“كورونا” هذبت أخلاقنا وسلوكياتنا وقربتنا من بعضنا

ملك: الفنان لا يقل دوره عن الجنود في دفاعهم عن البحرين

| أسامة الماجد

حياة‭ ‬الفنان‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تقضى‭ ‬بعمل‭ ‬روتيني‭ ‬تقليدي؛‭ ‬لأن‭ ‬موقع‭ ‬الفنان‭ ‬مختلف‭ ‬عن‭ ‬الشخص‭ ‬العادي،‭ ‬وتبرز‭ ‬أهميته‭ ‬في‭ ‬الشعبية‭ ‬وقربه‭ ‬من‭ ‬الجمهور،‭ ‬وبالتالي‭ ‬الاستفادة‭ ‬منه‭ ‬في‭ ‬توصيل‭ ‬الرسالة‭ ‬وأبعادها‭.‬

وحينما‭ ‬يخاطب‭ ‬الفنان‭ ‬الناس‭ ‬خصوصا‭ ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬على‭ ‬علم‭ ‬بأنواع‭ ‬المعرفة‭ ‬التي‭ ‬تترابط‭ ‬أجزاؤها،‭ ‬يكون‭ ‬حينها‭ ‬كمن‭ ‬يقوم‭ ‬بمشاريع‭ ‬وأعمال‭ ‬كبرى‭ ‬تفيد‭ ‬المجتمع‭ ‬ويحرز‭ ‬التقدم‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬الاتجاهات‭. ‬

ومنذ‭ ‬أن‭ ‬بدأت‭ ‬أزمة‭ ‬“فيروس‭ ‬كرونا”،‭ ‬والفنان‭ ‬القدير‭ ‬عبدالله‭ ‬ملك‭ ‬نشط‭ ‬في‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬عبر‭ ‬بثه‭ ‬للرسائل‭ ‬التوعوية‭ ‬القصيرة،‭ ‬والمشاهد‭ ‬التمثيلية‭ ‬التي‭ ‬تحث‭ ‬المواطنين‭ ‬على‭ ‬الالتزام‭ ‬بالتعليمات‭ ‬والإرشادات،‭ ‬وهو‭ ‬دور‭ ‬كبير‭ ‬ومؤثر‭ ‬في‭ ‬حياة‭ ‬الناس‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬الفن‭ ‬الذي‭ ‬يترك‭ ‬صداه‭ ‬الجميل‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭.‬

“البلاد”‭ ‬التقت‭ ‬الفنان‭ ‬عبدالله‭ ‬ملك،‭ ‬وأجرت‭ ‬معه‭ ‬هذا‭ ‬الحوار‭ ‬القصير‭ ‬عن‭ ‬نشاطه‭ ‬ودوره‭ ‬كفنان‭ ‬في‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬الظروف‭.‬

لاحظنا‭ ‬نشاطا‭ ‬كبيرا‭ ‬لك‭ ‬في‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬عن‭ ‬كورونا‭ ‬وإرشادات‭ ‬تقدمها‭ ‬للناس‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬رسائل‭ ‬قصيرة‭ ‬ومشاهد‭ ‬تمثيلية،‭ ‬كيف‭ ‬جاءت‭ ‬الفكرة؟‭ ‬وكم‭ ‬عدد‭ ‬الفيديوهات‭ ‬التي‭ ‬نشرتها؟

أشكر‭ ‬“البلاد”‭ ‬على‭ ‬وقفتها‭ ‬الدائمة‭ ‬مع‭ ‬الفنان‭ ‬البحريني‭ ‬وتواجدها‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬الميادين‭.‬

حقيقة،‭ ‬أعتبر‭ ‬نفسي‭ ‬نقطة‭ ‬من‭ ‬بحر‭ ‬الجنود‭ ‬الذين‭ ‬يقفون‭ ‬في‭ ‬الصفوف‭ ‬الأمامية‭ ‬للتصدي‭ ‬لفيروس‭ ‬“كورونا”،‭ ‬وما‭ ‬أقوم‭ ‬به‭ ‬واجب‭ ‬وطني،‭ ‬ومشاركتي‭ ‬بالفيديوهات‭ ‬في‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬منوعة،‭ ‬بعضها‭ ‬نصائح‭ ‬عادية،‭ ‬والبعض‭ ‬الآخر‭ ‬فيها‭ ‬نوع‭ ‬من‭ ‬الدراما‭ ‬الخفيفة‭. ‬وفضلت‭ ‬أن‭ ‬أقوم‭ ‬بالتسجيل‭ ‬لوحدي‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬الاستعانة‭ ‬بأي‭ ‬ممثل‭ ‬أو‭ ‬مصور‭.‬

وأذكر‭ ‬أن‭ ‬أول‭ ‬فيديو‭ ‬نشرته‭ ‬عن‭ ‬كورونا‭ ‬كان‭ ‬بتاريخ‭ ‬17‭ ‬مارس،‭ ‬وأتصور‭ ‬أن‭ ‬العدد‭ ‬الإجمالي‭ ‬وصل‭ ‬إلى‭ ‬نحو‭ ‬25‭ ‬فيديو‭.‬

ما‭ ‬دور‭ ‬الفنان‭ ‬في‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬الظروف؟

الفنان‭ ‬في‭ ‬المقام‭ ‬الأول‭ ‬إنسان‭ ‬ويعيش‭ ‬كغيره‭ ‬في‭ ‬المجتمع،‭ ‬ولابد‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬له‭ ‬دور‭ ‬إيجابي‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬قضية‭.‬

ويعود‭ ‬الأمر‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬للفنان‭ ‬متابعين‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي،‭ ‬وبالتأكيد‭ ‬هذه‭ ‬نقطة‭ ‬إيجابية‭ ‬ومهمة‭ ‬في‭ ‬توصيل‭ ‬الرسالة،‭ ‬والأهم‭ ‬أن‭ ‬يتسم‭ ‬الفنان‭ ‬بالنزاهة‭ ‬والدبلوماسية‭ ‬على‭ ‬اعتبار‭ ‬أن‭ ‬الفيديو‭ ‬الذي‭ ‬سينشره‭ ‬سيشاهده‭ ‬الناس‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬مكان‭.‬

وعلى‭ ‬الفنان‭ ‬في‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬الظروف‭ ‬أن‭ ‬يرفع‭ ‬من‭ ‬معنويات‭ ‬الناس‭ ‬باستغلال‭ ‬الموهبة‭ ‬التي‭ ‬يمتلكها،‭ ‬وأنا‭ ‬شخصيا‭ ‬استفدت‭ ‬من‭ ‬اشتغالي‭ ‬في‭ ‬المجال‭ ‬المسرحي‭ ‬والدرامي‭ ‬والإذاعي،‭ ‬ولا‭ ‬يقل‭ ‬دور‭ ‬الفنان‭ ‬عن‭ ‬دور‭ ‬أي‭ ‬جندي‭ ‬في‭ ‬الوطن‭ ‬للدفاع‭ ‬عن‭ ‬البحرين،‭ ‬فكلنا‭ ‬نعمل‭ ‬وندافع‭ ‬من‭ ‬مختف‭ ‬مواقعنا‭.‬

كيف‭ ‬تنظر‭ ‬كفنان‭ ‬إلى‭ ‬الوعي‭ ‬الذي‭ ‬يتسم‭ ‬به‭ ‬شعب‭ ‬البحرين؟

أنا‭ ‬معجب‭ ‬أشد‭ ‬الإعجاب‭ ‬بالوعي‭ ‬الذي‭ ‬يتسم‭ ‬به‭ ‬شعب‭ ‬البحرين،‭ ‬شاهدنا‭ ‬ولمسنا‭ ‬الوعي‭ ‬من‭ ‬الصغير‭ ‬والكبير‭ ‬وفي‭ ‬كل‭ ‬مكان‭.‬

ذات‭ ‬يوم‭ ‬ذهبت‭ ‬إلى‭ ‬عيادة‭ ‬الأسنان،‭ ‬وشاهدت‭ ‬إجراءات‭ ‬صارمة‭ ‬ومسؤولة،‭ ‬وكذلك‭ ‬تجد‭ ‬الشيء‭ ‬نفسه‭ ‬في‭ ‬“البرادات”‭.‬

وأذكر‭ ‬أني‭ ‬نشرت‭ ‬فيديو‭ ‬في‭ ‬محطة‭ ‬البترول‭ ‬تظهر‭ ‬فيه‭ ‬“سيارة‭ ‬واحدة‭ ‬فقط”‭ ‬كانت‭ ‬تتزود‭ ‬بالوقود،‭ ‬وهذا‭ ‬يعني‭ ‬أن‭ ‬المواطن‭ ‬ملتزم‭ ‬بالجلوس‭ ‬في‭ ‬المنزل‭ ‬ويتبع‭ ‬الإرشادات‭ ‬والتعليمات‭ ‬التي‭ ‬أصدرتها‭ ‬الجهات‭ ‬المسؤولة،‭ ‬وكثير‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬أشادت‭ ‬بالبحرين؛‭ ‬لأنها‭ ‬طبقت‭ ‬الحظر،‭ ‬ولكن‭ ‬دون‭ ‬أوامر‭ ‬وقوانين‭ ‬كما‭ ‬هو‭ ‬حاصل‭ ‬في‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الدول‭. ‬

ولكن‭ ‬هناك‭ ‬نقطة‭ ‬وملاحظة‭ ‬أتمنى‭ ‬أن‭ ‬تصل‭ ‬إلى‭ ‬الجهات‭ ‬المعنية،‭ ‬وهي‭ ‬أن‭ ‬“هناك‭ ‬بعض‭ ‬المسؤولين‭ ‬“المديرين‭ ‬والرؤساء”‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬الوزرات‭ ‬والقطاع‭ ‬الخاص،‭ ‬لغاية‭ ‬اليوم‭ ‬وكما‭ ‬نقول‭ ‬بالشعبي‭ ‬“ما‭ ‬عطين‭ ‬القرارات‭ ‬إذن‭ ‬من‭ ‬طين‭ ‬وإذن‭ ‬من‭ ‬عجين”،‭ ‬فأولا‭ ‬كانت‭ ‬نسبة‭ ‬العمل‭ ‬عن‭ ‬بُعد‭ ‬50‭ %‬،‭ ‬والآن‭ ‬أصبحت‭ ‬70‭ %‬،‭ ‬بيد‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬بعض‭ ‬الدوائر‭ ‬غير‭ ‬ملتزمة‭ ‬وكأن‭ ‬بالمسؤول‭ ‬لا‭ ‬يريد‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬الموظف‭ ‬في‭ ‬المنزل‭ ‬ويعمل‭ ‬عن‭ ‬بُعد،‭ ‬بل‭ ‬عليه‭ ‬الحضور‭.‬

وهناك‭ ‬بعض‭ ‬المسؤولين‭ ‬يطلبون‭ ‬من‭ ‬الموظفين‭ ‬النزول‭ ‬في‭ ‬الميدان،‭ ‬وهذا‭ ‬خطر‭.‬

فبدل‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬يبعد‭ ‬الموظف‭ ‬عن‭ ‬الوباء‭ ‬يقربه‭ ‬منه‭.‬

وسمعنا‭ ‬أيضا‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬من‭ ‬طلب‭ ‬من‭ ‬الموظفات‭ ‬المرضعات‭ ‬والحوامل‭ ‬بالزيارات‭ ‬الميدانية،‭ ‬في‭ ‬تحد‭ ‬صارخ‭ ‬للإجراءات‭ ‬والقرارات‭. ‬

ما‭ ‬الدرس‭ ‬الذي‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬نتعلمه‭ ‬من‭ ‬كورونا؟

أولا‭ ‬أود‭ ‬أن‭ ‬اشكر‭ ‬حكومتنا‭ ‬الموقرة‭ ‬في‭ ‬تدرجها‭ ‬بالإجراءات،‭ ‬وأتمنى‭ ‬أيضا‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬التدرج‭ ‬في‭ ‬العودة‭ ‬إلى‭ ‬الحياة‭ ‬الطبيعية‭ ‬بعد‭ ‬انتهاء‭ ‬الأزمة‭. ‬تعلمنا‭ ‬الكثير،‭ ‬وتبرز‭ ‬أمامنا‭ ‬صورة‭ ‬حية‭ ‬مفادها‭ ‬أن‭ ‬الحكومة‭ ‬مهما‭ ‬تعمل‭ ‬من‭ ‬إجراءات،‭ ‬يبقى‭ ‬التزام‭ ‬المواطن‭ ‬هو‭ ‬الأهم‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬وعيه‭ ‬وتعاونه‭. ‬تعلمنا‭ ‬سلوكيات‭ ‬والتزام‭ ‬بالقوانين‭ ‬والإحساس‭ ‬بالخطر،‭ ‬وكلها‭ ‬دروس‭ ‬ينبغي‭ ‬أن‭ ‬تبقي‭ ‬في‭ ‬أذهاننا،‭ ‬ولا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تنسى‭.‬

“كورونا”‭ ‬هذبت‭ ‬أخلاقنا‭ ‬وسلوكياتنا‭ ‬وقربتنا‭ ‬من‭ ‬بعضنا‭ ‬البعض،‭ ‬وحتى‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬تزول‭ ‬الأزمة‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬نكون‭ ‬حذرين‭ ‬في‭ ‬أشياء‭ ‬كثيرة‭. ‬في‭ ‬انتقاء‭ ‬الدول‭ ‬التي‭ ‬نود‭ ‬السفر‭ ‬إليها،‭ ‬المطاعم،‭ ‬الأماكن،‭ ‬فكورونا‭ ‬كشفت‭ ‬لنا‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الحقائق‭.‬