قدم فيلمه “رحل” في مهرجان العين السينمائي بنجاح كبير من الجمهور

المخرج الفرنسي أوليفية كوزماك: جميعا نريد الفرار من شيء ما

| طارق البحار

عرض‭ ‬الفيلم‭ ‬المغربي‭ ‬الفرنسي‭ ‬“رحل”‭ (‬نوميد‭) ‬لأوليفية‭ ‬كوزماك‭ ‬ضمن‭ ‬فعاليات‭ ‬الدورة‭ ‬الثانية‭ ‬لمهرجان‭ ‬العين‭ ‬السينمائي‭ ‬بحضور‭ ‬مخرجه‭ ‬وحصد‭ ‬إعجاب‭ ‬جميع‭ ‬من‭ ‬حضره،‭ ‬خصوصًا‭ ‬وأنه‭ ‬عرض‭ ‬سابقًا‭ ‬بنجاح‭ ‬ضمن‭ ‬فعاليات‭ ‬الدورة‭ ‬الـ‭ ‬35‭ ‬لمهرجان‭ ‬الإسكندرية‭ ‬لسينما‭ ‬حوض‭ ‬البحر‭ ‬الأبيض‭ ‬المتوسط،‭ ‬وحصد‭ ‬جائزة‭ ‬أفضل‭ ‬فيلم‭ ‬وأفضل‭ ‬إخراج‭ ‬وأفضل‭ ‬تمثيل‭ ‬نسائي‭ ‬دور‭ ‬أول‭ ‬للفنانة‭ ‬جليلة‭ ‬التلمسي‭. ‬يدور‭ ‬الفيلم‭ ‬“رحل”‭ ‬حول‭ ‬تأثيرات‭ ‬الهجرة‭ ‬غير‭ ‬الشرعية‭ ‬على‭ ‬أهالي‭ ‬الذين‭ ‬يسلكون‭ ‬هذا‭ ‬الطريق‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬حياة‭ ‬سيدة‭ ‬لديها‭ ‬ثلاثة‭ ‬أبناء‭ ‬يستطيع‭ ‬ابنها‭ ‬البكر‭ ‬أن‭ ‬يصل‭ ‬إلى‭ ‬فرنسا‭ ‬في‭ ‬هجرته‭ ‬غير‭ ‬الشرعية،‭ ‬ويعتقل‭ ‬في‭ ‬فرنسا،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬تفقد‭ ‬الأوسط‭ ‬في‭ ‬البحر،‭ ‬وتحاول‭ ‬أن‭ ‬تحافظ‭ ‬على‭ ‬الصغير،‭ ‬فتهجر‭ ‬مدينتها‭ ‬الساحلية‭ ‬إلى‭ ‬بلدتها‭ ‬الريفية‭ ‬لتعيش‭ ‬بكنف‭ ‬شقيقها‭. ‬مخرج‭ ‬العمل‭ ‬الفرنسي‭ ‬أوليفية‭ ‬كوزماك‭ ‬تحدث‭ ‬معي‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬اللقاء‭ ‬الخاص‭ ‬وتحدث‭ ‬عن‭ ‬هذا‭ ‬الفيلم‭ ‬وتصويره‭ ‬ومشاريعه‭.‬

هل‭ ‬أولا‭ ‬الفيلم‭ ‬تكرار‭ ‬لأفلام‭ ‬عديدة‭ ‬تتحدث‭ ‬عن‭ ‬فكرة‭ ‬الهجرة؟

في‭ ‬الأفلام‭ ‬التي‭ ‬شاهدتها‭ ‬ربما‭ ‬شاهدت‭ ‬تكرارا‭ ‬بشكل‭ ‬عام‭ ‬حول‭ ‬فكرة‭ ‬الهجرة‭ ‬غير‭ ‬الشرعية‭ ‬وبغالبيتها‭ ‬صورت‭ ‬صعوبة‭ ‬الحياة‭ ‬في‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬بلدان‭ ‬العالم‭ ‬الثالث‭ ‬التي‭ ‬تجعل‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الحالمين‭ ‬في‭ ‬مستقبل‭ ‬أفضل‭ ‬وحياة‭ ‬أكثر‭ ‬كرامة‭ ‬يفكرون‭ ‬بأي‭ ‬طريقة‭ ‬للوصول‭ ‬إلى‭ ‬دول‭ ‬العالم‭ ‬المتقدم،‭ ‬لكن‭ ‬في‭ ‬“رحل”‭ ‬أقدم‭ ‬جذور‭ ‬الفكرة‭ ‬أو‭ ‬أصولها‭ ‬وكيف‭ ‬تزرع،‭ ‬واستعراض‭ ‬الجذور‭ ‬الحقيقة‭ ‬لمثل‭ ‬هذه‭ ‬الهجرات،‭ ‬والتي‭ ‬تعود‭ ‬أسبابها‭ ‬إلى‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬500‭ ‬عام،‭ ‬تعرضت‭ ‬فيه‭ ‬بلدان‭ ‬العالم‭ ‬الثالث‭ ‬إلى‭ ‬النهب‭ ‬المباشر‭ ‬لثرواتها‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬البلدان‭ ‬الأوروبية‭ ‬وفيما‭ ‬بعد‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬الرأسماليات‭ ‬الحديثة‭ ‬التي‭ ‬بدأت‭ ‬بالظهور‭ ‬في‭ ‬النصف‭ ‬الأخير‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬الماضي‭.‬

وتحمل‭ ‬البلدان‭ ‬المتقدمة‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تقدم‭ ‬أي‭ ‬مساعدة‭ ‬لتطوير‭ ‬البلدان‭ ‬الأقل‭ ‬تقدما‭ ‬بعد‭ ‬كل‭ ‬النهب‭ ‬الذي‭ ‬تعرضت‭ ‬له‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬منعها‭ ‬أصلا‭ ‬من‭ ‬التطور‭ ‬لاستمرار‭ ‬نهبها‭ ‬اقتصاديا‭ ‬مسؤولية‭ ‬الهجرة‭ ‬غير‭ ‬الشرعية‭ ‬إليها‭ ‬رغم‭ ‬كل‭ ‬مظاهر‭ ‬التعاطف‭ ‬مع‭ ‬المهاجرين‭ ‬أو‭ ‬التعامل‭ ‬معهم‭ ‬بشكل‭ ‬عنصري‭ ‬على‭ ‬حسب‭ ‬اللحظة‭ ‬والبلد‭.‬

معظم‭ ‬هذه‭ ‬الأفلام‭ ‬نهاياتها‭ ‬معروفة‭ ‬أليس‭ ‬كذلك؟

نعم‭ ‬معظم‭ ‬الأفلام‭ ‬المعروضة‭ ‬عن‭ ‬الهجرة‭ ‬غير‭ ‬الشرعية‭ ‬هي‭ ‬إما‭ ‬الموت‭ ‬على‭ ‬الحدود‭ ‬أو‭ ‬غرقا‭ ‬في‭ ‬البحر،‭ ‬أو‭ ‬وصولا‭ ‬إلى‭ ‬البلد‭ ‬المتقدم‭ ‬وطرق‭ ‬تعامل‭ ‬رجال‭ ‬الأمن‭ ‬والمجتمع‭ ‬معهم،‭ ‬ولم‭ ‬تتجاوز‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬السنوات‭ ‬الأخيرة،‭ ‬أو‭ ‬ربما‭ ‬عن‭ ‬قصص‭ ‬الموحدين‭ ‬في‭ ‬سفن‭ ‬الهجرة‭ ‬وغالبا‭ ‬تكون‭ ‬أفلاما‭ ‬إفريقية‭.‬

ورغم‭ ‬ذلك‭ ‬فاز‭ ‬الفيلم‭ ‬في‭ ‬المسابقة‭ ‬الرسمية‭ ‬بجائزة‭ ‬أفضل‭ ‬فيلم‭ ‬وأفضل‭ ‬إخراج‭ ‬بعين‭ ‬فرنسية‭ ‬طبعا‭ ‬وأفضل‭ ‬تمثيل‭ ‬نسائي‭ ‬دور‭ ‬أول‭ ‬للفنانة‭ ‬جليلة‭ ‬التلمسي‭ ‬التي‭ ‬قامت‭ ‬بدور‭ ‬الأم‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الفيلم،‭ ‬عموما‭ ‬فيلمي‭ ‬يقدم‭ ‬الفكرة‭ ‬ببساطة،‭ ‬فالناس‭ ‬من‭ ‬كافة‭ ‬الأطراف‭ ‬يحاولون‭ ‬الفرار‭ ‬دائما‭ ‬من‭ ‬شيء‭ ‬ما،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬اعتبره‭ ‬يأسا‭ ‬تاما‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬شيء‭!‬

كيف‭ ‬تابعت‭ ‬الحوارات؟

بما‭ ‬أنني‭ ‬لا‭ ‬أتكلم‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭ ‬بالقدر‭ ‬الصحيح‭ ‬أبدا،‭ ‬فقد‭ ‬ترجمت‭ ‬الحوارات‭ ‬مع‭ ‬الفنان‭ ‬محمد‭ ‬نديم،‭ ‬وهو‭ ‬أيضا‭ ‬كاتب‭ ‬سيناريو،‭ ‬وكان‭ ‬ذلك‭ ‬صعبا‭ ‬بسبب‭ ‬الاختيار‭ ‬الدقيق‭ ‬للكلمات،‭ ‬مع‭ ‬الخيار‭ ‬السياسي‭ ‬للغة‭ ‬البربرية‭ ‬داخل‭ ‬حوارات‭ ‬الفيلم‭.‬

ولم‭ ‬يكن‭ ‬هناك‭ ‬ارتجال‭ ‬أبدا،‭ ‬الفنانة‭ ‬جليلة‭ ‬تاليمسي،‭ ‬التي‭ ‬تلعب‭ ‬دور‭ ‬نيما،‭ ‬هي‭ ‬دليل‭ ‬على‭ ‬ذلك،‭ ‬إنها‭ ‬ممثلة‭ ‬رفيعة‭ ‬المستوى‭ ‬وتعرف‭ ‬كل‭ ‬معاني‭ ‬العين‭ ‬والأبعاد‭.‬

‭ ‬يا‭ ‬ترى‭ ‬من‭ ‬المستهدف‭ ‬في‭ ‬الفيلم؟

أميل‭ ‬إلى‭ ‬الاعتقاد‭ ‬بأن‭ ‬السينما‭ ‬لغة‭ ‬عالمية‭ ‬وأريد‭ ‬أن‭ ‬يراها‭ ‬أكبر‭ ‬عدد‭ ‬ممكن‭ ‬من‭ ‬الناس‭. ‬أريد‭ ‬أن‭ ‬أقدم‭ ‬هذا‭ ‬الفيلم‭ ‬وغيره‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬مكان،‭ ‬وها‭ ‬هم‭ ‬يعرضون‭ ‬بحب‭ ‬في‭ ‬مهرجان‭ ‬العين‭ ‬السينمائي‭ ‬وأصدائه‭ ‬جميله‭ ‬جدا‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬شاهده‭.‬

حدثنا‭ ‬عن‭ ‬إنتاج‭ ‬الفيلم؟

لقد‭ ‬بدأ‭ ‬العمل‭ ‬على‭ ‬الفيلم‭ ‬في‭ ‬وقت‭ ‬مبكر‭ ‬للغاية‭ ‬قبل‭ ‬موعده‭ ‬الرسمي؛‭ ‬لأنني‭ ‬سنحت‭ ‬لي‭ ‬الفرصة‭ ‬لمقابلة‭ ‬المنتج‭ ‬والفنان‭ ‬محمد‭ ‬نديف‭ ‬الذي‭ ‬أصبح‭ ‬مؤخرا‭ ‬شريكا‭ ‬في‭ ‬الإنتاج‭ ‬المشترك‭ ‬مع‭ ‬نيكولاس‭ ‬بريفيير،‭ ‬وعندما‭ ‬أعطيته‭ ‬النص‭ ‬ليقرأ‭ ‬وسأله‭ ‬رأيه،‭ ‬كان‭ ‬جوابه‭: ‬أنا‭ ‬أدرك‭ ‬ذلك‭. ‬لذا‭ ‬أعتقد‭ ‬أنها‭ ‬سارت‭ ‬بشكل‭ ‬جيد‭ ‬وتم‭ ‬التأكيد‭ ‬عليها‭. ‬وهناك‭ ‬يرى‭ ‬المشاهد‭ ‬الفيلم‭ ‬فيلما‭ ‬مغربيا‭. ‬والحقيقة‭ ‬أن‭ ‬المغرب‭ ‬بلد‭ ‬لديه‭ ‬بالفعل‭ ‬صناعة‭ ‬أفلام‭ ‬كبيرة،‭ ‬تعرف‭ ‬جيدا‭ ‬السينما،‭ ‬وهو‭ ‬مفتوح‭ ‬لتصوير‭ ‬الأفلام‭ ‬في‭ ‬المنزل‭ ‬ولم‭ ‬أجد‭ ‬أبدا‭ ‬إلا‭ ‬بعض‭ ‬الصعاب‭ ‬في‭ ‬التصوير‭ ‬هناك‭.‬

وهل‭ ‬اعتمدت‭ ‬على‭ ‬الطاقم‭ ‬المغربي‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الفيلم؟

جزء‭ ‬منه‭ ‬فرنسي‭ ‬بالطبع؛‭ ‬لأن‭ ‬هناك‭ ‬حصصا‭ ‬يجب‭ ‬احترامها‭ ‬بموجب‭ ‬اتفاقات‭ ‬الإنتاج‭ ‬المشترك‭ ‬بين‭ ‬بلدي‭ ‬فرنسا‭ ‬والمغرب،‭ ‬وهذا‭ ‬أمر‭ ‬ممتاز‭ ‬عندما‭ ‬توافق‭ ‬أي‭ ‬حكومة‭ ‬أو‭ ‬دولة‭ ‬فتح‭ ‬أبوابها‭ ‬للتصوير‭ ‬عندها،‭ ‬فالفائدة‭ ‬مزدوجة‭ ‬لجميع‭ ‬من‭ ‬يعمل‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المجال‭.‬

‭ ‬وماذا‭ ‬عن‭ ‬الميزانية،‭ ‬هل‭ ‬كانت‭ ‬الميزانية‭ ‬كافية؟

أبدا‭! (‬يضحك‭) ‬طبعا‭ ‬كان‭ ‬صعبا‭ ‬علينا‭ ‬جدا؛‭ ‬لأننا‭ ‬دائما‭ ‬نريد‭ ‬المزيد،‭ ‬ولكن‭ ‬مع‭ ‬الوسائل‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬لدينا‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬هناك‭ ‬خيار‭. ‬وكان‭ ‬نيكولاس‭ ‬بريفيير‭ ‬شجاعا‭ ‬على‭ ‬الشروع‭ ‬بجميع‭ ‬المستويات‭. ‬ويعني‭ ‬ذلك‭ ‬تحديد‭ ‬الخيارات‭ ‬بوضوح،‭ ‬مثل‭ ‬تقليل‭ ‬أيام‭ ‬التصوير‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬أي‭ ‬تنازلات‭.‬‮ ‬

على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال،‭ ‬كنت‭ ‬أود‭ ‬تصوير‭ ‬بعض‭ ‬المشاهد‭ ‬ليلا‭ ‬أو‭ ‬فجرا‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬غروب‭ ‬الشمس،‭ ‬وكان‭ ‬ذلك‭ ‬مناسبا‭ ‬للتاريخ،‭ ‬وكان‭ ‬عليَّ‭ ‬أن‭ ‬أتخلى‭ ‬عنه،‭ ‬وأبحث‭ ‬عن‭ ‬ترتيبات‭ ‬في‭ ‬النص‭ ‬حتى‭ ‬نتمكن‭ ‬من‭ ‬تصوير‭ ‬المشاهد‭ ‬النهارية‭.‬