مبتورة ومشوهة لا تستحق إضاعة الوقت الثمين لمشاهدتها

الدراما الخليجية.. ثرثرة فارغة وفقر لا حدود له

| أسامة الماجد

انحطاط‭ ‬الدراما‭ ‬الخليجية‭ ‬تتمثل‭ ‬في‭ ‬الصورة‭ ‬الزائفة‭ ‬للواقع‭ ‬التي‭ ‬تقدمها‭ ‬للمشاهد،‭ ‬فتتدنى‭ ‬بوعيه‭ ‬وتبلبله‭ ‬ولا‭ ‬ترتقي‭ ‬به‭ ‬إلى‭ ‬مستوى‭ ‬الرؤية‭ ‬الصحيحة‭ ‬للواقع،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬فهي‭ ‬تؤدي‭ ‬به‭ ‬إلى‭ ‬تبني‭ ‬نوع‭ ‬من‭ ‬التفكير‭ ‬الانهزامي‭. ‬معظم‭ ‬المسلسلات‭ ‬الخليجية‭ ‬التي‭ ‬تعرض‭ ‬الآن‭ ‬بمختلف‭ ‬الفضائيات‭ ‬فيها‭ ‬زحام‭ ‬من‭ ‬الشخصيات‭ ‬المتداخلة‭ ‬التي‭ ‬تتشابك‭ ‬مصائرها‭ ‬في‭ ‬النهاية‭ ‬بطريقة‭ ‬تشعرك‭ ‬بأنها‭ ‬غير‭ ‬محبوكة‭ ‬تماما،‭ ‬ومشاهد‭ ‬مقرفة‭ ‬مبتورة‭ ‬ومشوهة‭ ‬وثرثرة‭ ‬فارغة‭ ‬مبالغ‭ ‬فيها‭.‬

ما‭ ‬شروط‭ ‬الدراما‭ ‬التلفزيونية‭ ‬الناجحة؟‭ ‬

أولا‭: ‬نجاح‭ ‬الممثلين‭ ‬في‭ ‬أدوارهم‭ ‬جميعا،‭ ‬ووجود‭ ‬روح‭ ‬المسؤولية‭ ‬الجماعية،‭ ‬وهي‭ ‬من‭ ‬أهم‭ ‬شروط‭ ‬العمل‭ ‬التلفزيوني،‭ ‬وحفظ‭ ‬الأدوار‭ ‬وأداء‭ ‬الحركة‭ ‬وحنكة‭ ‬في‭ ‬فهم‭ ‬التكنيك‭ ‬التلفزيوني،‭ ‬بحيث‭ ‬لا‭ ‬نرى‭ ‬هبوطا‭ ‬في‭ ‬الإيقاع‭ ‬أو‭ ‬انتظارا‭ ‬للانتقال‭ ‬من‭ ‬كاميرا‭ ‬إلى‭ ‬أخرى،‭ ‬وكذلك‭ ‬إبعاد‭ ‬المشاهد‭ ‬عن‭ ‬الملل‭ ‬من‭ ‬تلكأ‭ ‬ممثل‭ ‬في‭ ‬الدخول‭ ‬أو‭ ‬الخروج‭ ‬ونسيان‭ ‬مستلزمات‭ ‬المشهد،‭ ‬أما‭ ‬بالنسبة‭ ‬عن‭ ‬المؤلف،‭ ‬فيجب‭ ‬على‭ ‬كاتب‭ ‬السيناريو‭ ‬أن‭ ‬يتخيل‭ ‬صورة‭ ‬العمل‭ ‬المرئية‭ ‬على‭ ‬الشاشة‭ ‬وأن‭ ‬يعايش‭ ‬هذه‭ ‬الصورة‭ ‬مرات‭ ‬ومرات‭ ‬في‭ ‬جملتها‭ ‬وتفصيلاتها‭ ‬بمراعاة‭ ‬السياق‭ ‬الزمني‭. ‬وبصرف‭ ‬النظر‭ ‬عن‭ ‬العناصر‭ ‬الأخرى‭ ‬حتى‭ ‬تتحول‭ ‬عنده‭ ‬من‭ ‬صورة‭ ‬هلامية‭ ‬إلى‭ ‬ملامح‭ ‬واضحة‭ ‬أو‭ ‬شبه‭ ‬واضحة‭ ‬في‭ ‬حدود‭ ‬إطار‭ ‬الشاشة،‭ ‬لا‭ ‬الطبيعة‭ ‬في‭ ‬الواقع‭ ‬المعاش‭. ‬ولكن‭ ‬للأسف‭ ‬الدراما‭ ‬الخليجية‭ ‬التي‭ ‬نشاهدها‭ ‬اليوم‭ ‬تفتقد‭ ‬إلى‭ ‬عصب‭ ‬الحياة‭ ‬وتخلو‭ ‬من‭ ‬الجماليات‭ ‬والخيط‭ ‬الدقيق‭ ‬الذي‭ ‬يفصل‭ ‬بين‭ ‬العمق‭ ‬والإثارة،‭ ‬والشيء‭ ‬اللافت‭ ‬الذي‭ ‬لاحظته‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬الأعمال‭ ‬الخليجية‭ ‬عدم‭ ‬الفهم‭ ‬لمفهوم‭ ‬اللقطة‭ ‬التلفزيونية‭. ‬بمعنى‭. ‬التلفزيون‭ ‬كمجال‭ ‬للقطة‭ ‬المقربة‭ ‬هو‭ ‬أصلح‭ ‬المجالات‭ ‬للقصة‭ ‬النفسية‭ ‬المعتمدة‭ ‬على‭ ‬الصراع‭ ‬الداخلي،‭ ‬فعن‭ ‬طريق‭ ‬اللقطة‭ ‬المقربة‭ ‬يمكن‭ ‬الاستغناء‭ ‬عن‭ ‬الحوار‭ ‬بالتعبير‭ ‬الصامت،‭ ‬وإذا‭ ‬كان‭ ‬التلفزيون‭ ‬مجالا‭ ‬يرفض‭ ‬مجاميع‭ ‬الممثلين‭ ‬في‭ ‬القصة‭ ‬النفسية‭ ‬تحقق‭ ‬له‭ ‬بغيته‭ ‬حين‭ ‬تقتصر‭ ‬في‭ ‬الغالب‭ ‬على‭ ‬عدد‭ ‬محدود‭ ‬من‭ ‬الشخصيات‭. ‬والتعبير‭ ‬الصامت‭ ‬يحقق‭ ‬وظيفة‭ ‬الصورة‭ ‬في‭ ‬التلفزيون‭ ‬التي‭ ‬تؤكدها‭ ‬الموسيقى‭ ‬والمؤثرات‭ ‬الصوتية،‭ ‬كما‭ ‬أنه‭ ‬يحترم‭ ‬الفروق‭ ‬المهمة‭ ‬بينه‭ ‬وبين‭ ‬العمل‭ ‬المسرحي‭.‬

عموما،‭ ‬الدراما‭ ‬الخليجية‭ ‬تتسم‭ ‬بفقر‭ ‬لا‭ ‬حدود‭ ‬له،‭ ‬ترهل‭ ‬في‭ ‬التعبير‭ ‬أو‭ ‬ميل‭ ‬إلى‭ ‬تمطيط‭ ‬الكلام‭ ‬وإفلاس‭ ‬بكل‭ ‬ما‭ ‬تحمله‭ ‬الكلمة‭ ‬من‭ ‬معنى،‭ ‬والغريب‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬أسماء‭ ‬لها‭ ‬تاريخها‭ ‬مازالت‭ ‬تصر‭ ‬على‭ ‬تقديم‭ ‬السلعة‭ ‬الرخيصة‭ ‬للمشاهد‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الأعمال‭ ‬الهابطة‭ ‬الهشة،‭ ‬ولا‭ ‬عجب‭ ‬في‭ ‬ذلك،‭ ‬فهؤلاء‭ ‬تجتمع‭ ‬لديهم‭ ‬أحادية‭ ‬النظرة‭ ‬ويفضلون‭ ‬المادة‭ ‬على‭ ‬العمل‭ ‬الخلاق‭ ‬المفيد‭ ‬للناس‭ ‬والمجتمع‭. ‬وأتحدى‭ ‬أي‭ ‬أحد‭ ‬من‭ ‬المشاهدين‭ ‬أن‭ ‬يتذكر‭ ‬أي‭ ‬عمل‭ ‬خليجي‭ ‬بعد‭ ‬رمضان‭ ‬وتأثيره‭ ‬عليه،‭ ‬فجميع‭ ‬هذه‭ ‬الأعمال‭ ‬والدراما‭ ‬لا‭ ‬تستحق‭ ‬إضاعة‭ ‬الوقت‭ ‬الثمين‭ ‬لمشاهدتها،‭ ‬والدفاع‭ ‬عنها‭ ‬قضية‭ ‬خاسرة،‭ ‬إنها‭ ‬دراما‭ ‬العجز‭ ‬والعزلة‭ ‬والقائمين‭ ‬عليها‭ ‬يتحدثون‭ ‬بلغة‭ ‬الربح‭ ‬والخسارة،‭ ‬وليس‭ ‬كأرض‭ ‬فيها‭ ‬نبات‭ ‬طيب‭ ‬يفيد‭ ‬المجتمع‭.‬

من‭ ‬باب‭ ‬الاكتشاف،‭ ‬تابعت‭ ‬عملين‭ ‬ومع‭ ‬لحظة‭ ‬الاصطدام‭ ‬الأولى‭ ‬تتولد‭ ‬الدهشة،‭ ‬الدهشة‭ ‬التي‭ ‬تقودك‭ ‬الى‭ ‬بدايات‭ ‬طريق‭ ‬الوعي‭ ‬والمعرفة،‭ ‬فالقصتان‭ ‬متشابهتان،‭ ‬في‭ ‬الموقع‭ ‬الجغرافي‭ ‬والأحداث،‭ ‬ولكن‭ ‬ما‭ ‬يميز‭ ‬هذا‭ ‬المسلسل‭ ‬عن‭ ‬ذاك‭ ‬هو‭ ‬وجود‭ ‬الممثل‭ ‬الذي‭ ‬يحاول‭ ‬اغتصاب‭ ‬ضحكة‭ ‬المشاهد‭ ‬عنوة،‭ ‬الذي‭ ‬يتخذ‭ ‬من‭ ‬الفن‭ ‬مجرد‭ ‬موضة‭ ‬او‭ ‬نزوة،‭ ‬لا‭ ‬إحساس‭ ‬ولا‭ ‬تفاعل‭ ‬ولا‭ ‬أي‭ ‬شيء‭ ‬له‭ ‬علاقة‭ ‬بالتمثيل‭. ‬ورحم‭ ‬الله‭ ‬الفنان‭ ‬محمد‭ ‬البهدهي‭ ‬حينما‭ ‬قال‭ ‬لي‭ ‬ذات‭ ‬يوم‭ ‬“أي‭ ‬شخص‭ ‬لا‭ ‬يملك‭ ‬الوعي‭ ‬وحب‭ ‬التمثيل،‭ ‬لا‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يدخل‭ ‬الموقع‭ ‬من‭ ‬الأساس،‭ ‬فالمسألة‭ ‬ليست‭ ‬وكما‭ ‬نقول‭ ‬في‭ ‬المثل‭: ‬من‭ ‬طق‭ ‬طبله‭ ‬قال‭ ‬أنا‭ ‬قبله”‭. ‬ملاحظة‭...‬الكلام‭ ‬موجه‭ ‬للمنتجين‭ ‬والمؤلفين‭ ‬والممثلين،‭ ‬وليس‭ ‬للمخرجين‭!‬