“الفيزا المرنة” و”الفري فيزا” تلاحقان الأرزاق بسوق المنامة

الحمالون البحرينيون... لقمة شريفة ممزوجة بـ “غصة”

| علي الفردان من المنامة

“المنامة‭ ‬المركزي”‭ ‬ليس‭ ‬كما‭ ‬كان‭ ‬والمسؤولون‭ ‬في‭ ‬“صمت” ‭ ‬بحريني‭ ‬فصلته‭ ‬شركة‭ ‬مقاولات‭ ‬ولم‭ ‬يجد‭ ‬سوى‭ ‬مهنة‭ ‬“حمال” عاشور‭: ‬أرزاقنا‭ ‬مهددة‭ ‬بفعل‭ ‬اكتساح‭ ‬الآسيويين‭ ‬للسوق‭ ‬المركزي‭ ‬ الهملي‭: ‬“البلدية”‭ ‬تلقي‭ ‬بالمسؤولية‭ ‬على‭ ‬هيئة‭ ‬سوق‭ ‬العمل‭ ‬

 

منذ‭ ‬نحو‭ ‬30‭ ‬عامًا‭ ‬اعتاد‭ ‬الحاج‭ ‬إبراهيم‭ ‬أحمد‭ ‬عاشور،‭ ‬وهو‭ ‬من‭ ‬أهل‭ ‬مدينة‭ ‬سترة،‭ ‬القدوم‭ ‬إلى‭ ‬سوق‭ ‬المنامة‭ ‬المركزي؛‭ ‬لينضم‭ ‬إلى‭ ‬عشرات‭ ‬ممن‭ ‬يعملون‭ ‬في‭ ‬السوق‭ ‬يوميا‭ ‬في‭ ‬جر‭ ‬العربات‭ ‬وعرض‭ ‬خدمات‭ ‬تحميل‭ ‬البضائع‭ ‬والمشتريات‭ ‬للمتسوقين‭ ‬في‭ ‬أهم‭ ‬سوق‭ ‬للفواكه‭ ‬والخضروات‭ ‬والأغذية‭ ‬في‭ ‬البحرين‭.‬

ورغم‭ ‬أن‭ ‬مهنة‭ ‬“العتال”‭ ‬أو‭ ‬النقل‭ ‬بأجرة‭ ‬والمعروفة‭ ‬محليًا‭ ‬بـ‭ ‬“الحمالي”،‭ ‬يعمل‭ ‬فيها‭ ‬البحرينيون‭ ‬منذ‭ ‬سنوات‭ ‬طويلة؛‭ ‬هربا‭ ‬من‭ ‬البطالة‭ ‬والفقر‭ ‬ولتحسين‭ ‬دخلهم،‭ ‬وحتى‭ ‬الشباب‭ ‬يباشرونها‭ ‬في‭ ‬فترة‭ ‬الإجازات،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬المشهد‭ ‬تغير‭ ‬كثيرًا‭ ‬في‭ ‬العقد‭ ‬الأخير‭ ‬خصوصا‭ ‬في‭ ‬السنوات‭ ‬القليلة‭ ‬الماضية،‭ ‬كما‭ ‬يقول‭ ‬الحاج‭ ‬عاشور،‭ ‬الذي‭ ‬بث‭ ‬شكواه‭ ‬عبر‭ ‬“البلاد”،‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬في‭ ‬جولة‭ ‬في‭ ‬أروقة‭ ‬سوق‭ ‬المنامة‭ ‬المركزي‭.‬

ويقول‭ ‬عاشور‭ ‬وهو‭ ‬يشير‭ ‬بيده‭ ‬إلى‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬الآسيويين‭ ‬“انظر‭ ‬لهؤلاء،‭ ‬إنهم‭ ‬ينتشرون‭ ‬في‭ ‬السوق‭ ‬ولا‭ ‬نستطيع‭ ‬الحديث‭ ‬إليهم،‭ ‬إذا‭ ‬ما‭ ‬تحدثت‭ ‬لأحدهم‭ ‬يخرج‭ ‬لك‭ ‬البطاقة‭ (‬في‭ ‬إشارة‭ ‬إلى‭ ‬ترخيص‭ ‬العمل‭ ‬“المرن”‭ ‬التي‭ ‬تصدره‭ ‬هيئة‭ ‬تنظيم‭ ‬سوق‭ ‬العمل‭)‬،‭ ‬لقد‭ ‬أصبح‭ ‬وجودهم‭ ‬أكبر‭ ‬في‭ ‬سوق‭ ‬المنامة‭ ‬المركزي‭ ‬وبسببهم‭ ‬الأمور‭ ‬أصبحت‭ ‬أصعب‭ ‬بالنسبة‭ ‬لنا”‭.‬

ويشير‭ ‬عاشور‭ ‬إلى‭ ‬أنه‭ ‬كان‭ ‬هناك‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬العمل‭ ‬في‭ ‬السابق‭ ‬لكن‭ ‬الآن‭ ‬ينتظر‭ ‬الحمالة‭ ‬البحرينيون‭ ‬لوقت‭ ‬طويل‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يحالفهم‭ ‬الحظ‭ ‬في‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬زبون‭ ‬لنقل‭ ‬مشترياته‭ ‬إلى‭ ‬السيارة‭ ‬مقابل‭ ‬حفنة‭ ‬قليلة‭ ‬من‭ ‬المال‭ ‬تساعده‭ ‬على‭ ‬تحمل‭ ‬تكاليف‭ ‬المعيشة‭ ‬المتزايدة‭.‬

وقال‭ ‬“لست‭ ‬الوحيد،‭ ‬البحرينيون‭ ‬في‭ ‬السوق‭ ‬جميعهم‭ ‬يعانون،‭ ‬تحدثنا‭ ‬مع‭ ‬الجهات‭ ‬المعنية‭ ‬مرات‭ ‬عدة‭ ‬عن‭ ‬مزاحمة‭ ‬الأجانب‭ ‬لنا‭ ‬البحرينيين‭ ‬ولكن‭ ‬لا‭ ‬فائدة‭ ‬ترجى”‭.‬

ورد‭ ‬عاشور،‭ ‬وهو‭ ‬متقاعد‭ ‬ويسعى‭ ‬لتحسين‭ ‬دخله‭ ‬وإعالة‭ ‬أسرته‭ ‬الكبيرة،‭ ‬عن‭ ‬الاستفسار‭ ‬عمّا‭ ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬البحرينيون‭ ‬يطلبون‭ ‬أجورا‭ ‬أعلى‭ ‬”لا‭ ‬بالعكس،‭ ‬أجور‭ ‬التوصيل‭ ‬متشابهة”‭.‬

أما‭ ‬أحمد‭ ‬الهملي‭ ‬فيشير‭ ‬إلى‭ ‬أنه‭ ‬عاطل‭ ‬عن‭ ‬العمل‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬فصلته‭ ‬شركة‭ ‬مقاولات،‭ ‬ولم‭ ‬يجد‭ ‬مهربًا‭ ‬لكسب‭ ‬اللقمة‭ ‬الحلال‭ ‬سوى‭ ‬العمل‭ ‬في‭ ‬مهنة‭ ‬“الحمالي”‭ ‬في‭ ‬سوق‭ ‬المنامة‭ ‬المركزي،‭ ‬إذ‭ ‬يوضح‭ ‬أن‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬أبناء‭ ‬منطقته‭ ‬عاطلون‭ ‬منذ‭ ‬فترة‭ ‬طويلة‭ ‬وبعضهم‭ ‬يخجل‭ ‬من‭ ‬العمل‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المهنة،‭ ‬لكنه‭ ‬شخصيا‭ ‬لا‭ ‬يشعر‭ ‬بالحرج‭ ‬في‭ ‬العمل‭ ‬على‭ ‬كسب‭ ‬لقمة‭ ‬شريفة‭ ‬ريثما‭ ‬يكتب‭ ‬الله‭ ‬له‭ ‬مخرجا،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬أصابه‭ ‬الإحباط‭ ‬من‭ ‬متابعة‭ ‬وزارة‭ ‬العمل‭ ‬للحصول‭ ‬على‭ ‬وظيفة‭.‬

ويقول‭ ‬الهملي‭ ‬“العمل‭ ‬موجود،‭ ‬ولكن‭ ‬الآسيويين‭ ‬مسيطرون،‭ ‬ويعملون‭ ‬هنا‭ ‬في‭ ‬سوق‭ ‬المنامة‭ ‬المركزي‭ ‬دون‭ ‬أي‭ ‬رقابة”‭.‬

ويضيف‭ ‬أن‭ ‬الجهات‭ ‬المعنية‭ ‬قامت‭ ‬في‭ ‬وقت‭ ‬سابق‭ ‬بتحركات‭ ‬لتصحيح‭ ‬“الانتشار‭ ‬الآسيوي”،‭ ‬ولكن‭ ‬كانت‭ ‬تلك‭ ‬الحلول‭ ‬آنية‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬تعود‭ ‬المشكلة‭ ‬للظهور‭ ‬مرة‭ ‬أخرى‭. ‬

وتابع‭ ‬“للأسف‭ ‬بعض‭ ‬الزبائن‭ ‬البحرينيين‭ ‬يفضلون‭ ‬الآسيوي‭ ‬ظنًا‭ ‬منهم‭ ‬أن‭ ‬أجرته‭ ‬أقل،‭ ‬ولكن‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬متابعتنا‭ ‬تبين‭ ‬لنا‭ ‬أن‭ ‬ذلك‭ ‬غير‭ ‬صحيح،‭ ‬والأجرة‭ ‬التي‭ ‬يطلبونها‭ ‬هي‭ ‬نفس‭ ‬التي‭ ‬نأخذها‭ ‬بين‭ ‬500‭ ‬فلسا‭ ‬ودينار‭ ‬أو‭ ‬أكثر‭ ‬قليلا‭ ‬بنحو‭ ‬300‭ ‬فلس“‭.‬

وقال‭ ‬الهملي‭ ‬“الكثير‭ ‬من‭ ‬البحرينيين‭ ‬في‭ ‬منطقتي‭ ‬يرغبون‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المهنة‭ ‬هربا‭ ‬من‭ ‬البطالة‭ ‬والحاجة‭ ‬ولكن‭ ‬يستحيون”‭.‬

وأشار‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬مهنة‭ ‬“الحمالي”‭ ‬هذه‭ ‬أصبحت‭ ‬غالبية‭ ‬الآسيويين‭ ‬تعمل‭ ‬فيها،‭ ‬حتى‭ ‬أن‭ ‬العمال‭ ‬الذين‭ ‬يعملون‭ ‬في‭ ‬المطاعم‭ ‬أو‭ ‬شركات‭ ‬مقاولات‭ ‬في‭ ‬الخارج‭ ‬يأتون‭ ‬للسوق‭ ‬المركزي‭ ‬للعمل‭ ‬“حمالين”‭ ‬رغم‭ ‬أن‭ ‬لديهم‭ ‬مهنا‭ ‬أخرى،‭ ‬وتزاد‭ ‬هذه‭ ‬الظاهرة‭ ‬في‭ ‬شهر‭ ‬رمضان‭ ‬المبارك‭ ‬مع‭ ‬إغلاق‭ ‬المطاعم‭ ‬والمقاهي‭ ‬في‭ ‬الفترة‭ ‬الصباحية‭.‬

على‭ ‬مَن‭ ‬تقع‭ ‬المسؤولية؟

وأضاف‭ ‬الهملي‭ ‬“البلدية‭ ‬لا‭ ‬تقوم‭ ‬بتنظيم‭ ‬عملية‭ ‬الحمالة،‭ ‬ورغم‭ ‬أنها‭ ‬قالت‭ ‬إنها‭ ‬ستصدر‭ ‬بطاقة‭ ‬أو‭ ‬تراخيص‭ ‬لحصرها‭ ‬على‭ ‬البحرينيين‭ ‬لكن‭ ‬لا‭ ‬شيء‭ ‬تم‭ ‬والأمور‭ ‬تسوء‭ ‬بشكل‭ ‬يومي”‭ ‬موضحا‭ ‬“البلدية‭ ‬ترمي‭ ‬المسؤولية‭ ‬على‭ ‬هيئة‭ ‬تنظيم‭ ‬سوق‭ ‬العمل”‭.‬

أما‭ ‬سيد‭ ‬جلال‭ ‬مهدي،‭ ‬الذي‭ ‬يعمل‭ ‬في‭ ‬مهنة‭ ‬“حمالي”‭ ‬مذ‭ ‬كان‭ ‬عمره‭ ‬16‭ ‬سنة‭ ‬أي‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬1989،‭ ‬فيؤكد‭ ‬“في‭ ‬السابق‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬هناك‭ ‬آسيويون‭ ‬بهذا‭ ‬العدد”‭.‬

ويشير‭ ‬سيد‭ ‬جلال‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬عدد‭ ‬الآسيويين‭ ‬ارتفع‭ ‬خصوصا‭ ‬بعد‭ ‬إصدار‭ ‬“الفيزا‭ ‬المرنة”،‭ ‬مشيرًا‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬البلدية‭ ‬لا‭ ‬تقوم‭ ‬بأي‭ ‬تحرك‭ ‬حيال‭ ‬تنظيم‭ ‬السوق‭.‬

أما‭ ‬حسين‭ ‬الموالي‭ ‬الذي‭ ‬أبدى‭ ‬تعاطفه‭ ‬مع‭ ‬العمال‭ ‬الآسيويين‭ ‬بصفتهم‭ ‬ضحية‭ ‬لتجارة‭ ‬الإقامة،‭ ‬إذ‭ ‬يتم‭ ‬جلب‭ ‬العمال‭ ‬الآسيويين‭ ‬وتركهم‭ ‬في‭ ‬السوق‭ ‬ليتدبروا‭ ‬أمورهم،‭ ‬فقال‭ ‬“يأتون‭ ‬بالأجانب‭ ‬وهم‭ ‬فقراء‭ ‬ويدفعون‭ ‬سعر‭ ‬إقامة‭ ‬بنحو‭ ‬1500‭ ‬دينار،‭ ‬هل‭ ‬تريدون‭ ‬منهم‭ ‬أن‭ ‬يسرقوا؟‭ ‬من‭ ‬الطبيعي‭ ‬أن‭ ‬يعملوا‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬عمل‭ ‬لكي‭ ‬يستطيعوا‭ ‬الحياة،‭ ‬ونحن‭ ‬أيضا‭ ‬نذهب‭ ‬لكي‭ ‬نكسب‭ ‬لقمة‭ ‬عيش‭ ‬شريفة،‭ ‬هل‭ ‬نقوم‭ ‬بالسرقة؟”‭.‬

ويتطرق‭ ‬الموالي‭ ‬إلى‭ ‬جلب‭ ‬الأجانب‭ ‬في‭ ‬السوق‭ ‬المحلية‭ ‬دون‭ ‬وجود‭ ‬أعمال‭ ‬لهم‭ ‬ليزاحموا‭ ‬البحرينيين‭ ‬في‭ ‬مهن‭ ‬بسيطة،‭ ‬منتقدًا‭ ‬تجار‭ ‬“الإقامة”‭ ‬التي‭ ‬فاقمت‭ ‬من‭ ‬وجود‭ ‬الأجانب‭ ‬“يبيعون‭ ‬رخصة‭ ‬العمل‭ ‬بـ‭ ‬1500‭ ‬دينار‭ ‬ويجلبون‭ ‬الأجانب‭ ‬إلى‭ ‬البلد‭ ‬دون‭ ‬عمل،‭ ‬ليباشروا‭ ‬الأعمال‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬مكان‭ ‬ويزاحموننا‭ ‬هنا،‭ ‬بينما‭ ‬هؤلاء‭ (‬تجار‭ ‬الإقامة‭) ‬يسافرون‭ ‬ويستمتعون‭ ‬بحياتهم”‭.‬