أدب الطفل ينبغي أن يكون جريئًا وانحدار ذائقة القارئ مرتبطة بانحدار التعليم

الكاتب والمسرحي نشأت المصري: يجب ترحيل معارض الكُتب للقرى

| إبراهيم النهام من القاهرة

أكد‭ ‬الكاتب‭ ‬والمسرحي‭ ‬المصري‭ ‬الكبير‭ ‬نشأت‭ ‬المصري‭ ‬ضرورة‭ ‬نقل‭ ‬معارض‭ ‬الكتب‭ ‬العربية‭ ‬إلى‭ ‬الأرياف‭ ‬والقرى‭ ‬والمدن‭ ‬الصغيرة،‭ ‬موضحا‭ ‬أن‭ ‬المدن‭ ‬الرئيسة‭ ‬والعواصم‭ ‬باتت‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬تشبع‭ ‬ثقافي‭ ‬غير‭ ‬مسبوق‭. ‬وأوضح‭ ‬المصري‭ ‬في‭ ‬حوار‭ ‬أجرته‭ ‬معه‭ ‬“البلاد”‭ ‬بنقابة‭ ‬الصحفيين‭ ‬المصرية‭ ‬بالقاهرة،‭ ‬بأننا‭ ‬في‭ ‬حاجة‭ ‬لإحداث‭ ‬ثورة‭ ‬ثقافية‭ ‬تبدأ‭ ‬بالانفتاح‭ ‬على‭ ‬الثقافات‭ ‬البعيدة‭ ‬والجديدة،‭ ‬وبأن‭ ‬يولى‭ ‬أدب‭ ‬الطفل‭ ‬مزيدا‭ ‬من‭ ‬الاهتمام؛‭ ‬بوصفه‭ ‬الأرضية‭ ‬المثلى‭ ‬لخلق‭ ‬أجيال‭ ‬جديدة‭ ‬تكون‭ ‬على‭ ‬فهم‭ ‬ودراية‭ ‬لما‭ ‬يجري‭ ‬حولها‭.‬

بداية،‭ ‬كم‭ ‬قضيت‭ ‬في‭ ‬حقل‭ ‬الإعلام‭ ‬المتنوع؟

خمسين‭ ‬عاما‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬الإعلام‭ ‬والشعر‭ ‬والمسرح‭ ‬وأدب‭ ‬الطفل‭.‬

‭ ‬كيف‭ ‬كانت‭ ‬البدايات؟‭ ‬

بداياتي‭ ‬كانت‭ ‬مع‭ ‬الشعر‭ ‬بشكل‭ ‬خاص،‭ ‬وانتقلت‭ ‬بعدها‭ ‬إلى‭ ‬أدب‭ ‬الطفل،‭ ‬ثم‭ ‬النقد‭ ‬الأدبي‭ ‬والسيناريو‭ ‬والبرامج‭ ‬الدينية،‭ ‬ومن‭ ‬أكبر‭ ‬الأعمال‭ ‬التي‭ ‬قدمتها‭ ‬للتلفزيون‭ ‬المصري،‭ ‬برنامج‭ (‬تأملات‭ ‬أدبية‭ ‬عن‭ ‬الأحاديث‭ ‬القدسية‭)‬،‭ ‬والذي‭ ‬تم‭ ‬تنفيذه‭ ‬بثلاثين‭ ‬حلقة،‭ ‬وشارك‭ ‬به‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الفنانين‭ ‬والمطربين‭ ‬منهم‭ ‬محمود‭ ‬ياسين،‭ ‬وسميرة‭ ‬عبدالعزيز،‭ ‬وعلي‭ ‬الحجار،‭ ‬ومن‭ ‬الملحنين‭ ‬محمد‭ ‬الموجي‭.‬

كما‭ ‬أن‭ ‬لي‭ ‬6500‭ ‬حلقة‭ ‬بين‭ ‬إذاعة‭ ‬وتلفزيون،‭ ‬وسبعة‭ ‬دواوين‭ ‬شعر‭ ‬للكبار،‭ ‬وعشرون‭ ‬ديوان‭ ‬شعر‭ ‬للأطفال،‭ ‬ومن‭ ‬الجوائز‭ ‬التي‭ ‬حصدتها‭ ‬جائزة‭ ‬الدولة‭ ‬لشعر‭ ‬الطفل‭ ‬سنة‭ ‬1998،‭ ‬وجائزة‭ ‬أفضل‭ ‬رواية‭ ‬للطفل‭ ‬سنة‭ ‬2007‭ ‬وكانت‭ ‬بعنوان‭ ‬“مدينة‭ ‬القطط”،‭ ‬وهنالك‭ ‬محاولات‭ ‬لتحويلها‭ ‬الى‭ ‬عمل‭ ‬تلفزيوني‭.‬

‭ ‬لماذا‭ ‬اصبح‭ ‬الشباب‭ ‬العربي‭ ‬لا‭ ‬يقرأ؟

هنالك‭ ‬فواصل‭ ‬عديدة،‭ ‬تتعلق‭ ‬بالكاتب‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يتحدث‭ ‬بلغة‭ ‬أو‭ ‬موضوع‭ ‬يهم‭ ‬الشباب،‭ ‬وبانصرافه‭ ‬نحو‭ ‬اهتمامات‭ ‬النقاد‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬القارئ‭ ‬نفسه،‭ ‬والكثيرون‭ ‬الآن‭ ‬يستشهدون‭ ‬بالغرب‭ ‬وبثقافاتهم،‭ ‬مبتعدين‭ ‬عن‭ ‬الموروثات‭ ‬الشعبية‭ ‬والوطنية‭ ‬وهذا‭ ‬خطأ‭ ‬فادح،‭ ‬هنالك‭ ‬كتاب‭ ‬آخرون،‭ ‬همهم‭ ‬الأول‭ ‬بكتاباتهم‭ ‬نيل‭ ‬الجوائز،‭ ‬وليس‭ ‬رفع‭ ‬ذائقة‭ ‬القارئ،‭ ‬وهي‭ ‬كارثة‭ ‬أخرى‭.‬

‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬المدارس‭ ‬الأدبية‭ ‬الشعبية‭ ‬الكبرى،‭ ‬كمدارس‭ ‬نجيب‭ ‬محفوظ‭ ‬وتوفيق‭ ‬الحكيم‭ ‬الناطقة‭ ‬بالثقافة‭ ‬الشعبية،‭ ‬أصبحت‭ ‬شبه‭ ‬مفقودة،‭ ‬لماذا؟

هؤلاء‭ ‬الكتاب‭ ‬الكبار‭ ‬سبقوا‭ ‬النقاد‭. ‬أما‭ ‬اليوم،‭ ‬فالوضع‭ ‬مختلف‭ ‬تماما،‭ ‬فالناقد‭ ‬قد‭ ‬يسبق‭ ‬الكاتب،‭ ‬أو‭ ‬يغفله‭ ‬أو‭ ‬لا‭ ‬يهتم‭ ‬بأمره،‭ ‬إلا‭ ‬اذا‭ ‬كانت‭ ‬له‭ ‬منافع‭ ‬شخصية‭ ‬مع‭ ‬هذا‭ ‬الكاتب،‭ ‬وهذه‭ ‬كارثة‭ ‬أخرى‭.‬

كما‭ ‬أن‭ ‬هنالك‭ ‬ظاهرة‭ ‬الناقد‭ ‬الذي‭ ‬يكتب‭ ‬عن‭ ‬كاتب‭ ‬لا‭ ‬يعرفه،‭ ‬وهي‭ ‬حالة‭ ‬تعكس‭ ‬تحول‭ ‬بعض‭ ‬أجزاء‭ ‬الحياة‭ ‬الأدبية‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬العربي‭ ‬الى‭ ‬شلل،‭ ‬ومصالح‭ ‬مشتركة‭.‬

نجح‭ ‬الكاتب‭ ‬أحمد‭ ‬خالد‭ ‬توفيق‭ ‬رحمه‭ ‬الله‭ ‬بإيجاد‭ ‬شعبية‭ ‬جارفة‭ ‬له‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬العربي،‭ ‬متناولا‭ ‬أدب‭ ‬الرعب،‭ ‬بل‭ ‬إن‭ ‬شبكة‭ (‬نيتفلكس‭) ‬على‭ ‬وشك‭ ‬إطلاق‭ ‬مسلسل‭ ‬عالمي‭ ‬له،‭ ‬كيف‭ ‬نجح‭ ‬بذلك؟‭ ‬

توفيق‭ ‬لم‭ ‬يظهر‭ ‬على‭ ‬الساحة‭ ‬النقدية‭ ‬إلا‭ ‬بعد‭ ‬وفاته‭ ‬فعليا،‭ ‬وهو‭ ‬أمر‭ ‬ساعد‭ ‬على‭ ‬انتشار‭ ‬كتاباته‭ ‬كثيرا‭. ‬أما‭ ‬قبلها،‭ ‬فلم‭ ‬يكن‭ ‬معروفا‭ ‬لدى‭ ‬النُقاد‭ ‬بالقدر‭ ‬الكافي،‭ ‬ولكن‭ ‬ما‭ ‬أبرزه‭ ‬فعليا‭ ‬هو‭ ‬الجمهور‭ ‬نفسه‭.‬

نحن‭ ‬بحاجة‭ ‬لحركة‭ ‬جديدة،‭ ‬وضمير‭ ‬جديد،‭ ‬بعيد‭ ‬عن‭ ‬التلوث‭ ‬الفكري‭ ‬السائد‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬العربي،‭ ‬وأن‭ ‬يكون‭ ‬الأديب‭ ‬قدوة‭ ‬للقارئ،‭ ‬ويقدم‭ ‬إشارات‭ ‬إنذار‭ ‬للطبقات‭ ‬الأعلى‭ ‬والتي‭ ‬تبني‭ ‬مستقبلها‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬المهمشين‭ ‬والبسطاء‭.‬

‭ ‬كيف‭ ‬تقرأ‭ ‬المستوى‭ ‬الذي‭ ‬وصل‭ ‬إليه‭ ‬أدب‭ ‬الطفل‭ ‬اليوم؟‭ ‬وهل‭ ‬هنالك‭ ‬شح‭ ‬في‭ ‬كُتاب‭ ‬هذا‭ ‬المجال؟

عدد‭ ‬الكُتاب‭ ‬بهذا‭ ‬المجال‭ ‬كثير‭ ‬جدا؛‭ ‬لأن‭ ‬أدب‭ ‬الطفل‭ ‬وببساطة‭ ‬أصبح‭ (‬كتابة‭ ‬من‭ ‬لا‭ ‬كتابة‭ ‬له‭)‬،‭ ‬فالمتميزون‭ ‬بهذا‭ ‬المضمار‭ ‬قليلون‭ ‬جدا،‭ ‬

بمقابل‭ ‬من‭ ‬يكتبون‭ ‬بناء‭ ‬على‭ ‬موروثات‭ ‬تقليدية‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬إضافة‭ ‬أو‭ ‬إبداع،‭ ‬ولا‭ ‬يحاولون‭ ‬المغامرة‭ ‬بشيء‭ ‬جديد،‭ ‬أو‭ ‬الدخول‭ ‬بالأشياء‭ ‬المحظورة‭ ‬التي‭ ‬تتعلق‭ ‬بأطفالنا‭ ‬اليوم،‭ ‬والتي‭ ‬من‭ ‬شأنها‭ ‬أن‭ ‬تساعدهم‭ ‬على‭ ‬الوعي‭ ‬والمعرفة‭.‬

‭ ‬في‭ ‬طفولتنا،‭ ‬كنا‭ ‬نشاهد‭ ‬مسلسلات‭ ‬كارتونية‭ ‬هي‭ ‬عبارة‭ ‬عن‭ ‬روايات‭ ‬عالمية‭ ‬تم‭ ‬تذويبها‭ ‬إلى‭ ‬منتجات‭ ‬تلفزيه‭ ‬للطفل،‭ ‬كجزيرة‭ ‬الكنز،‭ ‬وسالي،‭ ‬وحكايات‭ ‬عالمية،‭ ‬وغيرها،‭ ‬كيف‭ ‬تنظر‭ ‬لهذه‭ ‬التجربة؟

تجربة‭ ‬مهمة،‭ ‬وأنا‭ ‬أنادي‭ ‬بالانفتاح‭ ‬على‭ ‬التراث‭ ‬الإنساني‭ ‬ككل،‭ ‬وأن‭ ‬ننسى‭ ‬كلمات‭ ‬التغريب‭ ‬وتشوية‭ ‬الثقافة،‭ ‬ولأن‭ ‬الثقافة‭ ‬الإنسانية‭ ‬الراقية‭ ‬تهم‭ ‬كل‭ ‬إنسان‭ ‬وكل‭ ‬دين‭ ‬موجود‭ ‬في‭ ‬العالم،‭ ‬مع‭ ‬الوعي‭ ‬للكتابات‭ ‬المسمومة‭ ‬وهي‭ ‬قليلة‭ ‬جدا،‭ ‬ويجب‭ ‬ألا‭ ‬نكتفي‭ ‬بنقل‭ ‬الثقافة‭ ‬والتراث‭ ‬العالمي،‭ ‬بل‭ ‬إيجاد‭ ‬جهد‭ ‬مواز‭ ‬لها،‭ ‬تمثلنا‭ ‬وتعبر‭ ‬عنا‭.‬

‭ ‬لدينا‭ ‬معارض‭ ‬كتب‭ ‬كثيرة،‭ ‬لكن‭ ‬بلا‭ ‬قراء،‭ ‬لماذا؟

معارض‭ ‬الكتب‭ ‬ظاهرة‭ ‬جيدة،‭ ‬لكنها‭ ‬لا‭ ‬توظف‭ ‬عربيا‭ ‬بالشكل‭ ‬الصحيح،‭ ‬خصوصا‭ ‬وأنها‭ ‬تقام‭ ‬بالمدن‭ ‬الرئيسة‭ ‬المتشبعة‭ ‬بالكُتب‭ ‬والأدباء،‭ ‬بينما‭ ‬الريف‭ ‬والقرى‭ ‬والمدن‭ ‬الصغيرة‭ ‬هي‭ ‬المتعطشة‭ ‬لمثلها،‭ ‬وهي‭ ‬العامرة‭ ‬بالجمهور‭. ‬

من‭ ‬الأهمية‭ ‬ترحيل‭ ‬الثقافة‭ ‬من‭ ‬المدن‭ ‬إلى‭ ‬الفروع،‭ ‬وأشير‭ ‬بأنني‭ ‬وحين‭ ‬أحضر‭ ‬تدشين‭ ‬كتاب‭ ‬أو‭ ‬رواية،‭ ‬أو‭ ‬حين‭ ‬أحضر‭ ‬ندوة‭ ‬أو‭ ‬صالون‭ ‬ثقافي،‭ ‬ألاحظ‭ ‬أن‭ ‬المجموعات‭ ‬الحاضرة‭ ‬هي‭ ‬ذاتها،‭ ‬بسبب‭ ‬هذه‭ ‬الإشكالية‭.‬

‭ ‬يلاحظ‭ ‬بمعارض‭ ‬الكتب‭ ‬نشاط‭ ‬زوايا‭ ‬الكُتاب‭ ‬الهواه‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬كتاب‭ ‬نوبل‭ ‬والكتاب‭ ‬الكبار،‭ ‬لماذا؟

السبب‭ ‬هو‭ ‬انحدار‭ ‬ذائقة‭ ‬القراء،‭ ‬والتي‭ ‬ترتبط‭ ‬بانحدار‭ ‬التعليم‭ ‬نفسه،‭ ‬ولطالما‭ ‬طالبت‭ ‬بنقل‭ ‬الروايات‭ ‬والكتب‭ ‬والأقصوصات‭ ‬الناجحة‭ ‬إلى‭ ‬حقل‭ ‬التعليم‭ ‬نفسه؛‭ ‬لكي‭ ‬يستفيد‭ ‬منها‭ ‬الطفل‭ ‬العربي‭.‬

‭ ‬شارع‭ ‬كامل‭ ‬صدقي‭ ‬بالفجالة‭ ‬والذي‭ ‬يعج‭ ‬بالمكتبات‭ ‬العريقة‭ ‬كمكتبة‭ ‬مصر،‭ ‬والثقافية،‭ ‬ونهضة‭ ‬مصر،‭ ‬يلاحظ‭ ‬بأنها‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬تقتات‭ ‬على‭ ‬المنتوجات‭ ‬الأدبية‭ ‬القديمة‭ ‬للطفل،‭ ‬كإصدارات‭ ‬المكتبة‭ ‬الخضراء،‭ ‬لماذا؟

سؤالك‭ ‬يعكس‭ ‬بواقعه‭ ‬عجز‭ ‬الكُتاب‭ ‬الجدد‭ ‬عن‭ ‬كسب‭ ‬رضا‭ ‬الذوق‭ ‬العام؛‭ ‬لذا‭ ‬فإن‭ ‬الغلبة‭ ‬هي‭ ‬لهذه‭ ‬الكتابات‭ ‬القديمة،‭ ‬ومتى‭ ‬ما‭ ‬استطاع‭ ‬الكُتاب‭ ‬الجدد‭ ‬أن‭ ‬يعبروا‭ ‬عن‭ ‬مضامين‭ ‬الجيل‭ ‬الحالي،‭ ‬فسوف‭ ‬نرى‭ ‬إحلالا‭ ‬مباشرا‭ ‬لمنتجاتهم‭ ‬في‭ ‬الشارع‭ ‬والبيت‭ ‬العربي‭ ‬معا‭. ‬التراث‭ ‬الأدبي‭ ‬يحتاج‭ ‬مراجعة،‭ ‬وبأن‭ ‬ليس‭ ‬مقولات‭ ‬الكتاب‭ ‬الكبار‭ ‬كلها‭ ‬صحيح،‭ ‬وأنه‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬ننقاد‭ ‬خلفها،‭ ‬بالإمكان‭ ‬مراجعة‭ ‬هذا‭ ‬الكلام‭ ‬وأن‭ ‬ننقاشه‭.‬