اغنية “سعدون” فيها طعم العظمة الإنسانية ونواة مسكونة بالروعة

علي الشرقاوي.. سحر وقوة أغاني المسلسلات التراثية الشعبية

| أسامة الماجد

حينما‭ ‬نذكر‭ ‬المسلسلات‭ ‬البحرينية‭ ‬الخالدة‭ ‬مثل‭ ‬“البيت‭ ‬العود،‭ ‬فرجان‭ ‬لول،‭ ‬حزاوي‭ ‬الدار،‭ ‬سعدون،‭ ‬ملفى‭ ‬الأياويد”‭ ‬تقفز‭ ‬إلى‭ ‬ذاكرتنا‭ ‬كلمات‭ ‬أغاني‭ ‬مقدمة‭ ‬تلك‭ ‬المسلسلات‭ ‬التي‭ ‬كتبها‭ ‬شاعر‭ ‬البحرين‭ ‬الكبير‭ ‬علي‭ ‬الشرقاوي‭ ‬أطال‭ ‬الله‭ ‬في‭ ‬عمره،‭ ‬فقد‭ ‬ارتبطت‭ ‬قوة‭ ‬الدراما‭ ‬والأداء‭ ‬والحبكة‭ ‬الفنية‭ ‬والجمالية‭ ‬والمعالجة‭ ‬الفنية‭ ‬الحاذقة،‭ ‬بقوة‭ ‬الأغاني‭ ‬التراثية‭ ‬الشعبية‭ ‬ذات‭ ‬المدرسة‭ ‬الفنية‭ ‬المتميزة‭ ‬بشخصيتها،‭ ‬فقد‭ ‬عرف‭ ‬شاعرنا‭ ‬علي‭ ‬الشرقاوي‭ ‬أن‭ ‬التراث‭ ‬الشعبي‭ ‬أثر‭ ‬زاخر‭ ‬وهو‭ ‬نبع‭ ‬لا‭ ‬غنى‭ ‬عنه‭ ‬للأعمال‭ ‬الفنية‭ ‬سواء‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬الأدب‭ ‬أو‭ ‬الفنون‭ ‬الأخرى،‭ ‬وكان‭ ‬يرى‭ ‬أيضا‭ ‬أن‭ ‬من‭ ‬الضرورة‭ ‬الاهتمام‭ ‬اللائق‭ ‬بتراثنا‭ ‬الشعبي،‭ ‬مبرزين‭ ‬المضامين‭ ‬الإنسانية‭ ‬في‭ ‬ضوء‭ ‬القضايا‭ ‬المعاصرة‭.‬

كان‭ ‬المسلسل‭ ‬الواحد‭ ‬عبارة‭ ‬عن‭ ‬موروث‭ ‬شعبي‭ ‬متكامل،‭ ‬أغاني‭ ‬شعبية‭ ‬وحكايات‭ ‬وعادات‭ ‬وتقاليد‭ ‬ونادرا‭ ‬ما‭ ‬تجد‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬الأعمال‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭. ‬

ولعل‭ ‬تميز‭ ‬شاعرنا‭ ‬الشرقاوي‭ ‬في‭ ‬كتابة‭ ‬الأغاني‭ ‬نابع‭ ‬من‭ ‬نظرته‭ ‬إلى‭ ‬الشعر‭ ‬عموما‭. ‬فالشرقاوي‭ ‬يرى‭ ‬أن‭ ‬حياة‭ ‬بلا‭ ‬شعر،‭ ‬هي‭ ‬حياة‭ ‬بلا‭ ‬حقيقة،‭ ‬فالشعر‭ ‬غابة‭ ‬المشاعر‭ ‬والأحلام‭ ‬والرموز‭ ‬وبرق‭ ‬يضيء‭ ‬العالم‭. ‬الشرقاوي‭ ‬يرى‭ ‬أن‭ ‬الشعر‭ ‬يقودنا‭ ‬إلى‭ ‬عالم‭ ‬يفلت‭ ‬من‭ ‬حدودنا،‭ ‬وفي‭ ‬عظمة‭ ‬هذا‭ ‬الشعر‭ ‬وامتيازه،‭ ‬وفي‭ ‬هذا‭ ‬يكون‭ ‬الشاعر‭ ‬صوت‭ ‬أمته‭ ‬وصوت‭ ‬عصره‭. ‬وهكذا‭ ‬نرى‭ ‬كيف‭ ‬أن‭ ‬التراث‭ ‬المكتوب،‭ ‬مهما‭ ‬يكن‭ ‬غنيا،‭ ‬لا‭ ‬يصح‭ ‬أن‭ ‬يكون،‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬المبدع،‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬أساس‭ ‬ثقافي،‭ ‬يؤكد‭ ‬به‭ ‬التجاوز‭ ‬والتخطي‭ ‬لا‭ ‬الانسجام‭ ‬والخضوع‭. ‬

إن‭ ‬رؤيا‭ ‬الشاعر‭ ‬المبدع‭ ‬لا‭ ‬تكمل‭ ‬القيم‭ ‬والقواعد‭ ‬وحسب،‭ ‬وإنما‭ ‬تتجاوزها،‭ ‬إنها‭ ‬أغنى‭ ‬منها،‭ ‬وأشمل‭ ‬وأسمى‭.‬

كلمات‭ ‬أغاني‭ ‬تلك‭ ‬المسلسلات‭ ‬الشهيرة‭ ‬كان‭ ‬لها‭ ‬سحرها‭ ‬الذي‭ ‬يحني‭ ‬العالم،‭ ‬يهز‭ ‬التاريخ‭ ‬الفني‭ ‬في‭ ‬المنطقة،‭ ‬أغان‭ ‬تحولت‭ ‬إلى‭ ‬أصابع‭ ‬سحرية‭ ‬تلتقط‭ ‬الأشياء‭ ‬وتحولها‭ ‬على‭ ‬هواها،‭ ‬ولهذا‭ ‬السبب‭ ‬لازال‭ ‬المشاهد‭ ‬البحريني‭ ‬والخليجي‭ ‬يحفظها‭ ‬ويرددها‭ ‬وهي‭ ‬باقية‭ ‬إلى‭ ‬أجيال‭ ‬وأجيال،‭ ‬ويكفي‭ ‬أن‭ ‬أغنية‭ ‬مسلسل‭ ‬“سعدون”‭ ‬فيها‭ ‬طعم‭ ‬العظمة‭ ‬الإنسانية،‭ ‬إنها‭ ‬نواة‭ ‬واقعية‭ ‬مسكونة‭ ‬بالروعة‭ ‬ومشحونة‭ ‬بطاقات‭ ‬تتموج‭ ‬كما‭ ‬لو‭ ‬أنها‭ ‬تريد‭ ‬أن‭ ‬تبلغ‭ ‬تخوم‭ ‬اللانهاية‭. ‬من‭ ‬يستمع‭ ‬إلى‭ ‬أغاني‭ ‬مقدمة‭ ‬ونهاية‭ ‬تلك‭ ‬المسلسلات‭ ‬تنفلت‭ ‬به‭ ‬قوى‭ ‬النفس‭ ‬والخيال‭ ‬والحلم‭ ‬والمغامرة‭ ‬والإبداع،‭ ‬أغان‭ ‬عبرت‭ ‬عن‭ ‬القوة‭ ‬والخوف‭ ‬والفرح‭ ‬والألم‭ ‬والأماني‭ ‬والأحلام‭ ‬والواقع،‭ ‬وكانت‭ ‬فصلا‭ ‬ممتعا‭ ‬من‭ ‬فصول‭ ‬التراث‭ ‬البحريني‭ ‬الأصيل‭.‬