يبدأ العمل بعد الإفطار مباشرة ويستمر حتى السحور

صانع القراقير الحاج حسين عبدالرسول يتذكر ليالي رمضان في "“السكرتارية”"

| سعيد محمد

حينما‭ ‬كان‭ ‬في‭ ‬العاشرة‭ ‬أو‭ ‬الحادية‭ ‬عشرة‭ ‬من‭ ‬العمر،‭ ‬كان‭ ‬الحاج‭ ‬حسين‭ ‬عبدالرسول‭ ‬“أبو‭ ‬محمد”‭ ‬يقضي‭ ‬ليالي‭ ‬شهر‭ ‬رمضان‭ ‬في‭ ‬تعلم‭ ‬مهنة‭ ‬صناعة‭ ‬القراقير‭ ‬مع‭ ‬والده‭ ‬رحمه‭ ‬الله‭ ‬الحاج‭ ‬عبدالرسول‭ ‬الدرازي،‭ ‬ولا‭ ‬تزال‭ ‬تلك‭ ‬المشاهد‭ ‬الرمضانية‭ ‬ماثلة‭ ‬في‭ ‬ذاكرته،‭ ‬وهي‭ ‬تمنحه‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬السعادة‭ ‬حين‭ ‬يتذكر‭ ‬أيام‭ ‬الصبا‭ ‬والشباب،‭ ‬وكل‭ ‬ما‭ ‬يتمناه‭ ‬اليوم،‭ ‬أن‭ ‬يستمر‭ ‬الشباب‭ ‬أبناء‭ ‬الحرفيين،‭ ‬في‭ ‬تعلم‭ ‬المهنة‭ ‬ومزاولتها‭ ‬حتى‭ ‬وإن‭ ‬كانت‭ ‬لهم‭ ‬وظائف‭ ‬أو‭ ‬أعمال‭ ‬أخرى،‭ ‬فالحفاظ‭ ‬على‭ ‬المهن‭ ‬التراثية‭ ‬من‭ ‬وجهة‭ ‬نظره‭ ‬هو‭ ‬حفاظ‭ ‬على‭ ‬الهوية‭ ‬الوطنية‭ ‬البحرينية‭.‬

‭ ‬سيد‭ ‬الإفطار‭ ‬والسحور

يقول‭ ‬الحاج‭ ‬حسين‭ ‬إنه‭ ‬يعمل‭ ‬في‭ ‬صناعة‭ ‬القراقير‭ ‬كمحترف‭ ‬منذ‭ ‬45‭ ‬عامًا،‭ ‬وفي‭ ‬“عصاري‭ ‬الشهر‭ ‬الفضيل”‭ ‬يخصص‭ ‬وقته‭ ‬في‭ ‬صناعة‭ ‬القراقير‭ ‬للعملاء‭ ‬من‭ ‬الزبائن‭ ‬سواء‭ ‬من‭ ‬مملكة‭ ‬البحرين‭ ‬أو‭ ‬من‭ ‬دول‭ ‬مجلس‭ ‬التعاون‭ ‬الخليجي‭ ‬وعلى‭ ‬وجه‭ ‬الخصوص‭ ‬البحارة‭ ‬من‭ ‬المملكة‭ ‬العربية‭ ‬السعودية‭ ‬وبعض‭ ‬المؤسسات‭ ‬التي‭ ‬تعمل‭ ‬في‭ ‬صيد‭ ‬الأسماك،‭ ‬وهذا‭ ‬الأمر‭ ‬ليس‭ ‬حديثًا،‭ ‬بل‭ ‬منذ‭ ‬سنين‭ ‬طويلة،‭ ‬ولأن‭ ‬الشيء‭ ‬بالشيء‭ ‬يذكر،‭ ‬يقول‭ ‬“بومحمد”‭ ‬إن‭ ‬في‭ ‬الستينات‭ ‬وحتى‭ ‬الثمانينات،‭ ‬كان‭ ‬البحارة‭ ‬ينشطون‭ ‬في‭ ‬شهر‭ ‬رمضان؛‭ ‬لأن‭ ‬الأسماك‭ ‬لاسيما‭ ‬الصافي‭ ‬والشعري‭ ‬والهامور‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬الأسماك‭ ‬المعروفة‭ ‬في‭ ‬البحرين‭ ‬والخليج‭ ‬مطلوبة‭ ‬على‭ ‬المائدة‭ ‬الرمضانية‭ ‬للإفطار‭ ‬وللسحور‭ ‬وخاصة‭ ‬للغبقات‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تقام‭ ‬بكثرة‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭ ‬البحريني،‭ ‬وكانت‭ ‬آنذاك‭ ‬وفيرة‭  ‬في‭ ‬بحار‭ ‬البلد،‭ ‬وبالتالي‭ ‬تباع‭ ‬بأسعار‭ ‬رخيصة‭ ‬جدًا‭.. ‬اليوم‭ ‬كيلو‭ ‬الصافي‭ ‬قد‭ ‬يصل‭ ‬إلى‭ ‬دينارين‭ ‬وثلاثة‭ ‬دنانير،‭ ‬والهامور‭ ‬يتراوح‭ ‬بين‭ ‬5‭ ‬إلى‭ ‬7‭ ‬دنانير،‭ ‬أما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الوقت،‭ ‬فتجد‭ ‬كيلو‭ ‬الصافي‭ ‬بخمسمئة‭ ‬فلس‭ ‬والهامور‭ ‬بين‭ ‬دينار‭ ‬إلى‭ ‬دينار‭ ‬ونصف‭ ‬الدينار،‭ ‬ويستعد‭ ‬الصيادون‭ ‬للشهر‭ ‬الفضيل،‭ ‬فمنهم‭ ‬من‭ ‬يطلب‭ ‬القراقير‭ ‬بمختلف‭ ‬أحجامها‭ ‬لموسم‭ ‬شهر‭ ‬رمضان‭.‬

واجهة‭ ‬المنامة‭ ‬البحرية

ويستعيد‭ ‬شريط‭ ‬الذكريات،‭ ‬فيحدثنا‭ ‬عن‭ ‬المهارات‭ ‬التي‭ ‬تعلمها‭ ‬من‭ ‬والده‭ ‬ومن‭ ‬المعارف‭ ‬من‭ ‬الصناع،‭ ‬فكانت‭ ‬أول‭ ‬ورشة‭ ‬عملوا‭ ‬بها‭ ‬قريبة‭ ‬من‭ ‬مبنى‭ ‬السكرتارية،‭ ‬أي‭ ‬على‭ ‬واجهة‭ ‬المنامة‭ ‬البحرية،‭ ‬حيث‭ ‬كان‭ ‬صناع‭ ‬القراقير‭ ‬يعملون‭ ‬على‭ ‬الساحل‭ ‬من‭ ‬رأس‭ ‬الرمان‭ ‬إلى‭ ‬النعيم،‭ ‬وفي‭ ‬الثمانينات‭ ‬انتقل‭ ‬مع‭ ‬والده‭ ‬إلى‭ ‬ورشة‭ ‬جديدة‭ ‬بالقرب‭ ‬من‭ ‬السوق‭ ‬المركزية،‭ ‬وكانت‭ ‬المساحة‭ ‬مخصصة‭ ‬للقلاليف‭ ‬وورش‭ ‬بناء‭ ‬السفن،‭ ‬ومن‭ ‬بينها‭ ‬ورشة‭ ‬الحاج‭ ‬مكي‭ ‬والحاج‭ ‬محمد‭ ‬نجيب‭ ‬التيتون،‭ ‬وهم‭ ‬من‭ ‬صناع‭ ‬السفن‭ ‬المشهورين‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬الخليج‭ ‬العربي‭ ‬والحاج‭ ‬مكي‭ ‬توفاه‭ ‬الله‭. ‬أما‭ ‬الحاج‭ ‬محمد‭ ‬نجيب‭ ‬التيتون‭ ‬أطال‭ ‬الله‭ ‬عمره،‭ ‬فلا‭ ‬يزال‭ ‬على‭ ‬قيد‭ ‬الحياة‭ ‬وهو‭ ‬اليوم‭ ‬عميد‭ ‬صناع‭ ‬السفن‭.‬

في‭ ‬الورشة‭ ‬

أما‭ ‬اليوم،‭ ‬فلم‭ ‬يترك‭ ‬الحاج‭ ‬“بو‭ ‬محمد”‭ ‬هذه‭ ‬الصناعة‭ ‬ولا‭ ‬يزال‭ ‬يمارسها،‭ ‬ويستمتع‭ ‬بهذا‭ ‬العمل‭ ‬في‭ ‬عصاري‭ ‬شهر‭ ‬رمضان،‭ ‬كما‭ ‬كان‭ ‬الحال‭ ‬في‭ ‬صباه‭ ‬وشبابه،‭ ‬حيث‭ ‬يقول‭ :‬”أما‭ ‬الشباب‭.. ‬ننام‭ ‬طوال‭ ‬النهار،‭ ‬وما‭ ‬أن‭ ‬يرتفع‭ ‬أذان‭ ‬المغرب،‭ ‬فنصلي‭ ‬ونفطر‭ ‬ونتوجه‭ ‬إلى‭ ‬الورشة‭ ‬ونشرع‭ ‬في‭ ‬العمل‭ ‬حتى‭ ‬وقت‭ ‬السحور،‭ ‬ونعود‭ ‬إلى‭ ‬المنزل‭ ‬لنصلي‭ ‬الفجر،‭ ‬وهكذا‭ ‬تكون‭ ‬الدورة”،‭ ‬وهذا‭ ‬منوال‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬صناع‭ ‬القراقير‭ ‬سواء‭ ‬الذين‭ ‬كانت‭ ‬لديهم‭ ‬ورش‭ ‬خاصة‭ ‬أو‭ ‬ممن‭ ‬يعملون‭ ‬في‭ ‬البرائح‭ ‬والساحات‭ ‬في‭ ‬القرى،‭ ‬وكانوا‭ ‬بحرينيين‭ ‬سواء‭ ‬الأجداد‭ ‬أم‭ ‬الآباء‭ ‬أم‭ ‬الأبناء،‭ ‬واليوم‭ ‬أنا‭ ‬أواصل‭ ‬العمر‭ ‬عصر‭ ‬الشهر‭ ‬الفضيل،‭ ‬ونتلقى‭ ‬طلبات‭ ‬العملاء‭ ‬وننجزها‭ ‬ونسأل‭ ‬الله‭ ‬السعادة‭ ‬والسلامة‭ ‬للجميع‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الشهر‭ ‬الفضيل،‭ ‬وتعود‭ ‬الأمور‭ ‬إلى‭ ‬سابق‭ ‬عصرها‭ ‬أفضل‭ ‬مما‭ ‬كانت‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬تنجلي‭ ‬جائحة‭ ‬كورونا،‭ ‬ونسأل‭ ‬الله‭ ‬العود‭ ‬كل‭ ‬عام‭.‬