قضت 3 عقود كاملة في شقتها الصغيرة بلا أمل

أم محمد تصارع الحياة وسط كومة من القوارض وتسريبات المياه

| إبراهيم النهام

في‭ ‬البناية‭ ‬رقم‭ ‬592‭ ‬في‭ ‬شقق‭ ‬البسيتين‭ ‬القديمة،‭ ‬تجلس‭ ‬أم‭ ‬محمد‭ ‬في‭ ‬الشقة‭ ‬رقم‭ (‬1‭) ‬لوحدها‭ ‬مستذكرة‭ ‬البدايات‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الصالة‭ ‬الصغيرة،‭ ‬قبل‭ ‬30‭ ‬عاما‭ ‬أو‭ ‬أكثر‭ ‬بقليل،‭ ‬هنا‭ ‬قضت‭ ‬زهرة‭ ‬شبابها‭ ‬3‭ ‬عقود‭ ‬كاملة،‭ ‬بلا‭ ‬أمل‭ ‬أو‭ ‬مستقبل‭ ‬قريب‭.‬

توفي‭ ‬ولداها‭ ‬بقدر‭ ‬من‭ ‬الله‭ ‬قبل‭ ‬أعوام‭ ‬عدة،‭ ‬وتركاها‭ ‬مع‭ ‬ابنتها‭ ‬تصارعان‭ ‬صعوبات‭ ‬الحياة‭ ‬ومشاقها،‭ ‬الى‭ ‬جانب‭ ‬زوج‭ ‬كهل‭ ‬ومريض،‭ ‬يستلم‭ ‬راتبا‭ ‬بسيطا،‭ ‬ينهار‭ ‬بعد‭ ‬أيام‭ ‬قلة،‭ ‬يعرفها‭ ‬جيدا‭ ‬من‭ ‬هم‭ ‬في‭ ‬عتاد‭ ‬الأسر‭ ‬المتعففة،‭ ‬محدودة‭ ‬الدخل‭. ‬الإشكالية‭ ‬المتكررة‭ ‬هي‭ ‬في‭ ‬السكن،‭ ‬تقول‭ ‬أم‭ ‬محمد‭ ‬إن‭ ‬الشقة‭ ‬الحالية‭ ‬تعج‭ ‬بالـ‭ ‬“الزهيوية”‭ ‬والتي‭ ‬تسرح‭ ‬وتمرح‭ ‬في‭ ‬الصالة‭ ‬وفي‭ ‬المطبخ‭ ‬وغرفة‭ ‬النوم‭ ‬والحمام‭ ‬وممر‭ ‬الشقة‭ ‬الرئيس،‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المكان‭ ‬يرفع‭ ‬الصراصير‭ ‬علامة‭ ‬النصر‭ ‬بكل‭ ‬ثقة‭ ‬ووقاحة‭.‬

وتضيف‭ ‬أم‭ ‬محمد‭ ‬أن‭ ‬تسريبات‭ ‬المياه،‭ ‬وتقطعات‭ ‬الكهرباء،‭ ‬وانبعاث‭ ‬الروائح‭ ‬الكريهة‭ ‬الى‭ ‬الشقة‭ ‬من‭ ‬هنا‭ ‬وهناك،‭ ‬هي‭ ‬من‭ ‬الكوابيس‭ ‬اليومية‭ ‬على‭ ‬الصدر‭ ‬وعلى‭ ‬العنق،‭ ‬ومن‭ ‬الأشياء‭ ‬التي‭ ‬تقطع‭ ‬الأنفاس‭.‬

وتقول‭ ‬إنها‭ ‬حين‭ ‬تناشد‭ ‬لا‭ ‬أحد‭ ‬ينصت،‭ ‬ولا‭ ‬أحد‭ ‬يبالي،‭ ‬ولا‭ ‬أحد‭ ‬يسأل،‭ ‬وأن‭ ‬المعاناة‭ ‬المعيشية‭ ‬والحياتية‭ ‬واليومية‭ ‬هي‭ ‬أمر‭ ‬فردي‭ ‬لها،‭ ‬شخصي‭ ‬أن‭ ‬صح‭ ‬التعبير،‭ ‬لا‭ ‬أحد‭ ‬يعرف‭ ‬عنه‭ ‬شيئا،‭ ‬ولا‭ ‬أحد‭ ‬يهتم‭ ‬لأن‭ ‬ينصت‭ ‬اليه،‭ ‬لا‭ ‬من‭ ‬قريب‭ ‬أو‭ ‬من‭ ‬بعيد‭. ‬أم‭ ‬محمد‭ ‬ببساطة،‭ ‬هي‭ ‬نموذج‭ ‬للمرأة‭ ‬البحرينية‭ ‬المتعففة‭ ‬التي‭ ‬تجلس‭ ‬في‭ ‬بيتها‭ ‬متأملة‭ ‬أن‭ ‬يدخل‭ ‬إليها‭ ‬التغيير‭ ‬عبر‭ ‬الباب‭ ‬بشخص،‭ ‬يحل‭ ‬لها‭ ‬مشاكلها‭ ‬بأمر‭ ‬أو‭ ‬بكلمة‭ ‬“ابشري”‭ ‬و”تم”‭ ‬لكنه‭ ‬أمر‭ ‬لم‭ ‬يحصل‭ ‬بعد،‭ ‬وما‭ ‬تزال‭ ‬أم‭ ‬محمد‭ ‬تنتظر‭ ‬البشارة،‭ ‬فهل‭ ‬تحصل‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬تريد؟