وضع المؤسسات الناشئة والمستقلين من صناع المحتوى والفنانين في فترة كورونا

| كتب طالب الاعلام: حسن علي الساري - جامعة البحرين.

جائحة كورونا التي أخذت العالم على حين غرة، وعصفت بالبشر في شتى نواحي كوكب الأرض، لم تفرق بين كبير ولا صغير، لا غني ولا فقير، هذه الجائحة التي جعلت الجميع يعيد حساباته، ووجهت ضربات لنواحي الحياة؛ فشلت بعضها تمامًا، وشلت بعضها جزئيًا.

أبرز نواحي الحياة الاجتماعية والاقتصادية قد تضررت بشكل واسع النطاق، وشمل هذا الضرر مجالات كثيرة، منها مجالات صناعة المحتوى والفنون. وهذه المجالات بطبيعتها صعبة وتحتاج الى كثير من الجهد والمثابرة وقوة العزيمة، وبعد حلول الجائحة زادت هذه المجالات صعوبة بشكل ملحوظ؛ فمعظم مجالات صناعة المحتوى والفنون تعتمد على تقديم الخدمات، سواءً للهيئات الحكومية أو للقطاع الخاص. ومع تضرر الاقتصاد بسبب الجائحة قل الطلب على الخدمات غير فائقة الأهمية، كالخدمات التي تقدمها مجالات صناعة المحتوى والفنون كالخدمات الإعلانية بالصور، الموشين جرافيكس، الرسم، الفيديوهات والتصاميم وغيرها. وقد تكون بعض الشركات الكبيرة في المجالات هذه استطاعت استيعاب الضربات الاقتصادية بخبرتها الكبيرة في السوق وعلاقتها بعملائها وولاءهم لها.

لكن ما الذي فعلته المؤسسات الصغيرة والناشئة، ما الذي فعله الفنانون وصناع المحتوى المستقلون، كيف اختلفت أعمالهم بعد الجائحة وكيف تغيرت؟ ما الأضرار التي عصفت بهم؟ وهل استطاعوا مواجهتها وكيف وجهوها؟ وهل تغلب عليهم اليأس وقرروا ترك المجال؟ وهل هناك أمور إيجابية حصلتهم لهم في ظلمة كهف الجائحة؟ وهل المحتوى الترفيهي هو شمعة الطريق التي يحملونها هم ونحن نسير لينيروا كهف الجائحة الطويل والمظلم؟

ولقد تغيرت طبيعة العمل لدى المؤسسات الناشئة بشكل كبير وملحوظ، ويقول محمد ميرزا وهو عضو مؤسس في مؤسسة مكان ميديا للإنتاج الإعلامي الناشئة: "كنا في السابق نعتمد على الأجهزة والمعدات المتواجدة في مقرنا، وبسبب الوضع الحالي وعدم القدرة على التجمع؛ قمنا بالاعتماد على الأجهزة المحمولة لإتمام العمل. حتى الاجتماعات التي كنا نقوم بها في المقر انتقلت كلها تقريبًا لتكون اجتماعات إلكترونية، ولا أقول إن ذلك سلبي، بل على العكس كان مريحًا لنا، فأصبحنا نعتمد على التكنولوجي بشكل أكبر، وهناك احتمال أن نغير خططنا للاعتماد على بعض هذه الطرق حتى بعد الجائحة".

وقد عانى المستقلون من ظروف مشابهة ووضح ذلك المصور الفوتوغرافي أحمد عبد الحليم صاحب مؤسسة ناشئة للتصوير: " قبل كورونا كانت المحلات مفتوحة وتطلب أعمال تصوير والعملاء يطلبون أعمال تصوير والمواقع التي نصور فيها مفتوحة فالأوضاع كانت طبيعية، أما الآن الكل في المنازل، المحلات التي تطلب أعمال تصوير مغلقة، المواقع التي نصور فيها مغلقة، وقليل من العملاء يطلبون التصوير. والعملاء الذين يطلبون أعمال تصوير يكونون من العلاقات الشخصية والمعارف والعائلة".

وكانت للجائحة ضربات اقتصادية قاسية جدًا على المؤسسات الناشئة عطّلت تأسيس بعضها، وعطّلت نمو بعضها الأخر، ويقول المخرج جاسم نادر الخير وهو عضو مؤسس في مؤسسة ناشئة للإنتاج الإعلامي: "من ناحية مالية توقف الدخل الإضافي عند حوالي 6 أشخاص على الأقل بشكل كامل، والمؤسسة ناشئة فالدخل حتى هذه اللحظة يعتبر دخلاً إضافي وليس أساسي. أما من ناحية نمو المؤسسة اوشكنا على القيام بخطوة ستقوم بتنمية وتوسعة كبير للمؤسسة، ولكن بعد قدوم الجائحة قررنا تأجيل ذلك لأنه كان سيزيد المصاريف علينا كمؤسسة ناشئة دون أن يكون هناك أعمال تدر الأرباح؛ ما أوقف نمو مؤسستنا الذي كنا نسير في طريقه وكانت جميع الأبواب مفتوحة لنا لذلك، لكن أُغلقت كل الأبواب فجأة مع حصول الجائحة وتوقف كل ما كنا نسعى اليه". وقد يكون السوق بدأ بالتعافي جزئيًا، وعبر المصور محمد ميرزا: "تأثر السوق بشكل كبيرة والندرة البالغة التي كانت عليها طلبات العمل في بداية الجائحة، أما الآن اعتاد الناس جزئيًا على الأوضاع وطرق العمل عبر الاون لاين؛ فعادت كثير من طلبات العمل، ليس كالسابق لكنها بدأت تعود".

وبعد ما تقرر من الإجراءات والتعليمات من قبل الجهات المعنية واللجنة التنسيقة بقيادة صاحب السمو الملكي ولي العهد الأمير سلمان بن حمد ال خليفة؛ قرر الكثير من أصحاب المؤسسات الناشئة والمستقلين إيقاف الكثير من أعمالهم مؤقتًا، وعلل سبب ذلك المخرج جاسم نادر الخير: الحل الامثال كان هو الإيقاف المؤقت لعدم تحمل مصروفات تشغيلية دون وجود إيرادات ما سيكلفنا الكثير من الخسائر.

وهناك أعمال لا تتحمل التأجيل والإيقاف المؤقت، فأطرت المؤسسات والمستقلون بالقيام بها في هذه الظروف الصعبة، ووضح طريقة القيام بذلك مصور ومونتير الفيديوهات والموشين جرافيكس حسين فؤاد اكسيل: من ناحية التصوير في الأعمال التي تحتاج أكثر من خمس أشخاص قمنا بوضع جداول للعمل وتقسيطه، مقسط على الأيام، على الساعات، فمجموعة أشخاص يقومون بتركيب المعدات في وقت معين، ومجموعة أشخاص يقومون بتجهيز الكاميرات في وقت أخر، ومجموعة تقوم بالتصوير في وقت أخر. هذا كله مع اتخاذ الإجراءات والتعليمات، كوضع الكمامات وأخذ المسافات الاحتياطية؛ لحفظ السلامة والالتزام بالإجراءات وهذا واجبنا كلنا لدعم فريق البحرين. بالنسبة للمونتاج والموشين جرافيكس، أستلام المواد أصبح صعبًا وليس كما السابق، فمن الصعب الآن أستلام المواد في معدات التخزين الاعتيادية لصعوبة تعقيمها؛ فهي تنتقل من شخص لأخر، فقمنا بالاعتماد على خدمات التخزين السحابي عبر الأنترنت ونقل وتنزيل المواد عن طريقها، لكن المشكلة فقط الآن الأنترنت، في السابق كنَّا نستخدم الأنترنت لفترات لا تتعدى خمس ساعات متواصلة على الأكثر، أما الآن أصبحنا نعتمد عليه طوال اليوم، فالمشكلة الآن هي ضعف الأنترنت، وعدم كونه بالسرعة الكافية.

ولم تستطع الجائحة إضعاف عزيمة صناع المحتوى والفنانين من العطاء والاستمرار، نافين أي إمكانية لتركهم للمجال بسبب عواصف الجائحة وكوارثها، وتلخص كل ذلك بما قاله المصور محمد ميرزا: هذا المجال قضيت طفولتي فيه ومارسته في مراحل مبكرة من حياتي، وهو طموحي الذي دائمًا كنت أسعى اليه، فأهدافي فيه تناطح السحاب؛ فلا يمكن لأي شيء مهما كان أن يوقفني عن ممارسته.

واتجه الكثير من صناع المحتوى والفنانين الى المحتوى الترفيهي في هذه الفترة وبرر ذلك المصور حسين فؤاد اكسيل: نحن الآن في فترة فيها وعي كبير جدًا، والجهات المعنية قامت بدورها بتوعية المجتمع، فأوجه رسالة الى صناعة المحتوى ليصنعوا محتوى جديد يفيد الناس ويبتعدوا عن الرتابة والمعلومات التي ما عادت تفيد الناس، أو الاتجاه للمحتوى الترفيهي الذي يحتاجه الناس في هذه الفترة حاجة ملحة أكبر من أي فترة مضت؛ فالناس تحتاج ما يساعدها على قضاء هذا الوقت الطويل في المنازل. ويضيف المصور محمد ميرزا: فحتى على المستوى الشخصي بعيدًا عن المؤسسة، نقوم نحن بالمشاركة في المحتوى الترفيهي ونشاركه مع المعارف، ويكون لنا وسيلة ترفيهيه تساعدنا على الترفيه عن أنفسنا في هذه الفترة الصعبة.

منعت الجائحة صناع المحتوى والفنانين من ممارسة أعمالهم، ولكنها لم تمنعهم عن الاستمرار في هوايتهم وما يحبون، ويوضح المصور أحمد عبد الحليم ذلك: "هذا المجال شيء أحبه وليس الغرض المادي منه هو المهم، حتى أني اقوم بالكثير من جلسات التصوير المجانية، وبسبب حبي لهذا المجال لن يجعلني شيء أيأس وأتوقف، فحب العمل يدفعك للعطاء". ولم تمنع الجائحة صناع المحتوى والفنانين من أداء التزاماتهم الجامعية والتعليمية وغيرها. ويلخص الرسام مازن نجيب الغربال ذلك: أن الجائحة منعتنا من الخروج من المنزل ولكن منحتنا ولو قليلًا من الوقت للتركيز على هوايتنا. لكن لم تغير الجائحة التزاماتنا الجامعية وغيرها من الالتزامات، فهي مثل ما كانت حتى وأن تغيرت طريقة قيامنا بهذه الالتزامات، فالوقت الذي نقضيه الآن في المنزل لم يعد كما السابق وقت للراحة وممارسة الهوايات فقط، الآن أُضيف عليه وقت لأداء الالتزامات المتعلقة بالدراسة والعمل. وأعتقد أن الهوايات وما نقوم به من الفنون وصناعة المحتوى يخفف علينا ولو قليلًا وطأة الكآبة والكسل التي تحيط بينا من كل جانب في فترة الجائحة.

اجتياح فيروس كورونا أنتج الكثير من النتائج السلبية التي عصفت بصناع المحتوى والفنانين لكنها ليست كلها سلبية، فهناك الكثير من الدروس والعبر المستفادة، ويؤكد جميع صناع المحتوى والفنانين ذلك حيث منحتهم الجائحة وقتً لزيادة تحصيلهم العلمي والعملي في المجال كما قال  المصور حسين فؤاد اكسيل: أنا أرى أن هذه الفترة دافع كبير للأشخاص الذين يعلمون في هذا المجال حيث أن المجال يحتاج أشخاص مكافحين يسعون دائمًا نحو المعرفة ولا ييأسون، فأنت كلما تعلمت ستكتشف أنك لا تعرف أكثر، فهذا المجال كالبحر لا ينتهي، فهذه فرصة أمامي وأمام الجميع لكي نتطور من أنفسنا في هذا المجال، نعم نتضايق من الوضع الحالي لكن هذا لا يمنعنا من تطوير أنفسنا والاستعداد لفترة ما بعد الجائحة، والمعرفة لا تتوقف فمن قرر أن يتوقف عن التعلم هذا شخص حكم على نفسه بعدم النجاح.