العائلية،‭ ‬والمشكلات‭ ‬الأسرية‭ ‬والعاطفية‭ ‬وحتى‭ ‬التراثية‭ ‬لم‭ ‬تسلم‭ ‬من‭ ‬الأخطاء‭ ‬لناس‭ ‬عاشوا‭ ‬بعض‭ ‬تلك‭ ‬الأجواء،‭ ‬وثيمات‭ ‬ثابتة‭ ‬لم‭ ‬تخرج‭ ‬منها‭ ‬هذه‭ ‬المسلسلات،‭ ‬وحتى‭ ‬الكوميدية‭ ‬الناجحة‭ ‬عند‭ ‬البعض،‭ ‬قدمت‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬المشكلات‭ ‬ربما‭ ‬بجرأة،‭ ‬لكن‭ ‬أين‭ ‬الحل؟‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال‭ ‬أتابع‭ ‬شخصيا‭ ‬مسلسل‭ ‬13‭ ‬Reasons Why،‭ ‬ويقدم‭ ‬مشكلات‭ ‬عدة‭ ‬للمراهقين‭ ‬في‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬والعالم‭ ‬بأسلوب‭ ‬متقن،‭ ‬حيث‭ ‬يقدم‭ ‬هذه‭ ‬المشكلات‭ ‬ويجد‭ ‬لها‭ ‬ألف‭ ‬حل‭ ‬وحل‭ ‬بطريقة‭ ‬درامية‭ ‬جميلة،‭ ‬ناهيك‭ ‬عن‭ ‬المستوى‭ ‬الفني‭ ‬فيه،‭ ‬وهنا‭ ‬أبدا‭ ‬لا‭ ‬أقارن،‭ ‬لكن‭ ‬اليوم‭ ‬المواطن‭ ‬الخليجي‭ ‬مثلا‭ ‬وهو‭ ‬يتابع‭ ‬هذا‭ ‬المسلسل‭ ‬على‭ ‬نتفليكس،‭ ‬كيف‭ ‬تستطيع‭ ‬أن‭ ‬تقنعه‭ ‬بما‭ ‬تقدمه‭ ‬من‭ ‬أعمال‭ ‬خليجية؟‭ ‬على‭ ‬المخرجين‭ ‬والمنتجين‭ ‬وكتاب‭ ‬الدراما‭ ‬خصوصا‭ ‬أن‭ ‬يعوا‭ ‬بأن‭ ‬المشاهد‭ ‬البحريني‭ ‬أو‭ ‬الخليجي‭ ‬عموما‭ ‬اليوم‭ ‬يعيش‭ ‬مرحلة‭ ‬متطورة‭ ‬في‭ ‬حياته،‭ ‬ويشاهد‭ ‬الأفلام‭ ‬والأعمال‭ ‬الكبيرة،‭ ‬وبات‭ ‬مطلعا‭ ‬على‭ ‬الدراما‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬أجمع،‭ ‬وصار‭ ‬يقارن‭ ‬ويفاضل‭ ‬بين‭ ‬الأعمال،‭ ‬لذلك‭ ‬فإن‭ ‬إرضاء‭ ‬جمهور‭ ‬مثقف‭ ‬دراميا‭ ‬صار‭ ‬صعبا‭ ‬جدا؛‭ ‬لأنه‭ ‬ببساطه‭ ‬يقارن‭ ‬بذكاء‭ ‬هذه‭ ‬الأعمال،‭ ‬ولا‭ ‬تستطيع‭ ‬خداعه‭ ‬من‭ ‬جميع‭ ‬الأعمار،‭ ‬فاذا‭ ‬كنت‭ ‬تريد‭ ‬أن‭ ‬تنجح‭ ‬في‭ ‬السنوات‭ ‬المقبلة‭ ‬ضع‭ ‬المشاهد‭ ‬الذكي‭ ‬أولا‭ ‬أمامك،‭ ‬فهو‭ ‬يريد‭ ‬أعمالا‭ ‬خليجية‭ ‬بجودة‭ ‬وإتقان‭ ‬والأهم‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬ذلك‭ ‬الواقعية‭ ‬في‭ ‬الأعمال‭ ‬التي‭ ‬ستقدمه‭ ‬لهم‭.‬

اليوم‭ ‬المشاهد‭ ‬البحريني‭ ‬أذكى‭ ‬من‭ ‬يغفل‭ ‬ويقدم‭ ‬لها‭ ‬أعمالا‭ ‬هشة،‭ ‬فهو‭ ‬أكثر‭ ‬المشاهدين‭ ‬شراسة‭ ‬في‭ ‬النقد‭ ‬الفني؛‭ ‬بسبب‭ ‬انه‭ ‬قديم‭ ‬المشاهدة‭ ‬للأعمال‭ ‬الدرامية‭ ‬العالمية،‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬المواطن‭ ‬الخليجي‭ ‬الذي‭ ‬أصبح‭ ‬على‭ ‬دراية‭ ‬بكل‭ ‬نقاط‭ ‬النقد‭ ‬الفني‭ ‬لكثرة‭ ‬المشاهدات،‭ ‬ويتمنى‭ ‬فقط‭ ‬أن‭ ‬يشاهد‭ ‬“الواقعية”‭ ‬في‭ ‬الأعمال‭ ‬المقدمة‭ ‬إليه‭.. ‬فقط‭!‬