كل أنواع الإبداع موهبة ولكنها لا تستغني عن التدريب

محترفات الكتابة: التدريب والموهبة

تلقى‭ ‬المحترفات‭ ‬الأدبية‭ ‬“أو‭ ‬ورش‭ ‬الكتابة‭ ‬كما‭ ‬تسمى”‭ ‬اعتراضات‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬البعض،‭ ‬وفي‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه‭ ‬تشهد‭ ‬إقبالا‭ ‬من‭ ‬الذين‭ ‬يتوسمون‭ ‬فيها‭ ‬عونا‭ ‬لهم‭ ‬على‭ ‬شق‭ ‬الطريق‭ ‬نحو‭ ‬الكتابة،‭ ‬يرى‭ ‬المعترضون‭ ‬بأن‭ ‬الكتابة‭ ‬هي‭ ‬بالأصل‭ ‬موهبة‭ ‬فطرية،‭ ‬إما‭ ‬أن‭ ‬تملكها‭ ‬أو‭ ‬أنك‭ ‬لا‭ ‬تستطيع‭ ‬تعلمها،‭ ‬وأن‭ ‬ورش‭ ‬الكتابة‭ ‬هي‭ ‬فقط‭ ‬ظاهرة‭ ‬تجارية‭ ‬لا‭ ‬تعنى‭ ‬بالقيمة‭ ‬الأدبية‭ ‬للمنتج‭ ‬الثقافي،‭ ‬كما‭ ‬وتفرز‭ ‬أنماطا‭ ‬“معلبة”‭ ‬من‭ ‬الأدباء‭ ‬يكونون‭ ‬فقط‭ ‬نسخة‭ ‬مكررة‭ ‬من‭ ‬مدربهم،‭ ‬أي‭ ‬أنها‭ ‬لا‭ ‬تصنع‭ ‬لنا‭ ‬موهبة‭. ‬

ومع‭ ‬ذلك،‭ ‬فقد‭ ‬فرضت‭ ‬هذه‭ ‬الورش‭ ‬نفسها‭ ‬على‭ ‬الساحة‭ ‬الإبداعية‭ ‬بفضل‭ ‬المقبلين‭ ‬عليها،‭ ‬وبفضل‭ ‬فريق‭ ‬آخر‭ ‬من‭ ‬المؤمنين‭ ‬بأن‭ ‬الإبداع‭ ‬“يمكن‭ ‬تعلمه”‭.‬

ربما‭ ‬نتفق‭ ‬بأن‭ ‬تلك‭ ‬المحترفات‭ ‬هي‭ ‬بالفعل‭ ‬غير‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬صناعة‭ ‬الموهبة،‭ ‬ولكن‭ ‬ما‭ ‬الموهبة‭ ‬أصلا؟‭ ‬هي‭ ‬شيء‭ ‬غامض،‭ ‬ولا‭ ‬أحد‭ ‬يستطيع‭ ‬الحكم‭ ‬على‭ ‬موهبة‭ ‬أحد‭ ‬إلا‭ ‬على‭ ‬مدار‭ ‬عدة‭ ‬محاولات‭ ‬وبعض‭ ‬زمن،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬الموهوبين‭ ‬“فطريا”‭ ‬الذين‭ ‬لا‭ ‬يتدربون‭ ‬بالشكل‭ ‬الكافي‭ ‬يبقون‭ ‬في‭ ‬أماكنهم،‭ ‬لا‭ ‬يتطورون،‭ ‬ومع‭ ‬مرور‭ ‬الأيام‭ ‬تبدأ‭ ‬حتى‭ ‬تلك‭ ‬الموهبة‭ ‬الفطرية‭ ‬بالتراجع‭ ‬في‭ ‬داخلهم‭.‬

إن‭ ‬كل‭ ‬أنواع‭ ‬الإبداع‭ ‬هي‭ ‬في‭ ‬أساسها‭ ‬موهبة‭ ‬فطرية،‭ ‬ولكنها‭ ‬لا‭ ‬تستغني‭ ‬عن‭ ‬التدريب‭ ‬لتنمو‭: ‬الرسم،‭ ‬التمثيل،‭ ‬عزف‭ ‬الموسيقى،‭ ‬الالقاء‭.... ‬فقط‭ ‬حين‭ ‬يتعلق‭ ‬الأمر‭ ‬بالكتابة‭ ‬نلاحظ‭ ‬النفور‭ ‬من‭ ‬الفكرة،‭ ‬ونردد‭ ‬بأن‭ ‬الإنسان‭ ‬إما‭ ‬يولد‭ ‬كاتبا‭ ‬وإما‭ ‬لن‭ ‬ينجح‭ ‬في‭ ‬الكتابة‭.  ‬

صحيح،‭ ‬ربما،‭ ‬أن‭ ‬الكتابة‭ ‬بالذات،‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬جميع‭ ‬تلك‭ ‬المواهب‭ ‬الأخرى،‭ ‬يمكنها‭ ‬أن‭ ‬تستمر‭ ‬معنا‭ ‬لوقت‭ ‬طويل‭ ‬بالاعتماد‭ ‬فقط‭ ‬على‭ ‬الموهبة‭ ‬الفطرية،‭ ‬ولكن‭ ‬ماذا‭ ‬بعد‭ ‬ذلك؟‭ ‬إن‭ ‬تقنيات‭ ‬الكتابة‭ ‬عديدة،‭ ‬ولا‭ ‬يمكن‭ ‬لنا‭ ‬جميعا‭ ‬أن‭ ‬نكتشفها‭ ‬بالفطرة‭.‬

كما‭ ‬أن‭ ‬هنالك‭ ‬موهوبين‭ ‬قد‭ ‬لا‭ ‬يعرفون‭ ‬بعد‭ ‬كيف‭ ‬يتعاملون‭ ‬مع‭ ‬موهبتهم،‭ ‬وكيف‭ ‬ينمونها،‭ ‬وهنالك‭ ‬موهوبون‭ ‬خجولون،‭ ‬يحتاجون‭ ‬للتشجيع‭ ‬كي‭ ‬يُظهروا‭ ‬للناس‭ ‬ما‭ ‬كتبوه،‭ ‬وهنالك‭ ‬موهوبون‭ ‬لا‭ ‬يستطيعون‭ ‬تقييم‭ ‬ما‭ ‬يكتبونه‭ ‬ويحتاجون‭ ‬لتأكيد‭ ‬غيرهم‭ ‬عليه،‭ ‬ليطمئنوا‭ ‬إلى‭ ‬امتلاكهم‭ ‬الموهبة‭ ‬بالفعل‭. ‬

هنالك‭ ‬من‭ ‬يؤمن‭ ‬بالإلهام‭ ‬وينتظره،‭ ‬وهنالك‭ ‬من‭ ‬يعتمد‭ ‬على‭ ‬مزاجيته،‭ ‬وهنالك‭ ‬من‭ ‬لا‭ ‬يستطيع‭ ‬مقاومة‭ ‬التشتت‭ ‬ويحتاج‭ ‬لمن‭ ‬يجبره‭ ‬على‭ ‬التركيز،‭ ‬أو‭ ‬لمن‭ ‬يشعره‭ ‬بأن‭ ‬الكتابة‭ (‬واجب‭) ‬عليه‭ ‬القيام‭ ‬به،‭ ‬لمثل‭ ‬هؤلاء‭ ‬إذن،‭ ‬قد‭ ‬تكون‭ ‬الورش‭ ‬التدريبية‭ ‬فرصة‭ ‬ثمينة‭ ‬تزيدهم‭ ‬إيمانا‭ ‬بأنفسهم،‭ ‬وتعلمهم‭ ‬أهمية‭ ‬العمل‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬ممنهج‭ ‬ومنظم،‭ ‬وأهمية‭ ‬تخصيص‭ ‬وقت‭ ‬للكتابة‭. ‬

وحتى‭ ‬الكاتب‭ ‬ذو‭ ‬الخبرة‭ ‬،‭ ‬قد‭ ‬يحتاج‭ ‬بعد‭ ‬بعض‭ ‬الوقت‭ ‬لأن‭ ‬يجدد‭ ‬جلده،‭ ‬أو‭ ‬يشحذ‭ ‬أدواته،‭ ‬أو‭ ‬يغير‭ ‬أسلوبه،‭ ‬فيسعى‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الورشة‭ ‬لاستكشاف‭ ‬مزيد‭ ‬من‭ ‬الأدوات‭ ‬يختبرها‭ ‬في‭ ‬تجاربه‭ ‬القادمة‭. ‬

كل‭ ‬راغب‭ ‬بالبقاء‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬الكتابة،‭ ‬يحتاج‭ ‬تقييم‭ ‬نفسه‭ ‬باستمرار،‭ ‬وبعد‭ ‬ذلك‭ ‬يستطيع‭ ‬أن‭ ‬يقر‭ ‬بما‭ ‬يمكن‭ ‬للورشات‭ ‬أن‭ ‬تمثله‭ ‬من‭ ‬أهمية‭ ‬بالنسبة‭ ‬له‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المرحلة،‭ ‬أو‭ ‬تلك،‭ ‬من‭ ‬مراحل‭ ‬حياته‭ ‬الإبداعية‭. ‬

وتبقى‭ ‬الهواجس‭ ‬الأخرى‭ ‬من‭ ‬قبيل‭ ‬استنساخ‭ ‬نمط‭ ‬المدرب‭ ‬أمورا‭ ‬يمكن‭ ‬للمتدرب‭ ‬أن‭ ‬يتجاوزها‭ ‬لاحقا،‭ ‬حين‭ ‬يسعى‭ ‬لإيجاد‭ ‬صوته‭ ‬الأدبي‭ ‬الخاص،‭ ‬والتأكيد‭ ‬عليه‭.‬

بقلم‭: ‬فتحية‭ ‬ناصر