مقاربة فريدة للحفاظ على التراث والاستثمار في المدينة

المحرق.. عراقة وطيبة وتراث غني

| إعداد: أسامة الماجد

لم‭ ‬تكن‭ ‬جولتي‭ ‬في‭ ‬مشروع‭ ‬إحياء‭ ‬منطقة‭ ‬المحرق‭ ‬في‭ ‬البحرين‭ - ‬الذي‭ ‬تم‭ ‬اختياره‭ ‬مؤخرا‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬المشاريع‭ ‬الستة‭ ‬الفائزة‭ ‬بجائزة‭ ‬الآغا‭ ‬خان‭ ‬للعمارة‭ ‬في‭ ‬دورتها‭ ‬الأخيرة‭ ‬2019‭ - ‬كما‭ ‬توقعت،‭ ‬بل‭ ‬للأمانة‭ ‬تجاوز‭ ‬هذا‭ ‬المشروع‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬كبير‭ ‬أقصى‭ ‬توقعاتي‭. ‬كيف‭ ‬لا،‭ ‬وقد‭ ‬وضع‭ ‬فريق‭ ‬رائع‭ ‬متنوع‭ ‬من‭ ‬المهندسين‭ ‬المعماريين‭ ‬والمخططين‭ ‬الحضريين‭ ‬والخبراء‭ ‬المختصين‭ ‬في‭ ‬مجالات‭ ‬مختلفة‭ (‬من‭ ‬ترميم‭ ‬المواقع‭ ‬الأثرية‭ ‬والتراث‭ ‬إلى‭ ‬الزراعة‭) ‬بصماته‭ ‬الرائعة‭ ‬ورؤيته‭ ‬المتميزة‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬زاوية‭ ‬من‭ ‬زوايا‭ ‬هذا‭ ‬المشروع‭ ‬المتكامل‭.‬

إلى‭ ‬جانب‭ ‬الاتقان‭ ‬في‭ ‬العمل‭ ‬والدور‭ ‬المهم‭ ‬والرائع‭ ‬الذي‭ ‬يقوم‭ ‬به‭ ‬هذا‭ ‬المشروع‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬ترميم‭ ‬المواقع‭ ‬التراثية‭ ‬المعرضة‭ ‬للخطر،‭ ‬والحفاظ‭ ‬على‭ ‬الهوية‭ ‬الثقافية‭ ‬للمكان،‭ ‬والاستفادة‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬التفاصيل‭ ‬الدقيقة‭ ‬الموجودة‭ ‬في‭ ‬الموقع،‭ ‬والتعريف‭ ‬بتاريخ‭ ‬وعراقة‭ ‬هذه‭ ‬المدينة‭ ‬الطيبة‭ ‬وتراثها‭ ‬الغني،‭ ‬كانت‭ ‬هنالك‭ ‬عدة‭ ‬نقاط‭ ‬أخرى‭ ‬لا‭ ‬تقل‭ ‬أهمية‭ ‬وحضورا‭ ‬لفتت‭ ‬انتباهي‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المشروع‭. ‬

أولى‭ ‬هذه‭ ‬النقاط‭ ‬الشعور‭ ‬بالانتماء‭ ‬والفخر‭ ‬الذي‭ ‬بدا‭ ‬واضحا‭ ‬على‭ ‬وجوه‭ ‬كل‭ ‬أعضاء‭ ‬الفريق‭ ‬الذي‭ ‬عمل‭ ‬وما‭ ‬زال‭ ‬يعمل‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المشروع،‭ ‬النقطة‭ ‬الثانية‭ ‬كانت‭ ‬هذا‭ ‬التناغم‭ ‬الرئع‭ ‬بين‭ ‬الفريق‭ ‬الإداري‭ ‬والتنفيذي‭ ‬للمشروع،‭ ‬والقيادة‭ ‬الرشيدة‭ ‬التي‭ ‬بدت‭ ‬لمساتها‭ ‬واضحة‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬تفصيل‭ ‬من‭ ‬تفصيلات‭ ‬العمل،‭ ‬وبشكل‭ ‬خاص‭ ‬الجهد‭ ‬الكبير‭ ‬للشيخة‭ ‬مي‭ ‬بنت‭ ‬محمد‭ ‬آل‭ ‬خليفة،‭ ‬رئيسة‭ ‬هيئة‭ ‬البحرين‭ ‬للثقافة‭ ‬والآثار‭ ‬في‭ ‬قيادة‭ ‬هذا‭ ‬المشروع‭.‬

أما‭ ‬النقطة‭ ‬الثالثة‭ ‬والأكثر‭ ‬أهمية،‭ ‬والتي‭ ‬كانت‭ ‬محط‭ ‬إعجابي‭ ‬وتقديري،‭ ‬فكانت‭ ‬تتعلق‭ ‬بالتفاعل‭ ‬الرائع‭ ‬بين‭ ‬المجتمع‭ ‬المحيط‭ ‬بالمشروع‭ ‬ومشاركة‭ ‬القطاعين‭ ‬العام‭ ‬والخاص‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬المجتمع‭ ‬الأهلي‭ ‬والمنظمات‭ ‬الدولية‭ ‬في‭ ‬تمويل‭ ‬وتنفيذ‭ ‬والإشراف‭ ‬على‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬مرافق‭ ‬هذا‭ ‬المشروع‭. ‬كان‭ ‬من‭ ‬الملفت‭ ‬بالنسبة‭ ‬لي‭ ‬أن‭ ‬تقوم‭ ‬منظمات‭ ‬عربية‭ ‬ودولية‭ ‬مختلفة‭ ‬بالمشاركة‭ ‬في‭ ‬تمويل‭ ‬عدة‭ ‬مواقع‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬المشروع‭ ‬المتكامل،‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬يمكن‭ ‬اعتباره‭ ‬نموذجا‭ ‬رائعا‭ ‬يحتذى‭ ‬به‭ ‬لتنفيذ‭ ‬مشاريع‭ ‬مماثلة‭ ‬في‭ ‬مناطق‭ ‬أخرى‭ ‬مماثلة‭ ‬من‭ ‬العالم‭ ‬العربي‭.‬

زيارتي‭ ‬مشروع‭ ‬إحياء‭ ‬منطقة‭ ‬المحرق‭ ‬كانت‭ ‬جزءا‭ ‬من‭ ‬مشاركتي‭ ‬في‭ ‬الاحتفالية‭ ‬الرائعة‭ ‬التي‭ ‬استضافها‭ ‬مركز‭ ‬زوار‭ ‬مسار‭ ‬اللؤلؤ‭ ‬في‭ ‬المحرق‭ (‬البحرين‭) ‬للاحتفاء‭ ‬بمشروع‭ ‬“إعادة‭ ‬إحياء‭ ‬منطقة‭ ‬المحرق”،‭ ‬الفائز‭ ‬بجائزة‭ ‬الآغا‭ ‬خان‭ ‬للعمارة،‭ ‬وتكريم‭ ‬فريق‭ ‬العمل‭ ‬الذي‭ ‬شارك‭ ‬في‭ ‬تخطيط‭ ‬وتنفيذ‭ ‬هذا‭ ‬المشروع‭ ‬الفريد‭. ‬هذه‭ ‬الاختفالية‭ ‬التي‭ ‬نظمتها‭ ‬هيئة‭ ‬البحرين‭ ‬للثقافة‭ ‬والآثار‭ ‬بالتعاون‭ ‬مع‭ ‬جائزة‭ ‬الآغا‭ ‬خان‭ ‬للعمارة،‭ ‬وهي‭ ‬الثانية‭ ‬ضمن‭ ‬سلسلة‭ ‬من‭ ‬النشاطات‭ ‬التي‭ ‬تعنى‭ ‬بتسليط‭ ‬الضوء‭ ‬على‭ ‬المشاريع‭ ‬الفائزة‭ ‬بجائزة‭ ‬الآغا‭ ‬خان‭ ‬للعمارة،‭ ‬والتي‭ ‬ستقوم‭ ‬إدارة‭ ‬الجائزة‭ ‬بتنفيذها‭ ‬خلال‭ ‬العام‭ ‬الجاري‭ ‬بالتعاون‭ ‬مع‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬الشركاء‭ ‬المحليين‭. ‬

على‭ ‬هامش‭ ‬هذه‭ ‬المناسبة‭ ‬أيضا‭ ‬تم‭ ‬تنظيم‭ ‬ندوة‭ ‬خاصة‭ ‬حول‭ ‬جائزة‭ ‬الآغا‭ ‬خان‭ ‬للعمارة‭ ‬والمعايير‭ ‬التي‭ ‬تم‭ ‬الاعتماد‭ ‬عليها‭ ‬لاختيار‭ ‬المشاريع‭ ‬الفائزة‭ ‬بالجائزة،‭ ‬وبشكل‭ ‬خاص‭ ‬مشروع‭ ‬إعادة‭ ‬إحياء‭ ‬المحرق،‭ ‬حيث‭ ‬ناقش‭ ‬المحاضرون‭ ‬الجوانب‭ ‬الأكثر‭ ‬أهمية‭ ‬التي‭ ‬يتميز‭ ‬بها‭ ‬هذا‭ ‬المشروع،‭ ‬والتي‭ ‬كانت‭ ‬سببا‭ ‬في‭ ‬اختياره‭ ‬للفوز‭ ‬بالجائزة،‭ ‬كما‭ ‬ناقشوا‭ ‬السبل‭ ‬التي‭ ‬من‭ ‬شأنها‭ ‬أن‭ ‬تحفز‭ ‬المشاريع‭ ‬التنموية‭ ‬والاستثمارية‭ ‬في‭ ‬مثل‭ ‬هذا‭ ‬النوع‭ ‬من‭ ‬المشاريع‭ ‬الحضرية‭. ‬وشارك‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الندوة‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬فرخ‭ ‬درخشاني،‭ ‬مدير‭ ‬جائزة‭ ‬الآغا‭ ‬خان‭ ‬للعمارة،‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬محمد‭ ‬الأسد‭ ‬عضو‭ ‬اللجنة‭ ‬التوجيهية‭ ‬للجائزة،‭ ‬وكريم‭ ‬إبراهيم‭ ‬وميساء‭ ‬بطاينة‭ ‬من‭ ‬لجنة‭ ‬التحكيم‭ ‬العليا‭ ‬إضافة‭ ‬لشادية‭ ‬طوقان‭ ‬من‭ ‬اليونسكو‭.‬

مقاربة‭ ‬فريدة‭ ‬للحفاظ‭ ‬على‭ ‬التراث

تقع‭ ‬جزيرة‭ ‬المحرق‭ ‬على‭ ‬مقربةٍ‭ ‬من‭ ‬العاصمة‭ ‬المنامة،‭ ‬وقد‭ ‬كانت‭ ‬في‭ ‬وقت‭ ‬مضى‭ ‬العاصمة‭ ‬والمركز‭ ‬السياسي‭ ‬القديم‭ ‬للبحرين‭. ‬ولإعادة‭ ‬إحياء‭ ‬هذا‭ ‬الموقع‭ ‬التاريخي‭ ‬المهم،‭ ‬وتسليط‭ ‬الضوء‭ ‬على‭ ‬أهميته‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬ودوره‭ ‬التاريخي‭ ‬في‭ ‬مهنة‭ ‬قديمة‭ ‬لطالما‭ ‬اشتهرت‭ ‬بها‭ ‬البحرين،‭ ‬تم‭ ‬تنفيذ‭ ‬مشروع‭ ‬طموح‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬هيئة‭ ‬البحرين‭ ‬للحفاظ‭ ‬على‭ ‬الثقافة‭ ‬والآثار‭ ‬على‭ ‬مساحة‭ ‬شاسعة‭ ‬تزيد‭ ‬عن‭ ‬330‭ ‬ألف‭ ‬متر‭ ‬مربع‭. ‬

ورغم‭ ‬أن‭ ‬المشروع‭ ‬تم‭ ‬تدشينه‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬2013،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬العمل‭ ‬في‭ ‬الموقع‭ ‬لم‭ ‬يتوقف‭ ‬منذ‭ ‬ذلك‭ ‬التاريخ،‭ ‬بل‭ ‬استمر‭ ‬بوتيرة‭ ‬متصاعدة‭. ‬وفي‭ ‬الوقت‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬فيه‭ ‬هذا‭ ‬المشروع‭ ‬يهدف‭ ‬إلى‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬البنى‭ ‬القديمة‭ ‬والتاريخية‭ ‬في‭ ‬المنطقة،‭ ‬تم‭ ‬التركيز‭ ‬أيضا‭ ‬على‭ ‬إنشاء‭ ‬مبان‭ ‬جديدة‭ ‬بطريقة‭ ‬عصرية‭ ‬مدروسة‭ ‬تندمج‭ ‬بشكل‭ ‬رائع‭ ‬ومتناغم‭ ‬ضمن‭ ‬الموقع،‭ ‬ضمن‭ ‬مقاربة‭ ‬فريدة‭ ‬للحفاظ‭ ‬على‭ ‬التراث‭ ‬وتخطيط‭ ‬المساحات‭ ‬العامة‭ ‬المعاصرة‭.‬

ضمن‭ ‬هذا‭ ‬الإطار‭ ‬تتحدث‭ ‬نورة‭ ‬السايح،‭ ‬رئيس‭ ‬الشؤون‭ ‬المعمارية‭ ‬في‭ ‬هيئة‭ ‬البحرين‭ ‬للثقافة‭ ‬والآثار،‭ ‬عن‭ ‬هذا‭ ‬المشروع‭ ‬بالقول‭: ‬“المشروع‭ ‬هو‭ ‬عبارة‭ ‬عن‭ ‬مشروع‭ ‬تجديد‭ ‬حضري‭ ‬كبير،‭ ‬وهو‭ ‬جزء‭ ‬من‭ ‬مشروع‭ ‬لترميم‭ ‬المباني‭ ‬التاريخية‭ ‬التي‭ ‬نسعى‭ ‬للحفاظ‭ ‬عليها‭ ‬ونقوم‭ ‬بإعادة‭ ‬تأهيلها‭ ‬أيضًا‭ ‬من‭ ‬جديد‭. ‬في‭ ‬البداية،‭ ‬قمنا‭ ‬بتنفيذ‭ ‬أشياء‭ ‬أساسية،‭ ‬حيث‭ ‬حافظنا‭ ‬على‭ ‬الساحات‭ ‬العامة‭ ‬في‭ ‬المدينة،‭ ‬والشوارع،‭ ‬والمستديرات‭ ‬العامة،‭ ‬وواجهات‭ ‬الأبنية‭ ‬التي‭ ‬تحتاج‭ ‬حقًا‭ ‬للاستثمار،‭ ‬وفي‭ ‬المقابل،‭ ‬قمنا‭ ‬بإعادة‭ ‬تقديم‭ ‬البرامج‭ ‬المعاصرة‭ ‬التي‭ ‬ربما‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬يجري‭ ‬تنفيذها‭ ‬وإعادة‭ ‬استثمارها‭ ‬في‭ ‬المدينة”‭.‬

وتضيف‭ ‬نورة‭ ‬السايح‭: ‬“في‭ ‬الواقع،‭ ‬واجهنا‭ ‬بعض‭ ‬التحديات‭ ‬في‭ ‬البداية؛‭ ‬لأن‭ ‬ما‭ ‬تم‭ ‬القيام‭ ‬به‭ ‬كان‭ ‬جديدا‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬ما‭ ‬بالنسبة‭ ‬للمدينة،‭ ‬وكان‭ ‬المفهوم‭ ‬الشائع‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬المباني‭ ‬القديمة‭ ‬هي‭ ‬مباني‭ ‬حساسة‭ ‬وهشة،‭ ‬وكان‭ ‬يعتقد‭ ‬أن‭ ‬إعادة‭ ‬الاستثمار‭ ‬فيها‭ ‬هي‭ ‬ضياع‭ ‬للأموال‭ ‬والجهد‭. ‬ولكن،‭ ‬من‭ ‬الواضح‭ ‬أنه‭ ‬بمجرد‭ ‬أن‭ ‬بدأنا‭ ‬بإعادة‭ ‬استخدام‭ ‬هذه‭ ‬المباني‭ ‬وعادت‭ ‬الحياة‭ ‬إليها‭ ‬من‭ ‬جديد،‭ ‬بدأت‭ ‬في‭ ‬جذب‭ ‬الناس‭ ‬من‭ ‬مناطق‭ ‬أخرى‭ ‬في‭ ‬البحرين،‭ ‬بل‭ ‬ومن‭ ‬مناطق‭ ‬أخرى‭ ‬في‭ ‬المنطقة،‭ ‬كان‭ ‬تأثير‭ ‬هذا‭ ‬المشروع‭ ‬إيجابيا‭ ‬للغاية”‭.‬

طريق‭ ‬اللؤلؤ

بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬دوره‭ ‬الأساسي‭ ‬في‭ ‬ترميم‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬المباني‭ ‬القديمة‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تعاني‭ ‬ضررا‭ ‬كبيرا‭ ‬وإعادة‭ ‬إحياء‭ ‬هذه‭ ‬المنطقة‭ ‬المهمة‭ ‬عموما،‭ ‬يركز‭ ‬هذا‭ ‬المشروع‭ ‬بشكل‭ ‬أساس‭ ‬على‭ ‬تجارة‭ ‬اللؤلؤ‭ ‬في‭ ‬شبه‭ ‬الجزيرة‭ ‬العربية،‭ ‬وهي‭ ‬التجارة‭ ‬التي‭ ‬ازدهرت‭ ‬بها‭ ‬البحرين‭ ‬خلال‭ ‬القرن‭ ‬التاسع‭ ‬عشر‭. ‬ضمن‭ ‬هذا‭ ‬الإطار‭ ‬يتضمن‭ ‬جزءا‭ ‬مهما‭ ‬من‭ ‬المشروع،‭ ‬يحمل‭ ‬عنوان‭ ‬“طريق‭ ‬اللؤلؤ”،‭ ‬العمل‭ ‬في‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬الأبنية‭ ‬ومراقد‭ ‬المحار‭ ‬وأجزاء‭ ‬من‭ ‬شاطئ‭ ‬البحر،‭ ‬ويغطي‭ ‬كل‭ ‬جانب‭ ‬من‭ ‬جوانب‭ ‬اقتصاد‭ ‬صيد‭ ‬وتجارة‭ ‬اللؤلؤ‭. ‬

كما‭ ‬يقدم‭ ‬“طريق‭ ‬اللؤلؤ”‭ ‬الذي‭ ‬يمتد‭ ‬على‭ ‬مسافة‭ ‬3‭.‬5‭ ‬كيلومتر‭ ‬بدءًا‭ ‬من‭ ‬هيرات‭ (‬مغاصات‭) ‬اللؤلؤ‭ ‬بالقرب‭ ‬من‭ ‬ساحل‭ ‬قلعة‭ ‬بوماهر‭ ‬وصولا‭ ‬إلى‭ ‬قلب‭ ‬جزيرة‭ ‬المحرّق،‭ ‬رحلة‭ ‬رائعة‭ ‬للزوار‭ ‬لاستكشاف‭ ‬حقبة‭ ‬زمنية‭ ‬في‭ ‬البحرين‭ ‬ومنطقة‭ ‬الخليج‭ ‬العربي‭ ‬كان‭ ‬اقتصادها‭ ‬يعتمد‭ ‬على‭ ‬اللؤلؤ،‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬مركز‭ ‬للزوار‭ ‬تم‭ ‬بناؤه‭ ‬حديثا‭ ‬وساحتين‭ ‬عامتين‭. ‬

وقد‭ ‬تم‭ ‬إدراج‭ ‬هذا‭ ‬الموقع‭ ‬المهم‭ ‬ضمن‭ ‬قائمة‭ ‬التراث‭ ‬العالمي‭ ‬لمنظمة‭ ‬اليونسكو‭ ‬كثاني‭ ‬موقع‭ ‬يتم‭ ‬اختياره‭ ‬ضمن‭ ‬القائمة‭ ‬في‭ ‬المملكة‭ (‬بعد‭ ‬قلعة‭ ‬البحرين‭ ‬التي‭ ‬تمّ‭ ‬تسجيلها‭ ‬ضمن‭ ‬قائمة‭ ‬التراث‭ ‬العالمي‭ ‬لمنظمة‭ ‬اليونسكو‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬2005‭). ‬وفي‭ ‬محاولة‭ ‬رشيدة‭ ‬للحفاظ‭ ‬على‭ ‬روح‭ ‬هذه‭ ‬المدينة‭ ‬التاريخية،‭ ‬تم‭ ‬تنفيذ‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬مشاريع‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬البيئة،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬بعض‭ ‬المباني‭ ‬والمخططات‭ ‬الجديدة‭ ‬للأماكن‭ ‬العامة‭ ‬من‭ ‬جانب‭ ‬منظمة‭ ‬غير‭ ‬حكومية‭ ‬بالتعاون‭ ‬مع‭ ‬منظمة‭ ‬حكومية‭. ‬وحول‭ ‬أهمية‭ ‬هذا‭ ‬الموضوع‭ ‬تقول‭ ‬شادية‭ ‬طوقان‭ ‬من‭ ‬منظمة‭ ‬اليونسكو‭: ‬“يوجد‭ ‬الآن‭ ‬نوع‭ ‬من‭ ‬التعاون‭ ‬بين‭ ‬القطاعين‭ ‬الرسمي‭ ‬وغير‭ ‬الرسمي‭ ‬وكذلك‭ ‬القطاع‭ ‬الخاص،‭ ‬وهم‭ ‬جميعا‭ ‬متحدون‭ ‬اليوم‭ ‬للقيام‭ ‬بشيء‭ ‬ما‭ ‬للحفاظ‭ ‬على‭ ‬تراثهم‭ ‬وتقديمه،‭ ‬مما‭ ‬يدل‭ ‬حقًا‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬إدراج‭ ‬المشروع‭ ‬ضمن‭ ‬قائمة‭ ‬التراث‭ ‬العالمي‭ ‬لليونسكو‭ ‬كان‭ ‬له‭ ‬أثر‭ ‬إيجابي‭ ‬للغاية‭ ‬على‭ ‬المجتمع”‭.‬

بالمحصلة،‭ ‬يتجاوزهذا‭ ‬المشروع‭ ‬أهميته‭ ‬المعمارية‭ ‬ودوره‭ ‬التاريخي‭ ‬ليشمل‭ ‬جوانب‭ ‬أخرى‭ ‬لا‭ ‬تقل‭ ‬أهمية‭ ‬وحضورا‭ ‬مثل‭ ‬الجانب‭ ‬الاجتماعي‭ ‬والاقتصادي،‭ ‬فهو‭ ‬لم‭ ‬يكتف‭ ‬بإعادة‭ ‬إحياء‭ ‬منطقة‭ ‬كانت‭ ‬تعاني‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬التحديات،‭ ‬بل‭ ‬عمل‭ ‬أيضا‭ ‬على‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬التراث‭ ‬الجميل‭ ‬وإعادة‭ ‬إحياء‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬الحرف‭ ‬القديمة‭ ‬والتراثية‭ ‬التي‭ ‬تتميز‭ ‬بها‭ ‬مملكة‭ ‬البحرين،‭ ‬وخلق‭ ‬فرص‭ ‬جديدة‭ ‬للعمل‭ ‬والنمو‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭. ‬

وهذا‭ ‬ما‭ ‬تؤكده‭ ‬الشيخة‭ ‬مي‭ ‬بنت‭ ‬محمد‭ ‬آل‭ ‬خليفة،‭ ‬رئيسة‭ ‬هيئة‭ ‬البحرين‭ ‬للثقافة‭ ‬والآثار،‭ ‬بالقول‭: ‬“هنالك‭ ‬أهمية‭ ‬كبيرة‭ ‬لاستثمار‭ ‬هذا‭ ‬النوع‭ ‬من‭ ‬الحرف‭ ‬المحلية‭ ‬وتوظيف‭ ‬الأماكن‭ ‬الأصلية؛‭ ‬لكي‭ ‬تكون‭ ‬أيضا‭ ‬مصدرا‭ ‬للاستدامة‭ ‬ولضرب‭ ‬أبواب‭ ‬جديدة‭ ‬للعمل‭. ‬كذلك‭ ‬الحرف‭ ‬القديمة،‭ ‬والتي‭ ‬يكاد‭ ‬البعض‭ ‬منها‭ ‬أن‭ ‬يندثر،‭ ‬مثل‭ ‬حياكة‭ ‬الكورار،‭ ‬وهي‭ ‬مهنة‭ ‬أصيلة‭ ‬كادت‭ ‬أن‭ ‬تندثر،‭ ‬يمكن‭ ‬تحقيق‭ ‬الاستفادة‭ ‬اليوم‭ ‬عبر‭ ‬تقديم‭ ‬الجيل‭ ‬الجديد‭ ‬لممارسة‭ ‬هذه‭ ‬المهنة‭ ‬وتوظيفها‭ ‬أيضا‭ ‬للحصول‭ ‬على‭ ‬مدخول‭ ‬ومردود‭ ‬مناسب”‭.‬

أما‭ ‬فرخ‭ ‬درخشاني‭ ‬مدير‭ ‬جائزة‭ ‬الآغا‭ ‬خان‭ ‬للعمارة،‭ ‬فيقول‭ ‬عن‭ ‬اختيار‭ ‬مشروع‭ ‬إعادة‭ ‬إحياء‭ ‬منطقة‭ ‬المحرق‭ ‬ضمن‭ ‬المشاريع‭ ‬الفائزة‭ ‬بالجائزة‭: ‬“إن‭ ‬الجهد‭ ‬المبذول‭ ‬لإعادة‭ ‬إحياء‭ ‬منطقة‭ ‬المحرق‭ ‬يتميز‭ ‬برؤية‭ ‬واضحة‭ ‬للحفاظ‭ ‬على‭ ‬روح‭ ‬هذه‭ ‬المدينة‭ ‬التاريخية”‭. ‬ويضيف‭ ‬فرخ‭ ‬درخشاني‭ ‬قائلا‭: ‬“يوضح‭ ‬المشروع‭ ‬مقاربة‭ ‬حساسة‭ ‬للحفاظ‭ ‬على‭ ‬التراث‭ ‬وتخطيط‭ ‬المساحات‭ ‬العامة‭ ‬المعاصرة”‭ ‬

ورغم‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬المشروع‭ ‬قد‭ ‬بدأ‭ ‬كسلسلة‭ ‬من‭ ‬أعمال‭ ‬الترميم‭ ‬وإعادة‭ ‬الاستخدام‭ ‬التكيفي‭ ‬لعدد‭ ‬من‭ ‬المواقع،‭ ‬إلا‭ ‬أنه‭ ‬تطوَّر‭ ‬فيما‭ ‬بعد‭ ‬ليصبح‭ ‬برنامجا‭ ‬شاملا‭ ‬يهدف‭ ‬إلى‭ ‬إعادة‭ ‬التوازن‭ ‬بين‭ ‬التركيبة‭ ‬الديموغرافية‭ ‬للمدينة‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬إنشاء‭ ‬أماكن‭ ‬عامة،‭ ‬وإدخال‭ ‬تحسينات‭ ‬على‭ ‬البيئة‭ ‬بشكل‭ ‬عام‭ ‬وتوفير‭ ‬أماكن‭ ‬مجتمعية‭ ‬وثقافية‭. ‬في‭ ‬نهاية‭ ‬المطاف،‭ ‬كان‭ ‬مشروع‭ ‬“مسار‭ ‬صيد‭ ‬اللؤلؤ”،‭ ‬يسعى‭ ‬إلى‭ ‬حث‭ ‬العائلات‭ ‬المحلية‭ ‬على‭ ‬العودة‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬إدخال‭ ‬التحسينات‭ ‬على‭ ‬البيئة‭ ‬وتوفير‭ ‬الأماكن‭ ‬المجتمعية‭ ‬والثقافية‭.‬

جائزة‭ ‬الآغا‭ ‬خان‭ ‬للعمارة

جائزة‭ ‬الآغا‭ ‬خان‭ ‬للعمارة‭ ‬هي‭ ‬واحدة‭ ‬من‭ ‬أهم‭ ‬وأقدم‭ ‬الجوائز‭ ‬المرموقة‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬العمارة‭ ‬على‭ ‬الصعيد‭ ‬العالمي،‭ ‬تأسست‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬1977‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬صاحب‭ ‬السمو‭ ‬الآغا‭ ‬خان؛‭ ‬بهدف‭ ‬تحديد‭ ‬وتشجيع‭ ‬الأفكار‭ ‬الرائدة‭ ‬في‭ ‬مجالات‭ ‬العمارة‭ ‬والبناء‭ ‬التي‭ ‬تنجح‭ ‬في‭ ‬التصدي‭ ‬لاحتياجات‭ ‬وطموحات‭ ‬المجتمعات‭ ‬التي‭ ‬يكون‭ ‬للمسلمين‭ ‬وجود‭ ‬معتبر‭ ‬فيها‭. ‬وتختلف‭ ‬جائزة‭ ‬الآغا‭ ‬خان‭ ‬للعمارة‭ ‬برسالتها‭ ‬عن‭ ‬غيرها‭ ‬من‭ ‬جوائز‭ ‬العمارة؛‭ ‬كونها‭ ‬تختار‭ ‬مشاريع‭ ‬تتراوح‭ ‬من‭ ‬الارتقاء‭ ‬بالأحياء‭ ‬الفقيرة‭ ‬لتصل‭ ‬إلى‭ ‬المباني‭ ‬الخضراء‭ ‬الشاهقة‭ ‬الارتفاع‭- ‬والتي‭ ‬لا‭ ‬تقدم‭ ‬نموذجا‭ ‬في‭ ‬التميّز‭ ‬المعماري‭ ‬فحسب،‭ ‬بل‭ ‬وتساهم‭ ‬نحو‭ ‬جودة‭ ‬حياة‭ ‬أفضل‭. ‬

كما‭ ‬يختلف‭ ‬تفويض‭ ‬جائزة‭ ‬الآغا‭ ‬خان‭ ‬للعمارة‭ ‬عن‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬جوائز‭ ‬العمارة‭ ‬الأخرى‭: ‬فهي‭ ‬لا‭ ‬تقوم‭ ‬فقط‭ ‬بتكريم‭ ‬مهندسي‭ ‬العمارة،‭ ‬بل‭ ‬يمتد‭ ‬تكريمها‭ ‬ليشمل‭ ‬أطرافا‭ ‬أخرى‭ ‬شاركوا‭ ‬في‭ ‬المشاريع‭ ‬مثل‭ ‬البلديات،‭ ‬عمال‭ ‬البناء،‭ ‬أرباب‭ ‬العمل،‭ ‬العملاء،‭ ‬الحرفيين‭ ‬المهرة،‭ ‬والمهندسين،‭ ‬حيث‭ ‬تعتبر‭ ‬أنهم‭ ‬لعبوا‭ ‬جميعا‭ ‬أدوارا‭ ‬مهمة‭ ‬في‭ ‬إنجاز‭ ‬المشاريع‭. ‬ومنذ‭ ‬انطلاقتها‭ ‬منذ‭ ‬42‭ ‬سنة‭ ‬مضت‭ ‬تلقى‭ ‬116‭ ‬مشروعا‭ ‬الجائزة‭ ‬كما‭ ‬تم‭ ‬توثيق‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬9000‭ ‬مشروع‭ ‬بناء‭.‬

في‭ ‬الدورة‭ ‬الأخيرة‭ ‬من‭ ‬الجائزة،‭ ‬تم‭ ‬اختيار‭ ‬ستة‭ ‬مشاريع‭ ‬للفوز‭ ‬بالجائزة‭ ‬التي‭ ‬تبلغ‭ ‬قيمتها‭ ‬المالية‭ ‬مليون‭ ‬دولار‭ ‬أمريكي‭. ‬وهذه‭ ‬المشاريع،‭ ‬إضافة‭ ‬لمشروع‭ ‬“إعادة‭ ‬إحياء‭ ‬منطقة‭ ‬المحرق”‭ ‬في‭ ‬البحرين،‭ ‬هي‭: ‬مشروع‭ ‬أركاديا‭ ‬التعليمي،‭ ‬في‭ ‬جنوب‭ ‬كنارشور‭ (‬بنغلاديش‭)‬،‭ ‬والمتحف‭ ‬الفلسطيني‭ ‬في‭ ‬بيرزيت‭ (‬فلسطين‭)‬،‭ ‬وبرنامج‭ ‬تنمية‭ ‬الأماكن‭ ‬العامة‭ ‬في‭ ‬جمهورية‭ ‬تتارستان‭ (‬الاتحاد‭ ‬الروسي‭)‬،‭ ‬ومبنى‭ ‬محاضرات‭ ‬جامعة‭ ‬علیون‭ ‬دیوب‭ ‬في‭ ‬بامبي‭ (‬السنغال‭)‬؛‭ ‬وأخيرا‭ ‬مركز‭ ‬واسط‭ ‬للأراضي‭ ‬الرطبة‭ ‬في‭ ‬الشارقة‭ (‬الإمارات‭ ‬العربية‭ ‬المتحدة‭). ‬

 

 

كتب‭: ‬محمد‭ ‬أدهم‭ ‬السيد‭ ‬

“غلوبال‭ ‬نيوز‭ ‬برس”