مواجهة الإسلام السياسي تتطلب ما هو أبعد من الحلول الأمنية

نشوء الإسلام السياسي الشيعي المعاصر (الأخيرة)

| خالد عبدالعزيز النزر

مشاريع‭ ‬الإسلام‭ ‬السياسي‭ ‬تخادمت‭ ‬مع‭ ‬موقف‭ ‬الدول‭ ‬العظمى‭ ‬من‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية جماعة‭ ‬ولاية‭ ‬الفقيه‭ ‬الأكثر‭ ‬تطرفا‭ ‬في‭ ‬الولاء‭ ‬السياسي‭ ‬لإيران

 

‭ ‬توقع‭ ‬الكاتب‭ ‬والباحث‭ ‬السعودي‭ ‬خالد‭ ‬عبدالعزيز‭ ‬النزر‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬مصير‭ ‬مشاريع‭ ‬الإسلام‭ ‬السياسي،‭ ‬بنسختيه‭ ‬الشيعية‭ ‬والسنية،‭ ‬إلى‭ ‬الأفول‭ ‬قريباً‭. ‬وقال‭ ‬إن‭ ‬معارضة‭ ‬الإسلام‭ ‬السياسي‭ ‬لا‭ ‬تعني‭ ‬المعارضة‭ ‬للدين‭ ‬الإسلامي‭ ‬نفسه‭ ‬أو‭ ‬لتشريعاته،‭ ‬مشيرا‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬مفهوم‭ ‬الدولة‭ ‬الوطنية‭ ‬الحديثة‭ ‬قادر‭ ‬على‭ ‬استيعاب‭ ‬جميع‭ ‬الأديان‭ ‬والمذاهب‭ ‬وتأطير‭ ‬الأفهام‭ ‬المختلفة‭ ‬للدين‭ ‬بحدود‭ ‬أصحابها‭. ‬فنحن‭ ‬كمسلمين‭ ‬متفقون‭ ‬على‭ ‬الدين‭ ‬وأهمية‭ ‬تطبيق‭ ‬تشريعاته،‭ ‬ولكننا‭ ‬مختلفون‭ ‬في‭ ‬فهم‭ ‬هذا‭ ‬الدين‭ ‬وفي‭ ‬طريقة‭ ‬التطبيق‭ ‬حتى‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬الفقهي‭ ‬البسيط‭ ‬من‭ ‬عبادات‭ ‬ومعاملات،‭ ‬فكيف‭ ‬بأنظمة‭ ‬وإدارة‭ ‬الدول؟

وذكر‭ ‬النزر‭ ‬أن‭ ‬مواجهة‭ ‬الإسلام‭ ‬السياسي‭ ‬بشكل‭ ‬عام‭ ‬سنيا‭ ‬كان‭ ‬أو‭ ‬شيعيا،‭ ‬تتطلب‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬عمل‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬أبعد‭ ‬من‭ ‬الحلول‭ ‬الأمنية،‭ ‬حيث‭ ‬يجب‭ ‬التركيز‭ ‬على‭ ‬الجانب‭ ‬الفكري‭ ‬المنفتح‭ ‬ودعم‭ ‬مبادئ‭ ‬الإسلام‭ ‬الوسطي‭ ‬المعتدل‭ ‬والمتسامح‭ ‬مع‭ ‬الآخر،‭ ‬ونبذ‭ ‬الطائفية‭ ‬وخطابات‭ ‬الكراهية‭ ‬وتجريمها‭.‬

هذا‭ ‬التيار‭ ‬بدأ‭ ‬صغيرا‭ ‬ومحدودا‭ ‬في‭ ‬المجتمعات‭ ‬العربية‭ ‬مع‭ ‬وصول‭ ‬الخميني‭ ‬لحكم‭ ‬إيران،‭ ‬وتنامى‭ ‬مع‭ ‬الوقت‭. ‬وهؤلاء‭ ‬اعتبروا‭ ‬الخميني‭ ‬هو‭ ‬الإمام‭ ‬السيد‭ ‬القائد‭ ‬ولي‭ ‬أمر‭ ‬المسلمين‭ ‬والنائب‭ ‬المطلق‭ ‬للإمام‭ ‬المعصوم،‭ ‬ونفس‭ ‬الشيء‭ ‬يعتبرون‭ ‬خامنئي‭ ‬اليوم‭. ‬وجماعة‭ ‬ولاية‭ ‬الفقيه‭ ‬نراها‭ ‬هي‭ ‬الأكثر‭ ‬تطرفاً‭ ‬في‭ ‬الولاء‭ ‬السياسي‭ ‬لإيران،‭ ‬والأكثر‭ ‬عداءً‭ ‬للأنظمة‭ ‬القائمة‭ ‬التي‭ ‬تعاديها‭ ‬إيران،‭ ‬وفي‭ ‬الخليج‭ ‬كانت‭ ‬أكبر‭ ‬العمليات‭ ‬الإرهابية‭ ‬بتنفيذ‭ ‬أحزاب‭ ‬الله‭ ‬التي‭ ‬تخدم‭ ‬ولاية‭ ‬الفقيه‭ ‬والمرتبطة‭ ‬مباشرة‭ ‬بالحرس‭ ‬الثوري‭. ‬

ومن‭ ‬أشهر‭ ‬عمليات‭ ‬الحرس‭ ‬الثوري‭ ‬في‭ ‬الخليج‭ ‬كان‭ ‬التخطيط‭ ‬لعمليات‭ ‬إرهابية‭ ‬في‭ ‬مكة‭ ‬المكرمة‭ ‬بإدخال‭ ‬المتفجرات‭ ‬إليها‭ (‬51‭ ‬كيلوغرام‭ ‬من‭ ‬مادتي‭ ‬C4‭ ‬و‭ ‬RDX‭ ‬في‭ ‬95‭ ‬حقيبة‭ ‬أدخلها‭ ‬معهم‭ ‬حجاج‭ ‬إيرانيون‭) ‬والتي‭ ‬أحبطتها‭ ‬السلطات‭ ‬السعودية‭ ‬عام‭ ‬1986م،‭ ‬وكذلك‭ ‬تفجيرات‭ ‬المنطقة‭ ‬الشرقية‭ ‬والكويت‭ ‬في‭ ‬الثمانينات‭ ‬وتفجير‭ ‬الخبر‭ ‬عام‭ ‬1996م،‭ ‬وغيرها‭. ‬أتباع‭ ‬ولاية‭ ‬الفقيه‭ ‬يعتبرون‭ ‬مشروع‭ ‬إيران‭ ‬السياسي‭ ‬التوسعي،‭ ‬مشروعاً‭ ‬دينيا‭ ‬في‭ ‬الأساس‭ ‬لنشر‭ ‬التشيع‭ ‬الذي‭ ‬يعبّرون‭ ‬عنه‭ ‬بالإسلام‭ ‬المحمدي‭ ‬الأصيل،‭ ‬والتمهيد‭ ‬لدولة‭ ‬الإمام‭ ‬المهدي‭. ‬وقد‭ ‬اشتغل‭ ‬هذا‭ ‬التيار‭ ‬على‭ ‬نشر‭ ‬أفكاره‭ ‬وترسيخها‭ ‬في‭ ‬المجتمعات‭ ‬الشيعية،‭ ‬وواجه‭ ‬صعوبة‭ ‬في‭ ‬البدايات‭ ‬ودخل‭ ‬في‭ ‬صراعات‭ ‬على‭ ‬النفوذ‭ ‬واستحواذ‭ ‬الأتباع،‭ ‬بينه‭ ‬وبين‭ ‬التيارات‭ ‬الأخرى‭ ‬وخاصة‭ ‬التيار‭ ‬التقليدي‭. ‬فحدثت‭ ‬نزاعات‭ ‬وتنافسات‭ ‬على‭ ‬مسجد‭ ‬أو‭ ‬حسينية‭ ‬هنا‭ ‬أو‭ ‬هناك،‭ ‬أو‭ ‬على‭ ‬قرية‭ ‬من‭ ‬قرى‭ ‬الشيعة‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬البلد‭ ‬أو‭ ‬ذاك‭. ‬وأحياناً‭ ‬كان‭ ‬يصل‭ ‬الصراع‭ ‬إلى‭ ‬قتال‭ ‬مسلح‭ ‬كما‭ ‬حصل‭ ‬مثلا‭ ‬بين‭ ‬حزب‭ ‬الله‭ ‬وحركة‭ ‬أمل‭ ‬في‭ ‬لبنان‭. ‬الجدير‭ ‬بالذكر‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬التيار‭ ‬خارج‭ ‬إيران‭ ‬يجادل‭ ‬منتقديه‭ ‬بأن‭ ‬ولاية‭ ‬الفقيه‭ ‬هي‭ ‬مجرد‭ ‬مرجعية‭ ‬دينية‭ ‬كباقي‭ ‬المرجعيات‭ ‬الإسلامية‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تستوجب‭ ‬تأطير‭ ‬المرجع‭ ‬أو‭ ‬المفتي‭ ‬في‭ ‬بلد‭ ‬معين،‭ ‬وأن‭ ‬هذا‭ ‬حاصل‭ ‬حتى‭ ‬عند‭ ‬المسيحيين‭ ‬في‭ ‬رجوعهم‭ ‬الديني‭ ‬لبابا‭ ‬الفاتيكان،‭ ‬وهذا‭ ‬الطرح‭ ‬ينطلي‭ ‬على‭ ‬الكثيرين‭ ‬بما‭ ‬فيهم‭ ‬البسطاء‭ ‬من‭ ‬أتباع‭ ‬ولاية‭ ‬الفقيه‭. ‬

ونرى‭ ‬بأن‭ ‬هذا‭ ‬مجرد‭ ‬تسطيح‭ ‬سياسي،‭ ‬وقد‭ ‬ذكرنا‭ ‬سابقا‭ ‬تعريف‭ ‬ولاية‭ ‬الفقيه‭ ‬وأبعادها،‭ ‬وهي‭ ‬مذكورة‭ ‬أيضا‭ ‬في‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬المصادر‭ ‬التي‭ ‬يمكن‭ ‬الرجوع‭ ‬إليها‭ ‬والتي‭ ‬يتضح‭ ‬منها‭ ‬خلاف‭ ‬ذلك‭. ‬فالواقع‭ ‬أن‭ ‬الولي‭ ‬الفقيه‭ ‬في‭ ‬إيران‭ ‬هو‭ ‬رمز‭ ‬سياسي‭ ‬يحكم‭ ‬دولة‭ ‬ويعمل‭ ‬على‭ ‬مصالحها‭ ‬الوطنية‭ ‬بالدرجة‭ ‬الأولى،‭ ‬وهذا‭ ‬غير‭ ‬متحقق‭ ‬في‭ ‬أشخاص‭ ‬المراجع‭ ‬الدينية‭ ‬الأخرى‭. ‬من‭ ‬ناحية‭ ‬ثانية‭ ‬فقد‭ ‬أنشأ‭ ‬الولي‭ ‬الفقيه‭ ‬في‭ ‬إيران‭ ‬ما‭ ‬يسمى‭ ‬بـ‭ ‬“مجلس‭ ‬الخبراء”‭ ‬الذي‭ ‬يفترض‭ ‬نظرياً‭ ‬بأنه‭ ‬هو‭ ‬من‭ ‬يختار‭ ‬الولي‭ ‬الفقيه‭ ‬الإيراني‭ ‬في‭ ‬إيران،‭ (‬في‭ ‬الواقع‭ ‬هو‭ ‬مجلس‭ ‬صوري‭ ‬ويعلم‭ ‬المطلعون‭ ‬كيف‭ ‬تم‭ ‬اختيار‭ ‬خامنئي‭ ‬فيما‭ ‬يخص‭ ‬أعلميته‭ ‬ومرجعيته‭ ‬الدينية،‭ ‬وتغيير‭ ‬الدستور‭ ‬وما‭ ‬فعله‭ ‬رفسنجاني‭ ‬لذلك‭)‬،‭ ‬ولو‭ ‬سايرنا‭ ‬هذا‭ ‬الطرح‭ ‬فإن‭ ‬ولاية‭ ‬الفقيه‭ ‬تكون‭ ‬بذلك‭ ‬صناعة‭ ‬إيرانية‭ ‬خالصة‭ ‬تتم‭ ‬بآليات‭ ‬لا‭ ‬يتدخل‭ ‬فيها‭ ‬هؤلاء‭ ‬الأتباع‭ ‬في‭ ‬الخارج‭ ‬وهذا‭ ‬يخرجهم‭ ‬من‭ ‬إطار‭ ‬الرجوع‭ ‬الديني‭ ‬فقط،‭ ‬إلى‭ ‬التبعية‭ ‬السياسية‭ ‬لزعيم‭ ‬دولة‭ ‬أخرى،‭ ‬فحتى‭ ‬بابا‭ ‬الفاتيكان‭ ‬عند‭ ‬اختياره‭ ‬يكون‭ ‬حاضراً‭ ‬ممثلون‭ ‬عن‭ ‬جميع‭ ‬المجتمعات‭ ‬الكاثوليكية،‭ ‬ناهيك‭ ‬عن‭ ‬أنه‭ ‬ليس‭ ‬زعيما‭ ‬سياسيا‭ ‬ولا‭ ‬يتدخل‭ ‬بالسياسة‭ ‬لا‭ ‬من‭ ‬قريب‭ ‬ولا‭ ‬بعيد‭. ‬

والأهم‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬سبق‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬الولي‭ ‬الفقيه‭ ‬كما‭ ‬مر‭ ‬علينا‭ ‬يعتبره‭ ‬أتباعه‭ ‬ولياً‭ ‬لأمر‭ ‬المسلمين،‭ ‬وهو‭ ‬بالفعل‭ ‬يتدخل‭ ‬بشكل‭ ‬سافر‭ ‬في‭ ‬الشؤون‭ ‬السياسية‭ ‬للشيعة‭ ‬خارج‭ ‬بلاده،‭ ‬وليس‭ ‬كما‭ ‬هو‭ ‬سائدا‭ ‬في‭ ‬المرجعيات‭ ‬الشيعية‭ ‬التي‭ ‬تتجنب‭ ‬التدخل‭ ‬السياسي‭ ‬في‭ ‬شؤون‭ ‬مجتمعات‭ ‬الدول‭ ‬الأخرى‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬يقيمون‭ ‬فيها،‭ ‬إلا‭ ‬ربما‭ ‬بالنصح‭ ‬الذي‭ ‬يكون‭ ‬منصبّا‭ ‬عادةً‭ ‬في‭ ‬الإطار‭ ‬التقليدي‭ ‬التاريخي‭ ‬للمذهب‭ ‬الجعفري‭ ‬والذي‭ ‬أوضحناه‭ ‬سابقاً‭.‬

ومن‭ ‬أبرز‭ ‬الأمثلة‭ ‬على‭ ‬أتباع‭ ‬ولاية‭ ‬الفقيه‭ ‬في‭ ‬أيامنا‭ ‬هذه‭ ‬هو‭ ‬حزب‭ ‬الله‭ ‬في‭ ‬لبنان،‭ ‬الذي‭ ‬وصف‭ ‬أمينه‭ ‬العام‭ ‬الحالي‭ ‬–نصر‭ ‬الله‭- ‬مشروعهم‭ ‬في‭ ‬خطبة‭ ‬مبكرة‭ ‬له‭ ‬قائلاً‭: ‬“مشروعنا‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬خيار‭ ‬لنا‭ ‬أن‭ ‬نتبنى‭ ‬غيره‭ ‬كوننا‭ ‬مؤمنين‭ ‬عقائديين،‭ ‬هو‭ ‬مشروع‭ ‬دولة‭ ‬إسلامية‭ ‬وحكم‭ ‬الإسلام،‭ ‬وأن‭ ‬يكون‭ ‬لبنان‭ ‬ليس‭ ‬جمهورية‭ ‬إسلامية‭ ‬واحدة،‭ ‬وإنما‭ ‬جزء‭ ‬من‭ ‬الجمهورية‭ ‬الإسلامية‭ ‬الكبرى‭ ‬التي‭ ‬يحكمها‭ ‬صاحب‭ ‬الزمان‭ ‬ونائبه‭ ‬بالحق‭ ‬الولي‭ ‬الفقيه‭ ‬الإمام‭ ‬الخميني”‭. ‬والذي‭ ‬بقي‭ ‬في‭ ‬خطبه‭ ‬يفتخر‭ ‬بأنه‭ ‬فرداً‭ ‬في‭ ‬حزب‭ ‬ولاية‭ ‬الفقيه،‭ ‬والذي‭ ‬يقول‭: ‬“سنكون‭ ‬حيث‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬نكون”،‭ ‬ويقول‭: ‬“ما‭ ‬في‭ ‬شي‭ ‬إسمه‭ ‬السعودية‭ ‬والشعب‭ ‬السعودي”‭. ‬

أما‭ ‬أمين‭ ‬عام‭ ‬حزب‭ ‬الله‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬واثق‭ ‬البطاط‭ ‬فقال‭ ‬عام‭ ‬2013م‭ ‬لو‭ ‬تحاربت‭ ‬العراق‭ ‬مع‭ ‬إيران‭ ‬سأقف‭ ‬بصف‭ ‬إيران‭. ‬ويقول‭ ‬يوسف‭ ‬الناصري‭ ‬معاون‭ ‬أمين‭ ‬عام‭ ‬حركة‭ ‬النجباء‭ ‬في‭ ‬العراق‭: ‬“سنحرر‭ ‬أرض‭ ‬الجزيرة‭ ‬العربية‭ ‬والحجاز”،‭ ‬وهو‭ ‬نفسه‭ ‬الذي‭ ‬وصف‭ ‬لاحقاً‭ ‬الجيش‭ ‬العراقي‭ ‬بالمرتزق‭ ‬وطالب‭ ‬بحله‭ ‬لتتولى‭ ‬التنظيمات‭ ‬الدينية‭ ‬الشيعية‭ ‬المسلحة‭ ‬مهامه‭. ‬كذلك‭ ‬نجد‭ ‬نائب‭ ‬رئيس‭ ‬هيئة‭ ‬الحشد‭ ‬الشعبي‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬–المهندس‭- ‬الذي‭ ‬حكم‭ ‬عليه‭ ‬بالإعدام‭ ‬في‭ ‬الكويت‭ ‬في‭ ‬الثمانينات،‭ ‬حيث‭ ‬شكل‭ ‬آنذاك‭ ‬“خلايا‭ ‬جهادية”‭ ‬حسب‭ ‬تعبيره،‭ ‬تابعة‭ ‬لحزب‭ ‬الدعوة،‭ ‬وعمل‭ ‬هناك‭ ‬مع‭ ‬“مصطفى‭ ‬بدرالدين”‭ ‬القيادي‭ ‬في‭ ‬حزب‭ ‬الله‭ ‬الكويت‭ ‬وقتها،‭ ‬يقول‭ ‬في‭ ‬لقاء‭ ‬على‭ ‬إحدى‭ ‬القنوات‭ ‬الإيرانية،‭ ‬وأعادت‭ ‬عرضه‭ ‬مترجماً‭ ‬قناة‭ ‬“INP”‭ ‬العراقية‭ ‬أنه‭ ‬“يفخر‭ ‬بأن‭ ‬يكون‭ ‬جندياً‭ ‬لدى‭ ‬الحاج‭ ‬قاسم‭ ‬سليماني‭ ‬وهذه‭ ‬نعمة‭ ‬إلهية”‭!‬،‭ ‬والذي‭ ‬قال‭ ‬أيضاً‭ ‬بعد‭ ‬انتهاء‭ ‬احدى‭ ‬معاركه‭ ‬العسكرية‭ ‬على‭ ‬الحدود‭ ‬السورية‭: ‬“إننا‭ ‬مستمرون‭ ‬حتى‭ ‬الرياض‭ ‬وجدة‭ ‬ومعنا‭ ‬أنصار‭ ‬الله‭ ‬ووجّه‭ ‬التحية‭ ‬ومن‭ ‬معه‭ ‬من‭ ‬المقاتلين‭ ‬إلى‭ ‬أنصار‭ ‬الله‭. ‬

وأما‭ ‬“أنصار‭ ‬الله”‭ ‬فهم‭ ‬أيضاً‭ ‬يحملون‭ ‬نفس‭ ‬هذا‭ ‬الفكر‭ ‬في‭ ‬أدبياتهم‭ ‬الداخلية،‭ ‬وكما‭ ‬قال‭ ‬عبدالكريم‭ ‬الخيواني‭ ‬أحد‭ ‬قيادييهم‭: ‬“سيطوف‭ ‬أنصار‭ ‬الله‭ ‬العام‭ ‬القادم‭ ‬في‭ ‬مكة”‭. ‬أما‭ ‬تصريحات‭ ‬أصحاب‭ ‬المشروع‭ ‬نفسه‭ ‬أي‭ ‬الإيرانيون،‭ ‬حول‭ ‬تصدير‭ ‬الثورة‭ ‬والتوسع‭ ‬والسيطرة‭ ‬على‭ ‬العواصم‭ ...‬إلخ،‭ ‬ومن‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬قياداتهم‭ ‬السياسية‭ ‬والدينية‭ ‬والعسكرية‭ ‬منذ‭ ‬قيام‭ ‬الثورة‭ ‬حتى‭ ‬اليوم،‭ ‬فهو‭ ‬مما‭ ‬لا‭ ‬يعد‭ ‬ولا‭ ‬يحصى،‭ ‬والتي‭ ‬منها‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال‭ ‬فقط‭: ‬تصريح‭ ‬مستشار‭ ‬الرئيس‭ ‬لشؤون‭ ‬الأقليات‭ ‬“علي‭ ‬يونسي”‭ ‬أن‭ ‬عاصمة‭ ‬امبراطورية‭ ‬إيران‭ ‬الجديدة‭ ‬ستكون‭ ‬في‭ ‬العراق،‭ ‬أو‭ ‬قول‭ ‬نائب‭ ‬قائد‭ ‬فيلق‭ ‬القدس‭ ‬“اسماعيل‭ ‬قاءاتي”‭ ‬أن‭ ‬إيران‭ ‬مستمرة‭ ‬بفتح‭ ‬بلدان‭ ‬المنطقة،‭ ‬أو‭ ‬قول‭ ‬وزير‭ ‬الاستخبارات‭ ‬الإيراني‭ ‬السابق‭ ‬“حيدر‭ ‬مصلحي”‭ ‬أن‭ ‬الثورة‭ ‬الإيرانية‭ ‬لا‭ ‬تعرف‭ ‬الحدود‭ ‬وهي‭ ‬لكل‭ ‬الشيعة‭ ‬وما‭ ‬الحوثيين‭ ‬في‭ ‬اليمن‭ ‬إلا‭ ‬إحدى‭ ‬نتاجات‭ ‬الثورة‭ ‬الإيرانية‭. ‬

وعلى‭ ‬ذكر‭ ‬الحوثيين‭ ‬فهم‭ ‬في‭ ‬الأساس‭ ‬كما‭ ‬يعلم‭ ‬الجميع‭ ‬جماعة‭ ‬زيدية‭ ‬المذهب‭ ‬بعيدة‭ ‬نسبيا‭ ‬عن‭ ‬المذهب‭ ‬الجعفري،‭ ‬ولكن‭ ‬يُعتقد‭ ‬بأن‭ ‬حسين‭ ‬بدرالدين‭ ‬الحوثي‭ ‬تأثر‭ ‬بالإيرانيين‭ ‬منذ‭ ‬ذهابه‭ ‬مع‭ ‬والده‭ ‬هناك،‭ ‬ثم‭ ‬اعتنق‭ ‬لاحقا‭ ‬المذهب‭ ‬الجعفري‭ ‬ونشره‭ ‬في‭ ‬نطاق‭ ‬مجتمعه‭ ‬الضيق‭ ‬بما‭ ‬فيهم‭ ‬أخيه‭ ‬عبدالملك‭ ‬الزعيم‭ ‬الحالي‭ ‬لميليشيا‭ ‬الحوثيين‭ ‬“أنصار‭ ‬الله”،‭ ‬ورغم‭ ‬سماعي‭ ‬بأن‭ ‬حسين‭ ‬الحوثي‭ ‬بالفعل‭ ‬كان‭ ‬يتردد‭ ‬على‭ ‬الحوزات‭ ‬الدينية‭ ‬في‭ ‬إيران،‭ ‬وكان‭ ‬يلقى‭ ‬اهتماما‭ ‬خاصا‭ ‬من‭ ‬الخميني،‭ ‬إلا‭ ‬أنني‭ ‬لم‭ ‬أجد‭ ‬دليلا‭ ‬ماديا‭ ‬بخصوص‭ ‬مذهبه‭ ‬هو‭ ‬وأخيه،‭ ‬ولكن‭ ‬هذا‭ ‬ما‭ ‬يؤكده‭ ‬الكثيرون‭ ‬من‭ ‬اليمنيين‭ ‬المطلعين‭ ‬على‭ ‬الداخل‭ ‬اليمني‭. ‬

وهذه‭ ‬النقطة‭ ‬أطرقها‭ ‬ليس‭ ‬لاهتمامي‭ ‬بها،‭ ‬ولكن‭ ‬فقط‭ ‬لأنني‭ ‬ذكرت‭ ‬في‭ ‬بداية‭ ‬البحث‭ ‬أنني‭ ‬سأتحدث‭ ‬عن‭ ‬أتباع‭ ‬المذهب‭ ‬الجعفري،‭ ‬وعلى‭ ‬كل‭ ‬حال‭ ‬الحوثيون‭ ‬مربوطون‭ ‬بشكل‭ ‬مباشر‭ ‬بحزب‭ ‬الله‭ ‬في‭ ‬لبنان‭ ‬وكذلك‭ ‬بإيران‭ ‬التي‭ ‬سلمت‭ ‬السفارة‭ ‬اليمنية‭ ‬في‭ ‬طهران‭ ‬لأحد‭ ‬قيادييهم،‭ ‬وبالتالي‭ ‬مشروعهم‭ ‬في‭ ‬اليمن‭ ‬هو‭ ‬جزء‭ ‬لا‭ ‬يتجزأ‭ ‬من‭ ‬المشروع‭ ‬الإيراني‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭. ‬

وقبل‭ ‬الختام‭ ‬عن‭ ‬التنظيمات‭ ‬والحركات‭ ‬العربية‭ ‬الشيعية،‭ ‬أضيف‭ ‬ملاحظة‭ ‬وهي‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬بعض‭ ‬التنظيمات‭ ‬الدينية‭ ‬الأخرى‭ ‬الصغيرة‭ ‬التي‭ ‬ظهرت‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬بعد‭ ‬2003م،‭ ‬وهذه‭ ‬لم‭ ‬تتضح‭ ‬لي‭ ‬معالمها‭ ‬الكاملة‭ ‬إن‭ ‬كانت‭ ‬حركات‭ ‬عقائدية‭ ‬سلوكية‭ ‬فقط‭ ‬أم‭ ‬لها‭ ‬أهداف‭ ‬سياسية،‭ ‬كما‭ ‬لا‭ ‬يوجد‭ ‬ما‭ ‬يشير‭ ‬إلى‭ ‬ارتباطها‭ ‬بإيران‭. ‬ومن‭ ‬هذه‭ ‬الحركات‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال‭: ‬حركة‭ ‬أنصار‭ ‬المهدي‭ ‬وزعيمها‭ ‬احمد‭ ‬اليماني‭. ‬حركة‭ ‬جند‭ ‬السماء‭ ‬وزعيمها‭ ‬يدعي‭ ‬أنه‭ ‬هو‭ ‬المهدي‭. ‬حركة‭ ‬الموطئون‭ ‬وزعيمها‭ ‬كذلك‭. ‬حركة‭ ‬روح‭ ‬الله،‭ ‬ويدعون‭ ‬أن‭ ‬الخميني‭ ‬هو‭ ‬المهدي‭ ‬غاب‭ ‬وسيظهر‭. ‬حركة‭ ‬النبأ‭ ‬العظيم‭ ‬ويدعون‭ ‬أن‭ ‬مقتدى‭ ‬الصدر‭ ‬هو‭ ‬المهدي‭. ‬حركة‭ ‬الصرخي،‭ ‬الحركة‭ ‬المولوية،‭ ‬حركة‭ ‬المختار،‭ ‬وغيرهم‭.‬

وفي‭ ‬النهاية‭ ‬أود‭ ‬لفت‭ ‬نظر‭ ‬القارئ‭ ‬الكريم‭ ‬لبعض‭ ‬التوضيحات‭: ‬أولا،‭ ‬قد‭ ‬يتساءل‭ ‬البعض‭ ‬مستنكراً،‭ ‬لماذا‭ ‬التركيز‭ ‬على‭ ‬الإسلام‭ ‬السياسي‭ ‬والأيدلوجيا‭ ‬الدينية‭ ‬بينما‭ ‬هناك‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الأيدلوجيات‭ ‬الأخرى‭ ‬التي‭ ‬اجتاحت‭ ‬المجتمعات‭ ‬العربية‭ ‬وكانت‭ ‬نتائجها‭ ‬الفشل؟،‭ ‬وأقول‭ ‬للإنصاف،‭ ‬نعم‭ ‬هناك‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الأيدلوجيات‭ ‬التي‭ ‬اجتاحت‭ ‬العالم‭ ‬بأكمله،‭ ‬ولكن‭ ‬ما‭ ‬يجعل‭ ‬الإسلام‭ ‬السياسي‭ ‬مختلفاً‭ ‬هو‭ ‬أنه‭ ‬يعتمد‭ ‬على‭ ‬المقدس‭ ‬الديني‭ ‬في‭ ‬الشرعنة‭ ‬لنفسه‭ ‬وهذا‭ ‬أخطر‭ ‬ما‭ ‬في‭ ‬الأمر،‭ ‬كما‭ ‬أنه‭ ‬في‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الأحيان‭ ‬كان‭ ‬مستتراً‭ ‬ومخادعاً‭ ‬وربما‭ ‬استخدم‭ ‬أدوات‭ ‬الحداثة‭ ‬السياسية‭ ‬مثل‭ ‬الأشكال‭ ‬الديمقراطية‭ ‬وغيرها‭ ‬لذر‭ ‬الرماد‭ ‬في‭ ‬العيون،‭ ‬أو‭ ‬كسلم‭ ‬للصعود‭ ‬يتم‭ ‬ركله‭ ‬لاحقاً،‭ ‬كما‭ ‬كان‭ ‬في‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الأحيان‭ ‬دموياً‭ ‬وكارثيا،‭ ‬وهذا‭ ‬ليس‭ ‬فقط‭ ‬نفّر‭ ‬العالم‭ ‬من‭ ‬الدين‭ ‬الإسلامي،‭ ‬بل‭ ‬نفرهم‭ ‬من‭ ‬جميع‭ ‬المسلمين‭ ‬الأبرياء‭ ‬المسالمين،‭ ‬وخلق‭ ‬حالة‭ ‬عالمية‭ ‬تعرف‭ ‬اليوم‭ ‬بـ‭ ‬“الإسلامفوبيا”،‭ ‬هذا‭ ‬ناهيك‭ ‬عن‭ ‬تنفير‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الشباب‭ ‬المسلم‭ ‬من‭ ‬دينهم‭ ‬بعدما‭ ‬رأوا‭ ‬تطبيقاته‭ ‬العملية‭ ‬المعاصرة‭. ‬

من‭ ‬ناحية‭ ‬أخرى‭ ‬وللإنصاف‭ ‬أيضاً‭ ‬أقول‭ ‬بأن‭ ‬إشكالية‭ ‬الإسلام‭ ‬السياسي‭ ‬عندما‭ ‬ننظر‭ ‬لها‭ ‬في‭ ‬العمق‭ ‬سنجد‭ ‬أنها‭ ‬متشابكة‭ ‬بشكل‭ ‬معقد‭ ‬مع‭ ‬إشكاليات‭ ‬أخرى‭ ‬كبرى‭ ‬مثل‭ ‬موقف‭ ‬الفقه‭ ‬الإسلامي‭ ‬من‭ ‬الحداثة‭ ‬وما‭ ‬بعد‭ ‬الحداثة‭ ‬في‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬المجالات‭ ‬وما‭ ‬السياسة‭ ‬إلا‭ ‬واحداً‭ ‬منها،‭ ‬ومثل‭ ‬إشكالية‭ ‬أزمة‭ ‬الهوية‭ ‬لدى‭ ‬الفرد‭ ‬أو‭ ‬الجماعة،‭ ‬وهي‭ ‬أزمة‭ ‬موجودة‭ ‬اليوم‭ ‬في‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬دول‭ ‬العالم‭ ‬خاصة‭ ‬مع‭ ‬صعود‭ ‬الأحزاب‭ ‬اليمينية‭ ‬الغربية،‭ ‬كذلك‭ ‬مشاريع‭ ‬الإسلام‭ ‬السياسي‭ ‬تخادمت‭ ‬بشكل‭ ‬رئيسي‭ ‬مع‭ ‬موقف‭ ‬الدول‭ ‬العظمى‭ ‬من‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬ودعمها‭ ‬لإسرائيل‭ ‬في‭ ‬مخالفة‭ ‬القوانين‭ ‬والقرارات‭ ‬الدولية‭. ‬ثانيا،‭ ‬لم‭ ‬نتطرق‭ ‬فيما‭ ‬سبق‭ ‬إلا‭ ‬للمجتمعات‭ ‬العربية‭ ‬في‭ ‬نشوء‭ ‬الإسلام‭ ‬السياسي‭ ‬الشيعي‭ ‬المعاصر‭ ‬وإلا‭ ‬فإن‭ ‬هناك‭ ‬مجتمعات‭ ‬أخرى‭ ‬اشتغلت‭ ‬عليها‭ ‬إيران‭ ‬وأدواتها‭ ‬بنفس‭ ‬الطريقة،‭ ‬في‭ ‬الهند‭ ‬وباكستان‭ ‬وأفغانستان‭ ‬ومجتمعات‭ ‬متعددة‭ ‬في‭ ‬آسيا‭ ‬وأفريقيا‭. ‬ثالثا،‭ ‬سيلاحظ‭ ‬القارئ‭ ‬المطلع‭ ‬أننا‭ ‬لم‭ ‬نتحدث‭ ‬عن‭ ‬جميع‭ ‬التنظيمات‭ ‬الشيعية‭ ‬الحركية‭ ‬القديمة‭ ‬والحديثة‭ ‬في‭ ‬المجتمعات‭ ‬العربية،‭ ‬وهذا‭ ‬لأن‭ ‬الحديث‭ ‬مُنصب‭ ‬على‭ ‬نشوء‭ ‬الفكرة‭ ‬السياسية‭ ‬وذكر‭ ‬أهم‭ ‬التنظيمات‭ ‬الأولية،‭ ‬ولا‭ ‬يتسع‭ ‬ليشمل‭ ‬النشوء‭ ‬التنظيمي‭ ‬لجميع‭ ‬الحركات،‭ ‬نعم‭ ‬فصّلنا‭ ‬بعض‭ ‬الشيء‭ ‬في‭ ‬الشأن‭ ‬الخليجي‭ ‬بخلاف‭ ‬العراق‭ ‬ولبنان‭ ‬مثلاً،‭ ‬وذلك‭ ‬لأنني‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬المنطقة‭ ‬وعايشت‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬أحداثها‭ ‬وتحولاتها‭ ‬واحتككت‭ ‬بالعديد‭ ‬من‭ ‬شخصياتها،‭ ‬ونظرا‭ ‬أيضا‭ ‬لأننا‭ ‬نرى‭ ‬وحدة‭ ‬المنشأ‭ ‬الفكري‭ ‬الذي‭ ‬انتشر‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬المجتمعات‭ ‬الشيعية‭ ‬العربية‭ ‬والذي‭ ‬بدأ‭ ‬بشخص‭ ‬واحد‭ ‬أو‭ ‬عدد‭ ‬محدود‭ ‬من‭ ‬الأشخاص‭ ‬كلهم‭ ‬انضووا‭ ‬لاحقاً‭ ‬وأتباعهم‭ ‬تحت‭ ‬مشروع‭ ‬الخميني‭ ‬الديني‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬والعالم‭. ‬رابعا،‭ ‬بالنسبة‭ ‬للتنظيمات‭ ‬والعمليات‭ ‬الإرهابية‭ ‬في‭ ‬الخليج‭ ‬وخاصة‭ ‬في‭ ‬الثمانينات‭ ‬فعادة‭ ‬ما‭ ‬يخرج‭ ‬من‭ ‬“المتأرينين”‭ ‬من‭ ‬يحاجج‭ ‬بأن‭ ‬ذلك‭ ‬كان‭ ‬سببه‭ ‬وقوف‭ ‬دول‭ ‬الخليج‭ ‬ودعمها‭ ‬للعراق‭ ‬في‭ ‬حربه‭ ‬ضد‭ ‬إيران،‭ ‬وهنا‭ ‬أقول‭ ‬حريّا‭ ‬بهؤلاء‭ ‬أن‭ ‬يدينوا‭ ‬تلك‭ ‬العمليات‭ ‬الإرهابية‭ ‬وليس‭ ‬تبريرها‭ ‬أو‭ ‬إنكارها‭ ‬كما‭ ‬يكذبون‭ ‬على‭ ‬البسطاء،‭ ‬خاصة‭ ‬وأن‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬العمليات‭ ‬لم‭ ‬ينكرها‭ ‬حتى‭ ‬النظام‭ ‬الإيراني‭ ‬نفسه،‭ ‬بل‭ ‬في‭ ‬عملية‭ ‬مكة‭ ‬المذكورة،‭ ‬ودويّها‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬الإسلامي،‭ ‬وخوفاً‭ ‬من‭ ‬تدويل‭ ‬القضية،‭ ‬قدموا‭ ‬الاعتذار‭ ‬الرسمي‭ ‬للدولة‭ ‬السعودية،‭ ‬الأمر‭ ‬الآخر‭ ‬المهم‭ ‬هنا‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬الأنشطة‭ ‬في‭ ‬الدول‭ ‬المجاورة‭ ‬لإيران‭ ‬بدأت‭ ‬قبل‭ ‬الحرب‭ ‬وخاصة‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬والسعودية‭ ‬والكويت،‭ ‬فكانت‭ ‬بوادر‭ ‬التهديدات‭ ‬الإيرانية‭ ‬لدول‭ ‬الخليج‭ ‬واضحة‭ ‬مما‭ ‬يجعل‭ ‬من‭ ‬الطبيعي‭ ‬وقوفها‭ ‬مع‭ ‬العراق‭ ‬لأنهم‭ ‬شعروا‭ ‬بنفس‭ ‬الخطر‭ ‬الذي‭ ‬هدد‭ ‬العراق،‭ ‬ناهيك‭ ‬عن‭ ‬العوامل‭ ‬الأخرى‭ ‬كالحس‭ ‬العروبي‭ ‬العالي‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬المرحلة‭ ‬وكذلك‭ ‬خارطة‭ ‬التحالفات‭ ‬الدولية‭ ‬المتشابهة‭ ‬بين‭ ‬العراق‭ ‬والخليج‭ ‬آنذاك‭. ‬

خامسا،‭ ‬عندما‭ ‬تطرح‭ ‬هذه‭ ‬الأمور‭ ‬والأحداث‭ ‬في‭ ‬المجتمعات‭ ‬الشيعية‭ ‬الخليجية،‭ ‬نجد‭ ‬هناك‭ ‬من‭ ‬يهرب‭ ‬للأمام‭ ‬بالحديث‭ ‬عن‭ ‬سلبيات‭ ‬الحكومات‭ ‬تجاه‭ ‬الشيعة،‭ ‬والحقيقة‭ ‬لا‭ ‬يمكننا‭ ‬تصور‭ ‬شخص‭ ‬سوي‭ ‬وطبيعي‭ ‬ولديه‭ ‬أدنى‭ ‬درجة‭ ‬من‭ ‬الانتماء‭ ‬الوطني‭ ‬أن‭ ‬يقبل‭ ‬بتبرير‭ ‬العمالة‭ ‬والخيانة‭ ‬بحجة‭ ‬سلبيات‭ ‬الحكومات،‭ ‬ولكنها‭ ‬الأدلجة‭ ‬وما‭ ‬تفعل‭!. ‬وفي‭ ‬نفس‭ ‬الوقت‭ ‬أؤكد‭ ‬انني‭ ‬لست‭ ‬هنا‭ ‬بصدد‭ ‬الدفاع‭ ‬أو‭ ‬التقديس‭ ‬للحكومات‭ ‬ولا‭ ‬أعتقد‭ ‬أنهم‭ ‬هم‭ ‬يدعون‭ ‬ذلك‭ ‬لأنفسهم،‭ ‬وكنت‭ ‬في‭ ‬الحقبة‭ ‬الماضية‭ ‬قد‭ ‬كتبت‭ ‬مراراً‭ ‬وفي‭ ‬عدة‭ ‬أحداث‭ ‬حصلت‭ ‬في‭ ‬المنطقة،‭ ‬وداخلت‭ ‬في‭ ‬عدة‭ ‬ندوات‭ ‬خاصة‭ ‬وعامة‭ ‬عن‭ ‬أهم‭ ‬المؤثرات‭ ‬السلبية‭ ‬على‭ ‬اللحمة‭ ‬الوطنية‭ ‬كالتمييز‭ ‬المذهبي‭ ‬أو‭ ‬الخطاب‭ ‬الطائفي‭ ‬التكفيري‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬الأمور،‭ ‬وهذا‭ ‬فقط‭ ‬للتنويه‭ ‬لكي‭ ‬لا‭ ‬يزايد‭ ‬علينا‭ ‬أحد‭. ‬ولكن‭ ‬مع‭ ‬ذلك‭ ‬لا‭ ‬ننسى‭ ‬أن‭ ‬تلك‭ ‬التنظيمات‭ ‬ومن‭ ‬خلفهم‭ ‬الحاضنة‭ ‬الإيرانية،‭ ‬كان‭ ‬لهم‭ ‬مشروع‭ ‬أيدلوجي‭ ‬واسع‭ ‬كما‭ ‬وضحنا‭ ‬سابقاً،‭ ‬واختطفوا‭ ‬به‭ ‬مجتمعاتهم،‭ ‬وقد‭ ‬ضخموا‭ ‬وبالغوا‭ ‬فيما‭ ‬يخص‭ ‬الحكومات‭ ‬وحرضوا‭ ‬وعبأوا‭ ‬عاطفيا‭ ‬بالتركيز‭ ‬فقط‭ ‬على‭ ‬السلبيات‭ ‬وتجاهل‭ ‬الإيجابيات،‭ ‬والتي‭ ‬كان‭ ‬أغلبها‭ ‬سلبيات‭ ‬عامة‭ ‬غير‭ ‬مقتصرة‭ ‬على‭ ‬الشيعة‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬البلدان،‭ ‬كذلك‭ ‬كان‭ ‬وما‭ ‬زال‭ ‬التحدث‭ ‬بمنطق‭ ‬المظلومية،‭ ‬غير‭ ‬مبني‭ ‬على‭ ‬أساس‭ ‬وطني‭ ‬سليم،‭ ‬كذلك‭ ‬نرى‭ ‬بأن‭ ‬المحصلة‭ ‬النهائية‭ ‬لهذه‭ ‬الأساليب‭ ‬كانت‭ ‬أكثر‭ ‬سلبية‭ ‬بكثير‭ ‬على‭ ‬تلك‭ ‬المجتمعات‭ ‬التي‭ ‬تحدثوا‭ ‬باسمها‭ ‬وحرضوها‭ ‬ضد‭ ‬دولها،‭ ‬ومع‭ ‬الوقت‭ ‬ومع‭ ‬استمرار‭ ‬القوى‭ ‬الدينية‭ ‬المهيمنة‭ ‬وضخها‭ ‬وتعزيزها‭ ‬للمذهبية‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬الوطنية،‭ ‬والتي‭ ‬صبت‭ ‬في‭ ‬النهاية‭ ‬لصالح‭ ‬التعاطف‭ ‬مع‭ ‬إيران‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬سياساتها‭ ‬بل‭ ‬والدفاع‭ ‬عن‭ ‬تلك‭ ‬السياسات،‭ ‬وما‭ ‬كان‭ ‬يقابل‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬خطاب‭ ‬ديني‭ ‬متشدد‭ ‬وتكفيري‭ ‬ساد‭ ‬في‭ ‬أغلب‭ ‬المجتمعات‭ ‬الإسلامية،‭ ‬حصل‭ ‬التخادم‭ ‬بين‭ ‬هذين‭ ‬المتضادين‭ ‬للدخول‭ ‬في‭ ‬دائرة‭ ‬مفرغة‭ ‬من‭ ‬التجاذب‭ ‬المذهبي،‭ ‬مما‭ ‬غيب‭ ‬العقل‭ ‬الجمعي‭ ‬لتلك‭ ‬المجتمعات‭ ‬الشيعية‭ ‬من‭ ‬الناحية‭ ‬السياسية،‭  ‬وجعلها‭ ‬لا‭ ‬ترى‭ ‬الأحداث‭ ‬السياسية‭ ‬والمتغيرات‭ ‬الكبرى‭ ‬داخل‭ ‬بلدانها‭ ‬ولا‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬على‭ ‬طبيعتها،‭ ‬وغالباً‭ ‬تنظر‭ ‬لها‭ ‬بالعين‭ ‬الإيرانية‭ ‬التي‭ ‬توحدت‭ ‬لديها‭ ‬بالمذهب،‭ ‬فأصبح‭ ‬أي‭ ‬انتقاد‭ ‬لإيران‭ ‬يفسر‭ ‬على‭ ‬أنه‭ ‬انتقاد‭ ‬للمذهب،‭ ‬مما‭ ‬ساهم‭ ‬في‭ ‬تكريس‭ ‬العزلة‭ ‬الوطنية‭ ‬لتلك‭ ‬المجتمعات‭ ‬وفقد‭ ‬الثقة‭ ‬بها‭. ‬

سادسا،‭ ‬ما‭ ‬ذكرناه‭ ‬هنا‭ ‬من‭ ‬أحداث‭ ‬وأسماء،‭ ‬ليس‭ ‬الغرض‭ ‬منه‭ ‬استهداف‭ ‬أحد‭ ‬بشخصه،‭ ‬فما‭ ‬يعنينا‭ ‬هو‭ ‬الأفكار‭ ‬أما‭ ‬الأشخاص‭ ‬فيحييون‭ ‬ويموتون‭ ‬أو‭ ‬يتغيرون‭ ‬وتتغير‭ ‬قناعاتهم‭ ‬مع‭ ‬الزمن‭. ‬

وفي‭ ‬الختام‭ ‬أعتقد‭ ‬بضرورة‭ ‬وعي‭ ‬المجتمعات‭ ‬الإسلامية‭ ‬بشكل‭ ‬عام‭ ‬والشيعية‭ ‬بشكل‭ ‬خاص،‭ ‬خصوصا‭ ‬الجيل‭ ‬الجديد،‭ ‬إلى‭ ‬حقيقة‭ ‬هذه‭ ‬المشاريع‭ ‬وخطورتها‭ ‬وأنها‭ ‬كانت‭ ‬وما‭ ‬زالت‭ ‬تشكل‭ ‬جزءًا‭ ‬مهماً‭ ‬من‭ ‬مشاكلهم‭ ‬الوطنية‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬يعلمون‭ ‬أو‭ ‬لا‭ ‬يعلمون،‭ ‬وإن‭ ‬كنت‭ ‬أتوقع‭ ‬بأن‭ ‬مشاريع‭ ‬الإسلام‭ ‬السياسي‭ ‬بنسختيه‭ ‬الشيعية‭ ‬والسنية‭ ‬إنما‭ ‬هي‭ ‬في‭ ‬طريقها‭ ‬إلى‭ ‬الأفول‭ ‬قريباً‭. ‬ومن‭ ‬جهة‭ ‬أخرى‭ ‬فإن‭ ‬مواجهة‭ ‬الإسلام‭ ‬السياسي‭ ‬بشكل‭ ‬عام‭ ‬سنياً‭ ‬كان‭ ‬أو‭ ‬شيعياً،‭ ‬نرى‭ ‬أنها‭ ‬تتطلب‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬عمل‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬أبعد‭ ‬من‭ ‬الحلول‭ ‬الأمنية‭ ‬إلى‭ ‬التركيز‭ ‬على‭ ‬الجانب‭ ‬الفكري‭ ‬المنفتح‭ ‬ودعم‭ ‬مبادئ‭ ‬الإسلام‭ ‬الوسطي‭ ‬المعتدل‭ ‬والمتسامح‭ ‬مع‭ ‬الآخر،‭ ‬ونبذ‭ ‬الطائفية‭ ‬وخطابات‭ ‬الكراهية‭ ‬وتجريمها،‭ ‬وتعزيز‭ ‬قيم‭ ‬العدالة‭ ‬والمساواة‭ ‬وحقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬وحرية‭ ‬التعبير،‭ ‬وعدم‭ ‬التضييق‭ ‬على‭ ‬الممارسات‭ ‬الدينية‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تصطدم‭ ‬بالآخرين،‭ ‬أو‭ ‬إشعار‭ ‬فئة‭ ‬من‭ ‬المواطنين‭ ‬بأنها‭ ‬مستهدفة‭ ‬في‭ ‬عقيدتها‭ ‬الدينية،‭ ‬وهذا‭ ‬كله‭ ‬في‭ ‬النهاية‭ ‬يعزز‭ ‬المواطنة‭ ‬ويرفع‭ ‬الروح‭ ‬الوطنية‭ ‬والولاء‭ ‬السياسي‭ ‬للدولة‭ ‬وقيادتها‭ ‬لدى‭ ‬جميع‭ ‬الأطياف‭ ‬ويجعلهم‭ ‬أشد‭ ‬حرصاً‭ ‬على‭ ‬استقرار‭ ‬ومصالح‭ ‬دولهم‭.‬

‭) ‬ انتهى ‭ {