معظم الإصدارات الروائية خاوية الروح وبلا هدف

نصار: القارئ العربي لا يريد المنفعة بل الترفيه

| إبراهيم النهام من القاهرة

قال‭ ‬صاحب‭ ‬الدار‭ ‬الثقافية‭ ‬للنشر‭ ‬بالقاهرة‭ ‬فتحي‭ ‬نصار،‭ ‬إن‭ ‬دور‭ ‬النشر‭ ‬العربي‭ ‬تواجه‭ ‬تحديات‭ ‬كبيرة،‭ ‬في‭ ‬مقابل‭ ‬انتشار‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬والهواتف‭ ‬والألواح‭ ‬الذكية،‭ ‬وأوضح‭ ‬أن‭ ‬الإشكالية‭ ‬لا‭ ‬تكمن‭ ‬في‭ ‬القراءة‭ ‬فحسب،‭ ‬وإنما‭ ‬بالذائقة‭ ‬أيضًا‭.‬

وأشار‭ ‬نصار،‭ ‬في‭ ‬لقاء‭ ‬أجرته‭ ‬“البلاد”‭ ‬معه‭ ‬في‭ ‬معرض‭ ‬القاهرة‭ ‬الدولي‭ ‬للكتاب،‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬الجيل‭ ‬الجديد‭ ‬لا‭ ‬يطلبون‭ ‬من‭ ‬الكتب‭ ‬ما‭ ‬هم‭ ‬بحاجة‭ ‬إليه،‭ ‬بقدر‭ ‬رغبتهم‭ ‬بالترفيه‭ ‬والمتعة‭.‬

كيف‭ ‬تقرأ‭ ‬اتجاهات‭ ‬القارئ‭ ‬العربي‭ ‬اليوم؟

اتجاهات‭ ‬القارئ‭ ‬العربي‭ ‬اليوم‭ ‬هي‭ ‬للترفيه،‭ ‬وليس‭ ‬لنهل‭ ‬المعرفة‭ ‬أو‭ ‬الاستفادة،‭ ‬ولم‭ ‬يعد‭ ‬الجمهور‭ ‬كما‭ ‬كنا‭ ‬نعرف‭ ‬بالسابق،‭ ‬يبحث‭ ‬عن‭ ‬المعلومة‭ ‬وعن‭ ‬الذائقة،‭ ‬وعن‭ ‬البناء‭ ‬الداخلي‭ ‬الحميد،‭ ‬هنالك‭ ‬انحراف‭ ‬واضح‭ ‬في‭ ‬مسار‭ ‬اختيار‭ ‬المادة‭ ‬الأدبية‭ ‬المنشودة،‭ ‬إلى‭ ‬عوالم‭ ‬أخرى‭ ‬لا‭ ‬تقرب‭ ‬النهوض‭ ‬بالمجتمعات‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬بالأسرة‭.‬

هل‭ ‬هي‭ ‬برأيك‭ ‬حالة‭ ‬خاصة‭ ‬أو‭ ‬عامة؟

القراءة‭ ‬حالة‭ ‬عامة،‭ ‬لكن‭ ‬اختيار‭ ‬ما‭ ‬تقرأ‭ ‬والهدف‭ ‬منه‭ ‬يرتبط‭ ‬بثقافات‭ ‬المجتمعات،‭ ‬وبالمسؤولية‭ ‬الاجتماعية،‭ ‬وبالأسرة،‭ ‬ومنظومة‭ ‬الأصدقاء،‭ ‬وبالتنشئة‭ ‬الصحيحة‭ ‬على‭ ‬القراءة،‭ ‬التي‭ ‬ترتكز‭ ‬على‭ ‬العناية‭ ‬في‭ ‬اختيار‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬على‭ ‬الرف،‭ ‬فالأمر‭ ‬ليس‭ ‬محصورًا‭ ‬بالعالم‭ ‬العربي،‭ ‬بل‭ ‬هو‭ ‬عام،‭ ‬لكن‭ ‬لدينا‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬غيره،‭ ‬وأقولها‭ ‬آسفًا‭.‬

ذكرت‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬اتجاه‭ ‬من‭ ‬القراء‭ ‬للترفيه،‭ ‬لماذا؟

الكثيرون‭ ‬يتجهون‭ ‬للتخصص‭ ‬بشكل‭ ‬مفرط،‭ ‬وهذا‭ ‬أمر‭ ‬خاطئ،‭ ‬فحين‭ ‬تسأل‭ ‬المهتمين‭ ‬بالشأن‭ ‬الاقتصادي‭ ‬تجدهم‭ ‬لا‭ ‬يعرفون‭ ‬عن‭ ‬الثقافة‭ ‬أو‭ ‬الفن‭ ‬أو‭ ‬السياسة‭ ‬إلا‭ ‬الهامش‭ ‬وهذا‭ ‬خطأ‭ ‬جسيم،‭ ‬فالمثقف‭ ‬ظاهرة‭ ‬مطلوبة‭ ‬بكل‭ ‬المجتمعات‭ ‬والحقول،‭ ‬فهو‭ ‬الذي‭ ‬يساعد‭ ‬على‭ ‬النهوض‭ ‬بالفكر‭ ‬الجماعي‭ ‬والأخلاقي‭ ‬والقيمي‭ ‬للمجتمع‭ ‬وللمدرسة‭ ‬وللأسرة‭.‬

وفيما‭ ‬يخص‭ ‬التوجه‭ ‬الجماعي‭ ‬نحو‭ ‬حقل‭ ‬الترفية‭ ‬والمتعة‭ ‬و”تغيير‭ ‬الجو”،‭ ‬كما‭ ‬يحلو‭ ‬للبعض‭ ‬أن‭ ‬يسميه،‭ ‬فهو‭ ‬أمر‭ ‬متزايد‭ ‬مع‭ ‬تنامي‭ ‬ظواهر‭ ‬المطربين‭ ‬والموسيقيين‭ ‬و”الفاشنيستا”،‭ ‬وقادة‭ ‬الرأي‭ ‬في‭ ‬شبكات‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي،‭ ‬وظهور‭ ‬المنصات‭ ‬الرقمية‭ ‬للسياحة‭ ‬والسفر‭ ‬وغيرها‭ ‬الكثير‭.‬

‭ ‬وماذا‭ ‬عن‭ ‬الأديب‭ ‬نفسه؟‭ ‬ألا‭ ‬ترى‭ ‬أنه‭ ‬يتحمل‭ ‬جزءا‭ ‬واسعًا‭ ‬من‭ ‬المسؤولية‭ ‬الأخلاقية‭ ‬هنا؟

الأديب‭ ‬يريد‭ ‬أن‭ ‬يطبطب‭ ‬على‭ ‬القارئ‭ ‬ويرضيه،‭ ‬وأن‭ ‬يقدم‭ ‬له‭ ‬ما‭ ‬يتمناه‭ ‬وليس‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬نافع‭ ‬له،‭ ‬فبدلًا‭ ‬من‭ ‬أي‭ ‬يرفع‭ ‬الأديب‭ ‬من‭ ‬مستوى‭ ‬القارئ،‭ ‬ينزل‭ ‬هو‭ ‬لمستواه،‭ ‬ويدغدغه‭ ‬ويجامله‭ ‬ويتزلف‭ ‬له‭.‬

وأعطيك‭ ‬مثالًا‭ ‬في‭ ‬الغناء،‭ ‬إذ‭ ‬إنه‭ ‬وبعد‭ ‬ظاهرة‭ ‬أم‭ ‬كلثوم‭ ‬وعبدالحليم‭ ‬ومحمد‭ ‬عبدالوهاب‭ ‬وفريد‭ ‬الأطرش،‭ ‬خرج‭ ‬مطربون‭ ‬لك‭ ‬اليوم‭ ‬يسمونهم‭ ‬“المطربون‭ ‬الشعبيون”،‭ ‬وهؤلاء‭ ‬اللذين‭ ‬يقدمون‭ ‬موادا‭ ‬فارغة‭ ‬المضمون،‭ ‬ويكسبون‭ ‬اليوم‭ ‬أكثر‭ ‬مما‭ ‬كانت‭ ‬تكسبه‭ ‬أم‭ ‬كلثوم‭ ‬بكثير‭.‬

‭ ‬ماذا‭ ‬عن‭ ‬روح‭ ‬الروايات‭ ‬الجديدة؟‭ ‬لماذا‭ ‬نراها‭ ‬غائبة؟

شخصيًا،‭ ‬حين‭ ‬أكتب‭ ‬مقالة،‭ ‬فإنني‭ ‬أعيد‭ ‬كتابتها‭ ‬مرات‭ ‬عدة؛‭ ‬لكي‭ ‬أضمن‭ ‬أن‭ ‬تخرج‭ ‬بالصورة‭ ‬التي‭ ‬تليق‭ ‬باسمي‭ ‬وبتاريخي‭ ‬وبالقارئ‭ ‬المصري‭ ‬والعربي،‭ ‬لكن‭ - ‬وبالمقابل‭ - ‬فإن‭ ‬هناك‭ ‬روايات‭ ‬عديدة‭ ‬تضخ‭ ‬في‭ ‬أسواق‭ ‬الكتب‭ ‬المحلية‭ ‬والعربية،‭ ‬خاوية‭ ‬للروح،‭ ‬لا‭ ‬تحمل‭ ‬بمضمونها‭ ‬فكرة‭ ‬واحدة‭ ‬مفيدة،‭ ‬ولكنها‭ ‬تباع‭ ‬بطبعات‭ ‬عدة‭ ‬وتنتشر‭ ‬بشكل‭ ‬غريب‭ ‬وغير‭ ‬مفهوم‭.‬

أين‭ ‬النقاد‭ ‬مما‭ ‬يحدث؟‭ ‬

المجتمع‭ ‬يفرز‭ ‬الطبيب‭ ‬الفاشل‭ ‬والناقد‭ ‬الفاشل،‭ ‬عمري‭ ‬78‭ ‬سنة،‭ ‬ولكنني‭ ‬حزين‭ ‬لأني‭ ‬عشت‭ ‬فترات‭ ‬ثقافية‭ ‬مزدهرة،‭ ‬وكنت‭ - ‬أنا‭ ‬وغيري‭ - ‬نتعنى‭ ‬المسافات؛‭ ‬لكي‭ ‬نستمع‭ ‬لكلمة‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬مثقف‭ ‬أو‭ ‬أديب،‭ ‬أو‭ ‬نتابع‭ ‬حوارات‭ ‬وندوات‭ ‬تغير‭ ‬مفهومنا‭ ‬للحياة‭. ‬ولكن‭ ‬ما‭ ‬نراه‭ ‬اليوم‭ ‬هو‭ ‬أمر‭ ‬مثير‭ ‬للدهشة،‭ ‬خصوصًا‭ ‬مع‭ ‬تواقيع‭ ‬الكتب‭ ‬وإشهارها،‭ ‬فحين‭ ‬نتصفحها‭ ‬وهي‭ ‬ذات‭ ‬إقبال‭ ‬من‭ ‬القراء‭ ‬نندهش‭ ‬من‭ ‬ضحالتها‭ ‬وتفاهتها‭.‬

وفي‭ ‬المقابل،‭ ‬هناك‭ ‬غياب‭ ‬عميق‭ ‬في‭ ‬حس‭ ‬المسؤولية‭ ‬لدى‭ ‬بعض‭ ‬النقاد،‭ ‬الذين‭ ‬بات‭ ‬همهم‭ ‬الأول‭ ‬التكسب‭ ‬المالي،‭ ‬وليس‭ ‬رفع‭ ‬مستوى‭ ‬الكتب‭ ‬والروايات‭ ‬إلى‭ ‬الأعالي‭.‬

هل‭ ‬أنت‭ ‬متشائم؟

نعم‭ ‬للأسف؛‭ ‬لأنني‭ ‬عاصرت‭ ‬مراحل‭ ‬زاهية‭ ‬من‭ ‬حقب‭ ‬الثقافة‭ ‬العربية‭ ‬التي‭ ‬أثرت‭ ‬المجتمعات‭ ‬وبنتها‭ ‬بشكل‭ ‬قويم‭.‬

وعاصرت‭ ‬كتاب‭ ‬كبار‭ ‬كنجيب‭ ‬محفوظ‭ ‬وإحسان‭ ‬عبدالقدوس‭ ‬وتوفيق‭ ‬الحكيم‭ ‬وغيرهم‭ ‬الكثير،‭ ‬وما‭ ‬أراه‭ ‬اليوم‭ ‬هو‭ ‬أمر‭ ‬يدعو‭ ‬للشفقة‭ ‬والحزن‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬الذي‭ ‬وصل‭ ‬إليه‭ ‬الرف‭ ‬الثقافي‭ ‬والأدبي‭ ‬والروائي‭ ‬العربي،‭ ‬وتظل‭ ‬المسؤولية‭ ‬كما‭ ‬أسلفت‭ ‬شاملة،‭ ‬كدولة‭ ‬ومجتمع‭ ‬وأسرة‭ ‬على‭ ‬حد‭ ‬سواء‭.‬