الإسلام السياسي بنسختيه الشيعية والسنية في طريقه إلى الأفول قريباً

نشوء الإسلام السياسي الشيعي المعاصر (5 - 6)

| خالد عبدالعزيز النزر

أتباع‭ ‬ولاية‭ ‬الفقيه‭ ‬يعتبرون‭ ‬مشروع‭ ‬إيران‭ ‬التوسعي‭ ‬دينياً‭ ‬في‭ ‬الأساس الصدر‭ ‬وطلابه‭ ‬أكثر‭ ‬المتأثرين‭ ‬بفكر‭ ‬الإخوان‭ ‬المسلمين‭ ‬من‭ ‬رجال‭ ‬الدين‭ ‬الشيعة

 

‭ ‬توقع‭ ‬الكاتب‭ ‬والباحث‭ ‬السعودي‭ ‬خالد‭ ‬عبدالعزيز‭ ‬النزر‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬مصير‭ ‬مشاريع‭ ‬الإسلام‭ ‬السياسي،‭ ‬بنسختيه‭ ‬الشيعية‭ ‬والسنية،‭ ‬إلى‭ ‬الأفول‭ ‬قريبا‭. ‬وقال‭ ‬إن‭ ‬معارضة‭ ‬الإسلام‭ ‬السياسي‭ ‬لا‭ ‬تعني‭ ‬المعارضة‭ ‬للدين‭ ‬الإسلامي‭ ‬نفسه‭ ‬أو‭ ‬لتشريعاته،‭ ‬مشيرا‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬مفهوم‭ ‬الدولة‭ ‬الوطنية‭ ‬الحديثة‭ ‬قادرعلى‭ ‬استيعاب‭ ‬جميع‭ ‬الأديان‭ ‬والمذاهب‭ ‬وتأطير‭ ‬الأفهام‭ ‬المختلفة‭ ‬للدين‭ ‬بحدود‭ ‬أصحابها‭. ‬فنحن‭ ‬كمسلمين‭ ‬متفقون‭ ‬على‭ ‬الدين‭ ‬وأهمية‭ ‬تطبيق‭ ‬تشريعاته،‭ ‬ولكننا‭ ‬مختلفون‭ ‬في‭ ‬فهم‭ ‬هذا‭ ‬الدين‭ ‬وفي‭ ‬طريقة‭ ‬التطبيق‭ ‬حتى‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬الفقهي‭ ‬البسيط‭ ‬من‭ ‬عبادات‭ ‬ومعاملات،‭ ‬فكيف‭ ‬بأنظمة‭ ‬وإدارة‭ ‬الدول؟‭.‬

وذكر‭ ‬النزر‭ ‬أن‭ ‬مواجهة‭ ‬الإسلام‭ ‬السياسي‭ ‬بشكل‭ ‬عام‭ ‬سنياً‭ ‬كان‭ ‬أو‭ ‬شيعياً،‭ ‬تتطلب‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬عمل‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬أبعد‭ ‬من‭ ‬الحلول‭ ‬الأمنية،‭ ‬حيث‭ ‬يجب‭ ‬التركيز‭ ‬على‭ ‬الجانب‭ ‬الفكري‭ ‬المنفتح‭ ‬ودعم‭ ‬مبادئ‭ ‬الإسلام‭ ‬الوسطي‭ ‬المعتدل‭ ‬والمتسامح‭ ‬مع‭ ‬الآخر،‭ ‬ونبذ‭ ‬الطائفية‭ ‬وخطابات‭ ‬الكراهية‭ ‬وتجريمها‭.‬

وعودة‭ ‬لحزب‭ ‬الدعوة‭ ‬في‭ ‬الخليج،‭ ‬فقد‭ ‬دخل‭ ‬إلى‭ ‬الكويت‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬بعض‭ ‬قياديي‭ ‬الحزب‭ ‬الذين‭ ‬قدموا‭ ‬آنذاك‭ ‬من‭ ‬العراق‭ ‬وعلى‭ ‬رأسهم‭ ‬اللبناني‭ ‬الشيخ‭ ‬علي‭ ‬الكوراني‭ (‬ليس‭ ‬الذي‭ ‬أدين‭ ‬مؤخراً‭ ‬بالإرهاب‭ ‬في‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭)‬،‭ ‬ومن‭ ‬خلال‭ ‬تواجدهم‭ ‬في‭ ‬“مسجد‭ ‬النقي”‭ ‬عملوا‭ ‬على‭ ‬نشر‭ ‬أفكار‭ ‬الحزب‭ ‬بين‭ ‬شيعة‭ ‬الكويت‭ ‬واستطاع‭ ‬الحزب‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭ ‬السيطرة‭ ‬على‭ ‬مجلس‭ ‬إدارة‭ ‬“جمعية‭ ‬الثقافة‭ ‬الاجتماعية”،‭ ‬والقيام‭ ‬بعدة‭ ‬نشاطات‭ ‬إعلامية‭ ‬وثقافية‭ ‬اعتبرت‭ ‬قفزة‭ ‬نوعية‭ ‬عند‭ ‬الشيعة‭ ‬في‭ ‬الكويت‭ ‬مثل‭ ‬إصدار‭ ‬مجلة‭ ‬“طريق‭ ‬النور”‭ ‬ومجلة‭ ‬“النبأ”‭ ‬وعقد‭ ‬الندوات‭ ‬والمحاضرات‭. ‬

أخفى‭ ‬الحزب‭ ‬اسمه‭ ‬حيث‭ ‬كانت‭ ‬جميع‭ ‬الأنشطة‭ ‬تتم‭ ‬باسم‭ ‬الجمعية‭ ‬ومن‭ ‬هنا‭ ‬أطلق‭ ‬على‭ ‬أعضاء‭ ‬حزب‭ ‬الدعوة‭ ‬مسمى‭ ‬“خط‭ ‬جمعية‭ ‬الثقافة”‭ ‬نسبة‭ ‬إلى‭ ‬استخدام‭ ‬جمعية‭ ‬الثقافة‭ ‬كمقر‭ ‬لنشاطاتهم‭ ‬الحزبية،‭ ‬كما‭ ‬برز‭ ‬الحزب‭ ‬بشكل‭ ‬واضح‭ ‬في‭ ‬الحركة‭ ‬الطلابية‭ ‬بجامعة‭ ‬الكويت‭ ‬أثناء‭ ‬مشكلة‭ ‬الاختلاط‭ ‬في‭ ‬الجامعة‭ ‬حيث‭ ‬كانت‭ ‬تدور‭ ‬معركة‭ ‬بين‭ ‬التيار‭ ‬اليساري‭ ‬والقومي‭ ‬من‭ ‬جهة‭ ‬والتيارات‭ ‬الدينية‭ ‬من‭ ‬جهة‭ ‬ثانية‭. ‬

كذلك‭ ‬استطاع‭ ‬الحزب‭ ‬أن‭ ‬يمد‭ ‬نفوذه‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬عرف‭ ‬بـ‭ ‬“مجموعة‭ ‬ديوانية‭ ‬الشباب”‭ ‬عبر‭ ‬استقطاب‭ ‬بعض‭ ‬قياديي‭ ‬المجموعة‭. ‬تعرض‭ ‬أعضائه‭ ‬للملاحقة‭ ‬الجنائية‭ ‬بسبب‭ ‬الدعوة‭ ‬إلى‭ ‬إقامة‭ ‬جمهورية‭ ‬إسلامية‭ ‬شبيهة‭ ‬بجمهورية‭ ‬إيران‭ ‬الإسلامية،‭ ‬وكذلك‭ ‬اتهام‭ ‬أعضاء‭ ‬منه‭ ‬بالمشاركة‭ ‬في‭ ‬تفجيرات‭ ‬الثمانينات‭ ‬في‭ ‬الكويت،‭ (‬فلاح‭ ‬المديرس،‭ ‬الحركة‭ ‬الشيعية‭ ‬في‭ ‬الكويت‭). ‬

بالنسبة‭ ‬للسعوديين‭ ‬فكان‭ ‬منهم‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬طلاب‭ ‬محمد‭ ‬باقر‭ ‬الصدر‭ ‬الذين‭ ‬تأثروا‭ ‬آنذاك‭ ‬بأفكاره،‭ ‬أغلبهم‭ ‬من‭ ‬الأحسائيين‭ ‬الذين‭ ‬نشأوا‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬أو‭ ‬عاشوا‭ ‬فيها‭ ‬لفترات‭ ‬طويلة،‭ ‬ثم‭ ‬عادوا‭ ‬لبلادهم‭ ‬لاحقاً‭ ‬وكان‭ ‬لهم‭ ‬في‭ ‬مجتمعهم‭ ‬مكانتهم‭ ‬الاجتماعية،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬انتماءهم‭ ‬لحزب‭ ‬الدعوة‭ ‬أمر‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬الجزم‭ ‬به‭ ‬أو‭ ‬تأكيده،‭ ‬إلا‭ ‬لمن‭ ‬عُرف‭ ‬عنه‭ ‬ذلك‭ ‬مثل‭ ‬عبدالهادي‭ ‬الفضلي‭ ‬أحد‭ ‬الأعضاء‭ ‬الأوائل‭ ‬لحزب‭ ‬الدعوة‭ ‬والبعض‭ ‬يعتبره‭ ‬من‭ ‬المؤسسين،‭ (‬حسين‭ ‬منصور‭ ‬الشيخ،‭ ‬الشيخ‭ ‬عبدالهادي‭ ‬الفضلي‭). ‬كان‭ ‬له‭ ‬دور‭ ‬رئيس‭ ‬في‭ ‬وضع‭ ‬مناهج‭ ‬“كلية‭ ‬الفقه”‭ ‬في‭ ‬النجف‭ ‬التي‭ ‬أنشئت‭ ‬على‭ ‬النهج‭ ‬الأكاديمي‭ ‬الحديث‭ ‬بخلاف‭ ‬الحوزات‭ ‬الدينية‭ ‬التقليدية‭ ‬هناك،‭ ‬وكانت‭ ‬هذه‭ ‬الكلية‭ ‬تمثل‭ ‬واحدة‭ ‬من‭ ‬أهم‭ ‬المصادر‭ ‬الرئيسة‭ ‬التي‭ ‬اعتمد‭ ‬عليها‭ ‬حزب‭ ‬الدعوة‭ ‬في‭ ‬استقطاب‭ ‬كوادره‭ ‬الأولية‭. ‬

كما‭ ‬كان‭ ‬للفضلي‭ ‬لاحقاً‭ ‬دور‭ ‬رئيس‭ ‬أيضاً‭ ‬في‭ ‬تجديد‭ ‬نظم‭ ‬ومناهج‭ ‬الحوزة‭ ‬الدينية‭ ‬في‭ ‬قم‭ ‬التي‭ ‬كان‭ ‬يديرها‭ ‬حسين‭ ‬منتظري‭ ‬في‭ ‬حياة‭ ‬الخميني‭. ‬وساهم‭ ‬أيضاً‭ ‬في‭ ‬إنشاء‭ ‬الجامعة‭ ‬العالمية‭ ‬للعلوم‭ ‬الإسلامية‭ ‬في‭ ‬لندن‭ ‬عام‭ ‬1989م‭ ‬وعمل‭ ‬أستاذا‭ ‬فيها‭ ‬ومشرفا‭ ‬عاما‭ ‬لها‭. ‬

في‭ ‬الفترة‭ ‬التي‭ ‬جاء‭ ‬فيها‭ ‬الفضلي‭ ‬إلى‭ ‬السعودية‭ ‬كانت‭ ‬الدولة‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬المرحلة‭ ‬تواجه‭ ‬الحركيين‭ ‬السياسيين‭ ‬من‭ ‬شيوعيين‭ ‬وبعثيين‭ ‬وقوميين،‭ ‬وأجريت‭ ‬حملة‭ ‬واسعة‭ ‬ضد‭ ‬البعثيين‭ ‬في‭ ‬السعودية‭ ‬عام‭ ‬1969م‭ ‬ولم‭ ‬تكن‭ ‬العلاقة‭ ‬مع‭ ‬العراق‭ ‬بأفضل‭ ‬أحوالها‭. ‬عُين‭ ‬الفضلي‭ ‬عام‭ ‬1971م‭ ‬أستاذا‭ ‬للغة‭ ‬العربية‭ ‬في‭ ‬جامعة‭ ‬الملك‭ ‬عبدالعزيز‭ ‬بجدة،‭ ‬وابتعثته‭ ‬الجامعة‭ ‬للقاهرة‭ ‬لينال‭ ‬شهادة‭ ‬الدكتوراه‭ ‬وكان‭ ‬هو‭ ‬حاصلاً‭ ‬على‭ ‬الماستر‭ ‬من‭ ‬جامعة‭ ‬بغداد،‭ ‬ليعود‭ ‬رئيساً‭ ‬لقسم‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭ ‬في‭ ‬الجامعة،‭ ‬وفي‭ ‬تلك‭ ‬الأثناء‭ ‬أدرجت‭ ‬الجامعة‭ ‬أحد‭ ‬كتب‭ ‬الصدر‭ ‬في‭ ‬المناهج‭ ‬التعليمية‭ ‬وهو‭ ‬كتاب‭ ‬“اقتصادنا”‭ ‬الذي‭ ‬يتحدث‭ ‬عن‭ ‬نظرية‭ ‬إسلامية‭ ‬في‭ ‬الاقتصاد‭. ‬

كان‭ ‬الفضلي‭ ‬ناشطاً‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬الاجتماعي‭ ‬في‭ ‬جدة‭ ‬وكذلك‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬الشرقية‭ ‬وسط‭ ‬الشباب‭ ‬الشيعي‭. ‬وفي‭ ‬آخر‭ ‬حياته‭ ‬أثناء‭ ‬مرضه‭ ‬ذهب‭ ‬للعلاج‭ ‬في‭ ‬إيران‭ ‬وزاره‭ ‬علي‭ ‬خامنئي‭ ‬في‭ ‬المستشفى‭ ‬فأخذ‭ ‬يقبل‭ ‬يد‭ ‬خامنئي،‭ ‬فقبّل‭ ‬الأخير‭ ‬رأسه،‭ ‬ثم‭ ‬قال‭ ‬الفضلي‭: ‬“تحسنت‭ ‬كثيراً‭ ‬ببركات‭ ‬دعاء‭ ‬السيد”،‭ (‬مقطع‭ ‬فيديو‭). ‬توفي‭ ‬في‭ ‬السعودية‭ ‬عام‭ ‬2013م‭ ‬وكان‭ ‬له‭ ‬تشييع‭ ‬حاشد‭ ‬من‭ ‬الشيعة،‭ ‬كما‭ ‬أقيم‭ ‬له‭ ‬مجلس‭ ‬عزاء‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬من‭ ‬قِبل‭ ‬رئيس‭ ‬مجلس‭ ‬الوزراء‭ ‬السابق‭ ‬ابراهيم‭ ‬الجعفري،‭ ‬رئيس‭ ‬“التحالف‭ ‬الوطني‭ ‬العراقي”‭ ‬آنذاك،‭ ‬والذي‭ ‬ألقى‭ ‬فيه‭ ‬كلمة‭ ‬تأبينية،‭ ‬وحضره‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬أعضاء‭ ‬حزب‭ ‬الدعوة‭ ‬القدماء‭ ‬وغيرهم‭ ‬من‭ ‬السياسيين‭ ‬العراقيين‭.‬

السيد‭ ‬محمد‭ ‬بن‭ ‬المهدي‭ ‬الشيرازي‭ ‬وحركة‭ ‬الطلائع‭ ‬الرساليين

كان‭ ‬من‭ ‬ضمن‭ ‬رجال‭ ‬الدين‭ ‬الذين‭ ‬اجتمع‭ ‬بهم‭ ‬الصدر‭ ‬نهاية‭ ‬الخمسينات‭ ‬قبل‭ ‬تأسيس‭ ‬حزب‭ ‬الدعوة‭ ‬للتشاور،‭ ‬فحصل‭ ‬اختلاف‭ ‬في‭ ‬وجهات‭ ‬النظر‭ ‬حول‭ ‬نقاط‭ ‬عدة،‭ ‬منها‭ ‬استخدام‭ ‬مصطلح‭ ‬“حزب”‭ ‬الذي‭ ‬اعترض‭ ‬عليه‭ ‬الشيرازي‭ ‬من‭ ‬باب‭ ‬أنه‭ ‬من‭ ‬المفاهيم‭ ‬الغربية‭ ‬الدخيلة،‭ ‬وقد‭ ‬كان‭ ‬الشيرازي‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬الفترة‭ ‬رافضاً‭ ‬لفكرة‭ ‬الأحزاب‭ ‬كما‭ ‬يبدو،‭ ‬كذلك‭ ‬اختلف‭ ‬مع‭ ‬الصدر‭ ‬حول‭ ‬إيمانه‭ ‬بوجوب‭ ‬القيادة‭ ‬لرجل‭ ‬الدين‭ ‬الفقيه‭ ‬بينما‭ ‬كان‭ ‬الصدر‭ ‬يطرح‭ ‬فكرة‭ ‬الشورى‭ ‬الإسلامية‭ (‬هذا‭ ‬انعكس‭ ‬لاحقاً‭)‬،‭ ‬ويقول‭ ‬بعض‭ ‬أتباعه‭ ‬القدماء‭ ‬بأنه‭ ‬هو‭ ‬من‭ ‬أحيا‭ ‬فكرة‭ ‬حكم‭ ‬ولاية‭ ‬الفقيه‭ ‬قبل‭ ‬الخميني،‭ ‬وأن‭ ‬ذلك‭ ‬جاء‭ ‬في‭ ‬كتاب‭ ‬له‭ ‬–لم‭ ‬أطلع‭ ‬عليه‭- ‬بعنوان‭: ‬“الحكم‭ ‬في‭ ‬الإسلام”‭. ‬وعلى‭ ‬كل‭ ‬حال‭ ‬كان‭ ‬الشيرازي‭ ‬من‭ ‬أهالي‭ ‬كربلاء‭ ‬ذوي‭ ‬الأصول‭ ‬الإيرانية‭ ‬ومن‭ ‬أسرة‭ ‬دينية‭ ‬معروفة‭ ‬وجده‭ ‬السيد‭ ‬محمد‭ ‬حسن‭ ‬الشيرازي‭ ‬صاحب‭ ‬الفتوى‭ ‬الشهيرة‭ ‬في‭ ‬تحريم‭ ‬التنباك‭ ‬والتتن‭ ‬في‭ ‬إيران‭ ‬ضد‭ ‬بريطانيا‭ ‬في‭ ‬العهد‭ ‬القاجاري‭. ‬أي‭ ‬أنه‭ ‬كان‭ ‬مهتماً‭ ‬بالشأن‭ ‬الإيراني‭ ‬وما‭ ‬يجري‭ ‬فيها،‭ ‬وفي‭ ‬أحداث‭ ‬قم‭ ‬عام‭ ‬1963م‭ ‬التي‭ ‬سجن‭ ‬فيها‭ ‬الخميني‭ ‬وتحدثنا‭ ‬عنها‭ ‬سابقاً،‭ ‬قام‭ ‬الشيرازي‭ ‬مع‭ ‬رجال‭ ‬دين‭ ‬آخرين‭ ‬في‭ ‬كربلاء‭ ‬بإصدار‭ ‬بيان‭ ‬يطالبون‭ ‬فيه‭ ‬الشاه‭ ‬بالإفراج‭ ‬عن‭ ‬الخميني‭ ‬وأتباعه،‭ ‬وبالتالي‭ ‬ربما‭ ‬كانت‭ ‬له‭ ‬علاقة‭ ‬سابقة‭ ‬بالخميني‭. ‬

وعند‭ ‬قدوم‭ ‬الخميني‭ ‬من‭ ‬تركيا‭ ‬إلى‭ ‬العراق‭ ‬وزار‭ ‬الشيرازي‭ ‬في‭ ‬كربلاء،‭ ‬استقبله‭ ‬الأخير‭ ‬واحتفى‭ ‬به‭ ‬بشكل‭ ‬بارز‭ ‬على‭ ‬خلاف‭ ‬مراجع‭ ‬النجف‭ ‬الذين‭ ‬لم‭ ‬يعطوه‭ ‬تلك‭ ‬الحفاوة،‭ ‬فأعد‭ ‬له‭ ‬استقبالاً‭ ‬كبيراً‭ ‬أخرج‭ ‬فيه‭ ‬وفداً‭ ‬إلى‭ ‬خارج‭ ‬المدينة‭ ‬لتلقي‭ ‬الخميني،‭ ‬وكان‭ ‬يقدمه‭ ‬على‭ ‬نفسه‭ ‬في‭ ‬إمامة‭ ‬الصلاة‭ ‬داخل‭ ‬الحرم‭ ‬الحسيني،‭ ‬وهذا‭ ‬يعتبر‭ ‬من‭ ‬أعلى‭ ‬درجات‭ ‬الدعم‭ ‬لدى‭ ‬فقهاء‭ ‬الشيعة‭. ‬عندما‭ ‬طرح‭ ‬الشيرازي‭ ‬مرجعيته‭ ‬الدينية‭ ‬واجه‭ ‬حساسية‭ ‬من‭ ‬مراجع‭ ‬النجف‭ ‬حول‭ ‬أهليته‭ ‬للمرجعية،‭ ‬إلا‭ ‬أنه‭ ‬تميز‭ ‬بطرقه‭ ‬للأفكار‭ ‬المعاصرة‭ ‬آنذاك،‭ ‬وتأليفه‭ ‬لعدد‭ ‬كبير‭ ‬من‭ ‬الكتب‭ ‬المتنوعة‭ ‬دينياً‭ ‬واجتماعياً‭ ‬وسياسياً‭ (‬بغض‭ ‬النظر‭ ‬عن‭ ‬قيمتها‭ ‬العلمية‭)‬،‭ ‬مما‭ ‬جذب‭ ‬إليه‭ ‬جيل‭ ‬الشباب‭ ‬المتحمس‭ ‬في‭ ‬كربلاء‭ ‬وكذلك‭ ‬من‭ ‬خارجها‭ ‬ممن‭ ‬لم‭ ‬تستهوهم‭ ‬تقليدية‭ ‬النجف‭. ‬

فيما‭ ‬بعد‭ ‬أسس‭ ‬حركة‭ ‬“الطلائع‭ ‬الرساليين”‭ ‬عام‭ ‬1968م‭ ‬ولكن‭ ‬استخدم‭ ‬وصف‭ ‬“التنظيم‭ ‬المرجعي”‭ ‬بدلاً‭ ‬من‭ ‬“التنظيم‭ ‬الحزبي”‭ ‬وذلك‭ ‬لأنه‭ ‬يرفض‭ ‬مصطلح‭ ‬الحزب‭ ‬كما‭ ‬ذكرنا،‭ ‬وجعل‭ ‬رئيساً‭ ‬للحركة‭ ‬ابن‭ ‬اخته‭ ‬محمد‭ ‬تقي‭ ‬المدرسي،‭ ‬ويبدو‭ ‬لي‭ ‬أن‭ ‬المدرسي‭ ‬هو‭ ‬صاحب‭ ‬التنظيم‭ ‬العملي‭ ‬والتنفيذي‭ ‬على‭ ‬أرض‭ ‬الواقع،‭ ‬ولكن‭ ‬تحت‭ ‬مظلة‭ ‬خاله‭ ‬ومرجعيته‭. ‬وقد‭ ‬بدا‭ ‬واضحاً‭ ‬من‭ ‬أفكار‭ ‬المدرسي‭ ‬وكتاباته‭ ‬حول‭ ‬أسلمة‭ ‬المجتمع‭ ‬وشمولية‭ ‬الدين‭ ‬وغيرها،‭ ‬تأثره‭ ‬بأدبيات‭ ‬الإخوان‭ ‬المسلمين‭ ‬وتحديداً‭ ‬بأفكار‭ ‬سيد‭ ‬قطب‭ ‬حول‭ ‬الجاهلية‭ ‬والحاكمية‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬شكل‭ ‬الأساس‭ ‬الفكري‭ ‬لحركة‭ ‬الطلائع‭ ‬الرساليين‭. ‬

شددت‭ ‬الحكومة‭ ‬العراقية‭ ‬الخناق‭ ‬على‭ ‬الشيرازي‭ ‬وجماعته،‭ ‬فانتقل‭ ‬إلى‭ ‬الكويت‭ ‬عام‭ ‬1970م‭ ‬وأسس‭ ‬مدرسة‭ ‬دينية‭ ‬هناك‭ (‬حوزة‭ ‬الرسول‭ ‬الأعظم‭) ‬بمساعدة‭ ‬بعض‭ ‬التجار‭ ‬الكويتيين،‭ ‬فكانت‭ ‬غطاءً‭ ‬لحركة‭ ‬الطلائع‭ ‬التي‭ ‬استقطبت‭ ‬في‭ ‬الكويت‭ ‬أعداداً‭ ‬كبيرة‭ ‬من‭ ‬الشباب‭ ‬الشيعي‭ ‬الخليجي،‭ ‬خصوصاً‭ ‬السعوديين‭ ‬وغالبيتهم‭ ‬من‭ ‬القطيف،‭ ‬ومنهم‭ ‬أيضا‭ ‬بحرينيون‭ ‬وكويتيون‭ ‬وعمانيون‭. ‬وحصل‭ ‬نوع‭ ‬من‭ ‬التصادم‭ ‬بين‭ ‬الشيرازيين‭ ‬والدعويين‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬وفي‭ ‬الكويت‭ ‬أيضاً‭ ‬مما‭ ‬جعل‭ ‬علي‭ ‬الكوراني‭ ‬يتهمهم‭ ‬أمام‭ ‬مسؤولين‭ ‬في‭ ‬الكويت‭ ‬بأنهم‭ ‬أصحاب‭ ‬دعوة‭ ‬سياسية‭ ‬ويريدون‭ ‬إقامة‭ ‬دولة‭ ‬شيعية‭ ‬في‭ ‬الخليج،‭ ‬وأقيمت‭ ‬دعاوى‭ ‬قانونية‭ ‬ضد‭ ‬الشيرازي‭ ‬نفسه‭ ‬مطالبة‭ ‬بترحيله‭ ‬من‭ ‬الكويت،‭ ‬ولكن‭ ‬داعميه‭ ‬الكويتيين‭ ‬توسطوا‭ ‬له‭ ‬ونفوا‭ ‬هذه‭ ‬الاتهامات‭ ‬عنه‭ ‬فاستمر‭ ‬نشاطه‭ ‬في‭ ‬الكويت‭ ‬آنذاك،‭ (‬بدر‭ ‬الابراهيم‭ ‬ومحمد‭ ‬الصادق،‭ ‬الحراك‭ ‬الشيعي‭ ‬في‭ ‬السعودية‭).‬

كان‭ ‬أخوه‭ ‬حسن‭ ‬الشيرازي‭ ‬قد‭ ‬خرج‭ ‬من‭ ‬العراق‭ ‬إلى‭ ‬لبنان‭ ‬ليمارس‭ ‬نشاطه‭ ‬هناك،‭ ‬ولكنه‭ ‬اصطدم‭ ‬بموسى‭ ‬الصدر‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬ينقل‭ ‬عن‭ ‬تلك‭ ‬المرحلة‭. ‬كما‭ ‬أرسل‭ ‬الشيرازي‭ ‬ابن‭ ‬اخته‭ ‬الثاني‭ ‬هادي‭ ‬المدرسي‭ ‬للإقامة‭ ‬في‭ ‬البحرين‭ ‬وكان‭ ‬مرحّباً‭ ‬به‭ ‬من‭ ‬الحكومة‭ ‬البحرينية‭ ‬حينها‭ ‬وأعطي‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬المميزات،‭ ‬لدرجة‭ ‬أنه‭ ‬منح‭ ‬الجنسية‭ ‬البحرينية،‭ ‬ويبدو‭ ‬أن‭ ‬الحركة‭ ‬الشيرازية‭ ‬عملت‭ ‬بنفس‭ ‬الطريقة‭ ‬على‭ ‬جميع‭ ‬المجتمعات‭ ‬الشيعية‭ ‬لاستقطاب‭ ‬أكبر‭ ‬عدد‭ ‬ممكن‭ ‬من‭ ‬الأتباع‭. ‬بعد‭ ‬وصول‭ ‬الخميني‭ ‬لحكم‭ ‬إيران‭ ‬كان‭ ‬الشيرازي‭ ‬وأتباعه‭ ‬من‭ ‬أشد‭ ‬المتحمسين‭ ‬والمناصرين‭ ‬له،‭ ‬وبدأ‭ ‬الشيرازيون‭ ‬بالتحرك‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬والسعودية،‭ ‬وحدثت‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬بعض‭ ‬العمليات‭ ‬المسلحة‭ ‬المحدودة‭. ‬وفي‭ ‬موسم‭ ‬الحج‭ ‬عام‭ ‬1979م‭ ‬الموافق‭ ‬1399هـ‭ ‬التقى‭ ‬خامنئي‭ ‬ورفسنجاني‭ ‬باثنين‭ ‬من‭ ‬أهم‭ ‬أتباع‭ ‬الشيرازي‭ ‬السعوديين‭ ‬ودار‭ ‬بينهما‭ ‬حديث‭ ‬عام‭ ‬حول‭ ‬الثورة‭ ‬في‭ ‬إيران‭ ‬وأنه‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬للشعوب‭ ‬أن‭ ‬تتحرك،‭ ‬كذلك‭ ‬التقى‭ ‬بهما‭ ‬في‭ ‬الحج‭ ‬محمد‭ ‬تقي‭ ‬المدرسي‭ ‬رئيس‭ ‬الحركة‭ ‬ومرتضى‭ ‬القزويني‭ ‬أحد‭ ‬أعضائها‭ ‬ومن‭ ‬أقدم‭ ‬أتباع‭ ‬الشيرازي‭ ‬في‭ ‬كربلاء‭ (‬بحسب‭ ‬رواية‭ ‬أحدهما‭ ‬المنقولة‭ ‬في‭ ‬المصدر‭ ‬السابق‭)‬،‭ ‬وهناك‭ ‬رواية‭ ‬أخرى‭ ‬عن‭ ‬اجتماع‭ ‬حصل‭ ‬في‭ ‬الكويت‭ ‬لقادة‭ ‬حركة‭ ‬الطلائع‭ ‬قرروا‭ ‬فيه‭ ‬التحرك‭ ‬في‭ ‬السعودية‭. ‬وللعلم‭: ‬تنفي‭ ‬تلك‭ ‬الشخصيات‭ ‬والشيرازيون‭ ‬القدماء‭ ‬في‭ ‬السعودية‭ ‬عموماً‭ ‬أي‭ ‬تنسيق‭ ‬أو‭ ‬أوامر‭ ‬جاءتهم‭ ‬من‭ ‬قيادة‭ ‬الحركة،‭ ‬وأن‭ ‬تحركهم‭ ‬كان‭ ‬ذاتياً‭ ‬لنيل‭ ‬الحريات‭ ‬الدينية‭. ‬

وعلى‭ ‬كل‭ ‬حال‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬الفترة‭ ‬احتل‭ ‬جهيمان‭ ‬العتيبي‭ ‬الحرم‭ ‬المكي‭ ‬مما‭ ‬جعل‭ ‬الأوضاع‭ ‬الأمنية‭ ‬في‭ ‬الداخل‭ ‬السعودي‭ ‬متوترة‭ ‬للغاية،‭ ‬وصادف‭ ‬أنه‭ ‬اليوم‭ ‬الأول‭ ‬من‭ ‬موسم‭ ‬محرم‭ ‬الديني‭ ‬عند‭ ‬الشيعة‭ ‬عام‭ ‬1400هـ،‭ ‬ووزع‭ ‬فيه‭ ‬بالقطيف‭ ‬منشور‭ ‬يصعد‭ ‬من‭ ‬اللهجة‭ ‬ضد‭ ‬الدولة‭ ‬والدعوة‭ ‬للمشاركة‭ ‬في‭ ‬مواكب‭ ‬العزاء‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬ممنوعة،‭ ‬واستنكار‭ ‬مواقف‭ ‬الإمبريالية‭ ‬الأمريكية‭ ‬تجاوباً‭ ‬مع‭ ‬دعوة‭ ‬الخميني،‭ ‬وحث‭ ‬المنشور‭ ‬“المؤمنين‭ ‬الأبطال”‭ ‬على‭ ‬عدم‭ ‬الخوف‭ ‬من‭ ‬رجال‭ ‬الأمن‭ ‬وعدم‭ ‬الاستماع‭ ‬إلى‭ ‬الوجهاء‭ ‬والشخصيات‭ ‬والعُمد‭ ‬لأنهم‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬الجبناء‭ ‬والعملاء‭ ‬الهلعين‭ ‬على‭ ‬مصالحهم‭ ‬الشخصية‭. ‬وبدأ‭ ‬أتباع‭ ‬الشيرازي‭ ‬في‭ ‬القطيف‭ ‬بإطلاق‭ ‬خطب‭ ‬حماسية‭ ‬ثورية‭ ‬داخل‭ ‬الحسينيات‭ ‬تتحدث‭ ‬عن‭ ‬المظلومية‭ ‬وتغيير‭ ‬الواقع‭ ‬الاجتماعي‭ ‬وتدعيمه‭ ‬شرعاً‭ ‬بآيات‭ ‬قرآنية‭ ‬وربطه‭ ‬باستشهاد‭ ‬الإمام‭ ‬الحسين،‭ ‬فمثلاً‭ ‬أحدهم‭ ‬بدأ‭ ‬خطبته‭ ‬بقوله‭: ‬“هي‭ ‬الشهادة‭ ‬كالبركان‭ ‬ينفجر‭ ‬على‭ ‬الطغاة‭ ‬وكالنيران‭ ‬تستعر،‭ ‬ولم‭ ‬أجد‭ ‬كدمِ‭ ‬الأحرار‭ ‬من‭ ‬شرارٍ‭ ‬إذا‭ ‬تطاير‭ ‬لا‭ ‬يبقى‭ ‬ولا‭ ‬يذر”،‭ (‬راجع‭ ‬أيضاً‭: ‬الحراك‭ ‬الشيعي،‭ ‬مصدر‭ ‬سابق‭). ‬

نتج‭ ‬عن‭ ‬تلك‭ ‬الخطب‭ ‬خروج‭ ‬مظاهرات‭ ‬بدأت‭ ‬أولاً‭ ‬في‭ ‬بلدة‭ ‬سيهات‭ ‬بقيادة‭ ‬“مرتضى‭ ‬القزويني”‭ ‬المذكور‭ ‬سابقاً‭ (‬فهو‭ ‬ليس‭ ‬سعودياً‭ ‬لكن‭ ‬مجيئه‭ ‬المعلن‭ ‬للقطيف‭ ‬كان‭ ‬للمشاركة‭ ‬الخطابية‭ ‬في‭ ‬إحياء‭ ‬الموسم‭ ‬الديني،‭ ‬واستقدام‭ ‬خطباء‭ ‬بالأجر‭ ‬من‭ ‬دول‭ ‬أخرى‭ ‬كان‭ ‬أمراً‭ ‬اعتيادياً‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬الفترة‭)‬،‭ ‬ثم‭ ‬خرجت‭ ‬المظاهرات‭ ‬في‭ ‬داخل‭ ‬القطيف‭ ‬وفي‭ ‬بلدة‭ ‬صفوى‭ ‬بقيادة‭ ‬خطباء‭ ‬آخرين‭ ‬محليين‭ ‬من‭ ‬أتباع‭ ‬الشيرازي،‭ ‬ورفع‭ ‬بعض‭ ‬المتظاهرين‭ ‬صورة‭ ‬للخميني،‭ ‬وإضافة‭ ‬للهتافات‭ ‬المطلبية‭ ‬والعامة،‭ ‬رددوا‭ ‬هتافات‭ ‬مؤيدة‭ ‬له‭ ‬مثل‭: ‬“الله‭ ‬واحد،‭ ‬خميني‭ ‬قائد”‭ ‬أو‭ ‬“بالروح‭ ‬بالدم‭ ‬نفديك‭ ‬يا‭ ‬إمام”‭. ‬

في‭ ‬الأحساء‭ ‬حاول‭ ‬أتباع‭ ‬الشيرازي‭ ‬أيضاً‭ ‬إخراج‭ ‬مظاهرات‭ ‬بالتزامن‭ ‬مع‭ ‬القطيف،‭ ‬لكنها‭ ‬كانت‭ ‬محدودة‭ ‬وتم‭ ‬احتواؤها‭ ‬من‭ ‬نفس‭ ‬أهالي‭ ‬المتظاهرين‭. ‬لحق‭ ‬الشيرازي‭ ‬وجماعته‭ ‬بالخميني‭ ‬في‭ ‬طهران‭ ‬وكان‭ ‬لهم‭ ‬في‭ ‬البداية‭ ‬حظوة‭ ‬وتغلغل‭ ‬في‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬أجهزة‭ ‬الدولة‭ ‬الإيرانية‭ ‬الجديدة،‭ ‬وبدأوا‭ ‬بتوسيع‭ ‬تنظيمهم‭ ‬على‭ ‬شكل‭ ‬هرمي‭ ‬بقي‭ ‬على‭ ‬رأسه‭ ‬“محمد‭ ‬تقي‭ ‬المدرسي”‭ ‬ويندرج‭ ‬تحته‭ ‬عدة‭ ‬تنظيمات‭ ‬فرعية‭ ‬موزعة‭ ‬على‭ ‬المجتمعات‭ ‬الشيعية‭ ‬كالعراق‭ ‬والسعودية‭ ‬والبحرين،‭ ‬وأصبحت‭ ‬قيادة‭ ‬التنظيم‭ ‬مربوطة‭ ‬بالحرس‭ ‬الثوري‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬ما‭ ‬يسمى‭: ‬مكتب‭ ‬حركات‭ ‬التحرر‭ ‬أو‭ ‬مكتب‭ ‬تصدير‭ ‬الثورة‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬يرأسه‭ ‬مهدي‭ ‬هاشمي‭. ‬خطط‭ ‬التنظيم‭ ‬لعملية‭ ‬إنقلاب‭ ‬في‭ ‬البحرين‭ ‬للاستيلاء‭ ‬على‭ ‬الحكم‭ ‬بقيادة‭ ‬“هادي‭ ‬المدرسي”‭ ‬وبعلم‭ ‬وتسهيل‭ ‬السفير‭ ‬الإيراني‭ ‬هناك،‭ ‬والتي‭ ‬بدأ‭ ‬العمل‭ ‬بتنفيذها‭ ‬في‭ ‬ديسمبر‭ ‬عام‭ ‬1981م،‭ ‬والتي‭ ‬كانت‭ ‬تستهدف‭ ‬تفجير‭ ‬الاحتفال‭ ‬المركزي‭ ‬الذي‭ ‬سيقام‭ ‬في‭ ‬المنامة‭ ‬بمناسبة‭ ‬العيد‭ ‬الوطني‭ ‬والذي‭ ‬يحضره‭ ‬كبار‭ ‬مسؤولي‭ ‬الدولة،‭ ‬ليتم‭ ‬بعدها‭ ‬السيطرة‭ ‬على‭ ‬مرافق‭ ‬الدولة‭ ‬الرئيسية‭. ‬

قبل‭ ‬موعد‭ ‬الحفل‭ ‬ضبطت‭ ‬جمارك‭ ‬دبي‭ ‬شحنة‭ ‬قادمة‭ ‬من‭ ‬إيران‭ ‬متجهة‭ ‬للبحرين‭ ‬تحوي‭ ‬ملابس‭ ‬مقلدة‭ ‬للزي‭ ‬العسكري‭ ‬البحريني،‭ ‬فأبلغت‭ ‬دولة‭ ‬الإمارات‭ ‬السلطات‭ ‬البحرينية‭ ‬بذلك‭ ‬مما‭ ‬أسهم‭ ‬في‭ ‬كشف‭ ‬العملية‭ ‬وإفشالها،‭ ‬وتم‭ ‬القبض‭ ‬على‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬73‭ ‬شخصاً،‭ ‬وطرد‭ ‬السفير‭ ‬الإيراني‭. ‬

يذكر‭ ‬أن‭ ‬الشيرازي‭ ‬اختلف‭ ‬مع‭ ‬الخميني‭ ‬لاحقاً‭ ‬في‭ ‬مفاصل‭ ‬عدة‭ ‬مهمة،‭ ‬ويبدو‭ ‬أن‭ ‬الخميني‭ ‬رأى‭ ‬أن‭ ‬الشيرازي‭ ‬أخذ‭ ‬أكبر‭ ‬من‭ ‬حجمه‭ ‬وأصبح‭ ‬يتدخل‭ ‬في‭ ‬أمور‭ ‬وقرارات‭ ‬لا‭ ‬تعنيه،‭ ‬فحاول‭ ‬إبعاده‭ ‬باقتراح‭ ‬أن‭ ‬يذهب‭ ‬لإمامة‭ ‬الجمعة‭ ‬والجماعة‭ ‬في‭ ‬محافظة‭ ‬خوزستان‭ (‬الأحواز‭) ‬خاصة‭ ‬وأنه‭ ‬يجيد‭ ‬اللغة‭ ‬العربية،‭ ‬ولكن‭ ‬كل‭ ‬تلك‭ ‬التراكمات‭ ‬أغضبت‭ ‬الشيرازي‭ ‬وأشعرته‭ ‬بالإحباط،‭ ‬وحصل‭ ‬الشقاق‭ ‬بينهما‭ ‬وتخلى‭ ‬الشيرازي‭ ‬عن‭ ‬تبنيه‭ ‬لولاية‭ ‬الفقيه‭ ‬وطرح‭ ‬أفكاراً‭ ‬أخرى‭ ‬للحكم‭ ‬الديني‭ ‬مثل‭ ‬شورى‭ ‬الفقهاء،‭ ‬فتم‭ ‬التضييق‭ ‬عليه‭ ‬وعلى‭ ‬أتباعه‭ ‬وجُردوا‭ ‬من‭ ‬جميع‭ ‬صلاحياتهم‭ ‬داخل‭ ‬إيران،‭ ‬وانقلب‭ ‬عليهم‭ ‬لفترة‭ ‬من‭ ‬الزمن‭ ‬جميع‭ ‬التيارات‭ ‬الأخرى‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬المجتمعات‭ ‬الشيعية‭ ‬من‭ ‬خمينيين‭ ‬ودعويين‭ ‬وبطبيعة‭ ‬الحال‭ ‬التقليديين‭ ‬الذين‭ ‬كان‭ ‬لهم‭ ‬خلاف‭ ‬قديم‭ ‬معهم،‭ ‬والشيرازي‭ ‬نفسه‭ ‬ظل‭ ‬معتكفاً‭ ‬داخل‭ ‬منزله‭ ‬في‭ ‬قم‭ ‬حتى‭ ‬وفاته‭ ‬العام‭ ‬2001م‭ ‬وقيل‭ ‬أنها‭ ‬كانت‭ ‬إقامة‭ ‬جبرية،‭ ‬وأيضاً‭ ‬أثير‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬اللغط‭ ‬حول‭ ‬وفاته‭ ‬وأسبابها‭. ‬وكثيراً‭ ‬من‭ ‬الشيرازيين‭ ‬القدماء‭ ‬خرجوا‭ ‬وانتشروا‭ ‬في‭ ‬دول‭ ‬أخرى‭ ‬في‭ ‬أسيا‭ ‬وأوربا‭ ‬وأفريقيا‭ ‬وأمريكا،‭ ‬وهي‭ ‬نفس‭ ‬أماكن‭ ‬انتشار‭ ‬الدعويين‭ ‬أيضاً،‭ ‬كما‭ ‬حصلت‭ ‬خلافات‭ ‬سابقة‭ ‬داخل‭ ‬التنظيم‭ ‬نفسه‭ ‬بسبب‭ ‬تسلط‭ ‬محمد‭ ‬تقي‭ ‬المدرسي‭ ‬وأخيه‭ ‬هادي‭ ‬واستبدادهما‭ ‬بالرأي‭. ‬

وغالبية‭ ‬الشيرازيين‭ ‬الخليجيين‭ ‬عادوا‭ ‬لبلادهم‭ ‬لاحقاً‭ ‬بعد‭ ‬إصدارات‭ ‬بالعفو‭ ‬العام‭ ‬عنهم‭. ‬

ومن‭ ‬المهم‭ ‬معرفة‭ ‬أن‭ ‬الجماعة‭ ‬الشيرازية‭ ‬القديمة‭ ‬قد‭ ‬تشظت‭ ‬فكرياً‭ ‬وتنظيمياً‭ ‬بشكل‭ ‬واسع‭ ‬لاحقاً،‭ ‬وللتوضيح‭: ‬فاليوم‭ ‬ما‭ ‬يعرفون‭ ‬بالشيرازيين‭ ‬هم‭ ‬فقط‭ ‬أتباع‭ ‬السيد‭ ‬صادق‭ ‬الشيرازي‭ ‬المقيم‭ ‬في‭ ‬قم‭ ‬حالياً،‭ ‬وهو‭ ‬أخو‭ ‬محمد‭ ‬الشيرازي‭ ‬لكنه‭ ‬كان‭ ‬بعيداً‭ ‬تماماً‭ ‬عن‭ ‬السياسة‭ ‬والتنظيمات‭ ‬الحركية‭ ‬ويعتبر‭ ‬حالياً‭ ‬مرجع‭ ‬الشيرازيين‭ ‬التقليديين،‭ ‬وهؤلاء‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬احتسابهم‭ ‬على‭ ‬الإسلام‭ ‬السياسي،‭ ‬يُتهمون‭ ‬بالمبالغة‭ ‬في‭ ‬الطقوس‭ ‬الدينية‭ ‬واتباع‭ ‬الآراء‭ ‬المتشددة‭ ‬عقائدياً‭ ‬وتاريخياً‭ ‬ضد‭ ‬الصحابة‭ ‬وزوجات‭ ‬النبي‭ ‬وما‭ ‬إلى‭ ‬ذلك،‭ ‬وأغلب‭ ‬القنوات‭ ‬الفضائية‭ ‬الدينية‭ ‬الشيعية‭ ‬اليوم‭ ‬هي‭ ‬تابعة‭ ‬لهم،‭ ‬وهم‭ ‬على‭ ‬خلاف‭ ‬حقيقي‭ ‬مع‭ ‬النظام‭ ‬الإيراني‭ ‬وولاية‭ ‬الفقيه،‭ ‬ولكن‭ ‬يبدو‭ ‬لي‭ ‬أن‭ ‬الإيرانيون‭ ‬يستفيدون‭ ‬منهم‭ ‬بالاحتواء‭ ‬نظراً‭ ‬لانتشار‭ ‬أتباعهم،‭ ‬وتوغلهم‭ ‬الإعلامي‭ ‬العاطفي‭ ‬في‭ ‬وجدان‭ ‬شريحة‭ ‬شعبية‭ ‬واسعة‭ ‬من‭ ‬الشيعة‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تلك‭ ‬القنوات‭ ‬التي‭ ‬قد‭ ‬تستغل‭ ‬ضد‭ ‬إيران‭ ‬وهذا‭ ‬حصل‭ ‬بالفعل‭ ‬العام‭ ‬الماضي‭ ‬عندما‭ ‬اعتقلت‭ ‬السلطات‭ ‬الإيرانية‭ ‬حسين‭ ‬نجل‭ ‬المرجع‭ ‬صادق‭ ‬الشيرازي‭ ‬فبث‭ ‬الخبر‭ ‬في‭ ‬الشريط‭ ‬الإخباري‭ ‬أسفل‭ ‬أغلب‭ ‬تلك‭ ‬القنوات‭ ‬بشكل‭ ‬مناهض‭ ‬للنظام‭ ‬الإيراني،‭ ‬وصاحبه‭ ‬احتجاجات‭ ‬في‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬مكان‭ ‬واقتحام‭ ‬للسفارة‭ ‬الإيرانية‭ ‬في‭ ‬لندن،‭ ‬ومن‭ ‬أسباب‭ ‬احتوائهم‭ ‬أيضاً‭ ‬بنظري‭ ‬هو‭ ‬ليبقى‭ ‬هذا‭ ‬التيار‭ ‬المتشدد‭ ‬عاملاً‭ ‬لإظهار‭ ‬الدولة‭ ‬الدينية‭ ‬في‭ ‬إيران‭ ‬وأتباعها‭ ‬كتيار‭ ‬معتدل‭ ‬بالنسبة‭ ‬للآخر،‭ ‬وممن‭ ‬اشتهروا‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الجماعة‭ ‬رجل‭ ‬الدين‭ ‬الكويتي‭ ‬ياسر‭ ‬الحبيب‭. ‬القسم‭ ‬الآخر‭ ‬الذي‭ ‬تفرع‭ ‬من‭ ‬الشيرازيين‭ ‬القدماء‭ ‬هم‭ ‬جماعة‭ ‬المرجع‭ ‬الحالي‭ ‬محمد‭ ‬تقي‭ ‬المدرسي‭ ‬وأخيه‭ ‬هادي‭ ‬المذكوران‭ ‬سابقاً،‭ ‬وهذين‭ ‬أبقيا‭ ‬على‭ ‬دفء‭ ‬العلاقة‭ ‬مع‭ ‬السلطات‭ ‬الإيرانية‭ ‬وأجهزتها،‭ ‬أتباعهم‭ ‬قلة‭ ‬متركزة‭ ‬في‭ ‬كربلاء،‭ ‬وكذلك‭ ‬في‭ ‬الخليج‭ ‬الذي‭ ‬نشطوا‭ ‬فيه‭ ‬بشكل‭ ‬ملحوظ‭ ‬إبان‭ ‬“الربيع‭ ‬العربي”‭ ‬وخطب‭ ‬التجييش‭ ‬والتعبئة‭ ‬التي‭ ‬كان‭ ‬يبثها‭ ‬هادي‭ ‬المدرسي‭ ‬آنذاك‭ ‬عبر‭ ‬اليوتيوب‭ ‬وغيره‭ ‬من‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي،‭ ‬وممن‭ ‬اشتهروا‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الجماعة‭ ‬رجل‭ ‬الدين‭ ‬السعودي‭ ‬نمر‭ ‬النمر‭. ‬وكذلك‭ ‬من‭ ‬الشيرازيين‭ ‬القدماء‭ ‬المرجعين‭ ‬المستقلين‭ ‬الحاليين‭ ‬في‭ ‬إيران‭ ‬السيد‭ ‬كمال‭ ‬الحيدري‭ ‬والشيخ‭ ‬ناصر‭ ‬مكارم‭ ‬الشيرازي،‭ ‬وحجم‭ ‬أتباعهما‭ ‬اليوم‭ ‬أعداداً‭ ‬لا‭ ‬تذكر‭. ‬أما‭ ‬غير‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬الشيرازيين‭ ‬القدماء‭ ‬فأصبحوا‭ ‬في‭ ‬عداد‭ ‬باقي‭ ‬الشيعة‭ ‬دون‭ ‬تمييز‭ ‬في‭ ‬الإطار‭ ‬العام‭.  ‬